بسم الله الرحمن الرحيم









جامع حوارات

صحيفة النبأ



الطبعة الثانية

1446ه



مؤسسة صرح الخلافة مركز إنتاج الأنصار


الفهرس

المقدمة 5

حوار مع محمد طبشو، الشرعي بالجبهة الشامية (العدد 11) 6

حوار مع المسؤول الأمني لولاية البركة (العدد 12) 10

حوار مع قاتل قياديي حزم (العدد 13) 14

حوار مع أبي موسى الكردي (العدد 14) 21

حوار مع والي خراسان (العدد 17) 31

حوار مع شرعي في فصائل الصحوات (العدد 18) 40

الجزء الأول: حوار مع أبي عبيدة اللبناني (العدد 19) 48

الجزء الثاني: حوار مع أبي عبيدة اللبناني (العدد 20) 56

حوار مع الأمير المفوّض لإدارة الولايات الليبية (العدد 21) 64

الجزء الثالث: حوار مع أبي عبيدة اللبناني (العدد 23) 72

حوار مع المسؤول الأمني لولاية نجد (العدد 26) 81

الجزء الأول: حوار مع أمير الزكاة (العدد 31) 87

الجزء الثاني: حوار مع أمير الزكاة (العدد 32) 95

حوار مع أمير ديوان الحسبة (العدد 35) 103

حوار مع والي غرب إفريقية (العدد 41) 112

حوار مع أمير المكتب المركزي لمتابعة المظالم (العدد 44) 121

حوار مع أمير الهجرة (العدد 49) 127

حوار مع أمير ديوان القضاء (العدد 51) 135

حوار مع والي طرابلس (العدد 52) 143

حوار مع أمير هيئة الحرب (العدد 55) 152

حوار مع أمير مركز الحسبة بولاية سيناء (العدد 58) 161

حوار مع والي سيناء (العدد 60) 169

حوار مع أمير ديوان الصحة (العدد 67) 179

حوار مع أمير هيئة شؤون الأسرى والشهداء (العدد 78) 188

حوار مع أمير جنود الخلافة في مصر (العدد 79) 196

حوار مع أمير هيئة النقد (العدد 81) 201

حوار مع أمير جنود الخلافة في شرق آسيا (العدد 84) 209

حوار مع أمير ديوان الجند (العدد 87) 216

حوار مع أمير مكتب المُطَّوِّعة والمستنفَرين (العدد 93) 230

حوار مع الأمير العسكري لولاية الرقة (العدد 94) 238

حوار مع أمير البيضاء في ولاية اليمن (العدد 197) 244

الجزء الأول: حوار مع أمير الجند في الصحراء الكبرى (العدد 260) 254

حوار مع أمير المفارز الأمنية في الخير بولاية الشام (العدد 261) 264

الجزء الثاني: حوار مع أمير الجند في الصحراء الكبرى (العدد 308) 272

حوار مع المسؤول العسكري في البادية (العدد 349) 284



  1. المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

يسر إخوانكم في مؤسسة صرح الخلافة أن يقدموا لكم الطبعة الثانية لجامع حوارات صحيفة النبأ الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي، تتميز هذه الطبعة بالمراجعة النحوية واللغوية، وإضافة حوارات جديدة، وإضافة التواريخ للحوارات حتى يفهم سياق الأحداث، وتلوين الآيات والأحاديث، وتوحيد علامات الترقيم.

وفي هذه الحوارات؛ ستدرك طبيعة الدولة الإسلامية ومتطلباتها، وتتضح عدد من الأمور، وتكشف الحقائق المغيبة، وتشرح طرق تدبير الدواوين، وإلى ما ذلك. وأقيمت الحوارات مع أفراد مختلفي المناصب، وأناس من خلفيات متعددة، وأصحاب تجارب متباينة، وتنوعت هذه الحوارات؛ بين سرد تاريخي للأحداث، وذكر للمعلومات والحقائق، إلى دعوة للمخالفين، ونصيحة للجنود الصادقين.

وتفيد مثل هذه الحوارات في فهم ما يمس الولايات والدواوين، وتعين على تدبيرها لمن سيتولاها بإذن الله.

نسأل الله العلي القدير أن يتقبل من استشهد منهم ويثبت من بقي منهم.



إخوانكم في صرح الخلافة

حوار مع محمد طبشو، الشرعي بالجبهة الشامية (العدد 11)

الثلاثاء 17 ربيع الأول 1437ه

بعد أن ادّعت الصحوات مقتله: محمد طبشو.. الشرعي بالجبهة الشامية؛ يروي قصة أسره ويفضح المرتدين.



نعاه رفاق ضلاله، زاعمين أنه رفض الانسحاب مع من انسحب، طالبًا منهم أنْ يعطوه ما لديهم من سلاح وذخيرة؛ ليستمر في قتال جنود الخلافة بعد اقتحامهم قرية (تل قراح) في الريف الشمالي لولاية حلب.

من أحد السجون الأمنية في الدولة الإسلاميّة... يُقرّ بشريعة الغاب التي تسود مجتمع الفصائل الذي كان يعيشه، ويعترف بأن الأعراف والمحسوبيات هي من تحكم عالمه ذاك، لا شريعة الرحمن.

يؤكد أنّ أميركا -التي تجمعهم بها غرفة عمليات- هي من تمدّهم بالسلاح، وأنّهم مرتبطون بطواغيت تركيا وقطر وآل سلول، الذين يمدّونهم بالمال وغيره.

النبأ أجرت معه حوارًا بعد أن قبض عليه المجاهدون، وهو بكامل عدته وسلاحه أثناء محاولته الهروب من ساحة المعركة، في قرية (تل قراح) في الريف الشمالي لولاية حلب. سألناه أولًا:

عرِّفنا عنك وعن عملك!

أنا محمد عبد العزيز طبشو، من مواليد حربل 1402 هـ، أعمل نائب رئيس المكتب الشرعي في الجبهة الشامية.

أين ألقي القبض عليك وكيف؟

قبل أكثر من شهرين؛ حينما كانت الدولة الإسلامية تتقدم في الريف الشمالي، وبينما كنت في قرية (تل قراح) في إحدى الليالي نائمًا في مسجد التوبة، ومعي سلاحي وجعبتي، وعند الساعة الحادية عشرة ليلًا؛ استيقظت على أصوات إطلاق نار قريبة، فخرجت من المسجد لأنظر ماذا هناك، فتفاجأت بسيطرة جنود الدولة الإسلامية على القرية، بعد انسحاب عناصر الجبهة الشامية وباقي الفصائل منها، وحين بدأت بالانسحاب اكتشف جنود الدولة الإسلامية أمري وقبضوا عليّ؛ لأني لم أعرف كلمة السر، ثم اقتادوني إلى أحد السجون، وها أنا اليوم أسير بين أيديهم أنتظر مصيري.

ما طبيعة عملك في المكتب "الشرعي" والهيئة "الشرعية" في حلب؟

أكثر عملنا كان زيارة نقاط الرباط وتحريض الشباب على قتال الدولة الإسلامية، وأنّ من قاتلهم فله أجران، وأنّ قتال الدولة أوجب من قتال النظام، وكنا أيضًا نبرّر أمام عامة المسلمين والجنود أفعال الجبهة الشامية وتصريحاتها؛ كمسألة عدم تطبيق الشريعة، والدخول في حلف مع أمريكا وتركيا وقطر والسعودية، والتنسيق مع الطائرات الأمريكية ضد الدولة، والتصريحات الوطنية.

"يُكفّر الدولة الإسلامية ليقنع عناصر الصحوات بقتالها، ويجيز إعانة الكافر عليها، ويفضح ورطة الصحوات في قتالها للدولة الإسلامية، مبيّنًا أنّ مشروعهم بات اليوم عبارة عن أموال ودعم ورواتب!"

كيف كنتم تبررون الاستعانة بالصليبيين على الدولة الإسلامية؟ وكيف تبررون تصريحاتكم العَلمانية؟

في الحقيقة؛ نحن نرى الدولة الإسلامية خوارج ونرى كفرها أيضًا، ولذا لا نرى أن هناك حرجًا في الاستعانة بالطائرات الأمريكية عليها، وهذا رأي قادة الجبهة الشامية وشرعييها، أما بالنسبة لتصريحاتنا في الإعلام؛ فهو نابع عن رؤيتنا المستقبلية ومنهجنا الذي نسير عليه، والذي رضيه كثير من الفصائل التي تشكلت بها الجبهة الشامية.

من هي الجهات التي كنتم ترجعون لها في الفتوى والمسائل الشرعية؟

كنا نرجع ونستشير عددًا من الشخصيّات والهيئات؛ مثل (أحمد الطعان) مسؤول المكتب الشرعي للجبهة الشامية، و(حاتم بدران) قاضي الهيئة الشرعية، و(أبو همام أحمد كبصو) و(مصطفى محمد تركماني) و(محمد بكور) في جبهة صوران، و(عبد الحكيم الخطيب) و(أحمد الحجي) في جبهة مارع، والبعض من هؤلاء يعمل مع (هيئة الشام الإسلامية)؛ وهي مجموعة من المفتين السوريين أغلبهم مقيم في دول الخليج وتركيا، وغيرها، ويتلقون دعمهم من هذه الدول، ويصدرون الفتاوى بين الحين والآخر، بحسب ما يراه الممولون للفصائل؛ لشرعنة أفعالها وتوجهاتها.

الآن أخبرنا عن "الجبهة الشامية"، وما هي الفصائل المنضوية تحتها؟ ما هي الغاية من هذا التجمع؟ وما الثمرة التي تريدون تحقيقها على أرض الشام؟

الجبهة الشامية: هي تجمّع لعدة فصائل؛ منها: الجبهة الإسلامية في حلب، وكتائب نور الدين زنكي، وجيش المجاهدين، وتجمع فاستقم كما أمرت، وجبهة الأصالة والتنمية، وحركة حزم، وغيرها من الفصائل المرتبطة بالدول الداعمة، والغاية المعلنة للجميع كما في مؤتمراتنا التركية: هي إقامة دولة مدنية تضم كل السوريين بهويتهم الوطنية، فلا يُفرّق بين السني والعلوي والشيعي والدرزي والإسماعيلي والآشوري والسرياني والأرمني، وغيرهم من مكونات الوطن السوري.

ما هي الدول التي تدعم هذا التجمّع؟

أبرز الدول الداعمة لنا هي: أمريكا وقطر والسعودية وتركيا؛ الدول الداعمة تمدنا بالسلاح والمال والمعلومات والتوجيهات لما تمر به الساحة، ولنا مع الأمريكيين ومع الأتراك غرفة عمليات مشتركة (في تل رفعت غرب طريق إعزاز)؛ لتنسيق عملياتنا العسكرية، مع قصف الطيران الأمريكي والتركي على الدولة الإسلامية في ريف حلب الشمالي.

حدّثنا عن محاكم الهيئة الشرعية في حلب، وبأي شريعة تُحكم المناطق التي تسيطرون عليها؟

الأحكام تُطلق على حسب الأعراف والعادات وعلى هوى القاضي، ولا ترد المظالم لأصحابها، وخاصةً إن كان الظالم من الجيش الحر والفصائل؛ حيث تدخل الوساطات والمعارف، فلا قانون إلا شريعة الغاب، القوي غالب ولو كان ظالمًا، والضعيف مغلوب ولو كان مظلومًا، وجندي الفصيل الفلاني لا يكلمه أحد ولا يحاسبه لأنه من هذا الفصيل، أما الزاني والسارق وقاطع الطريق؛ فيُسجَنون، وبعضهم يخرج من السجن فورًا، على حسب مكانته ومن يقف خلفه، وكان هناك مشروع قديم لتطبيق القانون العربي الموحد في المناطق المحررة، وبعض المحاكم والفصائل بدأت تحكم به، وهو قانون وضعي أصدرته جامعة الدول العربية.

ما هي نظرتكم للمهاجرين في أرض الشام؟

دعنا أولًا نتخلص من العصبية المقيتة الموجودة في صفوفنا، هذا من (تل رفعت) وذاك ابن (مارع) وغيرها من المسميات العصبية التي نخرت فينا، نريد التخلص من هذه أولًا، ثم نتكلم عن نظرة الجبهة الشامية تجاه المهاجرين غير السوريين!

برأيك: لماذا تُهزم فصائل الصحوات في ريف حلب الشمالي -رغم كل هذا الدعم الصليبي لها- في حين أن الدولة الإسلامية في تقدّم، حتى باتت على تخوم مارع وإعزاز؟

الخلاصة إنّ توكَّلنا على الطائرات الأمريكية جعلنا نظنّ أنّ النصر لن يتم إلا بمعاونة أمريكا ودعمها المشروط لنا، لكننا تورطنا بحرب لا نعلم نهايتها.

من خلال معايشتك لواقع الفصائل: هل ترى أنّ لهذه الفصائل مشروعًا حقيقيًّا مهما كان نوعه؟

ليس لدينا أي مشروع حقيقي، إنما هي مصالح متنازعة وجهات خارجية مستفيدة مما يحدث، أموال ودعم ورواتب.. والخاسر الأكبر هو الشعب السوري.

  1. حوار مع المسؤول الأمني لولاية البركة (العدد 12)

الثلاثاء 24 ربيع الأول 1437ه

متوعّدًا بالمزيد؛ المسؤول الأمني لولاية البركة: عملية (تل تمر) من أقوى العمليات.. لكنها ليست الوحيدة!



كشف ما حاول الإعلام التستر عليه، متحدثًا عن حجم الخسائر المفجعة التي تعرض لها ملاحدة الـ PKK، وسلّط الضوء على خارطة الاستهدافات الممنهجة، وأوضح أن العمليات الاستشهادية الأخيرة التي تعرض لها ملاحدة الـ PKK: قصمت ظهورهم، وسببت لهم هستيريا عالية، فما عادوا يدرون من أين يتخطفهم الموت، مشيرًا إلى حدوث موجة نزوح من بعض المناطق التي تخضع لسيطرة ملاحدة الـ PKK؛ لشدة العمليات التي تتعرض لها..

المسؤول الأمني وضعنا في صورة الأحداث الأمنية التي تشهدها ولاية البركة، وأبرزها العمليات الاستشهادية التي عصفت بملاحدة الـ PKK، وأوقعت مئات القتلى في صفوفهم، متوعدًا إياهم بالمزيد..

عملية استهداف مرتدي الـ PKK، بالعمليات الاستشهادية الأخيرة في (تل تمر) بولاية البركة، ينظر إليها المراقبون على أنها الأشد وقعًا على المرتدين؛ فما هي حقيقة الخسائر التي حاول مرتدو الـ PKK التكتم عليها؟

لقد منّ الله سبحانه وتعالى علينا بأن يسّر لنا أسباب تنفيذ هذه العملية المباركة، وهي حقيقة من أقوى الضربات التي تعرضوا لها، ولكنها ليست الوحيدة، فما زالوا يتجرّعون مرارة العمليات السابقة.

أما بالنسبة لخسائرهم في الأنفس في عملية تل تمر؛ فقد كانت كبيرة جدًّا، بينهم قيادات في قواتهم العسكرية المسماة (YPG)، وقواتهم الأمنية التي يسمونها "الأسايش"، بالإضافة إلى الدمار الهائل في المدينة، لا سيما في ظل تخريب شبكة الكهرباء.

ولكن وسائل الإعلام المعادية تصف الأهداف التي تمت مهاجمتها بالعمليات الاستشهادية بأنها كانت بعيدة عن مواقع ومقرات الـ PKK؛ فهلّا أوضحتم حقيقة وطبيعة الأهداف المنتخبة التي استُهدفت في هذه العملية المباركة؟

لقد حددنا الأهداف بدقة عالية، وتحرّينا تجنب الأهالي آثار هذه الضربات قدر المستطاع، فعملياتنا استهدفت مقرات القيادة وتجمعاتهم الكبيرة، وبخصوص قولهم على وسائل الإعلام بأن الأهداف كانت بعيدة عن مقراتهم؛ فهذا محض كذب وافتراء، ونقول لهم:

موتوا بغيظكم، فإن كذبتم على وسائل الإعلام.. فإنكم تعيشون الواقع وتتجرعون مرارته، ويكفيكم ما نُشر على مواقع التواصل من صور هلكاكم، وما نُشر كذلك على مواقعكم، ومواقع حلفائكم.

طرق استهداف المرتدين التي استخدمتموها كانت مميزة وأتت بنتائج كبيرة، بفضل الله؛ فما الأسلوب الذي اتبعتموه في هذه العملية المباركة، التي أحدثت هذا الحجم من الخسائر والدمار، فَشَفَتْ صدور الموحدين؟

أسلوب العملية نتحفظ عليه، ولكن نقول: ذلك فضل الله سبحانه، نسأل الله القبول، وأن يرزقنا الإخلاص ويزيدنا من فضله، ونعدهم بالمزيد، بإذن الله تعالی.

بالإضافة إلى النتائج المباشرة لأي عملية، هناك نتائج أخرى يمتد أثرها إلى مناطق بعيدة عن مكان العملية؛ فما الذي أحدثته هذه العملية واقعيًّا على الأرض، وما تأثيرها على الحرب الدائرة في ولاية البركة بين الدولة الإسلامية ومرتدي ال PKK؟

إن نتائج هذه العمليات لا يخفى على أحد أثرها على أعداء الله من خوف ورعب، فلا يعلم أحدهم متى تتخطفه سهام الردى، كما أنهم أصبحوا في حيرة من أمرهم: هل ستأتيهم الضربات من بين أيديهم أم من خلفهم؟ كما بلغنا أن أهالي بعض الأحياء والمناطق الواقعة تحت سيطرة هؤلاء المرتدين نزحوا عنها بعد العمليات الأخيرة، ما يشيع حالة من عدم الاستقرار في كل المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، ولا يخفى عليكم أهمية هذا الأمر على المدى البعيد.

العمليات الاستشهادية الأخيرة؛ هل سبقتها عمليات أخرى مماثلة؟ وهل كانت بمثل هذا الحجم؟ وهل من نبذة عن تاريخ العمليات النوعية التي نفذتها الدولة الإسلامية ضد مرتدي الـ PKK خلال الفترة الماضية؟

العمليات الأمنية ضدهم لم تتوقف -بفضل الله- منذ إعلان دخول الدولة الإسلامية إلى الشام، وقد من الله علينا بنجاح عمليات كبرى ضدهم في مدينة البركة كانت منها عملية (مديرية الطرق)، وهو مقر قيادتهم في مدينة البركة وكان عدد الهلكى كبيرًا جدًّا، إلى جانب عمليات أخرى ضدهم لن ينسوها، بينها عملية (عيد النيروز)، والعملية الانغماسية على قيادة الأسايش في مقر (البيطرة)، وسيارة مفخخة فجرها استشهادي على (قسم الشرطة الشمالي) التابع لقوات الأسايش، وغيرها من العمليات المباركة، هذا عدا عن العمليات المستمرة لإخواننا في منطقة القامشلي وريفها، والتي تزيد عن عشر عملیات، ابتداء بعملية ضرب مقر أكاديميتهم العسكرية في قرية (هيمو)، وذلك في رمضان، بالإضافة إلى عمليات إخواننا في ولاية الرقة في مناطق (سلوك) و(رأس العين) وغيرها، وهي بمجموعها كثيرة جدًّا، والحمد لله أوقعت فيهم خسائر فادحة.

هناك الكثير ممن يجهلون حجم الخسائر التي يتعرض لها مرتدو الـ PKK، خصوصًا مع التعتيم الإعلامي الكبير الذي يتبعونه للتغطية على فداحة خسائرهم؛ فما حقيقة حجم خسائرهم من العمليات التي نفذتها المفارز الأمنية، باعتباركم الأقرب إلى الميدان من غيركم؟

بالنسبة لخسائرهم: فإن ما يتم الإفصاح عنه لا يمثل إلا جزءًا بسيطًا منها؛ فمثلًا في العملية التي استهدفت مقرهم المسمى (قسم الشرطة الشمالي) في مدينة البركة، خرج أحد قادتهم على وسائل الإعلام مُصرّحًا: "إن الاستشهادي قُتل قبل أن يصل إلى مقر الأسایش، وأنه قتل أحد الأهالي"، في حين أن الأخ وصل إلى المكان المحدد وأحال المقر وما حوله إلى خراب، وقتل أكثر من 25 مرتدًا، ومن بينهم أحد المحققين، الذين حققوا مع إخوة لنا كانوا معتقلين في هذا المقر، وهكذا الأمر في أغلب العمليات: يعلنون عن خسارة واحد أو اثنين من جنودهم، ويتكتمون على الخسائر الكبيرة التي تلحق بهم؛ حفاظًا على هيبتهم بين أنصارهم ومن يخضع لحكمهم.

وإذا أضفنا إلى هذه الخسائر خسائرهم في العمليات العسكرية المباشرة مع جيش الخلافة نحصل على أرقام كبيرة جدًّا، ويكفي أن نذكّركم بأن حصيلة قتلاهم في المعارك الأخيرة في مناطق الهول كانت ضخمة جدًّا؛ بسبب العمليات الاستشهادية التي نفذها إخواننا هناك تحت قصف طيران التحالف الصليبي، ونتيجة لهذه الخسائر الكبيرة قاموا بفرض التجنيد الإجباري لتعويض النقص المتصاعد في صفوفهم نتيجة العمليات العسكرية والأمنية لجنود الخلافة.

هناك الكثير من المسلمين ممن يقيمون في المناطق التي سلبها مرتدو الـ PKK وسيطروا عليها؛ فهل من رسائل أو نصائح توجهونها إليهم؟

أوجه رسالة إلى من يقيم تحت سطوة هؤلاء المرتدين؛ فأقول لهم:

إن باطن الأرض خير لكم من ظاهرها، فهبوا لتنصروا دينكم وتستعيدوا عزكم.





  1. حوار مع قاتل قياديي حزم (العدد 13)

الثلاثاء 1 ربيع الآخر 1437ه

بعد توبته؛ قاتِل أحد قياديي (حزم) في حلب لـ (النبأ): هكذا شاركتهم جرائمهم ضد المهاجرين، وأسأل الله أن يعفو عني!



استدرجوه مستغلين ضعف عقيدته وغفلته، فانضم إلى فصيلهم، وما أن أصبح أحد جنودهم حتى صُدم بما رأى من فظائع يرتكبونها!

لم يتمكن من احتمال مناظر انتهاكهم لحرمات الله، وقتلهم المهاجرين، فقرر أن يثأر، فكان خِياره قياديًّا في حزم، فأرداه قتيلًا، قبل أن يشتري حريته بأربعة آلاف دولار دُفِعت لقاضي الصحوات.

عرف العقيدة، وتكشّفت له خفايا وجرائم الفصيل الذي انتمى إليه في سجون الصحوات ذاتها التي كان يعمل فيها، التقته (النبأ) ليكشف خفايا جرائم فصائل الصحوات، وحقيقة ما ارتكبوه مع جرائم، وما يجري خلف أبواب سجونهم الموصدة. سألته (النبأ):

تقول إنك قتلت قياديًّا لـ (حزم) في حلب؟!

نعم؛ فبفضل الله قُطع رأس الشرك والإلحاد والإجرام الذي ارتكب الفظائع بحق كثير من الناس، وأخص منهم على وجه التحديد المهاجرين ونساءهم!

إن كنت بهذا الحزم مع قيادي في (حزم)؛ فلماذا من الأساس انتميت إليهم ودخلت صفوفهم كمقاتل؟!

كنا جهّالًا، لا نعرف شيئًا عن حقيقة الدين، كما كنا أغرارًا نحسب أن كل من حمل بندقية وشكل كتيبة فهو مجاهد في سبيل الله! وكان بعض عناصر الصحوات يدورون على الشباب -ممن يعرفون ضعف عقيدتهم-؛ فيحاولون استمالتهم وترغيبهم بالامتيازات التي يحصل عليها المنخرطون في سلكها، فضلًا عن التغني بالشعارات البراقة، وغيرها من أساليب الدعاية؛ ليقنعوا الشباب الذين يعاني كثير منهم البطالة وقلة العلم، وأنا كنت أساسًا أنوي أن أسلك طريق الجهاد، لكن ما كان ينقصني هو معرفة الجهة صاحبة الحق، فوافقت على الانخراط مع (حزم) بعدما ظننت فيهم خيرًا.

حقيقةً لم أكن أدرك أن للجهاد شروطًا، مَن أخَلّ بإحداها انتهى مآله ربما إلى (سقر)، والعياذ بالله... باختصار كانت عقيدتي ضعيفة، لهذا أقول إن طريقة تجنيدي عندهم كانت خديعة.

تقول إنك كنت ضعيف العقيدة؛ فما الذي جعلك تقتل أميرك؟!

سأكشف لك سرًّا؛ وهو أنني وحينما أقدمت على قتل ذلك المجرم: لم يكن ذلك بدافع أو منطلق ديني، بل نتيجة لجملة وعبارة رددها على مسامعي أحد المهاجرين الذين قتلناهم في مقرات (حزم)، فلقد كانت غضبة انتفضت على إثرها، فقتلتُ أميري!

تعترف إذن أنك كنت ممن يقتلون المهاجرين؟!

شخصيًّا لم أقتل أحدًا، لكني كنت مع عناصر (حزم) الذين كانوا يرتكبون تلك الجرائم، وشئت أم أبيت أعتبر نفسي شريكًا في الجُرم، بل كل مَن تعاطفَ معهم يُعَدُّ شريكًا في القتل، فكيف بمن انتمى إلى فصيلهم أمثالي؟! عمليًّا أنا كنت مجرمًا مثلهم، إلى أن مَنّ الله علي بالتوبة، التي أرجو الله عز وجل أن يقبلها مني.

لكنهم ينكرون قيامهم بهذه الأفعال!

الشمس لا تغطى بغربال، والحقيقة أكبر من أن يحجبها ظل الباطل، فهذه من الأمور التي لا يمكن أن يخفوها، والتي بات يعرفها القاصي والداني، وإلا فما الذي دفعني لقتل قيادي (حزم) في حلب!

ما الذي قاله ذلك المهاجر الذي قمتم بقتله؟

لقد قال عبارة لا يزال رنينها كجرس يقرع في أذني حتى الساعة، فتلك الكلمات لا تزال كابوسًا يؤرقني حتى أثناء نومي، ولطالما أيقظتني الكوابيس في نومي فأنهض مرتعبًا بسبب ما كان يجري... قال ذلك المهاجر الذي قمنا بقتله: "سبحان الله! جئنا لنصرتكم يا أهل الشام من آخر الدنيا، ثم تسرقوننا وتقتلوننا بعد نصرتنا لكم"!

كانت هذه الكلمات التي وجهها لي ذلك المهاجر يوم كنت أقيّده لوضعه في السجن مؤلمة لدرجة لا يمكن تصورها، وكلما تذكرت كيف كان ينطق تلك الكلمات بتلك اللغة العربية الضعيفة أشعر بالخجل، بل أشعر بالموت، الذي لطالما تمنيته من شدة العار الذي ألصقته بنفسي يوم اشتركت في تلك الجرائم البشعة.

"يعترف نادمًا: كنا نلقي جثث المجاهدين المهاجرين في الآبار بعد قتلهم".

حدّثنا كيف تمت تصفية المهاجرين ممن شاركت في قتلهم؟

أنا لم أشترك في قتلهم بالسلاح، بل كنت حارسًا على السجن فقط، وكلما تذكرت منظرهم وهم يساقون إلى الموت أشعر بخزي لو قُسِّم على العالم كله لكفاهم ويزيد... جريمة يندى لها الجبين أن تقوم بقتل مهاجر في سبيل الله، بلا سبب؛ تسرقه ثم تقتله، ثم ترميه في بئر!

هل كنتم ترمونهم في الآبار؟!

نعم؛ فبعد أن يتم قتلهم يتم رميهم في الآبار، وأحيانًا يتم وضعهم على حافة البئر لحظة التنفيذ، فيسقط في البئر بعد إطلاق الرصاص مباشرة.

من كان يشترك معكم في هذه الجرائم من الفصائل الأخرى؟

من أعرفهم إلى جانب (حزم) هم (جيش المجاهدين) الذين كانوا يعملون معنا حينها!

وكيف تركت العمل معهم؟

بعد الذي شاهدته ورأيته بعيني من جرائم قررت ترك العمل معهم، واعتكفت في البيت لعدة أيام كانت هي الجحيم بعينه، فلقد عشت فيها كالمجنون، فكلما أغمضت جفني تتراءى لي صورة المهاجرين الذين قتلناهم، ثم تبدأ كلماتهم وهم يسألونني: (لماذا تسرقوننا وتقتلوننا وما هاجرنا إلا لنصرتكم؟!) تلاحقني أينما أدرت وجهي، حتى شعرت أنني أكاد أجن! وفي لحظةٍ قررت أن أضع حدًّا لكل هذا، حدًّا لِمَا أمرّ به من جنون، وحدًّا لتلك الجرائم!

وما القرار الذي اتخذته؟

كان القرار أن أثأر من رأس الشر الذي كان يدير مثل هذه الجرائم ويقف خلفها؛ وهو القيادي في (حزم) في (حلب): المجرم (طاهر ياسين)، فبعدما حسمت أمري وقررت أن أنتقم وأثأر من هذا المجرم: ذهبت واشتريت بأموالي الشخصية (كلاشنكوفا)، وأخذت أترصده، فوجدته يكثر من التردد على بيت لإحدى زوجاته في منطقة (القصر) شرق (الأتارب).

فكمنت له وسط أشجار الزيتون، عند أحد المنعطفات الحادة؛ حيث يضطر للتخفيف من سرعة سيارته فيه، وبعد ساعات من الانتظار أقبل من بعيد، فتجهزت له، وما أن مرت سيارته على مقربة مني: حتى رشقته بالرصاص وهو في سيارته، التي اتجهت به إلى أحد البيوت القريبة من المنعطف بعد الهجوم، فاصطدم بجدّار، ثم استقلّيت دراجتي النارية وقفلت هاربًا!

وإلى أين اتجهت بعدها؟

حينها ظننت أنه لم يرني أحد؛ لهذا عدت إلى البيت وجلست فيه، دون أن أعلم أن أحد الأشخاص قد شاهدني على مقربة من مكان الهجوم، فأبلغ عني، لتتم مطاردتي من قبل جميع الفصائل هناك، ولينتهي الأمر باعتقالي عن طريق (جيش المجاهدين) بالتحديد، الذين كانوا متحالفين مع (حزم).

وكيف عاملوك أثناء اعتقالك؟

المعاملة كانت سيئة للغاية؛ فأنا متهم بقتل كبيرهم، بل واتهموني بالانتماء لجهات "إسلامية" لتصفية قيادات "الجيش الحر"، ورموني بعدها في سجونهم، التي بقيت فيها مدة تزيد على سبعة أسابيع!

وهل كنت تتعرض إلى التعذيب؟

صمت للحظات، قبل أن يواصل: لو حدثتك عما يقومون به لاستنطاق المعتقلين لما صدقت؛ إنهم يبتكرون أساليب تحقيق لم أسمع بها في حياتي؛ فقد كان المسؤول عن التعذيب يتفاخر بأنه كان المشرف على عمليات التحقيق في فرع الأمن السياسي للنظام (سابقًا)، وكان يهددنا بأنه يعرف كيف ينتزع الاعترافات منا؛ فلقد كانوا يأخذوننا لحوض مغمور بالمياه، ننزل إليه بدرجات حتى يصل الماء إلى مستوى الرقبة، ثم يربطوننا هناك، ويغلقون باب المكان خلفهم ويغادرون، فلا نستطيع الجلوس؛ لأننا حينها سنغرق، إذ يبقوننا واقفين في الماء لفترات طويلة جدًّا ليجعلونا ننهار، وهناك أساليب أخرى أبشع منها؛ كالصعق بالكهرباء، والتعليق بالسقف، وغيرها من الأساليب التي تطبقها مخابرات النظام النصيري ضد المعتقلين.

باختصار: تمنيت الموت مرات ومرات ولم أجده، بل إن اثنين من رفاق سجني فارقا الحياة من شدة التعذيب الذي تعرضا له على يد هذا المجرم الجلاد، وكانا من ريف حلب، أحدهما كان مناصرًا للدولة الإسلامية، والثاني من الدولة الإسلامية وتحديدًا من عائلة (كني) من (ابزمو) بريف حلب الغربي، وقد قضى في محجر منفرد هو عبارة عن دورة مياه، لمدة سبعة أشهر وعشرة أيام.

ولماذا كانوا يحققون معك؟ ألم تعترف لهم؟

كلا؛ فلقد نفيت التهمة عن نفسي، وأخبرتهم أنني بريء من هذا الأمر، فالشاهد رآني قريبًا من موقع الهجوم، ولم يرني وأنا أطلق الرصاص؛ ما جعلني أصرّ على أقوالي مستغلًّا هذه الثغرة، بل هو حفظ الله وستره، لينجيني من الموت على أيديهم، والحمد لله.



وما هي تهم رفاق سجنك؟ ومن أين كانوا؟

كان معي ثمانية سجناء؛ بعضهم كانت لديه مشاكل مع الصحوات، وبعضهم كان مناصرًا للدولة الإسلامية من أهل الشام، والقسم الثالث مهاجرون، أذكر بينهم مهاجرًا من أمريكا، كان في طريقه إلى أراضي الخلافة حينما اعتقلوه وأودعوه السجن، ليقوموا بقتله لاحقًا!

"بعد أسابيع من التعذيب الشديد: اشتريت حرّيتي منهم بالمال"!

هل تقصد أن مناصرة الدولة الإسلامية هي بحد ذاتها تهمة؟

ليست تهمة، بل هي جريمة في نظرهم، يستحق مرتكبها القتل!

وماذا كان مصيرهم؟

أمثالي يُحاكمون، لكن المهاجرين لا محاكمة لهم؛ حيث يقتلونهم مباشرة، وعادة ما يُصَفُّونهم في أوقات متأخرة من الليل!

وكيف أطلق سراحك؟

تمكنت من الوصول إلى القاضي بشكل غير مباشر، وعرضت عليه أن أشتري حريتي مقابل المال، فطلب مبلغ مليون ليرة سوري، تم تخفيضها لاحقًا إلى 900 ألف، فدفعتها ليفرج عني قاضيهم بحجة عدم كفاية الأدلة، وما جرأني على أن أعرض عليه المال هو أن سياسة المال هي السائدة في مجتمع الفصائل؛ فبالمال تستطيع أن تشتري كل شيء هناك، مهما ارتكبت من فعل أو جرم!

أنت الآن تقاتل في صفوف الدولة الإسلامية؛ فكيف هاجرت إليها؟

حينما دخلت السجن، والحق أقول: لم يكن لدي من العلم الشرعي نصيب، بل حتى قتلي لـ (طاهر ياسين) إنما جاء من باب تأنيب الضمير، لكنني في السجن، حينما وجدت مجموعة من أفراد الدولة الإسلامية هناك، سواء من جنودها أو من المناصرين لها، أو من المهاجرين إليها: تعلمت معنى الجهاد الحقيقي، وتعلمت ديني أكثر، وأعطوني دروسًا مُطَوّلة في العقيدة وفي التوحيد والشرك، حتى أقسمت أمامهم أنني سألتحق بالدولة الإسلامية، وأجاهد فيها حتى أُقتَل ما أن أخرج من زنزانتي تلك، وهو ما كان، والحمد لله.

وكيف وصلت لأرض الخلافة؟

بعد شرائي لحريتي ومغادرتي السجن؛ اتجهت لمدينة (معرة النعمان)، وطلبت من أحد سائقي السيارات إيصالي إلى أراضي الدولة الإسلامية؛ فلقد أقسمت بعدما عرفت الحقيقة في السجن ألا يطيب لي مقام حتى أصل لديار الدولة الإسلامية وأكون جنديًّا في جيشها، فقد تبين لي أن الجهاد الحقيقي إنما يكون في صفوفها.

وهل تم السماح لك بالمغادرة إلى أراضي دولة الخلافة من قبل الصحوات؟

هنا كانت تكمن المشكلة؛ وهي كيفية الخروج من بين أيديهم واجتياز حواجزهم التي يعتقلون فيها كل من يعرفون أن وجهته ستكون الدولة الإسلامية، ما جعلني أدفع لأحد سائقي السيارات كي أرافقه في رحلة تجارته بين مناطق الدولة الإسلامية ومناطق الصحوات، وطلبت من السائق أن يقدمني لحواجز الصحوات على أنني مساعده، وأكدت له استعدادي لدفع المال للحواجز إن تطلب الأمر، وهو ما كان؛ حيث قمنا بالدفع لبعض الحواجز التي يشرف عليها "الجيش الحر"، دون أن يدققوا في الهويات، فيسر الله لي العبور والوصول إلى أراضي الدولة الإسلامية لأنتسب إلى جيش الخلافة فيها، بعد إعلان توبتي وبراءتي مما كان مني، وأسأل الله أن يتقبل توبتي ويجعل جهادي هذا خالصًا لوجهه الكريم، سائلًا إياه أن يرزقني الشهادة، وأن يغفر لي مشاركتي في قتل المهاجرين مع فصائل الردة التي شوّشت على بصري، فأفقدتني بصيرتي، حتى كدت أخسر دنياي وآخرتي!

غادرناه، وهو يستعد للالتحاق بمعركة أخرى، يخوضها برفقة جيوش الدولة الإسلامية، بعد تماثله للشفاء من إصابة تعرض لها في معركة سابقة معهم، وعلق قائلًا: لعلها تكفّر عن أيام عملي مع فصائل الردة التي استباحت دماء وأعراض المهاجرين.

  1. حوار مع أبي موسى الكردي (العدد 14)

الثلاثاء 8 ربيع الآخر 1437ه

أبو موسى الكردي؛ من معسكرات الإلحاد في جبال قنديل، إلى الجهاد في صفوف جيش الخلافة.



من الإلحاد إلى التوحيد، ومن مرتد في الـPKK إلى قناص في جيش الخلافة... قصة رحلة طويلة لأحد جنود الـPKK الذي صارع نفسه ومحيطه حتى انتهى به الحال جنديًّا في دولة الإسلام، بعدما عجزت الكتب الماركسية وفلسفات (أوجلان) بكل ما فيها من إلحاد وموبقات عن غسل دماغه في معسكرات تدريبهم!

وقف عند عتبة خيارين، لا ثالث لهما: إما أوروبا ودار الكفر، أو الخلافة ودار الإسلام، فأشارت بوصلة قلبه وعقله نحو الشام، فأتاها ساعيًا بين الفيافي والجبال، قاطعًا الأودية والهضاب والأنهار، في هجرة ونفير وترحال وأسفار.

(النبأ) التقته؛ لتستمع إلى قصته التي بدأت في جبال قنديل، عند المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وإيران، وانتهت في ثغور إحدى ولايات الدولة الإسلامية.

بداية القصة: كيف انتسبت إلى الـPKK؟

لم يكن انتسابًا في حقيقة أمره، بل كان استدراجًا بالمعنى الأصح! فالانتساب يكون لشيء أنت ترغب فيه ومقتنع فيه، أما ما حدث معي؛ فكان أشبه ما يكون باستدراج أو كمين، حتى وجدت نفسي في بيت مغلق مُعَدٍّ لإرسال المنضمّين الجدد إلى معسكرات التدريب.

قبل الحديث عن مناطق تجميع العناصر استعدادًا للتدريب، وقبل الشروع في الحديث عن المعسكر: كيف وصلت إلى هناك أولًا؟ وكيف كانت عملية استدراجك كما تسميها؟

أنا ومنذ فترة طفولتي في مدينة (جوان روه) في (كرمنشاه) بإيران كنت أحلم بأوروبا، وكان عمي يحدثني كثيرًا عنها؛ حيث كان يعيش في بريطانيا، وكان دائمًا ما يطلب مني "الهجرة" إليه والعيش معه، لكن عائلتي كانت ترفض لصغر سني وعدم رغبتهم في مفارقتهم، لكني وحينما بلغت السادسة عشرة بدأت أشعر أنني أصبحت رجلًا ويتوجب علي البحث عن مستقبل، خاصة أن أوضاع الأكراد في إيران لا تمنح أي أمل للمستقبل، فكان القرار أنْ "أهاجر" إلى أوروبا، وبقي أمر واحد ليكتمل حلمي في "الهجرة": ألا وهو الحصول على المال!

وهل كنت تبحث عن المال عند الـPKK؟

كلا؛ بل توجهت إلى العراق للعمل هناك، على أمل التمكن من جمع مبلغ عشرة آلاف دولار تكلفة رحلة الوصول إلى بريطانيا، حسبما أخبرني بعض المهربين الذين يعملون في هذا المجال.

وحصلت على العمل في "كردستان العراق"، وتحديدًا في سد (دربندخان)، وهناك كان الوضع آمنًا وهو ما جعل عائلتي تقبل بذهابي.

وهل حصلت على المبلغ الذي تحتاجه؟

المرتب الذي كنت أحصل عليه بالكاد كان يغطي تكاليف سكني ومعيشتي، وهو ما جعلني أشعر بالاستياء؛ لذا قررت العودة إلى إيران، وقبل أنْ أحزم حقًّائب سفري للعودة، رأى حالي أحد زملاء عملي، ويدعى (سعيد)، وكان رجلًا كبيرًا في السن، همس في أذني بأمر، بعد أن أخبرني أنه يريد نصحي لأني بمنزلة ابنه.

قال إنه سيدلني على مكان فيه مخيمات خاصة أقيم فيها، وأتعلم فيها اللغتين الإيطالية والإنكليزية، بعدها يجري التنسيق مع منظمات خاصة تتكفل بإيصالي إلى أوروبا، لكن بعد أن أعمل معهم لمدة عام كامل.

حاولت الاستفسار أكثر منه، لكنه لم يمنحني تفاصيل كثيرة، مكتفيًا بالقول: إنني إن ذهبت إلى هناك أكون قد قطعت نصف الطريق إلى أوروبا، ثم أعطاني رقم هاتف لأحد المنسقين ليتولى عملية ترتيب التحاقي بتلك المخيمات، التي كنت أجهل طبيعتها!

وهل وافقت رغم ضبابية المشهد؟

لم يكن أمامي خيار غير الموافقة؛ فالعودة إلى إيران تعني القضاء نهائيًّا على حلم "الهجرة"، والبقاء عامًا مقابل الوصول إلى أوروبا ليس بالكثير على شاب في مقتبل العمر مثلي!

وما كانت خطوتك التالية؟

بعدما أن أعطاني الرجل رقم الهاتف توجهت إلى (السليمانية)، ثم اتصلت من هناك، فردّ علي أحدهم ليخبرني بأنه سيسارع في القدوم لملاقاتي، ثم استقبلني واشترى لي الطعام، واهتم بي ليوم كامل ثم أرسلني بسيارة، بعد أن طلب من سائقها إيصالي إلى مكان ما، دون أن أعلم إلى أين أتجّه، فقد كنت أسمع التوجيهات فقط ثم أنفّذ!

وكيف تتنقل بين هذا الشخص وذاك دون أن تدري وجهتك، بل ودون أن تلم بأي تفاصيل؟

كنت كالغريق الذي يبحث عن قشة ليتعلق بها؛ فقد رهنت حياتي كلها بتلك الرحلة، وكنت أعلم أن الطريق إلى أوروبا لن يكون هينًا، فعزمت على الوصول مهما كلف الأمر؛ فهناك المستقبل الكبير الذي ينتظرني، كما كنت أحدث نفسي!

أين استقر بك المقام بعد رحلة السيارة تلك؟

أوصلني السائق إلى منطقة (قلادزيه)، ثم سلمني لرجل تولى نقلي إلى الجبال، حتى أدخلني دارًا وجدت فيها نفسي وحيدًا بين عشرات النساء، وكنّ جميعهن بأعمار الشباب!

ما ذاك المكان؟ ومَن أولئك النسوة؟

علمت حينها أن المكان الذي كنت فيه مخصص للنساء المتطوعات في الـ (بيجاك)؛ وهو الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني في إيران.

بقيت معهن لمدة ثلاثة أيام، وكنَّ بحدود ثلاثين امرأة، وقد جاء وقت وصولي مع احتفاليتهن بما يسمى "يوم المرأة"، نُقلت بعدها إلى مكان آخر عبارة عن دار كبيرة أيضًا، لكني وجدت فيها مجموعة من الرجال، إلى جانب النساء.

علمت حين وصلت أن هذا المكان مخصص للمتطوعين في الـPKK فأُصِبتُ بالذهول، دون أن أتكلم، أو حتى أبلغهم بأني أتيتُ إلى ما يفترض أن يكون مخيمًا للطريق إلى أوروبا، فبقيت فيه لمدة أربعين يومًا، إذ تبيّن لي حينها أنهم يقومون بجمع المتطوعين لأخذهم إلى معسكرات التدريب الخاصة بالـPKK بعد اكتمال العدد المطلوب!

وكم كان العدد الذي دخلوا لذلك المعسكر آنذاك؟

بعد أربعين يومًا من الانتظار أصبح عددنا ثلاثين عنصرًا؛ أربعة وعشرين رجلًا بينهم أنا، وست نساء، أخذونا في مركبات نحو أعالي جبال قنديل، حيث موقع معسكراتهم هناك!

تقول إنك استُدرِجْتَ؛ فلماذا لم تغادر حينما علمت أنك ستكون عنصرًا في الـPKK وكان بوسعك ذاك بادئ الأمر؟

بعدما وجدت نفسي فجأة وسطهم: انتهى كل شيء؛ فليس لك هناك حرية الاختيار، فقد أصبحت ملكًا لهم، أو هكذا يعتبرونك، وليس لك أن تغادر؛ لهذا قررت الاستمرار، لعلي أجد لنفسي مخرجًا يومًا، أو ربما يكون وجودي معهم فرصة للوصول إلى أوروبا، خصوصًا أن ذلك الرجل (زميل عملي) قال لي إنهم سيعلّمونني اللغة الإيطالية واللغة الإنكليزية، ويساعدونني في الوصول بعد عمل لمدة عام واحد، مع أنه لم يقل لي إنهم الـPKK!

وما كانت خاتمة طريق المجهول الذي سلكته؟

وجدت نفسي في معسكراتهم أخيرًا، حيث بدأنا تدريبًا استمر معنا لخمسة وسبعين يومًا!

وهل كانت التدريبات مشتركة مع النساء؟!

نعم بالتأكيد؛ فهناك لا فرق بين الرجل والمرأة، عليك أن تنسى جنسك، وتتعامل مع المرأة على أنها رجل، وعلى المرأة أن تتعامل مع الرجل وكأنه امرأة، عالم غريب هذا الذي وجدته أمامي هناك!

هل كان المعسكر يقتصر على التدريبات العسكرية؟

المعسكر فيه فقرات كثيرة، لكن يبقى أهمها من وجهة نظر القادة هو الدروس والمحاضرات التعليمية والمنهجية!

وما الذي تتلقونه فيها؟

كان التركيز بشكل كبير على المحاضرات الخاصة بالإلحاد، ونكران الدين، وجحود الله، وعلى الخصوص كتب (عبد الله أوجلان) الذي يقدسونه كالإله، وأبرزها كتابه (المانفيستو) بأجزائه العديدة؛ حيث تشرح هذه الكتب أفكار أوجلان عن الحياة، وهي أفكار إلحاديّة ماديّة شيوعيّة ماركسية، مبنيّة على أساس فكرة الكفر بالله، وإنكار الرسل، والكتب التي أنزلت عليهم، وتقوم على مبدأ أن المادّة هي الأساس في كل شيء في هذه الحياة.

كيف كان حالك وقد وقعت في هذه البيئة؟!

حينذاك، وما أن وطئت قدمي ودخلت البيوت التي يجمعون فيها العناصر استعدادًا للتدريب: توقفت عن الصلاة عمليًّا؛ فكنت أتوضأ بصورة سرية وأصلي بالعيون، فقد خشيتُ من معرفتهم بمداومتي على الصلاة، وفي المعسكر وبعد عشرة أيام من الصلاة بهذه الهيئة: توقفتُ كليًّا عن الصلاة؛ فقد شعرتُ أنني أخدع نفسي؛ فما فائدة صلاتي وقد أصبحت مع الملحدين، وأدرس كتبهم، وأتدرب على كيفية قتال عدو لا أعرف هويته؟!!

ومن كان العدو المفترض أثناء تدريباتكم على السلاح؟

العدو المفترض في التدريبات العسكرية كان الجيش التركي، والجيش الإيراني، والبيشمركة الكردية.

وجيش النظام النصيري؟!

لم يكن عدوًّا لهم، بل لقد غضب المدربون مني لأنني يومًا ذكرت (جيش بشار) بسوء، وراحوا يخبروني بأن (بشار) هو الوحيد الذي منحهم مدنًا كاملة، وانسحب منها لصالحهم بالاتفاق معهم؛ كـ (المالكية) و(عامودة) و(عفرين) ومدن أخرى، وأنهم يقاتلون معًا في جبهات عدة ضد الدولة الإسلامية.

كيف كانت العلاقات بين الرجال والنساء؟

حينما دخلت المعسكر وجدت أن القوانين المعلقة عند مدخله ليست سوى حبر على ورق؛ فعلاقات الزنا بين الرجال والنساء ممنوعة في قوانينهم لأنهم يرونها تعارض التفرّغ للقتال، وعقوبتها القتل، لكنك في حقيقة الأمر تجدهم كماعز الجبل، لا يتورّعون عن الفاحشة، فهو موجود وبكثرة ولكن في الخفاء، وكذلك الحال في تناول الخمور؛ فهي في قوانين المعسكرات والـPKK ممنوعة، لكنهم يشربونها بكثرة، إلى جانب تعاطيهم للمخدرات، فضلًا عن تجارة الخمور والمخدرات بين العراق وتركيا وإيران، التي كانوا هم مَن يدير "مافياتها"!

هل كانوا يسمحون لكم بالزواج؟

كلا على الإطلاق؛ فالزواج في عرف الـPKK محرّم وممنوع في معسكرات قنديل، فلا يحق للأعزب الزواج، ومن يأتي متزوجًا فعليه أن ينفصل عن زوجته إن كانت معه، والحال نفسه ينطبق على الفتاة.

بخصوص النساء؛ كيف يجري تجنيدهن؟

النساء اللواتي ينخرطن في الـPKK هنّ مِن مشارب مختلفة، لكن يجمعهن شيء واحد تقريبًا؛ وهو الهروب من شيء ما!

وما الذي يهربن منه؟!

أكثر مَن ينتسبن مِن النساء هن ممن يرفضن شعائر الإسلام والالتزام بها كالصلاة والحجاب، وممن يتمسكن بعقيدة الإلحاد والقومية، إلا أن هناك مَن يهربن مِن واقعهن، فهناك مَن تهرب مِن عائلتها لأنهم يجبرونها على الزواج ممن لا تريد، أو يرفضون تزويجها من شخص معين، فتهرب منهم قاصدة الـPKK ، وهناك من تريد الانتقام من عائلتها بطريقة أو بأخرى فلها الوجهة نفسها، وهناك من تهرب خشية القتل بعد فعلها ما يخلّ بسمعة أسرتها، على العموم كثير من العائلات ترفض أن تنخرط بناتهن في الـPKK لكنهم يجدون أنفسهم أمام الأمر الواقع بعد هرب بناتهم من بين أيديهم، بعدما اتجهن إلى معسكرات تدريب الـPKK التي باتت ملاذًا ومأوى لهذا النوع من الفتيات!

ما هي نسبة النساء في الـPKK؟

نسبة النساء هي 40% من تعداد عناصر الـPKK في جبل قنديل.

المدرسون الذين يلقون المحاضرات والدروس؛ هل هم ذاتهم المدربون العسكريون؟

هناك تخصص في التدريب؛ فغالبية المدربين من النساء، بينهن (بريتان سلا) و(هفال ساءال)، إلى جانب بعض الرجال؛ بينهم (هفال كفر) و(هفال سمكو)، أما الدروس الإلحادية فهناك متخصصون في هذا المجال؛ بينهم (بنفش فرات)، وهي من قدامى المحاربين في الـPKK؛ حيث قضت خمسة وعشرين عامًا معهم، وهي تجمع بين التدريب والتدريس، وقد هلكت في معركة مع الدولة الإسلامية، وهناك أيضًا المدربة (يشار) وهي أميرة المعسكر، وتقوم بتدريس المناهج الإلحادية أيضًا، ومن ضمن المدرسين كذلك (جُمعة الصغير) أمير قنديل، و(جميل بايك) أمير الـPKK، وهو تركي الأصل.

ومن هم المسؤولون عن المعسكرات؟!

هناك قادة كبار بدرجات مختلفة، لكن هناك أيضًا ألمانيون يلتقون بالقادة ويتحدثون إليهم كثيرًا، بعضهم مستشارون، وبعضهم يأتون بالسلاح والمال، ولم نكن نتمكن من لقائهم.

ما طبيعة مهام عناصر الـ PKK في جبال قنديل؟ وهل هو القتال فقط؟

بعد المعسكر؛ وجدت أن عملنا لا يقتصر على القتال، بل يدخل في عمليات تهريب المخدرات والخمور والمتاجرة بكل ما هو محرّم!

تقصد أن الـ PKK يعتمدون على تهريب الخمور والمخدرات في تمويلهم؟

ليس ذلك وحسب، فإلى جانب كون مناطق نفوذنا حينها هي طرق التجارة الرئيسية للمحرمات بين العراق وإيران وتركيا، حيث تمر مختلف أنواع البضائع المحرمة بين هذه البلدان عن طريقنا؛ إلا أن هناك مصادر أخرى للتمويل، بينها عمليات الخطف لعابري حدود الدول الثلاث الذين تُطلب عليهم الفديات، بعد أخذ ما بحوزتهم من مال، إلى جانب الضرائب التي يتم فرضها على السكان.

عن أية ضرائب تتحدث؟

هناك ضرائب على القرى الكردية التي تخضع لنفوذهم؛ حيث يتوجب على كل قرية دفع ضريبة حمايتهم، وهذا يتم رغمًا عنهم، وليس برضاهم، وكنا نجمع بهذه الطريقة أموالًا كثيرة.

ولماذا تخلّيتَ عنهم وتركتهم؟

لقد كنتُ أثناء ذلك أتحيّن الفرص لمغادرتهم؛ فقد علمتُ أن حلم "الهجرة" قد انتهى بوجودي هناك، ثم إن هذا ليس بعالمي؛ فهم لا يُقِرًّون بالله ربًّا وخالقًا، وكثيرًا ما كانوا يستهزئون بالصلاة وبالعبادات، ثم رأيت كم هو مريع ذلك الانسلاخ من الدين والعفة بالنسبة إلى الرجال والنساء؛ فقررتُ العودة إلى إيران، ولم يكن لدي خيار إلّا أنْ أطلب منهم ذلك، خصوصًا بعدما وصلتهم أخبار بأنني كنت أصلي، فاعتقلوني بعد تقديمي طلب المغادرة واقتادوني إلى سجن، وبدأ التحقيق معي لمدة أسبوعين.

وما هي التهم التي وجهوها إليك؟

أصل التهمة هي طلب المغادرة، لكن التحقيق كان عن توجهي الديني؛ حيث بدؤوا يخوّفونني عن طريق توجيه تهمة الانتماء إلى الحركات الجهادية، وبعد تيقّنهم من عدم وجود أية صلة لي بالمجاهدين من خلال التحقيق: أخذوا يرهبونني، ثم بدؤوا ينصحونني بعدم الذهاب، وبعد أن قطعوا الأمل في تراجعي عن قرار المغادرة: وضعوني في سيارة لتسير بي بين الجبال لمدة اقتربت من تسع ساعات، ثم رموا بي عند "الحدود العراقية الإيرانية"، فواصلتُ مسيري متنقلًا لأيام وساعات بين المدن حتى وصلت مدينتي (كرمنشاه).

وهل نجوت من ملاحقة الاستخبارات الإيرانية؟

بالتأكيد كلا؛ فلقد وضعتني الاستخبارات تحت المراقبة لمدة ستة أشهر، حسبما علمتُ لاحقًا، قبل اعتقالي وإيداعي في سجن صغير تابع لسجن (دوار نفط) الموجود تحت الأرض.

وما سبب اعتقالهم لك؟

كانت الاستخبارات الإيرانية تراقبني عن بعد، بعدها اعتقلوني ليحققوا معي حول فترة غيابي خارج إيران وأين قضيتها، بعدما طلبوا مني قصة حياتي منذ الصغر إلى لحظة عودتي إلى داري بعد غياب طويل.

هل تعرضت إلى التعذيب في سجنك؟

كنت أتعرض للضرب باليد والركل بالأقدام على يد ضابط استخبارات المدينة التي كنت أسكن فيها ويدعى (سيد محمدي)، ولكنهم أطلقوا سراحي بعد عشرين يومًا، على أن أعود إليهم كل عشرة أيام لأسجل حضوري، وأبصم على ذلك، رافق ذلك منعي من السفر خارج مدينتي.

وكيف جاءت فكرة الهجرة إلى أرض الخلافة؟

بعد عودتي إلى مدينتي وخروجي من سجن الاستخبارات الإيرانية؛ بدأتُ أفكر ثانية في "الهجرة" إلى أوروبا، وهنا أبدى عمي في لندن استعداده لمساعدتي ماديًّا في مبلغ السفر، والذي كان يزيد على عشرة آلاف دولار، إلى جانب مساعدة بسيطة من والدي، الذي يعاني من الفقر، وفي الوقت ذاته كنت أعيد حساباتي لهول ما رأيت في تلك المرحلة؛ فتبت وتمسكت بديني أكثر من ذي قبل، وأصبحت مواظبًا على الفروض أكثر وأكثر، وحينما تجهزت للسفر إلى جنة الدنيا -كما يرى الحالمون بأوروبا-: وقفت عند مفترق طرق، خصوصًا بعد تعرفي على بعض المنسقين الذين يساعدون الراغبين بالسفر إلى أراضي الدولة الإسلامية، إلى جانب مشاهدتي لبعض معارفي وأصدقائي ممن ظهروا في بعض الإصدارات، فرفع ذلك من درجة إيماني، فوقفت في حيرة من أمري: أي طريق أختار؟

وأي طريق اخترت؟

بعد صراع معسكرين بداخلي اخترت آخرتي على دنياي؛ فقررتُ الهجرة إلى دولة الإسلام لأكون جنديًّا في جيوشها وأعيش على ثراها، لعلي ألقى الله على الوجه الذي يحبني فيه، بدل أن أكون لاجئًا في "جنة" أوروبا الزائفة، فأختم ديني ودنياي بالسوء؛ فتوجهت إلى أرض الخلافة، حتى انتهيت فيها بعد عشرة أيام من السفر المتواصل، تخللها أيام من السير على الأقدام، وها أنَذا اليوم أمارس في أرض التوحيد هواية قنص واصطياد مرتدي الـPKK، رفاق فترة الإلحاد السابقين؛ لعل الله الغفور أن يغفر لي مدة مكوثي بينهم!

  1. حوار مع والي خراسان (العدد 17)

الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437ه

الشيخ حافظ سعيد خان والي خراسان: إذا تجلت حقيقة الخلافة لأهل خراسان؛ فإنهم سينضمون إليها بشكل أكبر.



تحدث عن طبيعة الحرب مع الطواغيت في خراسان، كاشفًا حقيقة حركة طالبان الوطنية، ومبشرًا بترتيبات خاصة لتوسيع دائرة المعركة مع الكفار والمرتدين.

عن أوضاع ولاية خراسان وإن كان للدولة تمكين فيها ومظاهر وشكل هذا التمكين قال والي خراسان حفظه الله:

الحمد لله؛ أوضاع خراسان تبشر بخير بإذن الله، ولدينا تمكين في الولاية، ولكن ليس كما في العراق والشام من جهة اتساع الرقعة على الأرض؛ فبلاد خراسان واسعة تشمل "أفغانستان" وغرب "باكستان" وغيرها من البلاد التي تغلّب عليها المرتدون، ونحن فتحنا وتمكّنّا في خمس "مديريات" هنا، والحمد لله، ومن حيث المظاهر: فإننا بفضل الله نقيم فيها حكم الله تعالی وشرعه ونطبق الحدود؛ فقد أقمنا بها محاكم للقضاء ومكاتب للحسبة ومكاتب للزكاة، وأخرى للتعليم، وللدعوة والمساجد، وللخدمات العامة، أنشأنا لكل مهمة شرعية وإداریة قسمًا خاصًّا بها، وعيّنّا مسؤولين متخصصين مؤهلين حسب ما يتوفر في الولاية من المهاجرين والأنصار.

ما هي أهمية ولاية خراسان للإسلام والمسلمين؟ وما هي الصعوبات التي تواجهها الولاية؟

إن ولاية خراسان ذات أهمية كبيرة للإسلام والمسلمين؛ فقد كانت هي ومناطق حولها تحت سلطان المسلمين، ثم تغلّب على بعضها المرتدون من العلمانيين والروافض، وتغلّب على بعض المناطق القريبة منها الكفرة من عبدة البقر الهندوس وملاحدة الصين كما هو الحال في أجزاء من كشمير وتركستان، فالولاية بإذن الله باب لفتح جميع هذه المناطق حتى تُحكم بشرع الله الحنيف من جديد، وحتى تتوسع رقعة الخلافة المباركة.

وأهل خراسان يحبون الإسلام والقتال عمومًا، ولذلك فإن المنطقة لديها قوة كامنة لنصرة التوحيد والجهاد، فإذا تجلت حقيقة الخلافة لأهل خراسان: فإنهم سينضمون إلی الولاية أكثر وأكثر، ويعززون جهادها ضد أعداء الإسلام والمسلمين من الكفار والمرتدين ومن والاهم في المنطقة وخارجها، وبالتالي سيكونون لبنة قوية للخلافة في هذا الجزء من أرض الله تعالی، وستُربّی الأجيال القادمة على الكتاب والسنة منذ صغرها، وهذه نعمة عظيمة وصلت إلی هذه المنطقة عن طريق هذه الخلافة التي هي علی منهاج النبوة، وعلی يد إمامنا وخليفتنا أبي بكر البغدادي القرشي حفظه الله تعالی ونصره.

أما عن الصعوبات؛ فهي ليست سوی وقوف أعداء الله الطواغيت، "باكستان" من جهة، و"أفغانستان" من جهة أخری بجيوشهم ومخابراتهم ضد الإسلام والخلافة والولاية التي تمثلها وتطبق منهاجها في المنطقة، وتحاول هاتان الحكومتان المرتدتان الإكثار من المشاكل لعرقلة جهاد الولاية لتَحُدّا من قيام الإسلام ومنهاجه في المنطقة، وبالتالي تحاولان إيقاف تمدد الخلافة، وهكذا الحال لتلك التنظيمات التي تفرزها أو تقف وراءها أو تستغلها هاتان الحكومتان، وتمدّان لها يد العون وتفسحان لها الطريق، الأمر الذي يجعل هذه التنظيمات تفتعل أنواعًا من المشكلات لتحارب الخلافة، كحركة طالبان الوطنية، ولكن هيهات هيهات أن يطفئ كل هؤلاء وغيرهم نور الله؛ فهذه خلافة قامت علی منهاج النبوة، قامت علی أساس التوحيد، فلن يستطيع هؤلاء الطواغيت بجمعهم الوقوف أمام أسودها، أسود التوحيد والعقيدة الغراء، فالطواغيت كانوا ينجحون أمام التنظيمات والحركات "الإسلامية" التي كانت تقف علی عقائد هشة ومناهج ناقصة، سواء "الدعوية" منها أو "الجهادية"، أما الخلافة فهي شوكة بل فأس في نحور الكفرة والمرتدين في هذه المنطقة بحول الله وقوته.

هل لحركة طالبان الوطنية تمكين في خراسان؟ وهل تحكمها بما أنزل الله؟

لحركة طالبان الوطنية سيطرة فقط في بعض مناطق "أفغانستان" دون غيرها، أما بالنسبة لتحكيمها لشرع الله؛ فهي لا تقوم بذلك، بل إنهم يحكمون بالفصول العشائرية ويسيّرون وفق أهواء الناس وأعرافهم المخالفة للشريعة الإسلامية في فصل الأمور، والله المستعان.

ما علاقة أختر منصور بالمخابرات الباكستانية؟

لأختر منصور وأصحابه علاقات قوية وعميقة بالمخابرات الباكستانية، وهم يعيشون في أهم مدن "باكستان"؛ كإسلام آباد وبيشاور وكويته، بل حتی مجلس شوری أختر منصور فيه أعضاء من المخابرات الباكستانية! علاوة علی ذلك؛ فإن مخابرات "باكستان" تساعده في أعماله جميعها! وتتضح علاقته بالمخابرات الباكستانية الـ "آي إس آي" جليّة عندما توفي قبل 3 أشهر رئيسها السابق الجنرال المتقاعد المرتد حميد غل، ذلك الجنرال الذي وظّفته المخابرات الباكستانية لإدارة التنظيمات "الإسلامية" لكي تكون خاضعة لمصالح الطواغيت المحليين والعالميين، فعندما هلك هذا الجنرال قام أختر منصور بإسداء أعظم التعازي لوفاته وفاءً للمخابرات الباكستانية واعترافا لفضلها عليه وعلى حركته، ومما قاله في تعزيته له: "بوفاة الملا عمر انقطع أحد الساعدَين، ولكن بوفاة الجنرال حميد غل نعتقد أن الساعد الآخر انقطع، وفاة الجنرال حميد غل ليست دون مصيبتنا في مفارقة الملا عمر بأي شكل من الأشكال".

وأضاف أيضًا: "بعد وفاة الملا عمر أدّی الجنرال حميد غل دورًا مهمًّا في توحيد طالبان".

وبأوامر هذه المخابرات؛ يقوم عدو الله هذا بقتال جنود الولاية وقتلهم لأنهم قاموا ضد طاغوت "باكستان"، أضف إلی ذلك أن له علاقات مع المخابرات الإيرانية، وبدعمها أيضًا ينشط في الصد عن الإسلام وعن تمدد الخلافة، فبذلك كله يذب عن طواغيت "باكستان" و"أفغانسان" وعن الرافضة.

ما هو وضع الحرب بين الدولة الإسلامية وطالبان، ووضع الحرب بين الدولة وحكومات وجيوش المرتدين الموالين للصليبيين في "باكستان" و"أفغانستان"؟

الحرب بيننا وبين طالبان ما زالت قائمة، وكانت حركة طالبان الوطنية هي البادئة في القتال بهجماتها على الموحدين، فقامت الولاية برد عدوانها، وفرّ الطالبان بعد ذلك مهزومين من كثير من مناطقهم الاستراتيجية، وكان الفتح بفضل الله لصالح الولاية.

أما عن حال الحرب ضد الحكومات وجيوش الردة في خراسان المواليين للصليبيين؛ فإن الجهاد ضد جيوش الردة الباكستانية والأفغانية ما زال قائمًا وجاريًا بقوة بفضل الله وحوله وقوته، والمجاهدون ماضون بكل بسالة في قتال جيشَي الحكومتَين المرتدتَين وقواتهما الخائنة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين.

هل ما زال المهاجرون يهاجرون إلى خراسان؟

نعم، ما زال المسلمون يهاجرون إلی أرض خراسان فوجًا بعد فوج ولله الحمد، نسأل الله عز وجل أن يتقبل منهم هجرتهم، وأن ينصر بهم الخلافة، وأن يعلي بهم كلمة الحق ويزهق بهم كلمة الباطل.

ونحن بدورنا نستقبل بكل ترحيب كل مسلم يهاجر إلی الولاية، ونخدمه بكل ما رزقنا الله من فضله ومن الإمكانيات.

وعلى كل مسلم يريد نصرة الشريعة أن يعجل بالهجرة إلی الولاية وغيرها من ولايات الخلافة؛ فهي دارهم، دار الإسلام، عليهم أن يهاجروا حتى ينجوا من ذل الدنيا وعذاب الآخرة، ليخرجوا من فسطاط الباطل، ويدخلوا في فسطاط الحق الذي لا باطل فيه، ونحن نرحب بهم جميعًا ولا نفرق بين مهاجر وغيره، فالمؤمنون إخوة لا فرق بينهم إلا بالتقوی، والمهاجر أحب إلينا من أنفسنا، وشرع الله قائم هنا بحمد الله، فبذلك سيحفظ المهاجر دينه ونفسه وعرضه وماله وعقله، وينصر دين الله تعالی بما لديه من علم وخبرة، وأكرر بأنه لا ينبغي لمسلم ولا مسلمة أن يتأخّرا عن الهجرة، ولا يتأخّرا عن إظهار ولائهما للمسلمين وللخلافة.

ما هو وضع الإخوة المجاهدين الأوزبك بعد بيعتهم للخليفة؟ وهل هناك حرب بينهم وبين حركة طالبان الوطنية بعد إعلانهم البيعة؟

الإخوة المجاهدون الأوزبك بايعوا الخليفة بإخلاص، وهم مجاهدون صادقون في جهادهم ولله الحمد، نحسبهم كذلك ولا نزكي علی الله أحدًا، ولكن حركة طالبان الوطنية الخائنة الضالة قد بدأت بقتالهم منذ الخامس والعشرين من شهر محرم، ولم تبالِ الحركة الظالمة بكونهم مهاجرين في سبيل الله، فوقع عدد من الشهداء والجرحی من الإخوة الأوزبك بسبب قتالها الإجرامي لهم، وازدادت حركة طالبان ظلمًا وجرمًا بأن قتلت نساءهم وأطفالهم العزل قصدًا؛ حيث أجهز عناصر الحركة على النساء والأطفال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قتلتهم لا لذنب إلا أن أعلنوا نصرتهم للشريعة وحربهم على الطواغيت.

هل ما زالت حركة طالبان الوطنية تبيح للفلاحين تجارة الأفيون؟ وكيف تتعامل الولاية مع هذه الظاهرة الخطيرة؟

لا شك أن الحركة أجازت للفلاحين والتجار زراعة الأفيون وتجارته، بل وصل الأمر إلی أن الحركة نفسها تقوم بحصد الأفيون، والأدهى من ذلك أن الطالبان بأنفسهم يقومون بنقل الأفيون والهيروين علی سياراتهم الخاصة بالأجرة للتجار والمدمنين! ويأخذون "العشر" والضرائب منهم، حتی أن أختر منصور بنفسه يُعَدّ من كبار تجار هذه المخدرات.

وأما الولاية؛ -فلله الحمد- فلم تقم بمنع زراعتها وتجارتها فحسب، بل منعت أيضًا في أرضها كل ما حرمه شرع الله كالدخان وما شابهه، فأينما وجد رجال الحسبة هذه المحرمات والمخدرات في الأراضي التي فتحها المجاهدون: جمعوها وأحرقوها، والأهم من ذلك: هو صيانة جانب التوحيد، وهو أولى أولويات رجال الحسبة؛ فهم يهدمون الأضرحة، وَيُسَوّون القبور المشرفة بالأرض، ولله الحمد.

هل كنت تتوقع أن الملا عمر مات؟ وما هو السبب الذي من أجله شكّكتم في حياته؟ وما السبب وراء إخفاء أختر منصور وأصحابه قضية وفاته؟

كنا نعتقد منذ زمن أن الملا عمر ليس على قيد الحياة؛ وذلك لأنه منذ 8 سنوات بدأنا نلاحظ تغيرات وانحرافات في أمزجة طالبان وبياناتهم وأفعالهم؛ فالمناطق التي كانوا يسيطرون عليها بدؤوا يتركون تحكيم الشرع فيها، ولاحظنا أيضًا ميل طالبان إلی المفاوضات مع الحكومة المرتدة، وفي هذا الصدد فتحت الحركة مكتبًا لها في قطر، واعترفت بالحدود الوطنية التي قررها الصليبيون، وبنت علاقات قوية مع المخابرات الباكستانية، وبدأت تتحرك في المناطق الباكستانية بِحُرية، كل هذه الأمور كانت تدل علی أن الملا عمر لم يعد علی قيد الحياة، وهكذا لاحظنا أنه لم يستطع أحد أن يلتقي به في هذه الفترة، ولم يرَ أحد له تسجيلًا مرئيًّا أو يسمع له صوتًا مسجّلًا يأمر أو ينهی فيه في شؤون الحرب وما يخص البلاد.

ووجدنا أيضًا أن طالبان كانوا قد قاموا برفع الحظر عن محرمات الشرع المطهر، بل أباحوها لأنفسهم وللناس، وصاروا يأخذون الضرائب عليها ويجمعون "العشر" الذي طبقوه علی هذه المحرمات، فكل هذه الأمور كانت تدل علی وفاة الملا عمر.

ثم بدأنا التحقق من الأمر؛ حيث حاولت شخصيّات مهمة وكبيرة الالتقاء به، لكن دون جدوی، وبعد محاولات كثيرة من بعض المجاهدين الصادقين من أصحابنا للوصول إليه: تمكنوا من الالتقاء بأفراد من أهل بيته المقربين، الذين ذكرا بكل صراحة ووضوح أن الملا عمر لم يعد علی قيد الحياة!

وأما بالنسبة لسبب إخفاء أختر منصور لخبر وفاة الملا عمر؛ فإن هدفه كان تأخير بعض الناس وتقديم أصحابه وأمثاله لحكم "أفغانستان" وإدارة الحرب فيها، وذلك حسب ما يريده هو وما تريده المخابرات الباكستانية التي تعمل في الخفاء خلفه، فهكذا كان يحاول إبعاد الصادقين عن القيادة وعن إدارة أمور المسلمين بالمنطقة خاصة، وعن أمور الأمة الإسلامية عامة، بل أحيانًا كان لا يبالي بقتل المجاهدين الصادقين، وكان ينسب كل الأمور والبيانات في تلك الفترة إلی الملا عمر حتى يُسَلِّمَ الناس بها، وكان يظهر نفسه أثناء ذلك كله بأنه نائب للملا عمر، فيضلل الناس بهذه الطريقة الخبيثة ويعمل وينفذ ما يريد! فلذلك استطاع بمكره وخبثه أن يستغل إخفاء خبر وفاة الملا عمر ليقوم بما يملي عليه شيطانه؛ كالاعتراف بالحدود الوطنية الصليبية، وفتح مكتب بدولة طاغوتية مرتدة كما فعل في قطر، واللجوء إلی المفاوضات المخزية، وبناء علاقات قوية مع المخابرات الباكستانية، وأخيرًا شروعه في القتال ضد الخلافة، وكل هذا كان يقوم به باسم الملا عمر.

كيف كانت ردة فعل جنود وأمراء طالبان والقبائل الموالية لها تجاه خبر إخفاء وفاة الملا عمر؟

في الحقيقة وبفضل من الله؛ إثر ظهور خبر وفاة الملا عمر انفصل عن أختر منصور عدد كبير من طالبان، وانضم أكثرهم إلی الخلافة في ولاية خراسان، وانفصل منه آخرون كثيرون وكوّنوا جماعة لنفسهم كما فعل المدعو "محمد رسول"، وانفصلت عن الحركة مجموعة أخرى كبيرة وبقيت بلا قتال ولا حركة، وحدث كل هذا لأن حركة طالبان انحرفت كثيرًا عما كانت عليه في ماضيها، فظلت حركة طالبان الآن رهينة ولعبة بيد الآخرين يديرونها كيفما شاؤوا، لأن أختر منصور استغل إخفاء خبر وفاة الملا عمر، واستعمل اسم الملا عمر في إدارة الحركة لأهدافه الخسيسة ووفقًا لتعليمات وأوامر المخابرات الباكستانية.

ما الفرق بين طالبان "أفغانستان" وطالبان "باكستان"؛ سواء في المنهج أو في العلاقة مع الطواغيت والمخابرات؟ وهل هناك طوائف طالبانية موالية للحكومة الأفغانية وأخری موالية للحكومة الباكستانية؟ وما دورهم في أرض الواقع من جهة العمالة؟ وهل طالبان "باكستان" تابعة لطالبان "أفغانستان"؟

كان هناك فارق بين الطالبانَين، ولكن الآن لم يبق هناك فارق سوی في الاسم وأشياء سطحية؛ فكلا الطالبانَين الآن لا يطبقان الشرع، بل يسير كل منهما حسب أهواء الناس ويقاتل كل منهم بأوامر غيرهم وطاعةً لهم، كان في حركة طالبان "باكستان" أناس مخلصون كثيرون يجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل تحكيم شرعه المطهر، فبعد قيام الخلافة انضم كل المجاهدين الصادقين في الحركة للخلافة وبايعوا الخليفة، ولذلك لم يبق في طالبان "باكستان" إلا المفسدون، ولذلك أصبح كلا الطالبانَين لا يختلفان عن بعض، سوی أن طالبان "أفغانستان" يقاتلون ضد ولاية خراسان بناء علی أوامر المخابرات الباكستانية مباشرة، ثم أصبحت الآن هناك طوائف مختلفة في طالبان "باكستان"، فحاليًّا نری أن قسم طالبان "باكستان" الذي يتبع "فضل الله" قد بايع أختر منصور، يعني بطريقة أخری بايع المخابرات الباكستانية!

هل لتنظيم القاعدة أي وجود في خراسان بعد مقتل أكثر قادته؟ وما هو دور التنظيم في الحرب علی الخلافة في ولاية خراسان وخارجها؟

لم يعد هناك الآن وجود حقيقي لتنظيم القاعدة في خراسان سوی وجود بعض أفراده فقط، أشخاص ليس لهم قدرة علی قتال الولاية، ولكنهم لا يتركون جهدًا في نشر الشبهات ضد الخلافة وضد ولايتها في خراسان، وتحريض الناس على الإعراض عن البيعة وعن مناصرة الخلافة، وتنظيم القاعدة انحط بشكل كبير جدًّا هنا في مركزه وعقر داره، ولذلك لم يبق هناك فارق بينه وبين طالبان "أفغانستان" التابعة للمخابرات الباكستانية، فقد بايع أميرُ التنظيم أيمن الظواهري أختر منصور قبل فترة، فأصبح أختر منصور أميرًا وأيمن الظواهري مأمورًا، لا فرق بين الفريقين؛ كلاهما يقعان تحت إمرة المخابرات الباكستانية في النهاية، وكلاهما ضد الخلافة وضد ولايتها في خراسان، وضد الإسلام في حقيقة الأمر.

هناك طائفة من الروافض في خراسان؛ كيف وصلت إلی خراسان؟ وهل لولاية خراسان عمليات عسكرية وأمنية ضدهم؟

يوجد في خراسان روافض -للأسف- منذ زمن، وهم بعيدون عن مناطق تمكيننا، ولقد قاتلناهم، وننفذ عليهم عمليات في كل حين؛ كعملية أوائل شهر محرم في مدينة كابول، وهكذا نفذنا عملية كبيرة في كراتشي ضد الطائفة الإسماعيلية منهم، والتي هلك فيها حوالي 48 رافضيًّا خبيثًا.

هل بإمكان الدولة الإسلامية التمدد إلی كشمير لقتال الهندوس عبّاد البقر، والمرتدين من الفصائل المرتدة الموالية لطواغيت باكستان كـ "لشكر طيبة" علی سبيل المثال؟

في الحقيقة: رأينا في السابق كيف أن طواغيت "باكستان" وخاصة جشيهم ومخابراتهم كانوا يستغلون التنظيمات "الإسلامية" المختلفة لمصالحهم الخاصة الدنيئة في قضية كشمير، واستغلوا كذلك حماس أهالي كشمير لأجل مصالحهم هم لا لأجل الاهتمام بشؤون المسلمين أو لأجل إقامة شرع الله في الأرض، وكيف يقيمون شرع الله هناك وهم لم يقيموه في بلادهم، ولما كانت "المصلحة" تقتضي منهم التوقف والانسحاب أو التراجع: تركت المخابرات أهالي كشمير في وسط الطريق وفي أسوأ حال لهم؛ فكان مستوی المصالح يتفاوت في كل الفترات والسنين الماضية بين مد وجزر، حتی وصل أهلها إلی طريق مسدود ليس لهم من ينقذهم من الوحل الذي رموهم فيه، ولذلك خرج كثير مِن أهالي كشمير وجنود الفصائل، وهاجروا إلی ولاية خراسان ولله الحمد، فهناك فرصة كبيرة بإذن الله تعالی لإقامة دين الله هناك ولامتداد الدولة الإسلامية إليها، وهناك ترتيبات خاصة بتلك المناطق، وسيسمع المسلمون قريبًا أخبارًا سارة حول تمدد الخلافة إلی تلك الأراضي إن شاء الله تعالی.

وليس هناك في مناطق كشمير تمكين أو سيطرة للفصائل المرتدة العميلة لطواغيت "باكستان" أمثال "لشكر طيبة"؛ لأنها تسير وفقًا لأوامر المخابرات الباكستانية فهي التي تسيّر أعمالها؛ تقدمها متی شاءت وتؤخرها متی شاءت، وتخفيها متی شاءت، حسب الأجواء المحلية والعالمية، وحسب المصالح المادية الخاصة بها، دون مراعاة مصالح المسلمين في كشمير.





  1. حوار مع شرعي في فصائل الصحوات (العدد 18)

الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437ه

الشرعي في فصائل الصحوات (حجي منبج): نصيحتي لهم أن يتوبوا ويتوحدوا تحت راية الخلافة.



بعد أن أمضى عامين في السجن، إثر اعتقاله على يد جنود الدولة الإسلامية؛ كشف للنبأ عن الواقع المزري لمقاتلي الفصائل، والنفق المظلم الذي أدخلوا فيه أنفسهم منذ الأيام الأولى لثورتهم، والذي كان نهايته قتالهم للمجاهدين من جنود الدولة الإسلامية، وموالاتهم للصليبيين، ثم خسارتهم لدنياهم بعد أن باعوا دينهم.

مفتي الصحوات (حجي إسماعيل) تحدث في أول الأمر عن هويته قائلًا: اسمي حجي إسماعيل، عمري 37 عامًا، كنت أعمل سابقًا مدرّسًا في مدارس النظام النصيري، ثم أصبحت شرعيًّا في أكثر من فصيل من فصائل الجيش الحر، وقد اعتقلني الجهاز الأمني للدولة الإسلامية في ولاية حلب، من منزلي في مدينة منبج.

ما السبب الرئيس وراء اعتقالك؟

بعد غدر الصحوات بالدولة الإسلامية، وخروجها من منبج؛ سألني أكثر من فصيل عن حكم قتال الدولة الإسلامية، فكنت أجيبهم جميعًا أن الأمر لا يحتاج إلى فتوى، بعد فتوى "هيئة علماء حلب"، وفتاوى أحرار الشام، وفتوى العرعور بقتالهم، فسوّغْتُ قتالَها وحرّضْتُ فصائلَ الصحوات على ذلك بكل ما أوتيت من قوة، وبقيت على هذا حتى لحظة اعتقالي، حيث صحت مستغيثًا بغير الله عز وجل قائلًا: (يا عقيل!)، قاصدًا (عقيل المنبجي) الذي كان يزوره البعض ويتقربون إليه بالعبادات، فلم يغنني ذلك من الله شيئًا ولم ينفعني، وما زلت في قبضة الدولة الإسلامية حتى الآن.

إذا كان القتال بين فصائل الصحوات في منبج وبين الدولة الإسلامية قد جرى بالفعل؛ فلماذا يسألون عن حكم قتالها، وهم قاتلوها بدعوى أنها "خارجية"؟

لا... قبل القتال لم أسمع من أحدهم أنه يريد قتال جنود الدولة الإسلامية لأنهم خوارج، لكن الكلام كله يدور حول رغبتهم في التخلص من وجودها في المدينة؛ حيث كانت الفصائل تردد دائمًا أنها أحق بحكم المدينة بحكم زعمها أنها من قام بتحرير المدينة، بالرغم من أن المدينة لم تتحرر بالقتال وإنما انسحب النظام وأجهزته الأمنية منها دون أي قتال، بل إن معظم الكتائب إنما تشكلت بعد خروج النظام من المدينة، والغالب في سبب عداوة الفصائل للدولة الإسلامية هو قيام جنودها عدة مرات باعتقال عناصر من فصائل الصحوات ومعاقبتهم على إساءاتهم، فكانوا حاقدين جدًّا على الدولة الإسلامية بسبب ذلك، وكانوا يتحيّنون الفرص للغدر بها، وإخراج جنودها من المدينة.

ولماذا كان جنود الدولة الإسلامية يقومون باعتقال مقاتلي الفصائل؟

كان مقاتلو الفصائل بعد سيطرتهم على منبج يتصرفون دون أي رادع؛ فتجد مِن جنودهم مَن يسب الله عز وجل علانية، ومنهم مَن يعتدي على الناس، أما المعاصي وترك الصلاة فهي أمور كانت منتشرة بكثرة بينهم، ولم يكن أحد يستطيع الوقوف في وجه هؤلاء أو ضبط الفصائل الفاسدة، حتى دخل جنود الدولة الإسلامية إلى المدينة، واستقروا فيها، فكانوا يقومون باعتقال الفصائل المجرمة، ويداهمون مقراتها، ويعتقلون المفسدين من مقاتليها، وقد حدث هذا مع عدة كتائب، ومنها كتيبة (جند الحرمين) التي كنت فيها؛ حيث قام جنود الدولة الإسلامية بمداهمة أحد مقرات الكتيبة الواقع في (الثانوية الزراعية) واعتقال عناصر المقر جميعهم، ثم أُطلق سراح بعضهم، وأما الأكثر إفسادًا فبقي رهن الاعتقال، مثل هذه الأحداث ولّدت حساسية كبيرة لدى قادة الفصائل، فكانوا يريدون التخلص منها لهذا السبب على وجه الخصوص.

بما أنك تعترف بوجود فساد كبير داخل الفصائل؛ فلماذا لم تصلحوا هذا الفساد، إن كنتم تدّعون أنكم "شرعيون"؟

فيما يخص هذا الأمر: طلبني إبراهيم كناوي قائد كتيبة (جند الحرمين) للانضمام إلى كتيبته؛ زاعمًا أنه يريد مني إصلاح عناصره الفاسدين، وإصلاح العلاقة بين الكتيبة والناس، حيث كانت تحدث مشكلات دائمة بين الفصائل والأهالي، ولكن عندما دخلت معهم وجدت أن كثيرًا من العناصر لا يصلّون، وأن بعضهم يسب الله عز وجل، هذا عدا عن التدخين والمعاصي الأخرى، وخلال فترة بقائي معهم التي تجاوزت أربعة أشهر: وجدتُ من الصعب إصلاح الفساد الذي في الكتيبة؛ فلا صلاحية بيدي والصلاحيات كلها بيد قائد الكتيبة، ثم تركت الكتيبة في النهاية، لأتوجه إلى كتيبة (عمر بن الخطاب)، والتي تركتها أيضًا بعد خمسة عشر يومًا فقط.

بهذا الوصف السيئ لحال الفصائل؛ ألم يكن لكم حلول أخرى لضبط هذه الفصائل؟

كان هناك الكثير من المحاولات، ولكنها كانت تصطدم جميعها بالفصائل نفسها؛ فأولى المحاولات كانت إنشاء (محكمة الغسانية) والتي أنشأتها شخصيّات مستقلة عن الفصائل، وأشرفت عليها (رابطة علماء منبج) التي كنت عضوًا فيها، وكانت المحكمة تتبع عمليًّا للمجلس الثوري، ولكنها فشلت أمام أول تحدٍّ للفصائل؛ حيث قام قائد كتائب الفاروق في المنطقة الملقب بـ (البرنس) باقتحام المحكمة واعتقال القضاة وأعضاء المحكمة، لاعتقالهم عددًا من عناصره الفاسدين، وبالمثل فإن المحاكم المشتركة لم تكن لتقف بوجه الفصائل، كما حدث مع (المحكمة الشرعية) والتي كان مقرها في مدرسة (حسن زيدان)، حيث شكلت باتفاق بين كل من أحرار الشام، وصقور الشام، ولواء التوحيد، وكتائب الكرامة وغيرها، وكان لكل منهم ممثلون عنهم في هذه الهيئة، وفي الحالتين فإن هذه المحاكم لم تكن تطبّق أحكامها على الفصائل وعناصرها، وإنما فقط على الضعفاء من الناس.

بأي شريعة كانت تحكم هذه المحاكم؟ و"الشرعيون" في الفصائل بماذا كانوا يقضون؟

كان أغلب ما تنظر فيه هذه المحاكم هو قضايا الإرث والطلاق، ولم تكن تحكم بالشريعة الإسلامية؛ فمحكمة الغسانية مثلًا كانت تحكم بالقانون العربي الموحد، وهو من إصدار جامعة الدول العربية، وَجُلُّ أحكامها عبارة عن عقوبات بالسجن أو الغرامات المالية على الغالب، أما في "المحكمة الشرعية"؛ فكانت الأحكام أيضًا تخضع لأهواء القضاة في هذه الهيئة، وكذلك كان حالنا -شرعيي الفصائل- لم يكن لدينا حكم بالشريعة الإسلامية بل فقط عقوبات من هذا النوع.

كيف كنتم لا تحكمون بشريعة الإسلام، في الوقت الذي زعمتم أنكم "مجاهدون في سبيل الله"؟ لماذا خرجتم إذن وقاتلتم النظام النصيري؟

لم يكن عند الفصائل وجنودها أي مناقشات فكرية لمثل هذه الأمور، إنما كان الهدف الأساسي الذي يسيطر على عقولهم: الحرية والكرامة ورفع الظلم وإسقاط النظام، إقامة دولة تعمل على تحقيق هذه الأمور.

وكيف كنتم تفسّرون النصوص التي توجب القتال فقط لأجل تحكيم شرع الله، وأن المجاهد هو فقط من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا؟

كنا نقول إن قتالنا من أجل رفع الظلم، والحصول على الحرية، هو جزء مما يدعو إليه الإسلام، وكذلك قتال مَن يغتصب أخواتنا، ويقتل أهلنا، لكننا نعرض عن مسألة تحكيم الشريعة.

إذن لم تكونوا تقاتلون حتى يكون الدين كله لله؟

لا، هذا الأمر لم يكن مطروحًا.

بالنسبة للفصائل؛ كم كان عددها في مدينة منبج؟ وكيف كانت علاقتها مع بعضها البعض قبل قتالها للدولة الإسلامية؟

تفاجأنا بعد انسحاب النظام من المدينة بوجود أكثر من 20 إلى 30 كتيبة فيها، في حين لم يكن لدينا قبل ذلك أكثر من كتيبتَين حسبما أذكر، وقد بدأت هذه الكتائب بالتنازع على ما تركه النظام خلفه مِن مقرّات وسيارات وممتلكات، حتى كاد النزاع بينها يتحوّل إلى قتال أكثر مِن مرة، ومنها حادثة التنازع على سيارة كانت موجودة في مقر البريد (مؤسسة الهاتف)، حتى وصل الأمر بهم أن يروا تفجير السيارة لكيلا يأخذها أي منهم! وأذكر أن الصراع تطور مرة بين كتيبتَي (ثوار منبج) و(فرسان الفرات) حتى وصل إلى تبادل اقتحام المقرات واختطاف العناصر!

ما دامت حالة الفصائل على هذا الشكل؛ كيف استطاعت الاجتماع لقتال الدولة الإسلامية؟

ليست لدي معلومات تفصيلية عن هذا، ولكن حقيقة تفاجأت بما حدث؛ حيث رأينا تشكيل ما عرف بـ (جيش المجاهدين) في الريف الشمالي خلال 24 ساعة، ثم بعد ذلك مباشرة إعلان الفصائل في الشمال الحرب على الدولة الإسلامية، ثم وصل الأمر إلى منبج، ففي ليلة الغدر: سمعنا إطلاق نار كثيف، حينها كان الهجوم على مقرات الدولة الإسلامية في المدينة.

كيف سيطرت الصحوات على المدينة؟

قامت الكتائب بمحاصرة المقرّات، والتي كان في كل منها عدد قليل من جنود الدولة الإسلامية، وقاموا باعتقال أكثر من 35 منهم، وبعد اعتقالهم احتجزوهم في سجن "الهيئة الشرعية" التي تتبع للفصائل، ثم تمكنوا من السيطرة على كل المدينة، ومع دخول الدولة الإسلامية إلى المدينة: انسحبت الفصائل من المدينة وأخذوا معهم الأسرى، وقاموا بتسليمهم للـPKK.

وكيف استطاع جنود الدولة الإسلامية استعادة السيطرة على المدينة؟

تمكنت الدولة الإسلامية وخلال يوم واحد من السيطرة على مداخل المدينة باتجاه مدينتي (الباب) و(الخسفة)، ولم يستطع مقاتلو الجيش الحر الصمود في وجه هجومهم، بالرغم مما وضعوه من تحصينات على مداخل المدينة، ولاذوا بعدها بالفرار، وانسحبوا من المدينة باتجاه مناطق الـPKK.

وكيف حكمت الدولة الإسلامية المدينةَ بعد السيطرة عليها؟ اروِ لنا مشاهداتك قبل اعتقالك.

لقد قامت مباشرة بفرض الحجاب الشرعي، وإقامة الصلاة في المساجد، وانتشرت دوريات الحسبة في الأسواق يأمرون الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر، وأقيمت الحدود، فطُبّقت الشريعة مباشرة.

إذن تطبيق الشريعة الإسلامية لم يستلزم سنوات من الدعوة كما كنت تروّج أنت في خطبة الجمعة التي تلقيها في المساجد؟

لا أبدًا، تم تطبيق الشريعة الإسلامية فورًا، في حين كنت أعارض هذا الأمر قبل ظهور الصحوات، وأهاجم الدولة الإسلامية لأنها بدأت بتطبيق العقوبات، وكنت أقول إنه يجب أن يكون هناك دعوة طويلة قبل ذلك؛ بحجة أن الناس قد عاشوا عقودًا تحت حكم النظام النصيري، وأنهم بعيدون عن الدين، ولكن ما فعلته الدولة الإسلامية أثبت لي العكس، كما أنها تمكنت من ضبط الأمن في المدينة، والحد من النزاعات العشائرية، فور السيطرة عليها وإقامة الشريعة فيها.

وكيف كان وضع الأمن في المدينة قبل سيطرة الدولة الإسلامية عليها؟

بعد انسحاب النظام من المدينة، وسيطرة الفصائل عليها: عَمّت الفوضى فيها، وبات الناس لا يأمنون على أنفسهم فيها، وخاصة الأغنياء منهم؛ كالأطباء والتجار وما شابه؛ حيث كثرت حوادث الخطف لهؤلاء، إذ يختفي الشخص لأسبوع وبعد ذلك يتصل الخاطفون بأهل المخطوف ليطلبوا فدية مقابل إطلاق سراحه، وقد كانت المبالغ المطلوبة كبيرة عادة، تصل إلى مليون ليرة سورية أو أكثر، هذا عدا النزاعات العشائرية؛ فالمدينة ذات طابع عشائري، وأي نزاع بين شخصين يتوسع ليشمل عشيرتَيهما بفعل العصبية، وكثيرًا ما تطورت هذه النزاعات إلى هجمات على المنازل دون أن يوجد من يفصل بين المتنازعين؛ ذلك لأن لكل عشيرة كتيبة من الكتائب، فدخول أي كتيبة بين المتنازعين قد يسبب حربًا بين الكتائب المسلحة، لذلك كان الجميع يفضل عدم التدخل مهما كبر حجم النزاع العشائري وهدد بإراقة الكثير من الدماء.

ولماذا لم تجعلوا هناك جهة مشرفة على ضبط الأمن في المدينة؟ ولماذا لم تجتمع الفصائل والكتائب على مشروع مشترك لضبط الأمن، بما أنه "مصلحة مشتركة" للجميع؟

المشكلة في الفصائل: أن كلًّا يريد أن يكون هو المهيمن على هذه الجهة، وأن يكون هو المسيطر على أمن المدينة، وأضرب لك هذا المثال: حاولنا إنشاء قوة أمنية أسميناها (قوى الأمن الداخلي) تقوم على أساس جمع عناصر من كل الكتائب؛ لتقوم بضبط الأمن في المدينة، وفعلًا أرسلت الكتائب عناصر مِن قِبَلِها ليشاركوا في تشكيل هذه القوة، حتى بلغ عددها 50 عنصرًا، وما هي إلا أيام قليلة حتى ظهرت النزاعات بين قادة الكتائب، حيث انسحب المدعو أبو أحمد قائد كتيبة (عقيل المنبجي) من القوة مع عناصره، لتحدث ملاسنة بينه وبين قائد إحدى الكتائب الأخرى، وتحوّل الأمر إلى شجار بين أعضاء مجلس قيادة القوة، وانهار المشروع، بسبب النزاع والصراع بين الكتائب على قيادة القوة.

الآن حال فصائل الصحوات من الفرقة والتنازع أشد مما كان حين تركتهم؛ فهل هناك رسالة توجهها إلى فصائل الصحوات؟ وهل من وسيلة لهم ليتداركوا ما يمكن تداركه وهم ينهارون الآن أمام تقدم النظام النصيري المرتد إلى مناطقهم؟

أريد أن أقول لهم: إلى متى تضعون أياديكم في يد أمريكا، وأيادي حكام تركيا وآل سلول؟ فإنه لا يضع يده في يد أمريكا إلا مَن لا يعرفها، وأنتم قد عرفتم ما فعلت أمريكا بالمسلمين في أفغانستان والعراق والشام وغيرها من البلدان، وإلى متى ستستمرون في قتالكم للدولة الإسلامية؟ وأنتم تقاتلونها بناء على إشاعات تعرفون أنها أكاذيب، وقد تبيّن لكم كيف تحكم الدولة الإسلامية المناطق التي تحت سيطرتها بشرع الله، ورأيتم كيف يعز الله الدولة الإسلامية في كل يوم، ورأيتم كيف تحالف ضدها الكفار كلهم، فهل يعقل أن يتحالف الكفار كلهم ضدها وهي على الباطل؟! لو قيل إن من قاتل الدولة الإسلامية قبل سنتين كان مُضَلَّلًا فبماذا يتعذّر اليوم مَن يقاتلها بعد أن تكشّفت الأمور.

أما نصيحتي للفصائل، والتي بِتُّ مقتنعًا بأنهم اليوم ليسوا سوى صحوات؛ فهي أن يتوبوا إلى الله مما اقترفوه من كفر ويتوحدوا تحت راية الخلافة التي أقامت الشريعة بحق، فإنها ستنتصر، فإن نصروها فقد انتصروا معها وفازوا في الدنيا والآخرة، وإن قُتِلوا فيكونون قد أعذروا أمام ربهم أنهم قاتلوا لنصرة شريعته، لا من أجل القانون العربي الموحد أو الرايات الصليبية أو طواغيت المكر والغدر.

  1. الجزء الأول: حوار مع أبي عبيدة اللبناني (العدد 19)

الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1437ه

أبو عبيدة اللبناني: تنظيم القاعدة في خراسان انتهى تمامًا بعد تخطيطه للغدر بالدولة الإسلامية.



هاجر إلى خراسان يبحث عن جهاد لإقامة شرع الله، ليجد نفسه وسط غابة من الأحزاب والتنظيمات، في منطقة تهيمن عليها الأحكام القبلية الجاهلية، حتى أنعم الله عليه بالهجرة إلى دار الإسلام والالتحاق بجيش الخلافة.

المسؤول الأمني لقاعدة خراسان، ومسؤول المعسكرات في اللجنة العسكرية، وعضو المجلس الاستتشاري لتنظيم القاعدة؛ يتحدث لـ "النبأ" عن شيء من قصته مع التنظيم، محلِّلًا واقع الفصائل وتوقعات مآلاتها في ضوء تجربته في وزيرستان.

كيف ترى واقع ومستقبل تنظيم القاعدة السوري؛ بناء على معرفتك اللصيقة بتنظيم القاعدة في خراسان؟

أبو عبيدة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث بالسيف رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على هديهم إلى يوم الدين، وبعد: فمن خلال ما نشاهده من وقائع، وما يبلغ أسماعنا من أخبار؛ فإن واقع تنظيم القاعدة السوري يشابه إلى حد كبير الحال الذي كانت عليه قاعدة خراسان قبل اندثارها نهائيًّا وانتهاء وجودها، وبالأخص في مناطق وزيرستان التي كانت المعقل الرئيس للتنظيم، وأعني حال التنظيم من حيث إعراضه عن تحكيم الشريعة، ومداهنته للمرتدين، والتصاقه بالفصائل التي لا تُخفي علاقتَها بالطواغيت، وكذلك إعطاءَهم الأولوية للحفاظ على اسم التنظيم، وتضخيم حجمه، بغض النظر عن عقائد المنضمين إليهم، وبتشابههما في الحال: فإني أظن -والله أعلم- أنهما سيتشابهان في المآل؛ فينتهي فرع القاعدة السوري، كما انتهى التنظيم المركزي، ما سيعني نهاية مشروع الظواهري في الشام.

المعروف عند غالبية الناس أن الجولاني هو من صنع مشروع الظواهري في الشام بإعلانه البيعة له بعد حادثة الغدر الشهيرة؛ فمن هو صاحب المشروع؟

أبو عبيدة: مشروع القاعدة في الشام بدأ قبل إعلان الجولاني البيعة للظواهري بفترة طويلة، بل يمكننا أن نقول إن المشروع بدأ منذ الأيام الأولى لدخول مجاهدي دولة العراق الإسلامية إلى الشام وانطلاق عملياتهم ضد النظام النصيري باسم "جبهة النصرة"؛ حيث كان للقاعدة خطان للعمل: الأول مع «أحرار الشام»؛ حيث كان أبو خالد السوري الذي يعمل معهم، وقد كان يتواصل مع الظواهري ويطلعه على تفاصيل الأوضاع، كما كانت هناك اتصالات لإرسال أحد "الشرعيين" وهو أبو مريم الأزدي مندوبًا من القاعدة إلى «أحرارالشام»، بحكم علاقته القديمة مع أبي عبد الملك "الشرعي"، ولكن هذه الخطوة لم تتم بسبب اعتقال الأزدي، أما الخط الثاني للمشروع: فكان تحت الإدارة المباشرة لقيادة القاعدة في خراسان؛ حيث قامت قيادة القاعدة في خراسان آنذاك بتعيين عبد الله العدم المعروف بأبي عبيدة المقدسي مسؤولًا عن ملف الشام، حيث بدأ بإرسال كوادر القاعدة من خراسان إلى الشام.

ولماذا يرسلون الكوادر إلى الشام، مع حاجتهم الماسة إليهم في خراسان في ظل الحرب الواسعة المفروضة عليهم؟

أبو عبيدة: لقد كانت الأوضاع سيئة جدًّا في وزيرستان؛ فالجواسيس في كل مكان، والطائرات المسيّرة في الأجواء لا تكف عن قصف عناصر القاعدة، مما أدى إلى فتح المجال لسفر كل مَن يريد الذهاب إلى الشام، وكان عبد الله العدم يأخذ منهم العهود أن يذهبوا إلى الجولاني حصرًا، ولقد طلب مني شخصيًّا الالتحاق بالجولاني في الشام، وعندما سألته عن سبب رغبته في إرسالي وبقية كوادر القاعدة إلى هناك؛ أجابني بأنهم يريدون أن يصنعوا لهم موطأ قدم في الشام.

كيف كان يتم الانتقال من خراسان إلى الشام؟

أبو عبيدة: الأمر كان سهلًا نسبيًّا؛ حيث يشرف منسّقو القاعدة على إدخال الأفراد إلى إيران، وهناك يبقى المسافرون في المضافات لفترة من الزمن حتى يتم ترتيب أمر سفرهم إلى الشام، بعلم حكومة إيران الرافضية، وتحت أعين أجهزة مخابراتها، بل إن المسافر بمجرد دخوله لإحدى المضافات تكون المخابرات قد علمت بوصوله عن طريق مسؤولي المضافات الذين يلتقون بالمخابرات الإيرانية بشكل أسبوعي، كما أن هواتف المضافات تحت سمعهم وسيطرتهم، وربما تستغرب مني هذا الكلام عن سماح إيران بعبور المقاتلين إلى الشام رغم أنهم سيقاتلون جيشَها وميليشياتِها وحلفاءَها هناك، لكن هذا هو الواقع؛ فإيران أكبر همها ألا تحدث عمليات على أرضها، كما أنها باتت تأمن جانب القاعدة، بحكم وجود الكثير من قادتها على أراضيها، بعضهم يتجول بحريّة؛ كما كان حال عطية الله الليبي قبل عودته إلى خراسان، ومنهم مَن كان تحت إقامة جبرية في منازل تتبع للحكومة الرافضية؛ كما هو حال سيف العدل، وأبي محمد المصري، وهؤلاء القادة لا يرون كفر الرافضة، ويأكلون ذبائحهم، بل ومنهم مَن يراهم صديقًا أو حليفًا في الحرب على أمريكا، بالإضافة إلى رغبة إيران في الاستفادة من القاعدة في الضغط على أمريكا وحلفائها من طواغيت دول الخليج، ويمكننا أن نذكر على سبيل المثال الدعم الذي قدمته إيران لـ "كتائب عبد الله عزام" المنشقة عن القاعدة لتنفيذ عملية استهداف ناقلة النفط في الخليج العربي قبل سنوات.

وعبر هذا الطريق هاجرت أنا لاحقًا، لكن طال مكوثي في إيران، حتى يتأكد منسقو القاعدة أني لن أهاجر إلى أرض الدولة الإسلامية، وهكذا أفلت من قبضة المخابرات الإيرانية التي علمت بوجودي عن طريق منسقي مضافات القاعدة، وشككت بوجهتي كما هم شككوا.

هل كان قادة القاعدة يعرفون حقيقة عمل الجولاني، ولمن يتبع؟

أبو عبيدة: لقد سألت عبد الله العدم هذا السؤال، وأجابني أنهم يعرفون أن الشيخ أبا بكر البغدادي -تقبله الله- قد أرسله من العراق للعمل في الشام، ولكنهم لا يريدون أن تتكرر "تجربة العراق" في الشام، وكان يقصد بذلك دولة العراق الإسلامية.

كيف لا يريدون تكرار تجربة دولة العراق الإسلامية، وهم كانوا يحرّضون الفصائل في العراق على بيعتها، ويمدحون قادتها، ويقولون إن في إعلانها توفيقًا ربّانيًّا؟

أبو عبيدة: هذا على الإعلام فقط، أما الواقع فغير ذلك تمامًا؛ حيث كانوا يصرّحون في مجالسهم الخاصة برفض منهج دولة العراق الإسلامية، وقد سمعت هذا من أحد كبارهم شخصيًّا، هم كانوا رافضين إعلان الدولة الإسلامية، وإقامة أحكام الشريعة؛ بزعم أن العراق كلها دار حرب، بل كانوا رافضين منهج المجاهدين في العراق حتى قبل إعلان الدولة؛ فقد كانوا يعارضون منهج الشيخ أبي مصعب الزرقاوي رحمه الله، في استهداف الرافضة مثلًا.

أنت تقول إن بداية مشروع القاعدة في الشام تزامنت تقريبًا مع انطلاقة عمل مجاهدي دولة العراق الإسلامية؛ فكيف عرفوا مسبقًا أن الدولة الإسلامية تريد تطبيق تجربتها ذاتها في العراق على ساحة الشام، ولم يمض على عملها إلا فترة قصيرة؟

أبو عبيدة: لقد أخبرتك سابقًا أن أبا خالد السوري كان يراسل قيادة القاعدة في خراسان، وينقل لهم أخبار ما يجري في الشام، وكانت رسائله في الغالب تحريضًا على دولة العراق الإسلامية، ومجاهديها العاملين في ساحة الشام؛ حيث كان يكرر فيها طلبه من قادة القاعدة أن يعملوا على إخراجهم من الشام، وإقناعهم بالعودة إلى العراق؛ زاعمًا أن ذلك أفضل لساحة الشام، ومن جانب آخر: كانت رسائل الجولاني إليهم تحمل المضمون ذاته، وفي المحصّلة فقد وجدوا في هذا الأمر مبرّرًا لانطلاق مشروعهم في الشام، والغدر بدولة العراق الإسلامية؛ عن طريق اختراق مجموعتها العاملة في الشام والسيطرة عليها، ومن ثم إلحاقها بتنظيم القاعدة.

ولكنك ذكرت أن مشروع القاعدة في الشام كان يسير على خطّين؛ أحدهما باتجاه السيطرة على المجموعة التابعة لدولة العراق الإسلامية، والثاني بالتنسيق مع الفصائل، وعلى رأسها أحرار الشام.

أبو عبيدة: نعم؛ لقد كان الظواهري يأمل مِن خلال عمل أبي خالد السوري في قيادة "أحرار الشام": أن يقوم السوري بتقريب القاعدة من الفصائل؛ حيث طلب منه الظواهري في إحدى مراسلاته معه أن يجمع الفصائل ويأخذ منها عهدًا بالتعاون مع القاعدة، لكن السوري رفض متعذّرًا بأن الأوضاع لا تسمح أو أن الوقت غير مناسب لهذا الأمر، ومن جانب آخر كان عبد الله العدم يرسل الكوادر إلى الجولاني، ويهيئ الأمور لانتقال قيادات من الصف الأول للقاعدة إلى الشام.

وفي رأيي أن خطة الظواهري كانت تقوم على دمج «جبهة النصرة» بعد السيطرة عليها في إطار «أحرار الشام»، ولكن الأمر لم يتم بسبب مقتل أبي خالد السوري، وهو القائم على مشروع تقريب «أحرار الشام» من القاعدة، وكذلك مقتل كل قيادات الصف الأول في القاعدة تقريبًا وعلى رأسهم أبو عبيدة العدم، أحد كبار القائمين بمشروع الغدر بدولة العراق الإسلامية من خلال السيطرة على «جبهة النصرة»، ومن ثم نجح الجولاني ومن معه في تحييد القادمين من خراسان، وتجميد نشاطهم منذ الأيام الأولى لوصولهم إلى الشام؛ حيث كانت تَرِدُ الرسائل منهم بأنهم غير مرحّب بهم لدى قيادات «جبهة النصرة» الذين كانوا يرغبون في جعل فصيلهم «سوريًّا خالصًا»، بل كانوا يشتكون من مضايقات أبي فراس السوري لهم، رغم معرفتهم القديمة به التي ترجع لفترة وجوده في أفغانستان، وقد وجدنا أن بعض هؤلاء انشق عن «جبهة النصرة» وانضم لفصائل أخرى على رأسها «جند الأقصى».

وكيف يكون مشروع القاعدة الأساسي هو الانضمام إلى «أحرار الشام» في الوقت الذي كان هذا الفصيل لا يخفي لقاءاته وارتباطاته مع حكومات الطواغيت في الدول القريبة؟

أبو عبيدة: مثلما بايعوا أختر منصور وهم يعرفون علاقته بطواغيت باكستان وأجهزة مخابراتها.

القاعدة -كما تعلم- تريد الابتعاد عن قتال الطواغيت المتحكمين ببلاد المسلمين، ولا يقاتلون منهم إلا مَن بدأهم بقتال؛ بحجة التفرّغ لقتال رأس الكفر العالمي أمريكا، ولذلك فإنها تحاول التستّر بالفصائل والجماعات التي يرضى عنها الطواغيت، لتحتمي بهم عن طريق الاختلاط بصفوفهم، بل ولا بأس عندها أن تحصر قتالها فيمن يرضى عن قتالهم الطواغيتُ؛ لتحمي نفسها من بطشهم، ولك في خراسان خير مثال؛ حيث ارتبطت القاعدة بعدة فصائل مرتبطة بالمخابرات الباكستانية، وعلى رأسها حركة طالبان الوطنية، وكذلك لما حدث الانشقاق داخل "تحريك طالبان" في مناطق وزيرستان: فإنها سارعت إلى التواصل مع الفرع الذي يرفض قتال الطواغيت في باكستان والمعروف بفرع "حلقة مسعود" الذي كان يقوده المدعو "سجنه"، وقد طلب مني مراسل الظواهري حينها وَقْفَ الاتصال مع الفرع الذي كان يقوده "حكيم الله" كوني كنت مندوبًا لتنظيم القاعدة عند مجلس شورى طالبان في شمال وزيرستان؛ وذلك لكون "حكيم الله" كان يُصِرّ على قتال الحكومة الباكستانية، كما كان يستهدف الطوائف المنحرفة من الإسماعيلية والرافضة، حتى في معًابدهم.

والأهم من ذلك كله: أن الوجود الوحيد المتبقي للقاعدة في تلك المنطقة والمعروف بتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية: هيمنت عليه شخصيّات تعارض قتال طواغيت باكستان، وعلى رأسهم المدعو أحمد فاروق، وذلك بدعم من أحد المقربين من الظواهري وأسرته، كما أنه فوّضه الإشراف على "مؤسسة السحاب" الأوردية، الموجهة لشبه القارة الهندية، وبذلك تم تهميش التيار المقاتل للطواغيت كجماعتي إلياس كشميري وبدر منصور، ليتوجه القتال كليا عن قتال طواغيت باكستان إلى القتال الذي يرتضونه؛ وهو قتال الهند العدو التقليدي لباكستان، وبعد مقتل أحمد فاروق في قصف استهدفه مع عزام الأمريكي واثنين من الأسرى الصليبيين: خَلَفَهُ في قيادة التنظيم "مولوي عاصم عمر"، والذي كان قياديًّا في "حركة المجاهدين" المدعومة من المخابرات الباكستانية، والتي كان عملها سابقًا منحصرًا بقتال الجيش الهندي الكافر في كشمير، وبالتالي يمكنك القول الآن إن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية يقوده المرتبطون بالمخابرات الباكستانية، وكثير منهم صوفيون ديوبنديون، بل إنهم لا يرون ردة الحكومة الباكستانية، ويتبعون "علماء" باكستان لا شرعيي القاعدة، ومنهم المرتد "مولانا فضل الرحمن" العضو في البرلمان الباكستاني، الذي كان بمثابة شيخ لأحمد فاروق وأتباعه.

ولا أظنك ترى أن الحكومة التركية التي يرتبط بها «أحرار الشام» تختلف كثيرًا عن حكومة باكستان، بل هناك من قادة القاعدة من يرى الطاغوت أردوغان مسلمًا، رغم حكمه بغير ما أنزل الله، وموالاته للصليبيين، وهو سالم الطرابلسي الذي كان شرعيًّا عامًّا لقاعدة خراسان، وبالتالي ما المشكلة في ارتباط القاعدة بفصيل مرتبط بالحكومة التركية؟

كيف يعقل أن يرتبط تنظيم القاعدة بالمخابرات الباكستانية، رغم أن جواسيس المخابرات الباكستانية هم وراء قتل كل قادة القاعدة، والجيش الباكستاني والصحوات المرتبطة به هم الذين أنهوا وجود القاعدة في وزيرستان؟

أبو عبيدة: لتفهم القضية جيدًا يجب أن تكون على معرفة بحقيقة المخابرات الباكستانية؛ فهي مثل كل أجهزة المخابرات في العالم، مكوّنة من أقسام عديدة، وكل من هذه الأقسام يقوم بتنفيذ جزء من أهداف الحكومة الطاغوتية؛ فهناك مثلًا قسم موجه للحرب ضد الهند؛ وتعمل تحت إشرافه كل الفصائل والحركات العاملة ضد الهند في كشمير، وهناك قسم آخر موجّه لإدارة شؤون أفغانستان؛ وهو الذي كان يشرف على الفصائل المقاتلة للشيوعيين سابقًا، ومن ثم صار يشرف على حركة طالبان، وهناك قسم آخر يعمل في خدمة المخابرات الأمريكية؛ وهو الذي كان يدير الحرب ضد القاعدة في وزيرستان على الأرض عن طريق الصحوات، والجواسيس الذين يساعدون الطائرات المسيرة الأمريكية في تحديد أماكن المقرات والمضافات، وتعقّب القيادات والعناصر، وهذا القسم هو الذي كان يشن الحرب على القاعدة، في حين أن هناك أقسامًا أخرى تستفيد من القاعدة وحلفائها في تحقيق أهداف طواغيت باكستان.

أنا مضطر لأقفل الحوار عند هذه النقطة، دون أن أشبع رغبتي في المزيد من المعلومات عن تجربتك مع القاعدة، وأعتقد أن القرّاء في شغف لاستطلاع رأيك حول مآل فرعها في الشام في ضوء ما يجري التحضير له حاليًّا من مفاوضات بين النظام النصيري والصحوات؛ لذلك سآخذ منك المزيد من الوقت في لقاء آخر -إن شاء الله- لإطلاعنا والقرّاء على هذه القضايا، إن لم يكن لديك مانع في هذا؟

أبو عبيدة: على الرحب والسعة، وكل ما شاهدته أو عرفته عن هذه القضايا سيكون أمامكم، فغايتنا ألا تتكرر مأساة وزيرستان، وأن يعي المسلمون أن الفصائل تبعدهم عن الشريعة ولا تقربهم منها، والحمد لله رب العالمين.

جزاك الله خيرًا على سعة صدرك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.



  1. الجزء الثاني: حوار مع أبي عبيدة اللبناني (العدد 20)

الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1437ه

أبو عبيدة اللبناني: القاعدة لم تحكّم شريعة الله في نفسها؛ فكيف تريد أن تحكّمها في الأمة؟



المسؤول الأمني لقاعدة خراسان سابقًا، وعضو مجلسها الاستشاري، ومسؤول التدريب في لجنتها العسكرية... تحدث لـ (النبأ) عن خفايا تنظيم القاعدة، وبيّن الكثير من تفاصيل اندثار التنظيم، بمقتل قادته، وارتباطه بالفصائل التي تديرها وتوجهها المخابرات الباكستانية.

حدثتنا في الحلقة الماضية عن المخطط الذي عملت عليه قيادة القاعدة لاختراق الدولة الإسلامية من خلال الجهاد في الشام؛ فكيف كان حال قاعدة خراسان في ذلك الوقت؟

أبو عبيدة: الحمد لله وحده، والصلاة على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومَن سار على هديهم إلى يوم الدين.

إن من عجائب قدرة الله عز وجل: أن القاعدة وهي تعمل على إنشاء «موطئ قدم» لها في الشام؛ فإنها كانت تتآكل في معقلها الأساسي في خراسان، وفي الوقت الذي كانت تعمل على اختراق الدولة الإسلامية؛ فإنها كانت تتعرض لأكبر اختراق أمني في تاريخها، وهذا الاختراق كان السببَ الرئيسَ في مقتل غالبية قادتها، وتدمير الكثير من مقراتها ومجموعاتها.

وهذا الاختراق لم يأت من خارجها، ولكنه كان من داخلها؛ حيث نجحت الصحوات المرتبطة بالمخابرات الباكستانية في تجنيد ثلاثة من أبناء أمراء في القاعدة؛ وذلك بعد توريطهم في الزنا وفاحشة قوم لوط عليه السلام، ثم تكليفهم بجمع المعلومات عن قادة القاعدة ومقرّاتها، وهذه المعلومات وصلت بالطبع للمخابرات الأمريكية التي وجّهت طائراتها لقصف هذه الأهداف.

وكان مِن نتائج هذا الاختراق: مقتل معظم قادة الصف الأول في القاعدة؛ ومنهم عطية الله الليبي أمير خراسان، وأبو يحيى الليبي المسؤول الشرعي وأمير خراسان بعد عطية الله، وأبو زيد الكويتي الشرعي في التنظيم، وعبد الرحمن الشرقي مسؤول العمل الخارجي، وبشير أحمد مسؤول التدريب، وأحمد خان قائد إحدى المجموعات التي كانت تعمل داخل باكستان، وعبد المجيد عبد الماجد الشرعي في القاعدة، وأولاده، بل تعدى أثر الاختراق ليشمل المجموعات المرتبطة بالقاعدة؛ فقُتل أبو معًاذ التونسي مسؤول إحدى المجموعات التي تخطط للعمل ضد فرنسا، وبدر الدين حقًّاني مسؤول العمليات الكبيرة في طالبان الأفغانية، كما قُتِلت عدة مجموعات من التركستان والأوزبك، وغيرهم.

هل كل هؤلاء قُتلوا على يد خلية واحدة فقط؟

أبو عبيدة: نعم؛ فَلِكَون أولئك الجواسيس أبناء أمراء في القاعدة فإن الثقة بهم كانت عالية؛ لذلك كانوا يدخلون إلى كل المقرّات، ويلتقون بالجميع بدون استثناء، وبذلك يقومون بجمع المعلومات، وتصوير الأماكن والأشخاص، وزرع الشرائح، ومن ثم يأتي عمل الصليبيين بقصف تلك الأهداف.

وكيف تم اكتشاف هذه الخلية؟

أبو عبيدة: كنا في الجهاز الأمني للتنظيم قد نظّمنا مجموعات أمنية لمكافحة الجواسيس أطلقنا عليها اسم (خراسان)، يعمل فيها إلى جانبنا عدد من البشتون؛ لتعقّب الجواسيس وقتلهم، وقامت هذه الخلايا باعتقال أحد العرب بعد اتهامه بالسرقة، ولكن أثناء التحقيق مع هذا الشاب المدعو يونس: توصّل الجهاز الأمني إلى أن قضيته أكبر من اللصوصية، فاعترف لنا بممارسته لفاحشة قوم لوط مع مجموعة من البشتون والعرب، وأنهم يعملون جواسيس مع أحد قادة الصحوات في شمال وزيرستان، فقمنا باعتقال شاب آخر من الخلية اسمه حمزة، فيما تمكن الثالث واسمه خالد علي جان من الفرار بعدما بلغه خبر بحثنا عنه، وقد أقر حمزة على نفسه ورفاقه بممارسة فاحشة قوم لوط، وبعملهم جواسيس، وبتسبّبهم بمقتل عدد كبير من قادة القاعدة وعناصرها، وهنا حمدنا الله على نعمة القبض عليهم، وظننا أننا بقتلهم سنتخلص من مشكلة كبيرة، ولم نكن نعلم أننا باعتقالنا لهؤلاء الجواسيس قد أوقعنا أنفسنا في واحدة من أعقد المشكلات مع قادة القاعدة.

كيف تقول إنكم أوقعتم أنفسكم بمشكلة؟ أي عاقل سيقول إن قيادة القاعدة كانت ستكافئكم على إمساككم بمن تسبّب بقتل هذا العدد الكبير من الأمراء والجنود، بالإضافة لكون المعتقلين كانوا متورّطين بفاحشة قوم لوط.

أبو عبيدة: لا تكلمني بمنطق الأمور كما تجري في الدولة الإسلامية؛ فعالَم القاعدة يختلف تمامًا.

فبالرغم من أن الأصل في الجواسيس عند القاعدة هو القتل؛ إلا أن هذه الحالة كانت استثناء من الأصل؛ فقد كانت مجموعات (خراسان) تقتل الجواسيس إذا توفر دليل يثبت تورطهم بالفعل، أو إقرارهم على أنفسهم، أو شهادة اثنين عليهم من العدول، أو العثور معهم على دليل مادي؛ كبطاقة تعريف تخص المخابرات، أو شريحة تحديد المواقع، أو ما شابه ذلك، وبناء على ذلك: قتلت (خراسان) العديد من الجواسيس من البشتون، وألقت جثثهم في الشوارع مع بطاقة تبيّن سبب قتلهم، ولكن عندما أردنا أن نفعل ذلك مع هؤلاء الجواسيس وقفت قيادة القاعدة وعلى رأسهم الظواهري في وجهنا، وأخّروا حسم موضوعهم حوالي 20 شهرًا، قتلنا خلالها عشرة من البشتون لقيامهم بالتجسس، دون أن تأذن لنا القاعدة بقتل هؤلاء الجواسيس رغم عظم جرمهم، وتسببوا لنا بمشكلات مع العاملين معنا من البشتون؛ حيث إن بعضهم قتل خاله، أو ابن عمه لكونه جاسوسًا، فغضبوا لأنهم شعروا أننا نميّز بين البشتون والعرب في الأحكام.

وزاد مِن همّنا أنه بلغنا أن قائد الصحوات الذي جنّد الجاسوسين عازم على الهجوم على مقرّنا لاستنقاذهم من أيدينا، وقد كنا متيقنين أن هؤلاء الجواسيس إن خرجوا من تحت أيدينا فسيعملون على القضاء على من تبقى منا، ورغم ذلك كانت قيادة القاعدة تريد أن يُطلَق سراحهم!

ولماذا كان كل هذا الإصرار من قيادة القاعدة على عدم قتلهم؟

أبو عبيدة: كانت والدة أحد هؤلاء الجواسيس وهي زوجة أحد أمراء القاعدة المقتولين ذات لسان سليط، وكانت تتكلم عنا في الأسواق وتشتمنا وتدعو علينا، وكان قادة القاعدة يخشون أن تخرج على الإعلام وتهاجم القاعدة إن قتلنا ولدها، وبذلك تسوء سمعة القاعدة في العالم إذا انفضح أمر خيانة بعض أبناء قاداتهم وعملهم جواسيس، وكأن سمعة التنظيم أهم من تطبيق شريعة رب العالمين، وأهم من أرواح من تبقى من جنود وأمراء القاعدة، الذين كان الجواسيس سيعملون على تصفيتهم في حال إطلاق سراحهم!

كما أبدى بعض قادة القاعدة خشيتهم من تكرار ما حدث في جماعتهم القديمة (جماعة الجهاد)، بعد قصة مشابهة حدثت معهم في السودان سابقًا.

فجاءنا خطاب من الظواهري فيه أن «الجماعة قررت العفو والستر»، العفو عن حدّ مِن حدود الله، والستر على مَن دمّر التنظيم وقتل معظم قادته.

ثم طلبوا منا تسليم الجاسوسَين إلى محكمة الطالبان؛ فرفضْنا ذلك؛ لعلمنا أنهم كثيرًا ما يتركون الجواسيس ولا يقتلونهم، وهنا سألناهم: ولماذا نسلّمهم دون غيرهم إلى محكمة الطالبان؟ فأجابونا بأن هؤلاء وضعهم خاص!

وفي النهاية: اجتهدنا من أنفسنا وقمنا بتطبيق حكم الله في الجاسوسَين بقتلهما دون الرجوع إلى قيادة القاعدة، التي عطلت الحدود وماطلت في موضوعهم 20 شهرًا؛ خوفًا على سمعة التنظيم الذي كان في طور الانقراض!

هذا بالنسبة لوضع القاعدة الداخلي، ولكن ماذا بخصوص علاقتها بالمحيط الذي كنتم تعيشون فيه؛ أقصد في وزيرستان؟

أبو عبيدة: من كان عاجزًا عن تطبيق الأحكام الشرعية داخل تنظيمه؛ فكيف تريده أن يكون مع من هم خارج التنظيم؟ بالتأكيد كانوا أعجز وأقل حيلة في التعامل مع الأعداء الموجودين حولنا، الذين كانوا يتربصون بنا في كل وقت.

كانت الصحوات في كل مكان، ونحن نعرفهم، وكثير منهم مرتبط بطالبان الأفغانية، ولكننا كنا عاجزين عن التحرك ضدهم وضربهم؛ بسبب رفض قادة القاعدة استهدافهم بحجة الخوف من تأليب قبائلهم ضد القاعدة.

لقد كانوا يعملون لقتلنا، في حين يمنعنا القادة من التصدي لهم؛ خوفًا على سمعة القاعدة بأن يقال إنها تقاتل القبائل إن ثارت علينا غضبًا لقتل المرتدين من أبنائها!

وأضرب لك مثالًا يرتبط بقصة الجواسيس السابقة؛ وهي قصة المرتد (جود عبد الرحمن) قائد إحدى الصحوات في شمال وزيرستان، والذي كان لا يخفي عداوته لنا، بل هو الذي جنّد أولئك الجواسيس للقضاء على القاعدة، وكنا نعرفه ونرصد تحركاته، وكما قلت لك إنه كان يريد الهجوم علينا لاستنقاذ الجواسيس من أيدينا، فلما أردنا اغتياله رفض قادة القاعدة ذلك خوفًا من قبيلته، فلم نسمع لهم لتعطيلهم حكم الله في هذا المرتد وحاولنا اغتياله، فَلامَنا قادة القاعدة على ذلك، أنُلام لأننا عملنا على قتل مرتد هو من أشد الأعداء لنا؟ أيُترَك مثل هذا المجرم حيًّا ليقضي علينا جميعًا؟

ولم يكتف أمراء القاعدة بمنع عناصرها من التحرك ضد أولئك المرتدين، بل تعدى أذاهم إلى الجماعات الأخرى؛ حيث كان (حكيم الله محسود) يقوم بقتل مرتدي الصحوات أينما وجدهم، وكانت القاعدة تهاجمه على ذلك وتتبرأ من أفعاله؛ خوفًا من أن تُنسب تلك الاغتيالات إليها، فحين قتل (حكيم الله) المرتد (نور محمد) وهو قائد مهم في الصحوات، وكان يحرض على القاعدة والطالبان في مسجد الضرار الذي يجمع فيه أنصاره وأتباعه، وكان لا يتحرك خارج منزله المحصن إلا إلى مسجد الضرار هذا، وعبر ممر محصن خوفًا على نفسه، فأرسل إليه (حكيم الله) من يقتله مع 25 من أتباعه بحزام ناسف؛ فثارت ثائرة القاعدة، وخرجوا يتبرؤون من القضية، بل وأرسلوا مندوبًا إلى (وانة) جنوب وزيرستان للقاء (الملا نذير) من طالبان الأفغانية لتبرئة أنفسهم من العملية، بل وخرج (عطية الله) بإصدار عنوانه (تعظيم حرمة دماء المسلمين) أنزله خصيصًا ضد (تحريك طالبان) التي يقودها (حكيم الله) الذي كانوا يتهمونه بالغلو والاستهانة بالدماء.

وهكذا كانت الصحوات تنمو في وزيرستان، وتعمل ضدنا بحرية، في حين ترفض القاعدة الرد عليهم خوفًا من قبائلهم، وفي النهاية سيطرت الصحوات على المنطقة بعد أن تمكنت من القضاء على القاعدة نهائيًّا، بمساعدة الصليبيين ومرتدي باكستان.

بأي شريعة كانت تُحكم وزيرستان؟ وهل كان للقاعدة سعي في تطبيق الشريعة فيها؟

أبو عبيدة: كانت منطقة وزيرستان بالكامل تُحكَم بالقوانين الجاهلية؛ حيث كان للقبائل قانون قديم وضعه آباؤهم وأجدادهم يتحاكمون إليه يسمونه (رواج)، وعند حدوث أي مشكلة داخل القبيلة يتم عقد مجلس قَبَلي (جيرغا)، ويقوم كبراء القبيلة الذين يسمونهم (ملكان) فيحكمون بين المتخاصمين وفق أحكام (الرواج)، حتى في أبسط الأمور مثل الإرث؛ حيث يتم توزيعه بين الورثة بحسب حجم ذرّياتهم لا وفق حقهم الذي أعطاهم الله، وقس على ذلك الأمور الأعقد.

وقد كانت القاعدة تعيش وسط هذه الغابة من الأحكام الجاهلية دون أن تعمل على تغييرها، وكيف لمن لم يقم أوامر الله فيمن هم تحت حكمه، أن يطالب الناس خارج التنظيم أن يخضعوا لها؟

هل تعني أن قادة القاعدة في خراسان كانوا لا يقيمون الحدود حتى داخل تنظيمهم وعلى جنودهم؟

أبو عبيدة: نعم؛ هذا ما أعنيه، وقد ضربت لك مثالًا واضحًا في قضية الجاسوسَين؛ فرغم أنهما أقرّا على نفسَيهما بفاحشة قوم لوط، وبأنهما يعملان جاسوسَين، وبأنهما تسبّبا بمقتل الكثير من عناصر القاعدة وأمرائها؛ رغم ذلك كله: رفض قادة القاعدة قتلهما، بل إنهم امتنعوا أن يبيّنوا ردّتهما للناس، رغم طلب زوجة أحد الجاسوسَين ذلك لتعرف حكم بقاء زواجها منه، وقد أرسلت والدتها -وهي أرملة أحد القادة الكبار في القاعدة- رسالة إلى الظواهري تريد منه توضيحًا عن حكم بقاء عقد زواج ابنتها من ذلك الجاسوس، ولم يصلها الرد من الظواهري على ذلك!

وقد قمنا -آنذاك- بإرسال رسالة للظواهري نطلب منه مبرّرًا شرعيًّا لعدم تطبيقهم للحد الشرعي على هذين المرتدَّين، وذلك بعد كتابته إلينا بالعفو عنهما والستر عليهما!

وبماذا تفسّر عدم تطبيقهم الحد على الجاسوسَين؟

أبو عبيدة: هم يتعلّلون بآراء وحجج فاسدة قرّرها شرعيّوهم حتى لا يقيموا الحدود، فضلًا عن التستّر على الواقعين في الحدود وعدم معاقبتهم بأي شكل كان، وأذكر لك قصة شاب من مقاتلي التنظيم سعى للاعتداء على غلام، فأمسكنا به قبل ذلك وعزّرناه بعدما أقرّ على نفسه بالأمر، وأخرجناه من المنطقة؛ حرصًا عليه من انتقام أهل الغلام، وفوجئنا بعدها أن مجلس شورى القاعدة يرسلون لنا معبّرين عن غضبهم من جلد الشاب، رغم أنه أقر على نفسه، ورغم أن عدم معاقبته كانت قد تدفع والد الغلام إلى قتله!

ولماذا لم يعمل قادة القاعدة على وضع حد لذلك الفساد؟ سيما وأنه كان أحد الوسائل لتجنيد جنودهم وأبنائهم ليتحولوا إلى جواسيس يساعدون على قتلهم.

أبو عبيدة: من المؤكد أن قادة القاعدة لم يكونوا راضين بدخول هذا الفساد على بعض جنودهم وأبنائهم، ولكن لما قدموا آراءهم وأهواءهم على أمر الله: عاقبهم بالعجز؛ فالمعاصي والذنوب ومنها الفواحش يكاد لا يخلو منها مجتمع، والله أنزل الحدود لتزجر الناس عنها، ولنا في قصة ماعز والغامدية أسوة حسنة؛ فهما اثنان من الصحابة وقعا في فاحشة الزنا، فطهّرهما رسول الله عليه الصلاة والسلام بالحد، ورجمهما، رغم أن حال النبي عليه الصلاة والسلام لم يخلُ من الحرب طوال فترة وجوده في المدينة، ولم يقل أحد من الصحابة إن قتل الصحابيين رجمًا سيسيء إلى سمعة جماعة المسلمين، أو أنه سيؤلب عليها القبائل؛ فإقامة حكم الله في أفراد الجماعة المسلمة يحميها من انتشار الفساد داخلها، فضلًا عن أنه سبب قيامها، وكيف يقوم تنظيم يزعم أنه الطليعة المجاهدة للأمة، وأنه يريد إقامة الخلافة على منهاج النبوة، وهو لا يقيم حكم الله في نفسه قبل غيره؟ وقد قلت للظواهري في رسالة أرسلتها إليه: «إن كنا لا نستطيع إقامة حكم الله في أنفسنا؛ فكيف سنقيمه في الأمة؟»، وكالعادة يتهرّب الظواهري من الإجابة على الأسئلة التي تتطلّب المفاصلة.

ونصيحتي للمجاهدين: أن يحرصوا على دينِ مَنِ استرعاهم الله مِن أزواج وذرّية؛ فالمعاصي في الجهاد أشد خطرًا مما في سواه، وأن يعلموا أن وقوع أبنائهم في المعاصي لن يعرّضهم لخسارة دينهم فقط، وإنما قد يجرّهم أيضًا للوقوع في حبائل المرتدين؛ فيجنّدوهم ويحوّلوهم إلى عملاء وجواسيس في خدمة الطواغيت والصليبيين.

وأنا أشدّ على يد ولاة أمرنا -جزاهم الله عن المسلمين خير الجزاء- بعدم التهاون في شأن المعاصي، والحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود، وتطبيق أحكام الدين؛ فهي الغاية التي بُذِلَتْ مِن أجلها المهج والدماء، وهي -بعد الله- الحصن الحصين للأمة.

توضيح المنهج الحقيقي لتنظيم القاعدة أمر في غاية الأهمية، وخاصة أن من الناس من يظن -بخلاف الواقع- أنه قريب من منهج الدولة الإسلامية، وسنترك لك المجال لتوضيح هذا الأمر في فرصة أخرى بإذن الله تعالى.

أبو عبيدة: على الرحب والسعة، مع أني متأكد سلفًا أن توضيح حقيقة منهج القاعدة سيسبّب صدمة للكثيرين، كما جرى معنا بعد دخولنا وزيرستان ورؤية القاعدة من الداخل، لا من خلال الفضائيات والمنتديات، والحمد لله رب العالمين.

  1. حوار مع الأمير المفوّض لإدارة الولايات الليبية (العدد 21)

الثلاثاء 28 جمادى الأولى 1437ه

الأمير المفوّض لإدارة الولايات الليبية الشيخ عبد القادر النجدي حفظه الله: نسأل الله أن يجعل طلائع الخلافة في ليبيا من الفاتحين لروما.



بشائر عظيمة ساقها للمسلمين عن اشتداد عود الولايات الليبية، وتوضيحات جلية عن واقع مشروعات الصليبيين والمرتدين ومآلاتها، ورسائل مهمة وجهها للطواغيت.

أسئلة وجهتها «النبأ» للشيخ عبد القادر النجدي حفظه الله؛ لتستوضح لقرّائها عن حال الدولة الإسلامية في الولايات الليبية.

ما هي أهمية الولايات الليبية لمستقبل الجهاد في شمال إفريقية خصوصًا وعلى مستوى الخلافة عمومًا؟

للولايات الليبية بالغ الأهمية، ليس لموقعها الجغرافي فحسب؛ بل لأنها هبة الله للموحدين؛ حيث ساق الجهاد لكل قاعد تاقت نفسه لأداء هذه الفريضة ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، ليبيا مهمة لأنها بلاد مسلمة فتحت بأسياف الصحابة ويجب على كل موحد إعادتها لسلطان الخلافة وحكمها بكتاب الله، ويُعَدّ وصول سلطان الخلافة إلى هذه الأرض المباركة من تدبير الله الذي كتب ألا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا ويدخله هذا الدين بعز عزيز أو بِذُلّ ذليل؛ عزًّا يعز الله به الإسلام وذلًّا يذل الله به الكفر، نعم من تدبير الله الذي كتب أن العاقبة للمتقين، وأن الأرض يورثها من يشاء من عباده المتقين نسأل الله أن يجعلنا منهم، وقد بشرنا الصادق المصدوق بفتح روما، فنسأل الله أن يجعل طلائع الخلافة في ليبيا من فاتحيها.

يتبجح الصليبيون بأنهم قتلوا الشيخ أبا المغيرة القحطاني تقبله الله، ويزعمون أنهم أضعفوا الدولة الإسلامية في الولايات الليبية؛ فما هو ردكم على دعواهم، وما هو الواقع على الأرض؟

إن غايتنا من هذا الجهاد هي ابتغاء رضوان الله، ولذة النظر إلى وجهه، والطمع بما عنده من نعيم مقيم لمن قاتل وقُتل في سبيله غير مُبَدّل ولا مُغَيّر، ونحسب أن الشيخ أبا المغيرة نال ما تمنى، فنحتسب عند الله مصيبتنا بفقده ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ونسأله سبحانه أن يلحقنا به غير مفتونين، ونبشر الغرب والمرتدين بما يسوؤهم؛ فإن هذه الأمة لا تتأثر بموت قادتها ولا ينخر ذلك من عزمها ولا يَفِتّ من عضدها، فتربصوا إنا معكم متربصون.

هل الولايات الليبية تشبه الولايات الشامية والعراقية من ناحية مظاهر التمكين؟ وهل تجب الهجرة إلى الولايات الليبية؟

إن الدولة الإسلامية في الولايات الليبية لا تزال وليدة، إلا أنها بفضل الله باشرت تحكيم الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجباية الزكاة في مناطق سيطرتها، والسير على خطى الولايات التي سبقتنا إلى هذا الخير في العراق والشام، أما بخصوص وجوب الهجرة؛ فإن الهجرة لدار الإسلام التي تعلوها أحكام الشريعة واجب متعين على كل مسلم فضلًا عن وجوبها إلى أرض الجهاد لأداء الفريضة المتعينة عليه، ولذلك ندعو المسلمين كافة إلى أداء حق الله، ونذكرهم بوعيد الله لمن تخلف عن التزام أمره وآثر السكنى في ديار الكفر عن الهجرة والجهاد، سواء في مركز الخلافة في العراق والشام أو في باقي الولايات كالولايات الليبية.

كيف تمكّنت الدولة الإسلامية من بسط سيطرتها على مدينة سرت ومحيطها، وإقامة الشريعة الإسلامية فيها، بشكل أيسر وأسهل من باقي المناطق في ليبيا؟

إن المنة والفضل في تمكن الدولة من بسط سيطرتها على سرت ومحيطها بشكل أيسر من غيرها من المناطق هي لله وحده، ثم بركة طاعة أمر الله ورسوله من الاعتصام بالجماعة والسمع والطاعة لمن ولاه الله الأمر علينا؛ إذ إن تعدد الجماعات وتنازعها هي من أسباب الفشل وذهاب الريح، وتعدّ باقي المدن في ليبيا مثالًا حيًّا على هذا، ولذا فإننا لا نزال ندعو مجاهدينا إلى خفض الجناح ودعوة الجماعات إلى التزام أمر الله في الجماعة ونبذ الفرقة والخلاف.

شاهدنا كما شاهد العالم بداية نشاط كبير للدواوين المختلفة في الولايات الليبية، كالحسبة والزكاة والقضاء والدعوة وغيرها؛ فهل يمكنك أن تحدثنا عن واقع هذه الدواوين؟ وما شكل العلاقة بين دواوين الدولة الإسلامية في الولايات الليبية، والدواوين المركزية للدولة الإسلامية؟

من توفيق الله تعالى ومنته على عباده أن الدولة الإسلامية في الولايات الليبية يشتد عودها في كل يوم، وقد يسر الله لها تفعيل بعض الدواوين ولا يزال العمل في تطور، أما بخصوص علاقة الإخوة في الولايات الليبية مع الدواوين المركزية: فهم على تواصل دائم ولله الحمد، وقد ساهمت الدواوين المركزية بمدّهم بخلاصة تجربتهم -جزاهم الله عنا خير الجزاء-، وكان لها الأثر البالغ في تطور عمل الدواوين في الولاية، ولله الحمد من قبل ومن بعد.

سمعنا أن الولايات الليبية قد تحولت إلى مقصد لكثير من المسلمين المهاجرين بدينهم من ديار الكفر، الراغبين بالعيش في بلاد الإسلام، والاعتصام بجماعة المسلمين، فهل تحدثنا عن واقع الهجرة إليكم؟

بفضل الله تعالى ومنته أصبحت ولايات ليبيا اليوم مقصدًا للمجاهدين وملاذًا للمستضعفين، وتضاعفت أعداد المهاجرين من كل فج عميق رغم مساعي الغرب الحثيثة في الحد من هجرتهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فندعو المسلمين المقيمين في دار الكفر إلى الهجرة والجهاد ونحذرهم من استبدال الله بهم إن تقاعسوا وتراخوا عن الواجب المتحتم في أعناقهم، لا سيما أن الله يسّر أسباب ذلك لمن طلبه، ونحذّرهم من وعيد الله لمن قعد عن الهجرة مع القدرة عليها: {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)} [سورة النساء]، وقد وعد الله عباده فقال تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [سورة النساء: 100].

يتساءل كثير من البعيدين عن ساحتكم عن حقيقة الفصائل الموجودة في الولايات الليبية، طرق تمويلها، وحقيقة تبعيتها، وعن أهدافها المستقبلية، وعن موقف الدولة الإسلامية منها؛ هل يمكنكم أن توضحوا لنا وللقرّاء حقيقة الأمر؟

إن الفصائل الموجودة اليوم في الولايات الليبية يختلف حالها وحكمها باختلاف مشاربها ومناهجها؛ فإن منهم من لفّ لفيف أسلافه من صحوات الشام والعراق، وتخندق في خندق الديمقراطيين الموالين للغرب، حتى صرح بعضهم بتأييدهم للحوار (الليبي - الليبي) الدائر بين طاغوت طرابلس المتمثل بـ «مؤتمر طرابلس الديمقراطي»، وبين طاغوت طبرق المتمثل بـ «نواب البرلمان الديمقراطي»، وهناك مجاميع ضالة كلما تقدمت خطوة باتجاه الطواغيت -لمصلحة توهّموها- تباعدت أميالًا عن التوحيد، ولأنهم قبلوا دعم الطواغيت لانت قلوبهم لطاغوت نازع الله في حكمه، ورحم الله سفيان الثوري حين قال: «ما وضع رجل يده في قصعة رجل: إلا ذَلَّ له»، فنسأل الله أن يردّهم إلى الحق، وندعوهم لمفاصلة المشركين متوكلين على رب السماوات السبع والأرضين، ونذكّرهم بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق: 3]، وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} -أي فقرًا وحاجة- {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [سورة التوبة: 28].

أشرف الصليبيون على محادثات بين الفصائل في شرق ليبيا وغربها، وأثمر الاتفاق عن تشكيل ما يسمونه «حكومة وفاق وطني»؛ ما هو السبب الذي دفع تلك الأطراف المتصارعة إلى الرضا بالتشارك في حكومة واحدة؟ وما تأثير تشكيل هذه الحكومة على جهاد الدولة الإسلامية في الولايات الليبية؟

إن أمم الكفر يعضّون الأنامل غيظًا وحنقًا على تمدد الدولة في ولايات ليبيا في ظل التشرذم والتفرق الذي يعانيه شركاء الديمقراطية المتشاكسون الذين يتجاذبون دنيا مؤثَرة بينهم، كل منهم يريدها خالصة له من دون الناس، مما أشغلهم بفضل الله عن الغاية التي أوجدهم الغرب لأجلها؛ وهي حرب الدين ومنع إقامة سلطان الله في الأرض، لأجل ذلك يحرص أعداء الملة قاطبة على إنهاء الصراع السياسي الدائر بليبيا اليوم بميلاد حكومة مسخ يسمونها «الوفاق الوطني» التي تجمع بين الفرقاء الديمقراطيين؛ حتى تتوحد جهودهم في حرب المجاهدين ومنع تمددهم في ولايات ليبيا، أما تأثير ذلك على الدولة الإسلامية: فمن يتوكل على الله فهو حسبه، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فنسأل الله أن يردّ كيدهم في نحرهم، وأن يشغلهم بأنفسهم.

حدثنا عن حقيقة مشروع «خليفة حفتر» و«فجر ليبيا» وواقعهما ومستقبلهما.

إن الطاغوت خليفة حفتر هو مشروع تأليه لشخصه المهووس بسلطة مطلقة على غِرار إمامه القذافي؛ فلا يلتزم بالديمقراطية ومبادئها الكفرية من تعددية وحرية، بل يُمني نفسه بتعبيد الناس لذاته، خلافًا لمشروع فجر ليبيا الديمقراطي الذي يستخدم الديمقراطية الشركية للوصول إلى مآربه الحزبية، على غِرار الحكومات الإخوانية الطاغوتية التي تُنصّب أربابًا مشرّعين لهم حق التشريع لا يخضعون لحكم الله بل يُخضعون حكم الله لحكمهم، فلا اعتبار لأحكام الله إلا إذا صدّق عليها المشرعون المنتخبون وأقرّوا أحكامها بصفتهم السلطة التشريعية، وفي الوقت ذاته يتمسّحون بالدين ويتلفّعون بردائه، لا سيما وفي صفهم علماء السوء الذين أخذوا على عاتقهم مناصرة أوليائهم والذب عن سلطانهم وشرعيتهم المزعومة، أما مستقبل هذه المشروعات فهي زبد يذهب جفاء بإذن الله.

ما هو دور تنظيم القاعدة في الحرب على الخلافة؟

قاعدة اليوم لم يعد لهم مشروع يشغلهم إلا الطعن في الخلافة والتشغيب عليها والسعي للحيلولة دون تمددها، ففي الحين الذي يُغلِظون به على الدولة الإسلامية بالكلام والفعال: رأيناهم في درنة ردءًا لمجلس مؤلّف من مرتدين امتنع بعضهم ببعض وانتصر بعضهم لبعض، حتى لا يُذعنوا لمن دعاهم إلى التوبة من دخول بعضهم لوزارة الداخلية التابعة لدولة طاغوتية ديمقراطية، وأبوا إلا أن يُكابروا ويعاندوا على ردّتهم، بل رموا من دعاهم للتوبة بالغلو والجفاء والتنطع، بل إن منهم مَن كفَّر الدولة الإسلامية (بحجة استحلالها دماء المسلمين)، هذه المعاندة والمكابرة لم نرَ مَن ينكرها مِن القاعدة، بل العكس: رأينا التأييد والاصطفاف مع تلك الجماعات المنحرفة، أما في باقي المدن الليبية فتراهم في ضيافة كتائب تنتسب للحكومة الطاغوتية كالمسماة «بالدروع» و«المقاتلة» ونحوها، ويلقون إليهم بالمودة، والله المستعان.

كما تعلم: هناك تحضير لإنشاء تحالف صليبي جديد خاص بحرب الدولة الإسلامية في الولايات الليبية، وأهم المشاركين فيه: بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وبعض الفصائل المقاتلة في ليبيا ستدعم هذا التحالف على الأرض؛ ما هي معلوماتكم حول الموضوع؟ وما هي نظرتكم؟

إن هذا التحالف الصليبي، الذي يُحاك اليوم بعمالة المرتدين من بني جلدتنا: هو جزء من سلسلة اتصل سندها بأسلافهم من أكابر مجرميها ممن حاربوا المسلمين ليردوهم عن دينهم، وإن هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله؛ قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [سورة البقرة: 217]، وقد اشرأبّ النفاق وكشّر اليهود والصليبيون عن خبث طويتهم، فصرحوا علانية بعدم سماحهم للمسلمين باسترجاع خلافتهم، وعدم سماحهم للمسلمين بإقامة شريعتهم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

نلاحظ من خلال الأخبار التخوّف الكبير من طواغيت البلدان المجاورة للولايات الليبية، في كلٍّ مِن تونس والجزائر ومصر ومالي وتشاد والسودان من الوجود القوي للدولة الإسلامية هناك؛ فهل تحدثوننا عن نظرتكم إلى مستقبل العمل الجهادي في هذه الدول الطاغوتية؟

إن الله تعالى قد منّ على الأمة اليوم بعودة خلافة تاق لِظِلِّها الوارف المستضعفون سنين عددًا، وهاجر إليها المجاهدون، ولا يزال عود عساكر الإيمان يشتدّ، وحصون جنود الشيطان تتهاوى وتُهَدّ، مما أذن بقرب أفول عهد طواغيت البلدان المجاورة، الذين صاروا من شدة خوفهم ورعبهم تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، حتى لجأت تونس لجدّار يفصلها عن ولاية طرابلس، ولجأت مصر لغلق حدودها، كل ذلك لوقف زحوف المجاهدين؛ خوفًا من تمددهم في أرضهم، فنقول لهم: أبشروا بما يسوؤكم، فَوَ الله إنكم تتمنّعون مِنَ الصواعق بدروع من قصب، ومن الطوفان بطوق من خشب؛ فإنكم تواجهون وعدًا نبويًّا بزوال سلطانكم: (ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ)، هي بإذن الله قادمة على عروشكم، {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)} [سورة يونس].

ما هو الوضع في درنة الآن؟ وما علاقة صحوات درنة بـ «حكومة الوفاق الوطني»؟

إن سنة الله الكونية في عباده المؤمنين أنهم لا يُمَكَّنون في الأرض ولا يفتح الله لهم بالنصر حتى يُزلزلوا ويُبتلوا ويمحص صفهم ويميز الخبيث من الطيب، فيخرج الأدعياء من صفهم ويبقى الصادقون ويشتد عودهم حتى يكونوا أهلًا لنصر الله، فالمؤمن لا يزداد بالبلاء والمحنة إلا قربًا وتعلّقًا بالله، والمنافق لا يزداد بالمحنة إلا وضوحًا في كفره وردّته، وهو عين ما جرى لمجلس الردة في درنة؛ فقد لجؤوا وتحالفوا مع كتائب «البيضاء» و«طبرق» و«مرتوبة» التابعين لوزارة الدفاع لدولة ديمقراطية فازدادوا كفرًا إلى كفرهم، وحصحص الحق وامتاز أهله في فسطاط، وتمحّص الباطل وامتاز أهله في فسطاط، فلم تبقَ إلا سنة كونية قدرية لا تتخلف عن القوم الظالمين، {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)} [سورة الأعراف].

في نهاية الحوار: هل هناك من رسالة توجهونها للمجاهدين خاصة وللمسلمين عامة؟

أما وصيتي للمجاهدين؛ فأوصيهم ونفسي أولًا بتقوى الله في السر والعلن والتآلف والتراحم والإيثار، والإخلاص الإخلاص؛ فوَ الله لو مكث المرء مائة عام يجاهد أعداء الله وهو يطلب الأجر والذكر لَكان كعامل ناصب، وأما وصيتي لعامة المسلمين؛ فأوصيهم بما أمر الله به عباده: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [سورة التوبة]، والحمد لله رب العالمين.





  1. الجزء الثالث: حوار مع أبي عبيدة اللبناني (العدد 23)

الثلاثاء 12 جمادى الآخرة 1437ه

أبو عبيدة اللبناني: لقد تأخْوَنت القاعدة!



في الحلقة الأخيرة من لقائها معه؛ المسؤول الأمني السابق لقاعدة خراسان يكشف لـ (النبأ) كيف أثّرت «الثورات العربية» في كشف المنهج المنحرف للقاعدة، ويفضح مواقف قادة القاعدة في نظرتهم إلى شرك الديموقراطية والمتلبسين به.

ذكرت لنا في آخر لقاء جمعنا أنك صُدِمْتَ بواقع القاعدة بعد وصولك إلى وزيرستان؛ ما هو سبب هذه الصدمة كما وصفتها؟

أبو عبيدة: الحمد لله وحده، والصلاة على من لا نبي بعده، وبعد: فإن الإنسان إذا كان يرسم في ذهنه صورة مشرقة لشيء ما، أو لشخص ما، ثم يتبيّن له أن كل ما تصوره لم يكن أكثر من أوهام: فإنه سيصاب بصدمة كبيرة وبلا شك، وهذا ما جرى معي ومع الكثيرين من أمثالي ممن دخل القاعدة في مرحلة وزيرستان، وأذكر هنا واحدًا من أشهر المهاجرين في تلك الفترة وهو أبو دجانة الخراساني -تقبله الله- صاحب عملية خوست الشهيرة ضد ضباط الـ CIA والمخابرات الأردنية؛ فقد أصابه ما أصابني عندما رأى القاعدة على الواقع بعد سنوات من مناصرته لها على المنتديات الجهادية، فقد وصف حال القاعدة عندما سألته عن رأيه فيما وجده؛ فقال: إن القاعدة تبدو كالعجوز؛ يقصد لضعفها وقلة حيلة قادتها وانعدام هيبتها في مناطق وزيرستان.

وهل حالة الهرم والضعف التي أصابت التنظيم مؤثر كافٍ برأيك ليصاب الوافد الجديد بالصدمة؟

أبو عبيدة: لا طبعًا ليس هذا السبب فحسب، ولكن إذا كنت تذكر؛ فإن الإعلام في مرحلة ما بعد ضربات سبتمبر صَوّر تنظيم القاعدة بصورة مضخمة كثيرًا، وللأسف فإن التنظيم أعجبه هذا التوصيف المبالغ فيه لقدراته، فراح يستشهد بكلام كل مَن يروّج لهذه الصورة في إصداراته المرئية، وفي إعلامه غير الرسمي الذي يديره المناصرون للتنظيم على شبكة الإنترنت، ولكن حينما عرفنا حقيقة الواقع في وزيرستان: أدركنا أن التنظيم هناك عبارة عن جماعة مستضعَفة لا تقوى على إحداث أي تغيير في واقع المنطقة التي كانت خارج سيطرة أي حكومة طاغوتية، في الوقت الذي كان إعلامهم يروّج له على أنه طليعة الأمة لإعادة الخلافة في العالم كله.

وفي الحقيقة: كنا نبرّر لأنفسنا أول الأمر أن حالة الاستضعاف هذه هي السبب وراء اتخاذ قيادة القاعدة لهذا المنهج المنحرف في التعامل مع الواقع الجاهلي في وزيرستان، ولكن الأحداث التي تتابعت منذ ذلك الوقت بيّنت لنا بما لا يدع مجالًا للشك أننا أخطأنا في تحليلنا للواقع، وأن العكس هو الصحيح؛ فالمنهج المنحرف كان هو السبب وراء حالة الاستضعاف التي كانت تعيشها القاعدة في وزيرستان، وهذا من نِعَمِ الله على العباد: أن يبتليهم حتى تستبين معادنهم، وتظهر حقيقتهم، كما في قوله سبحانه: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [سورة آل عمران: 179].

ولماذا تحتاج إلى الأحداث لتعرف منهج القوم، ما دامت قياداتهم تخرج بشكل مستمر لتوضح عقيدتهم ومنهجهم؟

أبو عبيدة: هذه سنة الله في الخلق؛ فحقيقة الناس لا يمكن أن تظهر إلا بالفتن وبالمواقف التي تتطلب المفاصلة والوضوح؛ لذلك لا يمكنك أن تعرف حقيقة شخص أو تنظيم إلا من خلال استجابته للأحداث، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإن عقلية التجميع التي تسير القاعدة عليها تمنعك من اكتشاف حقيقة منهجهم وعقيدتهم بسهولة؛ حيث تجد داخل التنظيم وضمن قياداته تنوّعًا كبيرًا من حيث الاعتقاد والمناهج؛ فتجد مَن يحمل عقيدة أهل السنة ومنهجهم، وتجد مَن يحمل عقيدة المرجئة وبدعهم، وتجد مَن يحمل عقيدة ومنهج الإخوان المفلسين، وكما ذكرت لك سابقًا يوجد أيضًا مَن هم صوفيون، وكانت قيادة القاعدة تناور لتبقي جميع هذه التيارات المتناقضة تحت قيادتها، وفي سبيل ذلك كانوا يستخدمون أسلوب التهرّب من الإجابة على الأسئلة الحساسة، وخاصة الظواهري، وأسلوب امتصاص غضب المعارضين لهم؛ وذلك بتخديرهم بوعود الإصلاح الذي لن يأتي وما شابه، وهو الأسلوب الذي أجاده عطية الله بشكل جيد، ولكن في النهاية تأتي القضايا التي لا ينفع معها إلا المواقف الحاسمة، وهذا ما فضح لنا عقيدة ومنهج تنظيم القاعدة.

ما هي هذه القضايا التي اتخذ فيها قادة القاعدة مواقف تفضح عقائد كانوا يخفونها، أو على الأقل كانت غائبة عن عيونكم؟

في الواقع هي سلسلة من القضايا قدّر الله أن تأتي تِباعًا، بحيث استغرقنا فترة طويلة حتى اتضحت لنا صورة التنظيم بشكل لا لبس فيه، وأهم هذه القضايا: كانت قضية دخول حركة حماس في الانتخابات البرلمانية، ومن ثم استيلائها على الحكم في قطاع غزة، وحكمها الناس بشريعة الطاغوت.

فكما يعلم الجميع: كان تنظيم القاعدة يعلن أن قتاله إنما هو لإقامة الشريعة، ويهاجم الطواغيت لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ويرى الديموقراطية شركًا بالله، فلما دخلت حركة حماس في العملية الديموقراطية، ثم حكموا الناس بغير ما أنزل الله: سكتوا عنهم، فلما ضغط عليهم بعض الإخوة: اضطروا للتصريح بأنهم لا يكفّرون حكومة حماس بناء على وقوعها في هذه الأفعال المكفّرة؛ وذلك بحجة أنهم رغم وقوعهم في الكفر: فإنهم لا يقصدون الكفر، وإنما يتّخذون من هذا الكفر وسيلة لتطبيق الشريعة! وزادوا على ذلك بأن يقولوا عن هؤلاء الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله إنهم إخوانهم، بل وخرج أمير القاعدة في خراسان مصطفى أبو اليزيد ليقول في لقاء صحفي: إن منهج القاعدة وحماس هو منهج واحد، قبل أن يتراجع عن هذا التصريح ذرًّا للرماد في العيون.

وهذه القضية تبيّن لك أيضًا حجم المهزلة التي كان يعيشها تنظيم القاعدة؛ أن تجد في التنظيم ذاته فريقَين متناقضَين؛ الأول: يكفّر حكومة حماس ورئيس وزرائها وعساكرها مع ما ينبني على هذا الأمر من أحكام؛ مِن وجوب حربهم وقتالهم باعتبارهم طواغيت، وفريق آخر: يراهم مسلمين تجب مناصرتهم ومناصحتهم؛ فهل هذا تنظيم أم فوضى باسم التنظيم؟!

وهل وقفت قضية الحكم بإسلام حكومة حماس عند هذا الحد؟ أم كان لها تبعات أخرى؟

قلت لك إنها أحداث كشفت منهجًا متّبعًا في التنظيم، وعقيدة راسخة فيها انحراف كبير في قضايا الإيمان؛ فقضية حكومة حماس، أو لنقل: قضية الحكم على الحكومة التي تزعم أنها تريد تطبيق الشريعة، وهي تنقض زعمها بقيامها بالفعل المكفر (وهو الدخول في الديموقراطية ومن ثم الحكم بغير ما أنزل الله): تم تطبيقها بحذافيرها تقريبًا مع كل التجارب اللاحقة المشابهة؛ فسالم الطرابلسي الشرعي العام للقاعدة في تلك الفترة هو ممن كان يقول بإسلام الطاغوت أردوغان للسبب ذاته، كما أنهم لم يصدر منهم أي إنكار على المرتد عبد الحكيم بلحاج وجماعته بعد دخولهم في البرلمان، ثم جاءت القضية الأشهر في هذا الخصوص وهي حكومة الإخوان المفلسين في مصر، وعلى رأسها الطاغوت مرسي، كما كان بعض المصريين من القيادات مفتونًا بالطاغوت حازم صلاح أبو اسماعيل الذي دخل البرلمان ورشّح نفسه للرئاسة؛ حيث كانوا يسجّلون خطاباته وكلماته ويدورون بها على المقرات ليراها الجنود.

بما أنك دخلت في موضوع ما يسمى «الربيع العربي»؛ كيف تأثر منهج القاعدة بقيام تلك الثورات؟

هذه الثورات كانت حلقة في سلسلة الأحداث التي فضحت لنا عقيدة ومنهج التنظيم؛ فالأصل الفاسد الذي أقاموا عليه بنيانهم بعدم تكفيرهم لمن يمارس الديموقراطية: أوصلهم إلى دركات أعمق؛ بأن تطور بهم الحال بعد قيام الثورات بدعم بعض الأحزاب الديموقراطية التي تنسب نفسها زورًا إلى الإسلام، كما في ليبيا، بل والتفكير جدّيًّا في المشاركة في العملية السياسية القائمة على أساس الديموقراطية، حيث كانت الفكرة مقبولة جدًّا عند سالم الطرابلسي، بل وسمعت من أبي عبيدة العدم رغبته بالحصول على فتوى لإنشاء حزب سياسي لدخول البرلمانات فيما لو فُتح لهم المجال لذلك، ومن ثم بلغني أنهم أرسلوا في طلب هذه الفتوى إلى أبي الوليد الغزّي المعروف بالأنصاري (خالد فتحي خالد الآغا)، فكثير من قياداتهم كانوا يعتبرون أن نجاح الأحزاب الديموقراطية كالإخوان المسلمين ومن شابههم في الانتخابات، ووصول بعضهم إلى الحكم: أنه انتصار للإسلام، ويمكنهم هم أن يستفيدوا من هذا الانتصار؛ عن طريق المشاركة فيه من خلال أحزاب ينشؤونها ويشاركون عن طريقها في المشروع الإخواني المتمثل بإقامة الشريعة الإسلامية عن طريق الوقوع في شرك الديموقراطية!

والسبب وراء كل ذلك كما ذكرت لك: هو أصولهم الفاسدة في عدم اعتبار كل من الدخول في الديموقراطية والحكم بغير ما أنزل الله أفعالًا مكفّرة لمن وقع فيها من الحركات والأحزاب التي تزعم رغبتها بتطبيق الشريعة، وتوسّعوا في تبرير هذه الأمور لغيرهم كي يمهّدوا لتبريرها لأنفسهم، وعلى العكس من ذلك: كانوا ينكرون على مَن يطبق الشريعة ويقيم حكم الله في الأرض، ويحرّضون الناس عليهم.

هل تقصد الدولة الإسلامية؟

لا أحدثك عن الدولة الإسلامية بواقعها الحالي؛ فَعِداء تنظيم القاعدة بكل فروعه لها واضح وصريح، وخاصة بعد إقامتها للشريعة وإعادتها للخلافة، ولكن الأمر قديم ويعود إلى أيام دولة العراق الإسلامية، التي لم يكن شرعيّو القاعدة موافقين على إقامتها، وكانوا يراسلون قادتها ليقنعوهم بعدم إقامة أحكام الشريعة في ذلك الوقت، وذلك عائد إلى الأصل الفاسد الذي يقوم عليه منهجهم بأن لا يقيموا الأحكام الشرعية في حالة الحرب، بل وتطور بهم الأمر أن ينكروا على الإخوة الذين أقاموا الشريعة في منطقة (أورغزاي) وعلى رأسهم الشيخ حافظ سعيد -حفظه الله- والي خراسان الحالي، والشيخان مقبول وخادم تقبلهما الله، وهي المنطقة الوحيدة التي كانت تقام فيها الشريعة في وزيرستان، إلى أن لحقوا بركب الخلافة وبايعوا أمير المؤمنين، وبالتالي صار العداء واضحًا بينهم وبين القاعدة بقيام ولاية خراسان التابعة للدولة الإسلامية.

فالقوم من أصولهم عدمُ إقامة الشريعة في حال تمكّنهم مِنَ السيطرة على منطقة من المناطق، والقَبول باستمرار الأحكام الجاهلية فيها، كما حدثتك سابقًا عن الأحوال في وزيرستان، وكما هو حالهم اليوم في الشام واليمن، فكيف يمكن أن ينكروا على حماس عدم تطبيقها للشريعة في غزة، أو على مرسي حكمه بالقوانين الوضعية في مصر؟

وإن كان بعض قياداتهم هاجم تنظيم «الجماعة الإسلامية المصرية» الضال قائلًا: «لقد تأخونت الجماعة الإسلامية»؛ فإنه ومن باب أولى يحق فيهم القول: « لقد تأخوَنت القاعدة!».

هل هذا يفسّر تعلّق قلوب القاعدة بالثورات والثوار؟

القاعدة نظرت إلى الثورات وكأنها البوابة التي ستلج منها إلى التمكين في الأرض، وخاصة الثورة في ليبيا؛ حيث أرسلت القاعدة بعضًا من كوادرها إلى هناك لتنسيق العمل ولربط التنظيمات الموجودة بالقاعدة؛ منهم أبو أنس الليبي وأبو مالك الليبي، وقد هيؤوا أبا عبيدة الليبي لذلك لكنه قُتل قبل إرساله، وذلك على اعتبار ليبيا «أرض قتال» بحسب تصنيفهم، أما مصر فقد كانت بالنسبة إليهم «أرض بيان»؛ فكان مشروع الظواهري قائمًا على إرسال بعض أفراد فصيله القديم (الجهاد) للقيام بهذه المهمة؛ حيث عرض الأمر على أبي حفص المصري الملقب بالحسيني وخاصة بعدما زادت مشكلاته مع الظواهري، فكان مشروع القاعدة تجاه هذه الثورات أن تدخل تحت المشروعات الموجودة للجماعات المنحرفة، أو تعمل بخط موازٍ لها، أو على الأقل ألا تتصرّف بطريقة تؤدي إلى تخريب مشروعاتها الفاسدة، وهذا الأمر رأيناه في تونس ومصر وليبيا واليمن والشام.

طالما أنكم اكتشفتم كل هذه الانحرافات وغيرها، مما لا يمكن التوسع فيه مثل حكمهم بإسلام جند الطواغيت؛ من جيوش، ومخابرات، وشُرط، واضطراب هذه الأحكام بين دولة وأخرى: لماذا لم تتركوا هذا التنظيم المنحرف منذ فترة طويلة، وانتظرتم حتى عودة الخلافة؟

لو نظرت في أغلب الأحزاب والتنظيمات المنحرفة؛ فستجد فيها الكثيرين ممن لا يرضون مناهجها وعقائدها، ولكنهم يقنعون أنفسهم أو يتم إقناعهم بضرورة البقاء في صفوفها لأمرين؛ الأول: هو أوهام الإصلاح من الداخل؛ إذ كلٌّ منهم يمنّي نفسه أنه ببقائه داخل التنظيم فإنه قد يتمكن من الإصلاح بارتقائه في سلم القيادة، وأن خروجه منه سيعني سيطرةَ الفاسدين على التنظيم وبالتالي حرفَه ومَن فيه بشكل أكبر، والمبرّر الآخر: هو غياب البديل بالنسبة إليه، إذا وجد أن كل التنظيمات أو الأحزاب الموجودة في الساحة لا تقل انحرافًا عن تنظيمه.

وهذا ما حدث معنا في وزيرستان؛ فرغم أننا عرفنا منذ سنوات أن القاعدة ليست التنظيم الذي نطمح أن نقيم الشريعة من خلاله، لكنّا كنا نمنّي أنفسنا بأننا يمكننا الإصلاح إن بقينا داخل التنظيم، وهذا ما توصَّلنا في النهاية إلى استحالته في ظروف التنظيم تلك؛ حيث يسيطر عليه كل من الظواهري وصهره مختار المغربي، ويديران كل شؤونه وفق أهوائهما، بينما كانت عقيدة التنظيم ومنهجه يوضعان من قبل عطية الله وأبي يحيى وسالم الطرابلسي، وهم المنظِّرون الحقيقيون لكل الانحرافات العقدية والمنهجية فيه، وكلا الطرفين لم يكن ليسمح لك أن تحرف القاعدة عن الهاوية السحيقة التي كانوا يعملون على توجيهها إليها، لذلك أجبت أبا دجانة الخراساني عندما وصف القاعدة بأنها «عجوز»: بأنها ليست كذلك وحسب؛ بل هي عجوز وقفت في منتصف الطريق وتكاد السيارات العابرة تصدمها فتقضي عليها، وفي نفس الوقت: لا تعطي يدها لمن يحاول أن ينقذها فيجنبها الهلاك.

ولكنك تركتهم في النهاية؟

نعم، والحمد لله على ذلك.

قبل إعلان الدولة الإسلامية عن وجودها في الشام، ثم تتويج جهادها بإعادة الخلافة: كان من الصعب علينا ترك القاعدة؛ وذلك بسبب عدم عثورنا على البديل الذي سننتقل إليه، ولكن لما اتضحت لنا صحة منهج الدولة الإسلامية ووضوح عقيدتها، ثم تمكينها في الأرض وتحكيمها لشرع الله فيها، ثم إعلان إعادة الخلافة: لم يبقَ لنا مبرّر للبقاء في صفوف تنظيم القاعدة؛ فهاجرنا ووصلنا إلى دار الخلافة، وصرنا من جنودها والحمد لله.

وماذا عن تنظيم القاعدة ككلّ؟ برأيك ما هو التأثير الأكبر لإعادة الخلافة الإسلامية على التنظيم، بعناصره ومنهجه؟

لقد كانت إعادة الخلافة نعمة أنعم الله بها على أمة الإسلام كلها، بل على البشر كلهم؛ وذلك بأنها أقامت شريعة الله في الأرض، وأظهرت التوحيد، وحاربت الشرك وأهله، ليهلك مَن هلك عن بينة، ويحيى مَن حيَّ عن بينة.

أما بالنسبة لتنظيم القاعدة؛ فكما ذكرت لك كانت إعادة الخلافة حبل نجاة لمن أراد النجاة بدينه من الغرق مع سفينة التنظيم التي خرقها أمراءُ التنظيم وشرعيّوه ليغرقوا الجميع في بحور مِن الضلال، فخرج منها مَن هداه الله، وما زلنا بانتظار البقية، وكذلك كان إعلان الخلافة وقاية لعشرات الألوف من الشباب من الوقوع في فخ فتنة الأسماء البراقة للتنظيم وقياداته؛ بأن وجدوا العقيدة الصافية من الشرك في الدولة الإسلامية فتعلقوا بها، وقاتلوا تحت رايتها.

ومن باب آخر: فإن عودة الخلافة منعت قيادة التنظيم من الغوص أكثر في بحور الضلالة؛ وذلك خوفًا من أن ينفض عنهم الشباب ويتجهوا إلى الدولة الإسلامية، وقد رأينا ذلك خلال العامين الماضيين على وجه الخصوص، مع أننا اليوم نشهد بوادر لقيام قيادات فروع التنظيم بالكشف عن المزيد من انحرافاتهم، خاصة بعد أن حسم أغلبهم خِيارَه بقتل كل مَن يشكّون في أنه يميل إلى تركهم واللحوق بركب الخلافة الإسلامية.

جزاك الله خيرًا على هذه اللقاءات الماتعة، ونسأل الله أن يتقبل منك ما قدمته لنا ولإخواننا من معلومات قيمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.



  1. حوار مع المسؤول الأمني لولاية نجد (العدد 26)

الثلاثاء 4 رجب 1437ه

المسؤول الأمني لولاية نجد: نترقب كل فرصة لقطف رؤوس جنود الطاغوت.



يعتمد الجهاد في جزيرة العرب اليوم بشكل رئيس على العمليات الأمنية؛ حيث نجح جنود الخلافة في تنفيذ الكثير من العمليات في ولايات الجزيرة؛ منها ما استهدف الرافضة، ومنها ما استهدف جنود الطاغوت.

المسؤول الأمني لولاية نجد؛ بيّن لـ «النبأ» أن عملياتهم الأمنية كان لها دور كبير في فضح نظام آل سلول الطاغوتي بحمايته للمشركين، وكشف كذب ادعاءاته بتمكنه من القضاء على المجاهدين، كما وجه رسائل للمسلمين وأخرى للمرتدين.

لاحظنا في الفترة الأخيرة قيام الإخوة في ولاية نجد بعدة عمليات تستهدف الشرطة والجيش والمباحث؛ هلّا شرحتم ما هي استراتيجيتكم الآن؟

الحمد لله رب العالمين، كانت الخطة المرسومة لولايات الدولة الإسلامية في جزيرة العرب في بداية العمل: هي البدء باستهداف الرافضة المشركين عمومًا، ومن المصالح الجليلة في ذلك: فضح الدولة الطاغوتية الحامية للمشركين في جزيرة العرب؛ من خلال إفساح المجال لهم وتمكينهم، ونحن نرى اليوم معًابدهم الشركية في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي غيرها، ومن مصالح ذلك: أن ضَرْبَ معاقل الشرك فيه تثبيتٌ لعقيدة الولاء والبراء لدى المسلمين في جزيرة العرب، وأنه لا يوجد أي رابط شرعي بين الناس إلا الأخوّة في الدين والعقيدة، لا الأخوّة في الوطن، وأن الرافضي المشرك في العراق أخو الرافضي المشرك في جزيرة العرب، لا فرق بينهما البتة، ليتبيّن لمن انخدع بهذه الدولة المرتدة موالاتها للرافضة ونصرتها لهم.

فبدأت -بفضل الله- العمليات النوعية على المعًابد الشركية؛ كما في عملية القديح المباركة، وعملية معبد جعفر الصادق في منطقة الكويت، ومعبد العنود في الدمام، وعملية معبد الحيدرية في سيهات، وعملية معبد الإسماعيلية في نجران، وآخرها عملية الأحساء المباركة على معبد الرضا، فلم تترك الدولة الإسلامية بقعة يتجمع فيها المشركون إلا وضربتْهم فيها ولله الحمد، عند ذلك قام الطواغيت بتشديد الحماية على معًابد الرافضة الأنجاس المشركين ومناطقهم، فلا يدخلها أحد غيرهم؛ خوفًا من جنود الدولة الإسلامية، فوقف الطواغيت بين المجاهدين وبين الرافضة المشركين كما هي سنّتهم في كل مكان، فمن يحالف الصليبيين ويقف معهم صفًّا واحدًا في حربه للمجاهدين منذ سنوات طويلة: لن يتوانى في حماية الرافضة المشركين ونصرتهم، ثم بدأت العمليات المخططة ضد المرتدين من جنود الطاغوت، فلا فرق بينهم وبين مرتدي الرافضة، هم إخوة في الكفر والشرك، فانطلق فرسان النزال وفوارس الاستشهاد يقطفون رؤوس المرتدين؛ فكانت عملية عسير المباركة التي قطفت رؤوس الكفر جنود الطواغيت قوات الطوارئ، ثم قطف رأس المرتد أحمد عسيري، وأخيرًا وليس آخرًا: عملية تصفية المرتد (كتاب الحمادي) أحد أعمدة النظام الطاغوتي في حرب الموحدين، ومن مجرمي التحقيق مع الإخوة الأسرى والأخوات الأسيرات، ولا تزال المفارز الأمنية تترصد لهم لتقطف رؤوسهم وتطهر الأرض من رجسهم، نسأل الله أن يمنحنا أكتافهم.

ما أثر العمليات الأخيرة التي استهدفت جنود الطاغوت (من شرطة ومباحث وجيش) على جنود الطاغوت أنفسهم وعلى عامة الناس؟

العمليات الأخيرة -بفضل الله- جعلت جنود الطاغوت يتحسسون رقابهم، وعرفوا أنهم الآن في مرمى نيران جنود الخلافة، وأن المفارز الأمنية تتجول بينهم وتنتظر الفرصة المناسبة لتصول عليهم وتقطف رؤوسهم، فهم الآن في حالة رعب وخوف شديدين ولله الحمد، أما عامة الناس؛ فبدؤوا يسألون ويستفسرون ويبحثون عن أسباب مثل هذه العمليات، ويتساءلون عن دوافعها ونتائجها، ولذا فإنا نوصيهم بمتابعة إعلام الدولة الإسلامية في منابره المختلفة ليجدوا فيه ما يشفي صدورهم بإذن الله.

كيف تعامل الطاغوت مع العمليات الأخيرة؛ أمنيًّا وإعلاميًّا؟ وكيف استقبلها المسلمون؟

طواغيت آل سلول دائمًا ما يُظهِرون أنفسَهم أمام العالم أنهم الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تجفف منابع «الإرهاب» وتحاربه، وتقول للصليبيين إنها الأقدر على تفكيك الجماعات «الإرهابية» (أي المجاهدين)، فأتت مثل هذه العمليات المباركة لتكذب زيفهم الإعلامي ودجل أبواقهم وتبعثر أوراقهم، لتستنفر وزارة داخليتهم جنودها بعد كل عملية، وترسل المدرعات لمنطقة الحدث وتطوّقه، وتعتقل الناس بطريقة عشوائية؛ كما حدث في عملية الدوادمي؛ حيث قامت باعتقال العشرات من الشباب، وكذلك بعد عملية عسير؛ فقد أرسلت «الداخلية» قوة من الرياض، وقامت باعتقال كثير ممن ليس عليه أي قضية، فقط تحفّظًا كما يزعمون، وهذا دليل عجزهم وخيبتهم ولله الحمد، وأما بالنسبة لتعاملهم الإعلامي مع العمليات المباركة؛ فأول خطوة يقومون بها بعد كل عملية هي إخفاؤها والتكتّم عليها، أو الإشاعة أن ما حصل حادث عرضي وليس من فعل المجاهدين، كما في عملية تفجير العبوات الناسفة على مركز شرطة الدلم في ولاية نجد؛ حيث نشر الطاغوت عبر زمرته أن ما حصل كان بسبب ماس كهربائي، إلى أن نزل بيان تبني العملية من المكتب الإعلامي للولاية، فخرج لنا الأخرق المتحدث باسم داخليتهم ليعترف بأن الحادث ناجم عن تفجير عبوة أمام مركز الشرطة، كما يقوم الطواغيت بدغدغة مشاعر العامة وخداعهم، وتوظيف شيوخهم وسحرتهم؛ لقلب الحقائق، وتحسين صورة المرتدين جنود الطواغيت في نفوس الناس؛ فعلى سبيل المثال: أصبح المرتد الهالك المحارب لله ورسوله (كتاب الحمادي) تقيًّا نقيًّا أصلح أهل الأرض وأعبدهم لله؛ بمجرد أن قطف الموحدون من جنود الخلافة رأسَه! وبدأ إعلامهم يحسّن صورته، وأنه كان زاهدًا بارًّا بوالديه.

أما المسلمون؛ فقد استقبلوا خبر اغتياله بالحمد والتكبير، ثم الثناء على المجاهدين والدعاء لهم، والدعوة لنصرتهم؛ فقد أزاحوا عنهم أحد أوتاد الطاغوت وأركانه في منطقتهم، والذي كان يبطش بالمسلمين ويعذّبهم ويحقّق معهم في معتقلات «الداخلية»، فاللهم لك الحمد.

من المميز في العديد من العمليات في جزيرة العرب: أنها تستهدف أقارب المنفّذين، ما يعكس حالة مميزة من الولاء والبراء؛ فما هي الرسائل التي وصلت لعامة المسلمين من هذه العمليات؟ وما أهمية هذا النوع منها؟

إن الامتحان في عقيدة الولاء والبراء من أصعب الامتحانات على الموحدين؛ ولذلك تجد أن أول ما امتُحن به الصحابة رضي الله عنهم في الجهاد هو غزوة بدر، وهي أول معركة للمسلمين كانت بين المهاجرين من مكة وأبناء عمومتهم؛ ليعلم الصحابة أن هذا من أصعب الحواجز التي يجب عليهم كسرها، وتكرر هذا الأمر لأحفادهم الموحدين في الجزيرة بأن يكون كثير من أقاربهم جنودًا للطاغوت ويدًا له يبطش بها بالمسلمين، فثبّت اللهُ الموحدين وقيّضهم لسفك دماء المرتدين من أبناء عمومتهم وإزالتهم من هذه الأرض، فوصلت لعامة الناس رسائل عديدة؛ منها: أنه لا أخوّة إلا في الله، وأنه لا يكفي تعلم التوحيد دون العمل به ودعوة الناس إليه والصبر على الأذى فيه، وأن الولاء لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا لعشيرة أو قبيلة أو عرق أو وطن.

ونحن نبارك هذه العمليات ونؤيدها ونناصرها، ونؤوي ونذود عمن يقوم بها، ونقول لهم كما قال شيخنا العدناني تقبله الله: هم منا ونحن منهم لله درهم.

برأيكم: كيف تساهم مثل هذه العمليات في توضيح حكم جنود الطاغوت وإزالة الشبه الزائفة التي ينشرها علماء الطواغيت حول حكمهم وحكم قتالهم؟

نسف معًابد الشرك، وقتل جنود الطاغوت وضباطه: أفضل طريقة لتفسير ما يدعو المجاهدون إليه؛ من كفر الرافضة، وكفر الدولة السلولية وجنودها، وعمالتها للصليبين وحمايتها لهم وللرافضة المشركين، ووجوب قتالهم جميعًا؛ فبعد كل عمل جهادي ضدهم: يبدأ الناس يسألون ويستفسرون ويبحثون عن الحق من مصدره الحقيقي، وليس من فتاوى علماء الطواغيت الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، فلا تكون الكلمات والعبارات في بيان حكم الكافرين ووجوب قتالهم كافية لإيصال الحقيقة إلا إذا قُرنت بالعمل الذي يصدقها؛ بذبح المرتدين وتفجيرهم والتنكيل بهم أمام مسمع ومرأى الجميع، فيظهر بعدها الصراع الحقيقي بين الإسلام والكفر، حينئذ يهدي الله كثيرًا من الباحثين عن الحق ويجعلهم من جنده، أما المجادلون المنافحون عن الطاغوت: فلا يزيدهم هذا إلا ضلالًا، نسأل الله السلامة والعافية.

ما هي رسالتكم إلى جنود الطاغوت وأنصاره في جزيرة العرب؟

نقول لهم: توبوا من ردتكم ونصرتكم للطاغوت وطاعتكم له، ولكم منا الأمان، وأما من أصرّ واستكبر فإنا له بالمرصاد، وسيأتي اليوم الذي نقطف فيه رأسه بكاتم صوت أو بعبوة لاصقة أو بسكين حاذقة، بإذن الله، ولن ينفعه الطاغوت «وزير الداخلية» وزمرته الفاسدة إذا وقع بيد الموحدين جنود الخلافة، وخسر دنياه بعد أن باع دينه للطاغوت.

أما علماء الطاغوت؛ فعليهم أن يعلموا أنهم أشد كفرًا من عناصر المباحث والشرطة والجيش، وأن قتلهم أحب إلينا من قتل جنود الطاغوت، فليتوبوا إلى الله ويتركوا مناصرة الطواغيت، والتلبيس على الناس، وإلا لقوا منا ما يلاقيه إخوانهم من المرتدين في مشارق الأرض ومغاربها.

ما هي رسالتكم إلى المسلمين في جزيرة العرب عمومًا وأنصار الدولة الإسلامية خصوصًا؟

أنصار الدولة الإسلامية في جزيرة العرب كثير ولله الحمد، ولكن كثيرًا منهم عجز عن إظهار النصرة؛ بسبب بطشِ الطاغوت، ومَلْئِه السجونَ بالموحدين من الأسرى والأسيرات، فنوصي عموم الموحدين في جزيرة العرب بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وأن يعلموا علم اليقين أن بطش الطاغوت ليس مسوّغًا للقعود عن قتال المرتدين.

كما نوصيهم بالبحث عن المجاهدين والانضمام إليهم، واللحاق بركبهم؛ فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شيئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [سورة التوبة]، كما قال عليه الصلاة والسلام: (وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ) [رواه الشيخان]، وقد استنفر الخليفة -حفظه الله- أبناء الجزيرة في أكثر من كلمة، وحتى مَن لم يتمكن مِن الوصول لإخوانه فعليه أن يقوم بالعمل لوحده؛ فالشوارع مليئة بالمرتدين، فقاتلوهم ولو بالحجارة، فاكسروا حاجز الخوف في أنفسكم، فلن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم.

ورسالتنا إلى إخواننا الأسرى في سجون الطواغيت من آل سلول: أن اصبروا واحتسبوا، واعلموا علم اليقين أننا ما نسيناكم، وأننا بإذن الله سننفذ وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيكم؛ بأن نعمل على فكاك أسركم بكل ما في وسعنا، كما أمرنا أمير المؤمنين -حفظه الله-، وأننا لن يبلغنا اسم أحد من جنود الطاغوت من كلاب المخابرات أو الداخلية ممن يعذب إخواننا أو أخواتنا في الأسر؛ إلا بذلنا الغالي والرخيص لقطف رأسه قبل غيره، ونشفي صدوركم بخبر نعيه في إعلام آل سلول، ونسأل الله أن يجمعنا بكم عن قريب أسودًا مجاهدين تحت راية الخلافة، إن الله على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.







  1. الجزء الأول: حوار مع أمير الزكاة (العدد 31)

الثلاثاء 10 شعبان 1437ه

أمير ديوان الزكاة: نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقرّاء المسلمين.

موضّحًا لكثير من الجوانب عن فريضة الزكاة وأدائها في الدولة الإسلامية، ومبيّنًا حقيقة العلاقة بين ديوان الزكاة وغيره من دواوينها، وكاشفًا لكيفية توزيع أسهم الزكاة على المستحقين:

الدولة الإسلامية في حرب مع دول الشرك كلها؛ ألم يكن ممكنًا تأجيل تطبيق الزكاة حتى الانتهاء من هذه الحرب؟

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: لقد شرع الله عز وجل الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين، وجعل الزكاة من شروط التمكين الشرعي؛ قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [سورة الحج]، فنحن لم نجاهد لمجرد الاستيلاء على الأرض، وامتلاك السلطة فيها؛ وإنما لنقيم فيها دين الله.

والمجاهدون إنما يرابطون على الجبهات ويبذلون دماءهم هناك، وهم حريصون أن يروا شريعة الله تقام في الأرض التي يفتحونها كاملة غير منقوصة.

ونحن بإذن الله: ما أن يمكننا الله من قطعة من الأرض مهما صغرت، ولو لفترة محدودة، فإننا سنطبق شرع الله فيها؛ فنقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.

وهل جباية الزكاة وتوزيعها من تطبيق الشريعة؟ الكثير من الناس يظنون أن ذلك ينحصر بفتح المحاكم التي تحكم بشرع الله، وتقيم الحدود على الجناة.

كل ما بلّغنا به رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو من شريعة الله، فما بالك بالزكاة التي هي أحد أركان الإسلام؟ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور: (الْإِسْلامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، فالمحاكم قد تمر عليها فترات طويلة دون أن تقضي في قضية واحدة إذا لم تُرفَع إليها خصومة، والحدود قد لا تقام لشهور أو سنوات إذا انصلح الناس ولم ينتهكوا حدود الله، ولكن الزكاة تقام في كل حال ما دام هناك أغنياء لديهم مال يتجاوز النصاب.

ولماذا لا تتركون الناس يدفعون زكاة أموالهم بأنفسهم للفقرّاء؟ لماذا يتولى ديوان الزكاة مهمةَ جبايةِ الزكاة من الأغنياء وأدائِها للفقرّاء؟

لأن هذا هو الأصل في أداء الزكاة: أن يؤدي الأغنياء الزكاة للإمام، ويتولى هو ردّها على الفقرّاء؛ قال تعالى لإمام المسلمين عليه الصلاة والسلام: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [سورة التوبة: 103]، وفي وصيّة النبي عليه الصلاة والسلام لمعًاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن: (فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ)، فالنبي عليه الصلاة والسلام يأمر عامله أن يأخذ الزكاة من غنيهم ويردّها على فقيرهم، وكذلك لنا في فعل الصحابة سنّة حسنة؛ حيث قاتل الصحابة رضوان الله عليهم مانعي الزكاة لأنهم رفضوا أداءها، ولم يقرّوهم على أدائها بأيديهم، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: (والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه لرسول الله لَقاتلتُهم عليه)، ومِن كل ذلك يتبين أن أخذَ الزكاة من الأغنياء وأداءَها للفقرّاء إنما هو مِن مهام الإمام الذي هو خليفة المسلمين، أو مَن ينوب عنه في ذلك، وفي حال وجوده وتمكّنه من أخذ الزكاة: فلا يجوز الافتئات عليه بالتصرف فيها.

وفي الدولة الإسلامية يقوم ديوان الزكاة نيابة عن أمير المؤمنين حفظه الله بالقيام على هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام.

والجانب الآخر الذي يزيد من فرضية إشراف الديوان على أخذ الزكاة وأدائها: هو كثرة الفقرّاء في أراضي الدولة الإسلامية وقلة الأغنياء، وخاصة بسبب الحرب وما تفرضها من تهجير للمسلمين وتدمير لممتلكاتهم وتعطيل لأشغالهم، وذلك لإعراض الكثير من أغنياء المسلمين عن أداء زكاتهم كما ينبغي؛ فالبعض لا يؤدي زكاته إطلاقًا، والبعض الآخر يؤخرها عن وقتها، وآخرون لا يؤدون كل ما عليهم منها، وهذا ما يحرم الفقرّاء من أخذ حقهم الذي كتبه الله لهم في أموال الأغنياء؛ لذلك يجتهد ديوان الزكاة في تحصيل هذا الحق بكل وسيلة مشروعة؛ من أجل إيصاله للفقرّاء، ومن أجل ضمان قيام المسلمين بهذه الفريضة.

فإذا وجد الإمام أن حاجة الفقرّاء والمساكين قد تم سدّها من أموال الزكاة أو مِن سواها، وأن المسلمين يؤدون هذه الفريضة، وأجاز لهم أداءها بأنفسهم وكلاء عنه؛ فعند ذلك يجب على مَن ملَكَ النصاب أن يؤديها بنفسه إلى من يحتاجها، ونسأل الله أن يكون هذا اليوم قريبًا، فيتحقق فينا وصف حال الأمة في آخر الزمان: أن يطوف المسلم بصدقته فلا يجد من يأخذها منه.

ما السبب برأيك في امتناع الأغنياء عن أداء الزكاة، رغم أن وجوبها من المعلوم من الدين بالضرورة؟

السبب الأول ولا شك: هو قلة الدين، وحب المال، ولا ننسى أن الكثير من المرتدين في عهد أبي بكر رضي الله عنه تركوا الإسلام رغبة في ترك هذه الفريضة، ومن أمثلة قلة الدين: أن بعض مَن كان يخرج الزكاة قبل أن يمكن الله للدولة الإسلامية كان لا يؤديها بالصورة الشرعية؛ فتراهم يعطونها لمن لا يستحقها، ويحرمون منها الفقرّاء، فيخصّون بهذا المال مَن يودّون مساعدته مِن قريب أو صديق، بل وسمعنا أن البعض كان يعطي هذا المال للموظفين ولضباط النظام النصيري على سبيل الرشوة، والله المستعان.

ولذلك تجد أن البعض يحاولون التهرب من أدائها إلى الديوان؛ لأن ديوان الزكاة سيأخذ منهم كامل الحق المفروض في مالهم، وفي وقته المحدد، وسيتولى هو إيصاله للفقرّاء، ولو علم هؤلاء أننا بذلك ننجيهم من عذاب الله الذي سيصيبهم بعدم أدائهم لهذا الركن: لَحَمِدوا الله أن هيَّأ لهم مَن يحمل عنهم هذا العبء، ويؤدي عنهم هذه الفريضة بالشكل الصحيح.

لاحظت أنك في كلامك تركز أن الزكاة حق الفقير، بالرغم من أن الله عز وجل جعل مصارف الزكاة سبعة؛ فما هو نصيب المستحقين الآخرين للزكاة منها؟

إن الأصل في الزكاة أنها حق الفقير؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ)، وعلى هذا الأساس يعمل ديوان الزكاة؛ فالسعي الآن لسد حاجة الفقرّاء والمساكين بالدرجة الأولى، خاصة في الظرف الذي نعيشه اليوم، والذي تزداد فيه حاجتهم.

وتوزيع أموال الزكاة على مصارفها الشرعية: إنما يخضع لاجتهاد الإمام أولًا؛ فيوزعها بحسب حاجة كل باب، وبناء على هذا فقد تم تفعيل الأبواب كلها في وقت من الأوقات، ولكن عندما وجدنا شدة حاجة الفقرّاء والمساكين: فقد استحصلنا من اللجنة العامة المشرفة على الإذن بتحويل الأموال من بعض الأبواب بشكل جزئي أو كلّي لِيُوَزَّع على أسهم الفقرّاء والمساكين، فأخذنا كامل حصة سهم (في سبيل الله) الذي يخصص عادة للجهاد وتقوية الثغور، وثلاثة أرباع سهم (الغارمين)، وجزءًا من سهم (العاملين عليها)، كما تقرر أخذ كل ما يفيض شهريًّا من حاجة سهم (ابن السبيل).

ولكن - كما قلت لك- القضية تخضع للحاجة والاجتهاد؛ فأينما زادت الحاجة يتم توجيه المال، وفي الأمر سعة والحمد لله، وعلى سبيل المثال: فَسَهْمَا (في الرقاب) و(المؤلفة قلوبهم) موجودان، وندفع الأموال منهما بحسب الحاجة؛ حيث نُعلِم الإخوة في هيئة الأسرى بشكل دوري بمقدار الموجود لدينا من مال مخصص لفكاك أسرى المسلمين، وهم يأخذون من هذا المال بحسب حاجتهم بناء على تفويض من اللجنة العامة المشرفة، وقد خرج بحمد الله الكثير من الأسرى من المجاهدين وعامة المسلمين بعدما فداهم الإخوة بهذا المال، وكذلك الأمر بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم)؛ إذ يُدفَع منه بقدر الحاجة إلى ذلك؛ نصرة للدين، وتثبيتًا للمسلمين.

وكما يتبيّن لك: فالقسم الغالب من الأموال التي يجبيها ديوان الزكاة اليوم؛ إنما تذهب لسهمَي الفقرّاء والمساكين، ونسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقرّاء المسلمين، وأن يغنيهم الله بفضله.

يوجد اضطراب كبير في تعريف كل من الفقرّاء والمساكين في أذهان الناس؛ فما هي المعايير التي تبنون عليها تحديدكم لهاتين الفئتين من الناس، وحجم ما يأخذونه من مال الزكاة؟

ما يبني عليه ديوان الزكاة في الدولة الإسلامية في تعريف الفقير والمسكين: هو مقدار الكفاية؛ فمَن ملَك أكثر مِن نصف كفايته، ولم يحقق الكفاية: يكون مسكينًا، ومَن ملَك أقل مِن نصف الكفاية: فهو الفقير، وما ندفعه للفقير والمسكين هو لإيصاله إلى حد الكفاية فيكون بذلك غنيًّا، وهذا ما سنصل إليه بإذن الله إذا أدى كل الأغنياء في الدولة الإسلامية زكاتهم على وجهها.

أما حد الكفاية؛ فهو -كما تعلم- مفهوم نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف حال الناس ومَن يعولون، ونعمل الآن على إنجاز دراسة لتحديد مقادير كمية لحد الكفاية، تتضمن أرقامًا مالية لقيمة احتياجاتهم الأساسية، وعلى أساس حجم الأسرة سيتم وضع حدود متعددة للكفاية؛ بحيث يمكننا من خلال ذلك تصنيف الناس إلى فقرّاء ومساكين وأغنياء، ويتم إعطاء الفقرّاء والمساكين بمقدار ما يسد كفايتهم؛ سواء بتقديم الأموال لهم نقدًا؛ ليكفوا حاجتهم من الطعام والشراب والمسكن، ومواد التنظيف وغاز الطبخ، أو بواسطة؛ وذلك بسداد قيمة ما يستهلكونه من خدمات صحية وتعليمية، وخدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي، وكذلك قيمة وقود التدفئة، بدفع هذا الجزء من المال لدواوين الدولة الإسلامية ذات العلاقة؛ لتقوم بتقديم خدماتها للفقرّاء والمساكين دون أن تتقاضى منهم مقابلًا لذلك أسوة بالأغنياء.

بالنسبة للعلاقة مع باقي دوواين الدولة الإسلامية، وخاصة العلاقات المالية منها: كيف تتم؟ وهل تشترك كلها في بيت مال واحد يوزع عليها احتياجاتها، وينقل بينها مستحقًّات كل منها على الآخر؟

دعنا نخصص الأمر بموضوع ديوان الزكاة، ولنترك كل ديوان يفصل في شؤونه الخاصة؛ فالزكاة كما بيّنّا في الإجابات السابقة لها مصارف محدّدة تختلف عن باقي مصارف الدولة الإسلامية، وبناء على ذلك فإن أموال الزكاة لا تختلط بباقي أموالها، ولذلك لدينا بيت مال للزكاة منفصل تمامًا عن بيت مال المسلمين العام؛ سواء من حيث الواردات وهي الجبايات، أو الخارج وهو المال الموزع في مصارف الزكاة، وإن كان الأمر يتم تحت إشراف الإخوة اللجنة العامة المشرفة حفظهم الله، فهم ينوبون عن أمير المؤمنين في ذلك.

ولم يكن يخرج من بيت مال الزكاة إلى بيت مال المسلمين سوى سهم (في سبيل الله)، وقد أعاده الإخوة إلينا لنصرفه على الفقرّاء والمساكين، بل وزادوا على ذلك أن تكفلوا بدفع جزء كبير من نفقات الديوان التي يُفترَض أن تُدفع من سهم (العاملين عليها) لتوفير المال للفقرّاء والمساكين.

وقد ذكرت لك أننا ندفع من بيت مال الزكاة للإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء ما يحتاجون لفداء أسارى المسلمين، وكذلك الحال بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم) نعطي منه بمقدار الحاجة لذلك، وكذلك ما تحدثنا عنه من مستحقًّات للدواوين التي تقدم الخدمات للفقرّاء والمساكين: فإننا نؤدي حقوقها من بيت مال الزكاة.

أما عن علاقة الدواوين الأخرى بالزكاة؛ فتكاد لا تجد -بحمد الله- ديوانًا من دواوين دولة الخلافة إلا وهو يساهم في إقامة شعيرة الزكاة، وهذا من فضل الله على الإخوة المجاهدين.

فالإخوة في ديوانَي الإعلام والدعوة والمساجد يقومون بدور كبير في تذكير المسلمين بهذا الواجب، وحث الناس على القيام به؛ من خلال الخطب والدروس والإصدارات والمطبوعات، كما يشرف أئمة المساجد على تسجيل المحتاجين للزكاة كل في منطقته.

والإخوة في ديوان الحسبة يساهمون معنا في متابعة أداء المسلمين للزكاة، وفي مكافحة التسول عن طريق إحالة المتسولين إلى الديوان؛ لسد حاجة المحتاج منهم، ومعاقبة مَن يثبت أنه يسأل الناس من غير حاجة.

وإخواننا في الولايات يقومون على تسهيل أداء مراكز الزكاة لوظيفتها وإزالة العوائق التي تعترضهم، ومتابعة أداء المسلمين للزكاة؛ عن طريق الحواجز والدوريات على الطرق التي تتحقق من قوافل التجار وشاحناتهم.

وديوان الزراعة يشاركنا العمل في جباية زكاة الزروع، ووضع الضوابط التي تضمن التزام المزارعين بأدائها، كما يشرفون على بيع ما يتم جبايته من زكاة الزروع لتحويله إلى أموال نقدية يسهل التعامل معها بشكل أكبر.

وكذلك فإن قضايا الممتنعين عن أداء الزكاة، أو مَن يثبت تلاعبه في أدائها بتغيير المال أو إخفاؤه، أو مَن يحاول رشوة العاملين عليها، أو مَن يأخذها مِن غير المستحقين: كلها يتم إحالتها إلى ديوان القضاء؛ ليقوموا بمحاسبتهم كل بحسب جريمته.

فيما يعمل الإخوة في هيئة البحوث والإفتاء إلى جانب القسم الشرعي في الديوان على إعداد البحوث في نوازل الزكاة؛ لبيان الحكم الشرعي فيها، فيتم العمل في ضوئه.

وقد ذكرت لك ما تقوم به دواوين الخدمات العامة والتعليم والصحة والركاز: في خدمة الفقرّاء والمساكين، وما يقوم به الإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء والعلاقات العامة في أداء سهمي (في الرقاب) و(المؤلفة قلوبهم).

ولا يفوتنا طبعًا أن نذكر أن المجاهدين والمرابطين في ديوان الجند لهم الفضل بعد الله في قيام هذا الشعيرة وبقاء أدائها؛ إذ لولا القتال في سبيل الله لَما قامت دولة الخلافة الإسلامية، ولا أقيم هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.

نتوقف عند هذه النقطة أخانا الحبيب، ونسأل الله أن يجزيكم كل خير على توضيحاتكم لنا ولإخواننا القرّاء، وسنكمل معكم الحوار في جلسة لاحقة؛ لتبيّنوا لنا كيف يدير ديوان الزكاة عملية جمع الزكاة وتوزيعها في ولايات الدولة الإسلامية، والآلية المطبقة لتحقيق ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.





  1. الجزء الثاني: حوار مع أمير الزكاة (العدد 32)

الثلاثاء 17 شعبان 1437ه

أمير ديوان الزكاة: الآثار الطيبة للزكاة عمّت فقرّاء المسلمين وأغنياءهم.



في الحلقة الثانية من حواره مع «النبأ»؛ سرد لنا مراحل إحياء فريضة الزكاة من قبل الدولة الإسلامية حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم، كما بيّن آلية توزيع الزكاة على الفقرّاء والمساكين.

ووضح لـ «النبأ» أيضًا فحوى التعميم الأخير بخصوص الذين لم يؤدوا زكاة أموالهم، والإجراءات التي ستتخذ بحقهم.

هلّا تحدثنا عن المراحل التي مرت بها الدولة الإسلامية من حيث قيامها بشعيرة الزكاة؟

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: لا يخفى عليكم أن الدولة الإسلامية مرت بمراحل متعددة، وكل مرحلة تفرض علينا نمطًا معينًا من التعامل في هذا الباب؛ سواء في جباية الزكاة، أو إنفاقها في أبوابها الشرعية.

فقبل التمكين كان أغنياء المسلمين يؤدون زكاتهم للدولة الإسلامية، وكنا نركز في إنفاق ما يأتينا في هذا الباب على الفقرّاء والمساكين من عوائل الشهداء والأسرى على وجه الخصوص، وكذلك ننفق كمًّا كبيرًا من المال فداءً لإخواننا الأسرى في سجون الرافضة، وقد خرج بهذه الأموال المئات من الإخوة بفضل الله، كما كنا نستخدم جزءًا من ذلك المال في تجهيز المقاتلين، وتمويل العمليات ضمن سهم (في سبيل الله).

وفي فترة الصحوات في الشام: بدأت بوادر تنظيم العمل في باب الزكاة؛ بإنشاء مكاتب للصدقات في معظم الولايات، تقوم بتوزيع ما يتوفر من أموال أو مواد غذائية على الفقرّاء والمساكين على سبيل الصدقة، وذلك من بيت مال المسلمين؛ حيث كان الوارد من الزكاة والصدقات التي يدفعها المسلمون قليلًا حينها.

وبمجرد تحقق التمكين في بعض ولايات الشام، وتطبيق الدولة الإسلامية للشريعة الإسلامية فيما تحت يدها من أرض وبشر: أُنشِئت الدواوين المختلفة للقيام على شؤون الدولة الإسلامية، وعلى رأسها فريضة الزكاة، فأُنشئ ديوان الزكاة في رجب من 1435 هـ، وبدأ يباشر عمله في جباية الزكاة وتوزيعها منذ ذلك الحين.

وعندما فتح الله علينا مدينة الموصل ومساحة واسعة من العراق: كان من السهل نقل التجربة فورًا إلى الولايات التي فتحها الله؛ فأُنشئت فيها مراكز للزكاة، وكذلك الأمر بما يفتح الله على المسلمين في الولايات في مشارق الأرض ومغاربها؛ فما أن يُمكَّن لجنود الدولة الإسلامية في بقعة من الأرض حتى يقيموا فيها شرع الله، ويقوموا على تنظيم أداء المسلمين للزكاة فيها، ونحن نرسل لهم كل ما بأيدينا من تجارب، ودراسات شرعية، وننظم لهم هيكلية العمل لديهم، وكمثال لذلك: ولاية طرابلس؛ فرغم بعد المسافة بيننا وبينهم؛ إلا أنهم أقاموا مركز الزكاة لديهم بشكل موافق لما هو عليه الأمر في ولايات العراق والشام، ونسأل الله أن يفتح علينا الأرض كلها فنقيم في كل بقعة منها مركزًا للزكاة؛ حتى لا يبقى مكان إلا وتقام فيه هذه الشعيرة العظيمة.

كيف كان وضع الزكاة قبل تنظيم ديوان الزكاة لجبايتها وتوزيعها؟

تحت حكم الطواغيت: كان أغلب مَن يؤدي الزكاة مِن المسلمين يوزعها بنفسه على مَن يظنه مستحقًّا للزكاة، فيما كان قسم آخر يؤدون زكاتهم أو جزءًا كبيرًا منها إلى ما يسمى «الجمعيات الخيرية المستقلة»، وفي الحالتين كان هناك قصور كبير في أدائها.

فمن كان يؤديها بنفسه كان يضعها أحيانًا في يد مَن لا يستحقها؛ كمن يعطيها للأغنياء من أقاربه وأصدقائه، وقليل مِن الناس مَن كان يعرف أحكام الزكاة، وفي أي الأموال تجب، وما نصاب كل نوع من المال، وغير ذلك من الأحكام الشرعية؛ لذلك كان قسم كبير من المال لا تخرج زكاته.

وإذا أتينا إلى ما يسمى بـ «الجمعيات الخيرية المستقلة»؛ فقد وجدنا في عملها قصورًا كبيرًا؛ حيث كان يقتصر في الغالب على تقديم سلات غذائية، أو مبالغ مالية قليلة، بشكل منتظم أو غير منتظم، أو تقديم الخدمات الطبية، أو التعليمية للفقرّاء، وعلى العموم فقد كانت وارداتها المالية شحيحة؛ لِقلّة ما يصلها من تبرعات أو أموال الزكاة والصدقات، بالإضافة إلى أن هذه الجمعيات كانت تعاني من الفساد؛ حيث تسود المحسوبيات في توزيع المساعدات، كما تُنهَب الكثير من الأموال من إدارات الجمعيات قبل أن تصل إلى الفقرّاء، كما أن كثيرًا من مصارف هذه الجمعيات لم تكن تصلح كمصارف شرعية للزكاة.

ولو أخذنا مدينة الموصل كمثال: فقد كان فيها أكثر من 80 من هذه الجمعيات، ولكن لو نزلنا على الأرض: فما هو حجم نشاطها؟ كان محدودًا جدًّا.

ولكن عندما بدأنا العمل في ديوان الزكاة: رأى الناس الفرق بين ما كان سائدًا، وبين الواقع الجديد.

فالكثير من الأغنياء عندما بدأنا جباية الزكاة كان يخفي زكاته أو يدفع جزءًا قليلًا منها إلينا؛ بحجة أنه يدفعها للفقرّاء الذين يعرفهم، كما فعل أحد التجار في ولاية حلب؛ فلما ذهب ليوزع زكاته على مَن كان يعطيهم في كل عام: وجد أن ديوان الزكاة قد أعطاهم أضعاف المبلغ الذي كان هو يريد إعطاءه لهم، فجاء إلى الإخوة في مركز الزكاة وأدى كامل زكاته لهم، وفوقها بذل مِن صدقة ماله لإيصالها للفقرّاء.

وكذلك الأمر مع مَن كان يأخذ مِن الجمعيات: كانوا يعطونهم مبالغ زهيدة، فلما سجلوا في ديوان الزكاة وأخذوا مستحقًّاتهم: وجدوها مبالغ كبيرة جدًّا مقارنة بما سبق، فأقوى الجمعيات في الموصل مثلًا: كان أقصى ما تعطيه للأسرة الفقيرة 25.000 دينار، أما ما يقدمه الديوان اليوم -ولله الحمد-: فهو يصل أحيانًا إلى 200.000 دينار للأسرة الواحدة بحسب حجمها واحتياجاتها، فالفرق كبير جدًّا كما ترى، وهذا بفضل الله، وسببه: أن إمكانات الديوان كبيرة، بسبب جباية الزكاة، وكذلك ما نسعى إليه من حصر توزيعها على المستحقين، وحمايتها من أيادي المتلاعبين واللصوص.

لو تحدثنا عن آلية توزيع الزكاة؟

بالنسبة إلى عملية التوزيع؛ فأول مراحلها: تسجيل الفقرّاء والمساكين وإحصاؤهم؛ وذلك عن طريق مراكز الزكاة والمساجد، فكل فقير يسجل اسمه وعنوانه لدى إمام المسجد في الحي الذي يسكنه، أو يقوم أحد من المسلمين بإبلاغ الإمام عن حال هذا الفقير إن كان متعفِّفًا، ثم تخرج لجنة لدراسة كل حالة على الواقع، وتحديد مدى استحقًّاقها للزكاة، وحجم حاجتها في حال استحقًّاقها، وبعد ذلك يُرفع الأمر لمركز الزكاة، ويُعطى المستحق للزكاة بطاقة يستلم زكاته على أساسها.

وفي كل رأس شهر تنطلق لجان من مراكز الزكاة لتوزيعها في المساجد على المستحقين، فيستلم كل مستحق ما قُدِّر له من مال، وهكذا الأمر في كل شهر، وقد يتفاوت مقدار ما يستلمه المستحق بين شهر وآخر بحسب ما يتوفر في بيت مال الزكاة من أموال مَجْبِيَّة.

لماذا يكون التوزيع في رأس الشهر؟ ولماذا في المساجد؟

الأصل في الزكاة أن تُوَزَّع بعد جبايتها فورًا، ولكن الناس اليوم اعتادت أن تدير أمورها بشكل شهري؛ فإيجارات المنازل، والديون، بل وحتى الإنفاق: الناس تديره بشكل شهري؛ لذلك كان الاجتهاد أن يكون التوزيع على هذا الأساس؛ ليستفيد المستحقون من أموالهم بشكل أفضل.

وبناء على ذلك: فإن كل ما يُجبى خلال أي شهر من الشهور يتم توزيعه خلال الشهر نفسه، إلا أن يكون المال غير نقدي؛ فيتم توزيعه بعد تحويله إلى نقد للتسهيل على المستحقين، ولا يُدَّخر في بيت مال الزكاة سوى جزء قليل مما يُوَزَّع في غير أسهم الفقرّاء والمساكين.

أما اختيار المساجد مكانًا للتوزيع؛ فذلك عائد لأسباب عديدة؛ منها: أن هذا سنة نبينا عليه الصلاة والسلام: أنه كان إذا جاءه مال الصدقة جمع الناس في المسجد ووزّعها عليهم، ومنها: أننا نريد أن نعيد للمسجد مكانته في الإسلام، فمسجد النبي عليه الصلاة والسلام كان مركزًا لإدارة مختلف شؤون دولته، وكذلك كان حال خلفائه من بعده، وكذلك فإننا نريد أن نرفع عن الفقير الحرج عند استلامه لحقّه؛ فهو يأخذ حقّه من بيت الله، لا من عتبات بيوت الأغنياء، هذا فضلًا عما يترافق مع تسليم الزكاة من محاضرات دعوية، ودروس شرعية يتلقاها المستحقون للزكاة.

وبالإضافة لذلك: فإن المسجد هو المكان الطبيعي لاجتماع المسلمين؛ فبحضورهم إلى الصلوات في أيام توزيع الزكاة يشاهدون بأعينهم إيصال الزكاة لمستحقيها، وبذلك يطمئن مَن يؤديها، ويعرف مَن يستحقها بوجودها فيطلب حقه منها.

ما هي الآثار التي لمستموها على حال الرعية بعد قيام ديوان الزكاة بهذه الفريضة؟

تكلمنا في الجلسة الماضية أن أهم آثار الزكاة: هو إقامة الدين، وتأكيد طاعة رب العالمين، ولكن كما كل أمر فيه طاعة لله: يكون له بالإضافة للثمرات الأخروية ثمرات طيبة في الدنيا تنعكس على واقع الناس؛ كما في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا) [رواه ابن حبان]، وكذلك الزكاة فإن لها الكثير من الآثار الطيبة على واقع الناس، وعلى رأسهم الفقرّاء والمساكين؛ حيث تمكّنّا بفضل الله من كفالة أكثر 100.000 من الأُسَر التي ليس لها من معين إلا الله، حيث يصلها حقها من مال الزكاة بشكل دوري، فوفرنا لهم جزءًا كبيرًا من احتياجاتهم، وكذلك وقيناهم من الانحراف نحو المعاصي أو الردة والعياذ بالله؛ فالمشركون اليوم يحاولون إغراء الناس بالمال ليوقعوهم في الكفر بتجنيدهم في جيوش الردة، أو الصحوات، أو توظيفهم جواسيس، هذا فضلًا عن كثير من التائبين ممن كانوا في صفوف طوائف الردة تلك؛ حيث لم تبقَ لهم رواتب بعد التوبة، فقدّمنا لهم ما نستطيع بعد أن صاروا بحكم المستحقين للزكاة.

بل وحتى الأغنياء ينالهم جانب من بركة الزكاة؛ فالمستحقون للزكاة ينزلون بأموالهم إلى الأسواق ويشترون احتياجاتهم فينعشون حركة التجارة فيها، وكميات الأموال التي تضخ شهريًّا في الأسواق من هذا الباب ليست هينة بفضل الله، وكذلك فإن في كفاية الفقرّاء تحصينًا لهم من التعدي على أموال الأغنياء بالسرقة أو الإتلاف، طمعًا أو حسدًا.

وبالمحصّلة لو نظرنا نظرة عامة: لَوجدنا أن الرعية كلها مستفيدة -بفضل الله- من أداء الزكاة، ونيل الفقرّاء لحقوقهم في أموال الأغنياء.

أصدرتم تعميمًا حول موضوع أداء الزكاة؛ تبيّنون فيه أهمية هذه الشعيرة، وتحذّرون من عدم أدائها؛ فما سبب إصدار هذا التعميم؟

إن عدم أداء بعض الأغنياء زكاتهم منكر عظيم، وكبيرة من الكبائر، كما أنه يترتب على هذه المعصية عذاب كبير في الآخرة؛ وهو نار جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها، فإن الشريعة قد فرضت على مَن لا يؤديها عقوبة في الدنيا هي مِن جنس عمله، ومضادّة لقصده؛ وذلك بأن تؤخذ منه الزكاة، وفوق الزكاة يؤخذ منه شطر ماله، أي نصفه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْهُ وَشَطْرَ إِبِلِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ) [رواه أحمد]، ومَن امتنع عن أدائها بالسيف قُوتِل ردة حتى يتوب إلى الله، وذلك فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- مع المرتدين من قبائل العرب التي امتنعت عن أداء الزكاة لخليفة المسلمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال فيهم: «والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونه لرسول الله لَقاتلتُهم عليه».

وبناء على ذلك: أصدر الديوان تعميمًا جديدًا؛ لتذكير الناس بما عليهم مِن حق لرب العالمين، وتخويفهم مِن عذاب الله لمن امتنع عنها، ولعظيم فضل مَن أداها بحقها، وكذلك تضمّن التعميم توضيحًا أن الديوان سيُعَزِّر مَن أخفى حقيقة ماله وتلاعب في أداء زكاته، ومَن ثبت عدم أدائه لها فستُؤخَذ منه مع شطر ماله، أي نصفه؛ طاعة لأمر الله تعالى، واتباعًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتحصيلًا لحق مستحقي الزكاة في أموال الأغنياء، هذا من جانب.

ومن جانب آخر: فإن مَن يثبت لدينا أنه أخذ مِن مال الزكاة مستخدمًا الكذب والخداع، وتبيّن لنا أنه كان غير مستحق لها، أو مَن استمر في أخذ الزكاة بعد أن أغناه الله وخرج مِن زمرة مستحقيها؛ فإن عقوبته في الدنيا: أن يُستَرَدَّ منه ما أخذ، ويُعاقَب بما يستحق.

أما عقوبته في الآخرة: فهي عقوبة مَن يأكل المال الحرام، وعقوبة مَن يسأل الناس مِن غير حاجة كما في حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ)، أي معناه: أنه يُعاقَب بالنار، أو أن الذي يأخذه يصير جمرًا يُكوى به، كما قال شُراح الحديث.

كيف تتم معاقبة مَن لا يؤدي الزكاة في الواقع؟

مَن مكّنَنَا الله مِن كشف عدم أدائه للزكاة أو تلاعبه في ذلك: عاقبناه، وتحضرني حالتان على الأقل؛ إحداهما في الموصل، والأخرى في الرقة، تم فيهما شطر مال اثنين لم يؤدّيا زكاة مالهما، كما تم تعزير العديد ممن أخفى حقيقة ماله، أو تلاعب بالزكاة بتغيير المال، أو الغش فيما يعطي وما شابه.

كما كشف الله لنا العديدين ممن أخذوا مِن مال الزكاة من غير حاجة، أو أخذوا منه فوق حقهم عن طريق الخداع، فتم استردادُ المال منهم وتعزيرُهم.

هل هناك كلمة أخيرة توجهها للمسلمين عمومًا؟

أريد انتهاز هذه الفرصة لأذكر المسلمين عمومًا بأداء ما عليهم من الزكاة؛ فهي حق للفقير والمسكين، وليتذكر كلٌّ منهم أنه لو افتقر لَوَدَّ أن هناك مَن يُعِيله ويعينه، فليتَّقِ الأغنياء الفقرَ بالزكاة؛ فما نقص مال من صدقة.

وإن التأخر عن أداء الزكاة يعرّض المسلمين كلّهم لخطر عظيم، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (وَلَمْ يَمْنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا) [أخرجه الحاكم وصححه]، ونحن الآن في موسم الحصاد؛ فلا يتأخرنّ أحد مِن المسلمين عن أداء زكاته فيعرض نفسه لعذاب الآخرة، وللعقاب في الدنيا، والحمد لله رب العالمين.



  1. حوار مع أمير ديوان الحسبة (العدد 35)

الثلاثاء 9 رمضان 1437ه

أمير ديوان الحسبة: قرار إزالة «الستلايت» لا تراجع عنه.



صدر قرار بمنع استخدام أجهزة استقبال القنوات الفضائية في أراضي الدولة الإسلامية وأمر بإزالتها؛ فهل يمكن أن تبيّن لنا أهمية هذا القرار؟

الحمد لله العظيم الحليم، الذي أحلّ لعباده الطيّبات وحرّم عليهم الخبائث، والصلاة والسلام على مَن أنزل الله عليه القرآن فرقانًا بين الخير والشر، وبعد: فإن الله عز وجل أوجب على المسلمين اتخاذ الإمام، وأوجب عليهم طاعته، وأوجب على الإمام أن يسوس رعيته بالشريعة؛ فيقيم فيهم الدين، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فما مِن طاعة واجبة إلا ووجب على الإمام أن يدعو المسلمين إليها، ويأمرهم بها، ويعاقب مَن يتخلّف عن القيام بها، وما مِن معصية لله إلا ووجب عليه أن ينهى الناس عنها، ويعاقب مَن يصرّ على اقترافها.

ومن هذا الباب: كان واجبًا على الإمام أو من ينوب عنه أن ينهى المسلمين عن مشاهدة القنوات الفضائية؛ لِمَا فيها من ضرر كبير على دين المسلمين ودنياهم، وبما أنه لا يمكن -في العادة- مشاهدة هذه القنوات في أراضي الدولة الإسلامية إلا عن طريق جهاز الاستقبال المسمى بـ «الستلايت» أو «الدش» أو ما شابه؛ فإن النهي يتسع هنا ليشمل حيازة هذا الجهاز الذي تتم المعصية من خلاله؛ بناء على القاعدة الشرعية: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

حبذا لو تشرح لنا الضرر على دين المسلمين ودنياهم في متابعة القنوات الفضائية؟

ضرر القنوات على الدين لم يعد يخفى على أحد من المسلمين؛ فمنظومة القنوات الفضائية بكاملها واقعة تحت سيطرة أعداء الإسلام من الصليبيين وسائر الطواغيت، وهؤلاء لا يقرّ لهم قرار حتى يردّوا المسلمين عن دينهم، والقنوات الفضائية هي أهم وسائل إفسادهم للدين؛ من خلال تشويه عقيدة التوحيد والطعن في أهلها، والاستهزاء بالدين وشعائره، ونشر عقائد أهل الباطل؛ كالعلمانية والديموقراطية، والإلحاد والنصرانية، والرفض والصوفية وغيرها، وكسر عقيدة الولاء والبراء؛ مِن خلال الدعوة للولاء الوطني والقومي وما شابه، وإنك لا تجد برنامجًا إلا وفيه شيء من ذلك، قلّ أو كثر، بشكل ظاهر أو خفي.

بالإضافة إلى برامج المجون والموسيقا، والدعاية للفسق والمعاصي بمختلف أنواعها، وتعويد المشاهدين على رؤية المشاهد الخليعة، والعلاقات المحرّمة.

كذلك تحطيم مفهوم القدوة الصالحة؛ من خلال دفع الناس إلى الاقتداء بالكفار والمشركين والفاسقين، وتصوير حياتهم على أنها الحياة المثالية التي يجب أن يسعى إليها كل إنسان.

هذا عدا عن إلهاء الناس عمّا ينفعهم في دينهم أو دنياهم، وإنك لَتجد البعض يضيع جزءًا كبيرًا مِن يومه وليلته في متابعة تلك القنوات؛ فلا هو في عمل ينفعه في آخرته، ولا هو في عمل ينفعه في دنياه، وهذا مما يكرهه الله لعباده.

زعم بعض الناس أنه يمكن معالجة الشبهات والشهوات؛ من خلال دعوة الناس إلى التوحيد وفعل الطاعات وترك المنكرات؛ فكيف تردّون على ذلك؟

الأصل في الدين: إزالة المنكرات وأسبابها الحقيقية، مع الدعوة إلى المعروف، لكن أن تدعو إلى المعروف وتترك مَن يدعو إلى المنكر بأضعاف ما تستطيع أن تقوم به: فهذا إفساد لِمَا تدعو إليه، وإننا نعرف هذا من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، وسائر السلف الصالح.

فقد قام -صلى الله عليه وسلم- بهدم مسجد بناه المنافقون ليصدوا المسلمين عن مسجد رسول الله، وليتخذوه منطلقًا لمؤامراتهم على الإسلام وأهله، فإذا كان مسجد الضرار وهو مسجد يُصلى ويُذكر الله فيه: يُهدم إن أقيم للإضرار والتفريق بين المؤمنين وإيواء المنافقين؛ فكيف بك مع القنوات الفضائية التي ما أُنشِئَت إلا للصد عن سبيل الله!

وقد كان الصحابة والتابعون يمنعون أهل البدع في الدين من الجلوس إلى الناس والتحديث ببدعهم، ويأمرون الناس بهجرهم؛ فكيف بك اليوم وقد صار كلام أهل البدع والضلال داخل بيوت المسلمين؛ يسمعه الجاهل، والمفتون، ومَن في قلبه مرض! فمنع هذا مِن باب أولى.

وإننا نرى من خلال عملنا ومعايشتنا للناس حجمَ الضرر؛ فالناس في المساجد: تسمع الدعوة إلى التوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا عادت إلى بيوتها: سمعت الدعوة إلى الشرك، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، مع تزيين وشبهات، وفتنة الأسماء والألقاب.

كل هذا يصدّ الناس عن قبول الحق والعمل به، ويجعلهم دائمًا في حال من الشك والريب، مهما سمعوا من أدلة صحيحة من كلام الله وسنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وبالتالي لا يمكنك أن تبني وتترك غيرك يهدم ما تبنيه، ولا أن تزرع وتترك غيرك يفسد ما زرعت، ومن هذا الباب كان منع المسلمين من مشاهدة القنوات الفضائية وسيلةً لإزالة بعض ما يصدّهم عن الهدى، ويجنّبهم طرق الضلال.

وكما قال عليه الصلاة والسلام في وصف أقوام من المسلمين: (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ) [رواه البخاري]، فنحن سنقوم بذلك بإذن الله؛ سندفع أنفسنا والمسلمين إلى الجنة دفعًا، ونذودهم عن الوقوع في النار ذَودًا، وهذا هو الأساس في إقامة الدولة الإسلامية أن تسوس الناس في كل شؤون دينهم ودنياهم بما ينفعهم؛ فهي كالأب والأم للمسلمين، ولا يعقل من أب صالح أن يرى أولاده يلقون بأنفسهم في النار فيتركهم وشأنهم.

كيف بدأت قضية منع أجهزة استقبال القنوات الفضائية في الدولة الإسلامية؟ وكيف تم تطبيق هذا المنع؟

أكثر الناس يظنون أن هذا الأمر وليد اليوم والليلة، وهذا ليس صحيحًا؛ بل هو يعود إلى سنوات؛ فالدولة الإسلامية منذ قيامها تبنّت مسألة إزالة هذا المنكر، ولعلك تذكر أن الشيخ أبا عمر البغدادي تقبله الله خصص للموضوع جانبًا من إحدى كلماته التي بيّن فيها عقيدة الدولة الإسلامية ومنهجها؛ فقال فيها: «نرى تحريم كل ما يدعو إلى الفاحشة ويدعو إليها؛ كجهاز الستالايت»، ولم تتوقف دعوة المجاهدين للمسلمين لإزالة هذا المنكر، ولكن لم تتوفر حينها الإمكانية لإلزام من امتنع من إزالته؛ بسبب الهجمة الصليبية الرافضية، وانحياز المسلمين من المدن تحت ضغط هذه الهجمة.

وبقي الأمر على هذه الحال من الاكتفاء بالدعوة حتى عودة الخلافة، وتنصيب الشيخ أبي بكر البغدادي -تقبله الله- إمامًا للمسلمين، مع ما تضمّنه الأمر من التمكين والاستطاعة؛ فبدأ العمل على إزالة هذا المنكر على مراحل متتابعة، بدأت بتكثيف الجانب الدعوي لتنبيه المسلمين إلى هذا المنكر، وتوعيتهم بحرمته، ثم تم البدء بخطة الإلزام.

فبدأنا أولًا بإلزام جنود الدولة الإسلامية بإخراجه من بيوتهم؛ وذلك بأمر صادر من اللجنة المفوضة التي تنوب عن أمير المؤمنين، ثم بدأ تطبيق الأمر على سائر الرعية بإزالته من الأسواق والأماكن العامة، ثم بإبلاغ التجار ومحلات الإلكترونيات بالامتناع عن بيع هذه الأجهزة أو شرائها أو إصلاحها؛ وذلك لإفراغ الأسواق من هذا الجهاز الخبيث، ومنع تعويض الأجهزة التالفة أو المصادرة فيما بعد.

ثم جاءت المرحلة الأخيرة؛ وذلك بأمر المسلمين بتسليم ما يملكون من هذه الأجهزة إلى ديوان الحسبة ليتم التخلص منها، وذلك بالترافق مع حملة إعلامية ودعوية مكثّفة آتت أكلها بفضل الله، وقد وُضِعَت هذه المراحل حسب استطاعة الإخوة العاملين على هذا الأمر في الديوان.

لماذا بدأتم بتطبيق المرحلة الأخيرة مع حلول شهر رمضان الكريم؟

إنكار المنكرات لا يختص بشهر دون شهر، بل متى وجد المسلمون منكرًا وجب عليهم إزالته، حسب حاله، وحال القدرة على إزالته.

أما بالنسبة لتخصيصنا شهر رمضان بأمر المسلمين في الدولة الإسلامية بالتخلص من أجهزة الاستقبال الفضائي؛ فهذا عائد أولًا للمراحل التي تم وضعها في خطة إزالة هذه المنكر، والتي كان كلٌّ منها يقتضي فترة من العمل، حتى وصلنا إلى هذا الشهر.

وبالإضافة لذلك: فإن استجابةَ المسلمين للأمر بالمعروف تكون أكبر، وانتهاءَهم عن المنكرات يكون أولى؛ بسبب زيادة الطاعات والعبادات؛ من صيام وقيام، وذكر لله، وصدقة وغيرها.

ولا ننسى أيضًا أن أهل الباطل يجعلون من هذا الشهر هدفًا لهم؛ ليفسدوا على الناس عباداتهم، ويصدوهم عن سبيل الله فيه، فترى أن المنكرات على القنوات الفضائية من مسلسلات مفسدة ومهرجانات الفاحشة، ومحاضرات علماء السوء ودعاة الضلالة: تكون أضعاف ما تكون في بقية شهور السنة؛ لذلك كان الواجب أن نتقصّد نحن هذا الشهر بمنعهم من نشر منكراتهم، ومنع المسلمين من إتيان المعاصي في شهر الصوم، الذي تُضاعَف فيه أوزار المعاصي كما تُضاعَف فيه أجور الطاعات.

وكيف وجدتم استجابة المسلمين للأمر بتسليم ما يمتلكون من أجهزة «الستلايت»؟ وما الإجراءات التي ستتخذ بحق مَن امتنع عن تسليمها وأصرّ على حيازتها؟

الحمد لله وحده، كانت استجابة المسلمين للأمر فوق ما نتوقع؛ فقد استلمنا في مراكز الحسبة في مختلف الولايات، وخلال الأيام الأولى من القرار: عشراتِ الآلاف من الأجهزة وملحقًّاتها، وبات أمرًا مألوفًا أن تجد الناس في الشوارع وهم يحملون أجهزتهم ليسلموها إلى مراكز الحسبة.

بل ومما يزيد المؤمن فرحًا: أن تجد المسلم يتخلص من هذا الجهاز مطمئنًّا لصحة ما يفعل؛ حيث يقومون بأنفسهم بتحطيم تلك الأجهزة داخل مراكز الحسبة، وينصرفون إلى بيوتهم، مأجورين بإذن الله تعالى.

أما مَن امتنع عن تسليمه بنفسه طائعًا، وبَلَغَنا أمرُه: فإننا سنلزمه بتسليمه مُرغَمًا، وستكون لنا معهم إجراءات ستُتَّخَذ بحقهم لاحقًا، والمسلمون مقبلون بأنفسهم -بفضل الله- على الأمر، ولن نبدأ باتخاذ الإجراءات بحق مَن يمتنع إلا بعد أن نتأكد مِن أنه لم يبق أحد ممن يريد تسليم جهازه طوعًا، وتأخر لعذر أو مانع، أو لجهل بالقرار، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث.

وأريد هنا أن أنوّه إلى الثمرة المباركة للدورات الشرعية لعامة المسلمين التي قام بها الإخوة في ديوان الدعوة والمساجد؛ فقد كان لها أثر كبير في تعليم المسلمين أمر دينهم، وبذلك سَهُلت على مَن هداه الله الاستجابة لأي أمر شرعي يأتيهم؛ فقد بتنا نرى المسارعة في استجابة الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بترغيبهم بطاعة الله، وهذا ما لمسناه جليا في حملتنا على أجهزة «الستلايت»؛ حيث تخلى عنها الكثير من المسلمين رغم اعتيادهم عليها وتعلقهم بها، ولله الحمد من قبل ومن بعد.

بعد قرار ديوان الحسبة في الدولة الإسلامية بإزالة أجهزة استقبال القنوات الفضائية: اشتعلت القنوات استنكارًا للأمر، وانبرى الكثير من دعاة الضلالة ليثيروا الشبهات حول الموضوع؛ فما ردّكم على هذه الحملة؟

بالنسبة للقنوات الفضائية: فلا نستغرب هجومَهم على القرار، ومحاولتَهم إقناعَ الناس بالاحتفاظ بأجهزة «الستلايت»، والاستمرار في متابعتها؛ فالأصل فيها أنها تأمر بالمنكر، وتستنكر المعروف، وهي ما أُنشِئت إلا لذلك؛ ولذلك فإن منع المسلمين من مشاهدة هذه القنوات: سيلغي الحاجة إليها، وسيحرم مديريها والعاملين فيها من ملايين الدولارات من أموال السحت التي تُغدَق عليهم من أموال الطواغيت، وأجهزة المخابرات الصليبيّة؛ حيث سيوجّه المشركون تلك الأموال إلى مجالات أخرى يستطيعون من خلالها بث سمومهم في عقول المسلمين.

أما بالنسبة للشبهات التي يلقيها دعاة الضلالة، سواء منهم مَن تَزَيّا بِزِيِّ الدين، أو مَن لبس لباس المحلّل السياسي، أو الخبير النفسي؛ فقد بَيّنّا في جوابنا على سؤال سابق الحكمَ الشرعي للقضية، والمصالحَ المتحققة من وراء القرار، ولا داعي لتكرار الأمر.

وما يطرحونه من شبهات: هم يردّون عليها بأنفسهم عندما يحاربون بكل ما استطاعوا لمنع الدولة الإسلامية من إيصال دعوتها للمسلمين، وتراهم يحذّرون الطواغيت والصليبيين من إعلامها؛ مخافة أن يطلع المسلمون على الحقيقة، ويسيروا على طريق الهدى الذي أمرهم الله باتّباعه، فإن كانوا هم يعلمون خطورة وصولنا إلى الناس عليهم وعلى عملهم التخريبي؛ فكيف نسمح للمشركين والمفسدين في الأرض أن يصلوا إلى المسلمين الذين استرعانا الله دينهم ودنياهم فنسمح لهم بإضلالهم، وإفساد عقيدتهم وأخلاقهم؟

وما يروِّجونه عن منافع للقنوات الفضائية: فيكفي للرد عليها أن نذكر إحصائية نشرها أحد الباحثين عن القنوات الفضائية العربية؛ حيث تبيّن له أن نصف هذه القنوات تقريبًا هي قنوات للموسيقا والرقص، والأفلام والمسلسلات، والرياضة؛ فأي نفع يتأتّى للمسلم من متابعة هذه القنوات؟ بل إنها ضرر محض، وتضييع للدين والأوقات.

ولو نظرنا إلى النصف الثاني: لَوجدناه أشد ضررًا على المسلمين؛ فإذا كان القسم الأول يركز على إثارة الشهوات وتضييع الأوقات، فإن القسم الثاني يستهدف العقائد والعقول، وخاصة ما تسمى بالقنوات الدينية التي تشرف عليها كلها أجهزة مخابرات الطواغيت، فتقدّم مَن ترضى عنه مِن علماء السوء، ودعاة الضلال، فيخربون عقائد الناس بما يقدّمونه لهم على أنه الدين الصحيح، ولا يمكن لأحد أن يتكلم على تلك القنوات بما يخالف رغبة أجهزة المخابرات التي تشرف عليها، وأي قناة تحاول تجاوز هذا الخط قليلًا يكون مصيرها الحذف فورًا.

ولدينا أيضًا القنوات الإخبارية التي يزعم كل منها الحياديّة، في حين أنها جميعًا موجهة لنشر الأفكار المحاربة للإسلام، بهذا الاتجاه أو ذاك، وتشويه الحقائق، وتسويق الأحداث بما يخدم أهداف المشرفين عليها، سواء من الصليبيين أو سائر الطواغيت، وكذلك فهي تساهم بشكل كبير في الحرب الصليبية ضد الدولة الإسلامية؛ عن طريق نشر الأخبار الكاذبة، وتسويق الأفكار الخاطئة على أنها تحليلات سياسية أو ما شابه.

ولعلك تذكر في مواقف عديدة كيف شاركت القنوات الإخبارية في الحرب الصليبية على الدولة الإسلامية؛ حيث أثارت الخوف والهلع لدى مرضى القلوب من المسلمين، ودفعت الكثير منهم إلى ترك مدنهم وقراهم دون سبب إلا ما سمعوه من تلك القنوات عن انتصارات وهمية للمرتدين، أو سقوط للمدن والقرى قبل أن تصلها المعارك أصلًا.

هل من كلمة أخيرة، أو رسائل توجهها للمسلمين في هذا الشهر الكريم؟

رسالتنا الأولى هي للمجاهدين في الثغور؛ فنقول لهم: جزاكم الله خيرًا، وتقبّل منكم أعمالكم، فما مِن حدّ يقام في هذه الأرض، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، إلا ولهم فيه نصيب من الأجر بإذن الله، كيف لا؟ ولولا فضل الله ثم رباطهم وجهادهم لاستولى عليها الكفار، وأحالوها دار كفر، وطبّقوا فيها أحكامهم الجاهلية، وأمروا فيها بالمنكر، ونهوا عن المعروف!

فالله الله في رباطهم، وليلزم كل منهم ثغره، ولا يُؤْتَيَنّ المسلمون مِن قِبَله، وليتذكر دائمًا أنه لا يحمي قطعةً مِن الأرض، وبيوتًا من إسمنت وطين وحسب، ولكنه في المقام الأول يحمي دينَ المسلمين ودماءَهم وأعراضَهم.

وإننا نرى أن المشركين إذا سيطروا على قطعة من الأرض؛ فأول ما يقومون به هو الإعلان عن نزع الحجاب، وإباحة ارتكاب المعاصي؛ مِن دخان وموسيقا واختلاط وما شابه، ويَجهَرون بالكفر والعداء لشريعة ربّ العالمين، وما ذلك إلا دليل على أن حربهم علينا إنما هي مِن أجل ديننا، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، الذي لا يمكن أن يتم إلا تحت حكم الإسلام.

وليعلم كل منهم أن رباطه ليوم أو ليلة: هو خير من صيام القاعد وقيامه، فكيف بالمرابط اليوم، وقد جمع بين ثوابي الصيام والقيام، والرباط والجهاد!

ورسالتنا الثانية: هي للمسلمين عمومًا؛ أحذّرهم مِن معصية القعود عن الجهاد بالنفس والمال، والركون إلى الدنيا الفانية، ثم أذكّرهم ونفسي بفضل هذا الشهر العظيم؛ فلا يفوتنّهم إلا وقد حصّلوا فيه من الطاعات الخير الكثير، وخاصة في العشر الأواخر منه، والتي فيها ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر كما أخبر ربنا سبحانه وتعالى.

  1. حوار مع والي غرب إفريقية (العدد 41)

الثلاثاء 28 شوال 1437ه

والي غرب إفريقية الشيخ أبو مصعب البرناوي: سنخرج من محنتنا أصلب عودًا وأقوى ساعدًا بإذن الله.



في حواره الأول مع صحيفة (النبأ) بعد تكليفه واليًا على غرب إفريقية؛ يتحدث الشيخ أبو مصعب البرناوي -حفظه الله- عن تاريخ الجهاد في هذه المنطقة، وعن واقع جنود الدولة الإسلامية في الولاية في ظل الحملة الإفريقية الصليبية عليهم.

كما يرد الشيخ على بعض الشبه المثارة حول ولاية غرب إفريقية، ويكشف حقيقة الوضع العسكري في ظل الصراع بين جنود الرحمن وأولياء الشيطان في غابات غرب إفريقية.

دعوة التوحيد في غرب إفريقية قديمة؛ حدثنا عن تاريخ الموحدين وجهادهم للمشركين فيها، وعن جهود الموحدين في جهاد الصليبيين في تلك المنطقة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد: فبدايةً أشكر الإخوة في إعلام الدولة والمناصرين على جهودهم ودفاعهم عن أعراض المجاهدين، وعلى وقوفهم في وجه الإعلام الكافر، وأحثهم على بذل المزيد، وألا يركنوا للدعة والراحة؛ فإن مهمتهم لا تقل أهميتها في هذه الحرب عن الجانب العسكري، وأشكر صحيفة النبأ كذلك على إتاحتها لي فرصة الدفاع عن دولتنا العزيزة، ودحض الشبه المفتراة على ولاية غرب إفريقية خصوصًا.

وإجابة على سؤالكم: فإن تاريخ الموحدين في غرب إفريقية يرجع إلى القرن الأول الهجري، وقيل بعد ذلك؛ إذ دخل الإسلام هذه المنطقة واعتنقه كثير من أبناء البلاد، ولكن بعدها ضل كثير من الناس واتبعوا البدع والشركيات والخرافات، وعاشت البلاد عصورًا من التيه والضلال، ثم جاء الاحتلال الكافر ليفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل، وأَجبر الناس على الكفر تارة وأغراهم ومنّاهم تارة، وبعد قرن جاءت سنة الله الكونية؛ فجدد الله للناس دينهم؛ فقام الشيخ أبو يوسف البرناوي -رحمه الله- بدعوة الناس إلى التوحيد، وذلك بعد غزوة منهاتن المباركة بعام واحد، فدعا الناس إلى الالتزام بالسنة ونبذ الشرك والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فأغاظ ذلك الصليبيين وأذنابهم المرتدين، وقاموا بقمع دعوة التوحيد بكل عنجهية، فكان سببًا لعودة الجهاد في هذه المنطقة، وبذل المجاهدون جهودًا في مقارعة الصليبيين ووقفوا في وجههم، وأفشلوا مخططاتهم في تنصير المسلمين، ولله الحمد.

حدِّثنا عن تاريخ جماعة (أهل السنة للدعوة والجهاد): نشأتها، وأهم التطورات التي مرّت بها حتى إعلان جنودها البيعة لأمير المؤمنين حفظه الله.

كانت بداية جماعة (أهل السنة للدعوة والجهاد) في عام 1423هـ؛ حين أسس الشيخ أبو يوسف البرناوي نواة جماعة جهادية، ودعا الناس إليها، ولكنه لم يبدأ عمله بالجهاد مباشرة رغم أنه أعلن أن الهدف الأكبر للجماعة هو الجهاد، وقد حظيت الدعوة بقبول كبير بين المسلمين، ولم يسمِّ الجماعة بأي اسم آنذاك، حتى اعتدت الحكومة المرتدة على مركز الدعوة في (ميدوغوري) المسمى مركز ابن تيمية، وكان أمير الجماعة أبو يوسف -رحمه الله- أبرز من استشهد في ذلك الاعتداء، فاجتمع أهل الرأي في الجماعة وبايعوا الشيخ أبا بكر الشكوي ليكون بذلك أميرًا على الجماعة، وأطلقوا عليها حينها اسم جماعة (أهل السنة للدعوة والجهاد)، وبدؤوا العمل القتالي على أرض الواقع، وقد مرت الجماعة بمراحل وتطورات عديدة في مسيرتها الجهادية، ومن التطورات التي مرت بها: سعيها الحثيث في استنقاذ أسراها الذين أُسروا في الاعتداء الأول على الجماعة، وكذلك إرسال جنودها إلى الصحراء الكبرى ليتدربوا هناك، وكذلك انتقالها من مرحلة حرب العصابات إلى مرحلة التمكين وبسط السيطرة، وأبرز تلك التطورات: تطور تاريخي أذهل العالم بأسره؛ وذلك بإعلان بيعتنا لخليفة المسلمين القرشي حفظه الله.

ما هي الأسباب التي دفعتكم إلى إعلان البيعة لخليفة المسلمين رغم تباعد المسافات؟

إن من أكبر الأسباب التي دفعتنا لإعلان تلك البيعة أولًا: طاعة الله ورسوله في أمرهما بلزوم الجماعة ونبذ التفرّق؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سورة آل عمران: 103]، وقال عليه الصلاة والسلام مجيبًا على سؤال حذيفة رضي الله عنه وموصيًا له؛ حين سأله حذيفة كيف يفعل إن أدركته فتنة الدعاة على أبواب جهنم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمسْلِمِينَ وَإمَامَهُم)، فقال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ)، كما أخرج الشيخان.

ثانيًا: أننا رأينا أن العقل السليم يوجب على الأمة أن تتحد وتقاتل عدوها تحت راية واحدة واضحة، كما يجتمع أعداؤها عليها، وإن الأمة الإسلامية لم تعرف الخنوع إلا بعد سقوط الخلافة قبل قرون، ولن يعود مجدها وعزها إلا بعودتها، فلماذا نتأخر عن بيعتها؟ ومن يبايعها ويؤيدها إن لم نقم بها نحن أبناء الأمة وحاملو جراحها؟

الإعلام الصليبي الكافر ألصق بمجاهدي ولاية غرب إفريقية ومن قبلها (جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد) تسمية (بوكو حرام)؛ فما هو مصدر هذه التسمية؟ ولماذا يصر الإعلام الصليبي على إلصاقها بكم؟

إن هذا الاسم مما يشوّه به الإعلام الكافر سمعة المجاهدين، وهي كلمة بلغة الهوسا (اللغة السائدة هنا)، فلم يكن يعرفه سوى أهل الهوسا، ويعنون بها: «اتباع النظام التربوي الغربي حرام»، فيصر الإعلام على تسميتنا بها قبل وبعد البيعة؛ ليُنفِّر ضعاف القلوب المعجبين بالغرب وأفكاره عنا.

وهذه التسمية ظهرت بدايةً بين أوساط الناس؛ وذلك نتيجة صعوبة الاسم الحقيقي على ألسنتهم من جهة، ومن جهة أخرى: فهي تسمية مشتقة مما أكثر علماؤنا ذكره مرارًا لنصيحة الناس خاصة الآباء وطلبة المعاهد والجامعات وسائر المعتنين بالتربية، فلُقِّبنا بها من باب التلقيب بما أكثر المرء من ذكره، وعلى كل فإننا لم نرضَ بهذه التسمية ولم ندعُ بها أنفسنا، فتسميتنا بها من التنابز بالألقاب، وقد نهى العليم الخبير عنه، والله المستعان على ما يصفون.

نلاحظ أن عملياتكم عابرة للحدود المصطنعة؛ فهل تحدثوننا عن الطوائف والدول التي تقاتلونها اليوم؟

نعم؛ إن عملياتنا عابرة لها؛ لأننا نعتقد أن هذه الحدود المصطنعة لا تستطيع أن تُقوقِعَنا أو تُحجِّمَ حركتَنا؛ قال تعالى: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)} [سورة العنكبوت]، وحينما بدأتنا الدويلات المجاورة بالحرب: وسّعنا دائرة الحرب، ووجّهنا سهامنا نحوهم كما وجّهوها نحونا، والدويلات التي تقاتلنا اليوم: هي النيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد وبنين، ويموّلها ويساعدها الغرب الصليبي.

غالب الأخبار التي نسمعها: هي عن عمليات مشتركة للتحالف الإفريقي (تشاد، والكاميرون، ونيجيريا، والنيجر)؛ فهل هناك مشاركة للدول الغربية الصليبية في هذه المعارك؟

نعم؛ هناك مشاركة لتلك الدول؛ فنحن نرى طائرات تلك الدول الحربية والاستطلاعية تحوم فوقنا بكثافة، لا سيما في حملتهم الأخيرة لإخراجنا من محيط بحيرة تشاد وما جاورها، فمشاركتها مقتصرة على الجو، وليس لهم مشاركة فعلية على الأرض، وإننا إن شاء الله نعدها بالخيبة، فالله الكبير الجبار وعدنا بالنصر، وسوف ينصرنا سبحانه لا يخلف الميعاد؛ قال المولى عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [سورة آل عمران: 160].

كيف تدير القوات الإفريقية حربها ضد جنود الخلافة في ولاية غرب إفريقية؟

تدير حربها الشعواء عبر غرفة عمليات مشتركة في النيجر، وإذا أرادوا شن هجوم علينا: ترسل القوات الأمريكية والفرنسية المتواجدة في النيجر طائرات بدون طيار لتقوم برصد الأماكن، ومن ثَم تقوم القوات المشتركة بالهجوم وبغطاء قصف جوي كثيف، ومما يجدر بالذكر أنهم لا يجتمعون على شيء إلا اختلفوا فيه؛ فهم كما قال ربنا جل جلاله: {بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)} [سورة الحشر]، ولله الحمد أولًا وآخرًا.

يتحدث المرتدون عن تحقيق انتصارات كبيرة على جنود الخلافة في غرب إفريقية؛ فما ردكم على هذا الكلام؟

لقد اغتصبوا منا بعض المناطق ونحن عاملون على استعادتها، ونقول لهم: إن هذا لا يعد نصرًا، وإن الهزيمة هي الاستسلام وفقد الإرادة، وإننا -والحمد لله- نعتقد أنها بلاء لتنقية الصف، وإن شاء الله سنخرج بعدها أصلب عودًا وأقوى ساعدًا، وإن الخبر ما ترونه لا ما تسمعونه.

يستخدم الصليبيون وأذنابهم الطواغيت سلاح الصحوات بشكل دائم ضد المجاهدين؛ فهل حدث هذا في غرب إفريقية؟ وكيف تعاملتم معه؟ أو كيف ستعاملونها لو ظهرت؟

بالتأكيد هذا حدث، وفي بلادنا هم المتمثّلون في حملة العصي، وتم ردعهم بفضل الله، وليس لهم الآن تجمع يذكر، والله أعلم.

من هم حملة العصي؟ وما هي قوات JTF؟ وما هو حكمهم لديكم؟ وكيف تتعاملون معهم؟

قوات JTF اسمها الكامل (Joint Task Force)، وتعني بالعربية: (قوات المهام المشتركة)، وهي قوة مرتدة من الجيش النيجيري أوكل لها في عام 1433هـ مهمة قتال الموحدين وإبادتهم، وقد تلقت -بفضل الله- ضربات قوية من المجاهدين، مما أنهى فائدتها عند أسيادها، وجعلهم يوقفونها ويشكّلون غيرها.

وأما حملة العصي؛ فهم أناس «مدنيون» حملوا العصا والسكاكين لقتال المجاهدين، وقد جُنِّدوا من قبل قوات الجيش النيجيري، وحمّلوهم مهمة طردنا من المدن، وأسموهم (Civilian JTF)، وقد ترك جُلّهم (أي حملة العصي) هذا العمل بعد أن رأوا صلابة المجاهدين وعدم استسلامهم، ولم يبق منهم إلا القليل، ونشاطاتهم أيضًا محدودة، ولا يستطيعون شيئًا سوى إرشاد الطواغيت إلى مواقع المجاهدين؛ لأنهم من أبناء المنطقة، وندعو البقية الباقية منهم إلى التوبة والإنابة إلى الله من الردة التي وقعوا فيها قبل أن نقدر عليهم، فيندمون ولات حين مندم.

من المعروف سعي النصارى إلى الهيمنة على أغلب إفريقية؛ فهل تحدثوننا عن هذا الموضوع، وعن وضع الدول التي تحاربكم اليوم بشكل خاص؟

الحديث عن هذا الموضوع ذو شجون؛ فقد تغلّب النصارى على أجزاء واسعة من إفريقية، مثال ذلك: كانت نسبة النصارى في «نيجيريا» في أواخر القرن الماضي قريبة من 20%، ويعيشون في الغالب في جنوبي البلاد، واليوم ازدادوا عددًا وما زالوا -وللأسف الشديد- في ازدياد، وقاربت نسبتهم المئوية إلى 35%، فقد انتشروا اليوم في الشمال أيضًا، حتى أن لهم فيها مناطق لا يقترب منها أحد ممن ينتسب إلى الإسلام ولو كان لا يحمل من الإسلام إلا اسمه، إلا أننا نعدها إن شاء الله بالفشل والانحسار؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [سورة الرعد: 17].

النشاط التنصيري الصليبي في غرب إفريقية؛ ما واقعه؟ وكيف تعاملونه؟

النشاط التنصيري كبير جدًّا في هذه البلاد؛ إذ يسهل على النصارى إغراء كثير من أبناء المسلمين بالأموال تارة وبالعيش الرغيد في الغرب تارة أخرى، مستغلّين بذلك وضعهم المعيشي، ولا يجدون غالبًا مَن يقف في وجوههم إلا القلّة مِن المجاهدين والعلماء العاملين، وواقعهم اليوم أنهم يسعون وبقوة لتنصير المجتمع، وتساعدهم الحكومة المرتدة على ذلك، ويستغلون وضع النازحين في ظل الحرب المستعرة، فيوفرون لهم الغذاء والملجأ ثم يُنصّرون أطفالهم من حيث لا يشعرون، وأما معاملتنا له: فبالقيام بتفخيخ وتفجير كل كنيسة نقدر عليها، وقتل كل مَن نجده مِن رعايا الصليب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: نقوم بتوعية الناس وتحذيرهم من خطر المنظّمات الصليبية، وأنها ما أتت إلا لتنصير أبنائهم باسم الإغاثة، وألا ينخدعوا بها، وكانت استجابتهم كبيرة ولله الحمد.

في كل مكان من العالم يقوم علماء الطواغيت بإثارة الشبهات لتنفير الناس عن المجاهدين؛ فما هي أبرز الشبه التي يثيرها علماء الطواغيت في دول غرب إفريقية؟

طبعًا هي شبهة الخوارج، وأننا نقتل المسلمين، ونشرب دماءهم، وأننا وأننا... ويعلم الله أننا لسنا خوارج، وإني لأعجب والله من أمّة لا يحمل همّها إلا «الخوارج»! ولا يكفر بالطاغوت منها إلا «الخوارج»! ولا يدفع عنها العدو الصائل إلا «الخوارج»! عجبًا لتلك الأمّة: كيف رضيت لنفسها التبعية والخنوع، ولا يرفع أحد منها رأسه إلا رُمِيَ بالخارجية؟! عش رجبًا ترَ عجبًا! وإننا سنظل نقاتل الكفر بكل ملله ونحله حتى قيام الساعة، وتسير قافلتنا ولن يضرها نباح الكلاب، ونقول لعلماء البلاط، وكهنة السلطان الذين لا نسمع نشازهم إلا في مناوأة المجاهدين، وأما عند جرائم الصليبيين في كل بلاد المسلمين فهم عنها صم بكم لا نسمع لهم ركزًا؛ فنقول لهم: موتوا بغيظكم، وعضوا أصابعكم من الغيظ، وقطّعوها وَكُلُوها، فلن توقفنا فتاويكم الضالة التي تخرج من قصور الطواغيت.

يثير الإعلام كثيرًا من الأخبار عن قيام جنود الولاية بتنفيذ عمليات تفجير في المساجد والأسواق وما شابه ذلك؛ فهل من منهجكم التفجير في عوام الناس المنتسبين إلى الإسلام؟ وهل تقولون إن الأصل في الناس في دار الكفر الطارئ هو الكفر؟

الحمد لله على توجيهك لي هذا السؤال؛ فكم كنت مشتاقًا أن أبيّن ويعلم الناس حقيقتنا وحقيقة تلك الأفعال؛ فقد نهت الدولة عن استهداف عوام الناس المنتسبين إلى الإسلام وتبرأت من هذا الفعل؛ فكل مَن يفعل هذا إنما يفعله لنفسه لا باسم الخلافة -أعزها الله- ولا تتبنى مثل هذا، وأما نحن: فالله يعلم ثم جنودنا يعلمون أننا لا نقول بأن الأصل في الناس في دار الكفر الطارئ هو الكفر، وكذلك لا نقول بأن الأصل فيهم هو الإسلام، لكن مَن أظهر الإسلام ولم يظهر ناقضًا مِن نواقضه: لم نكفّره فضلًا عن أن نستبيح دمه، وكم حاربنا هذا الغلو وما زلنا نحاربه، وبناء على ذلك فإننا لا نستهدف مساجد عوام الناس المنتسبين إلى الإسلام ولا أسواقهم.

يتحدث الإعلام الغربي عن ازدياد في عدد جنود الدولة الإسلامية في غرب إفريقية؛ فهل تحدثوننا عن أهم الأسباب التي تدفع بالشباب إلى النفير والالتحاق بصفوفكم؟

الحمد لله؛ الأمر كما ذكرت لكم، وأهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى النفير هي أولًا: مشاهدتهم جنود الخلافة وهم يسطرون أروع الصفحات للأمة، ووقوفها في وجه أعتى حملة صليبية أعاد لكل الأمة الثقة بنفسها، وجعل شبابها ينفرون إلى سوح الجهاد، ثانيًا: من أهم الأسباب التي تدفع الشباب للنفير إلينا: هي تسلط الحكام الطواغيت على بلدان المسلمين ومحاربة كل مظاهر الإسلام، فضلًا عن ظلمهم وخيانتهم، وطغيانهم عليهم.

كيف تُقَوِّمُون وضع ولاية غرب إفريقية في ظل الحرب الصليبية عليها؟

هي بخير والحمد لله، ولا زالت قوية وصامدة بفضل الله، وهي باقية -بإذن الله- شوكة في حلوق الصليبيين والمرتدين.

هل من رسائل توجهونها للمسلمين عمومًا وللمجاهدين خصوصًا؟

نعم؛ نقول للمسلمين عمومًا: انفروا في سبيل الله، واللهَ اللهَ في دولتكم؛ فقد اجتمع الكفار عليها، فقفوا موقفًا يرضى به الله عنكم، ومن لم يستطع النفير منكم فدونه المرتدين والصليبيين؛ فليُسعر الحرب في عقر دارهم، فذلك أنكى فيهم وأوجع لهم، وإياكم أن تنجرّوا لمعاونة الصليبيين على خلافتكم ولو بكلمة واحدة أو بشطر كلمة؛ فإن ذلك ردة جامحة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما رسالتي للمجاهدين -في الولاية وبقية ولايات الدولة الإسلامية-؛ فأقول لهم: اثبتوا إنكم على الحق، اثبتوا إنكم على الحق، وظنوا بربكم خيرًا، حاشاه أن يخذلكم وأنتم تقاتلون أعداءه وتسعون في نصرة دينه، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، فإياكم أن تهينوا أو تلينوا، واصدقوا مع الله يصدقكم، فتمسكوا بدينكم وتعاونوا على البر والتقوى، ولا يستخفنَّكم الذين لا يوقنون، وأستودعكم الله.



  1. حوار مع أمير المكتب المركزي لمتابعة المظالم (العدد 44)

الثلاثاء 19 ذو القعدة 1437ه

أمير المكتب المركزي لمتابعة المظالم: مَن سكت عن ظلم يعلمه: فقد أعان الظالم على ظلمه.

في حواره مع (النبأ)؛ بيّن الأخ أمير المكتب المركزي لمتابعة المظالم السبب وراء إنشاء المكتب، والدور الذي يقوم به في إزالة المظالم التي قد تقع على رعايا الدولة الإسلامية وجنودها.

كما بيّن الأخ الآلية التي يعمل فيها المكتب على معالجة القضايا لتي تبلغه، وصولًا إلى حسمها برفع الظلم عمّن يقع عليه، أو التأكد من عدم وجود ظلم في القضية وإبلاغ المدّعي بذلك.

لماذا أنشئ المكتب المركزي لمتابعة المظالم؟

الحمد لله، والصلاة على رسوله الكريم، ومَن سار على هديه إلى يوم الدين، وبعد: فإن الله عز وجل أمر بالعدل وجعله من صفاته العُلى؛ فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [سورة النحل]، وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [سورة اﻷنعام]، ونفى الظلم عن نفسه فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شيئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)} [سورة يونس].

ونهى عن الظلم بكل أشكاله، ومنه الشرك بالله وهو أعظم الظلم؛ كما وصفه الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [سورة لقمان]، ومنه أن يظلم الإنسان نفسه بمعصيته لأمر الله عز وجل وتعديه لحدوده؛ كما قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [سورة الطلاق: 1]، ومنه أن يظلم الإنسان غيره بأن بتعدي على حقوقه؛ كما قال تعالى على لسان داود عليه السلام: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كثيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ (42)} [سورة ص].

وإن إقامة الدين حقًّا لا تكون إلا بإزالة أشكال الظلم كلها، وهذا ما تعمل عليه الدولة الإسلامية اليوم بفضل الله، فبمحاربة الشرك وإخضاع الناس لحكم رب العالمين: يُزال الظلم الأكبر، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: يُزال ما ظهر من ظلم البشر لأنفسهم بالمعاصي والمنكرات، وبتحكيم شرع الله بين الناس، وإقامة الحدود، وكف أيدي الناس عن الاعتداء: يُمنعون من ظلم بعضهم بعضًا، وفي هذا الإطار أنشأت الدولة الإسلامية جهات مختلفة مسؤولة عن منع الناس من التظالم فيما بينهم، ورفع الظلم حال وقوعه من قبل أي فرد أو أي طرف كان، ومن هذه الجهات: المكتب المركزي لمتابعة المظالم.

وما هي الجهات الأخرى في الدولة الإسلامية التي تشرف على منع التظالم، ورفع الظلم بين الناس؟

الأصل في الأمر أن نصرة المظلوم، والأخذ على يد الظالم -ولو كان مسلمًا-: واجبان متحتمان على كل مسلم؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)، فقال رجل: يا رسول الله؛ أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: (تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) [رواه البخاري ومسلم]، ويزداد هذا الوجوب في حق جنود الدولة الإسلامية؛ نظرًا للأمانة التي حمّلهم إياها ولاة الأمر في هذا الخصوص بأن يعينوا إخوانهم المكلّفين بمتابعة المظالم في عملهم، ولهذا فقد اقتضت الضرورة وجود جهات مختصة متفرغة لهذا الشأن.

فأنشأت الدولة الإسلامية -بفضل الله وحده- مكاتب للمظالم تتبع لديوان القضاء والمظالم، ومكاتب للمظالم في كل ولايات الدولة الإسلامية تتبع لمكاتب الولاة مباشرة، بحيث تصلهم الدعاوى التي تتعلق بمن تحت يد الوالي من جنود وأمراء، كما أنشأت المكتب المركزي لمتابعة المظالم كجهة مستقلة متخصصة بهذا الشأن، وكل هذه الجهات تعمل معًا في التحقيق في القضايا التي فيها مظنة ظلم، ومتابعتها حتى رفع المظلمة إن وجدت.

وما هي الغاية من تعدد الجهات التي تتابع قضايا المظالم؟

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) [رواه البخاري ومسلم]، فكل من استرعاه الله شيئًا من أمور المسلمين فيجب عليه أن يمنع وقوع الظلم على رعيته، فإذا بلغه شيء من ذلك فهو مكلف بالسعي لرفع الظلم عنهم.

ولذلك تعددت الجهات المسؤولة عن رفع المظالم في الدولة الإسلامية، بحيث يتاح لرعايا الدولة الإسلامية وجنودها في الولايات التظلم لدى الولاة فيما تحت أيديهم من الجنود والأمراء، ويتاح لأصحاب القضايا في المحاكم أن يتظلّموا إلى ديوان القضاء على أحكام القضاة، فتعاد دراسة تلك الأحكام، ويتاح لعموم المسلمين في دار الإسلام أن يتظلّموا على الولاة أنفسهم أو أمراء الدواوين والأمراء العسكريين، أو يتظلّموا من الإجراءات الإدارية المتبعة في الدواوين المختلفة إلى اللجنة المفوضة من قبل أمير المؤمنين -حفظه الله تعالى- التي كلَّفت المكتب المركزي لمتابعة المظالم بأداء هذه المهمة.

وبهذا الشكل؛ نكون بإذن الله قد بذلنا الوسع في فتح المجال أمام الناس ليقدّموا مظالمهم ضد أي فرد أو جهة في الدولة الإسلامية، ورفعنا الموانع التي تحول دون استكمال دعاويهم بحجة عدم اختصاص الجهة المدّعى لديها بالنظر في القضية، أو عدم وجود سلطة على المدعى عليهم، وكذلك فتحنا أمام الرعية أبوابًا متعددة للسعي في تحصيل حقوقهم، فإذا صعب على أحدهم ذلك من أحد الأبواب: وجد أبوابًا أخرى مفتوحة في وجهه لتستقبل دعواه وتنظر فيها، فإن كان له حق أخذه بإذن الله، وإلا رُدَّت دعواه مع بیان السبب؛ ليكون على بيِّنة من أمره.

ما هي إجراءات المكتب في متابعة المظالم المرفوعة إليه؟

عند استقبالنا لأي دعوى: يتم تسجيلها في ديوان المكتب برقم وتاريخ لتسهيل الحفظ والمتابعة، فإن كان في القضية مظنة ظلم كما يدّعي صاحب القضية: باشرنا متابعتها، وإلا رُدَّت فورًا.

ثم يُنظَر في القضية؛ فإن كانت تتعلق بمن هم تحت إمرة الولاة وأمراء الدواوين: فتتم إحالتها إليهم للتحقيق فيها وردّ نتيجة التحقيق إلى المكتب للنظر في القضية من جديد، فإن كان التحقيق مستوفيًا المطلوب، والحكم فيها مناسبًا: فيتم التصديق على الحكم، وإن كان التحقيق ناقصًا، أو الحكم فيها غير مناسب: فتُعاد إليهم مرة أخرى للنظر فيها من جديد، فيكون دورنا في هذه الحالة متابعة القضية بشكل مستمر؛ لضمان النظر فيها والاستعجال في حسمها.

أما إن كانت القضية تخص حكمًا قضائيًّا: فإننا نعيد إحالتها إلى ديوان القضاء مع إبداء رأينا في القضية إلى الإخوة القضاة؛ ليعيدوا النظر في القضية، ويكون دورنا هنا أيضًا المتابعة المستمرة؛ لضمان الاستعجال في حسمها.

وإن كانت القضية تتعلق بأحد الإخوة الولاة أو أمراء الدواوين، أو ضد جهاز من أجهزة الدولة الإسلامية: باشرنا القضية، واستدعينا المدَّعى عليهم، أو مَن يقوم مقامهم؛ للتحقيق في القضية، والاستماع إلى دفاعهم في الأمور المدّعى عليهم فيها، ثم يُحكَم في القضية: بِرَدّ المظلمة إن تحققت، أو معاقبة الظالم وتعزيره، أو ردّ القضية إن تبيّن خلاف دعوى المدّعي.

ذكرت في كلامك مسمّى للقضايا التي تتابعونها بأن فيها مظنّة ظلم؛ ماذا تقصد بهذا؟

ليتبيّن لك الأمر: سأضرب لك مثالَين تفهم المقصد من خلال التفريق بينهما؛ فالأول: أمير قام بنقل أحد الجنود الذين تحت إمرته إلى مكان آخر لحاجته إليه في ذلك المكان؛ سدًّا لثغر أو حاجة لاختصاص أو ما شابه، ورأى الجندي في ذلك ظلمًا له؛ لأنه سيبعده عن أهله ومسكنه، والثاني: أمير قام بنقل أحد الجنود الذين تحت إمرته إلى مكان آخر؛ تعزيرًا له على إهمال أو خطأ، أو سدًّا لذريعة أمر يسعى الأمير لتجنّبه، ورأى الجندي في ذلك ظلمًا له؛ لأن العقوبة التعزيرية لا توافق الخطأ الذي ارتكبه، أو لأنه لا يرى نفسه ارتكب الخطأ في الأصل.

ففي الحالة الأولى: لا توجد مظنة ظلم في القضية؛ إذ من حق الأمير أن ينقل أحد جنودهم أو كلّهم إذا تطلّب الأمر، وله عليهم السمع والطاعة في ذلك، أما في الحالة الثانية: فهناك مظنّة ظلم، وعندها نباشر العمل على القضية حتى نتوصل إلى حقيقة وجود الظلم فيها فنرفعه بإذن الله، ومن خلال متابعتنا لمئات القضايا منذ إنشاء المكتب: فقد وجدنا ما يقارب النصف منها مما لا مظنة للظلم فيه، وإنما هي مما يمكن تسميته بالشكاوى أو الاحتجاجات، أما القضايا التي رأينا فيها مظنة ظلم: فقد باشرنا بها والحمد لله، وحسمنا الظن فيها خلال فترات وجيزة نسبيًّا، فإما رفعنا للظلم إن وُجِد ومحاسبة الظالم، وإما بيان للمدّعي لوجه ردّ دعوته إن تبيّن براءة المدعى عليه من الظلم.

هل هناك مهام أخرى تقع على عاتق المكتب؟

نعم؛ فبفضل الله هناك لجان تتبع للمكتب، تقوم بالتجوال على السجون المختلفة في الدولة الإسلامية من أجل اللقاء بالسجناء، ومَن هم على ذمّة التحقيق؛ للنظر في أمرهم وتلقي مظالمهم في حال وجودها، ولجان أخرى تطوف على الثغور وخطوط الرباط؛ لمتابعة حال الجنود والنظر في مظالمهم، وفي الحالتين: تُرفَع القضايا التي فيها مظنة ظلم إلى المكتب المركزي لمتابعة تلك القضايا.

بالإضافة إلى اللقاءات مع شيوخ العشائر ووجهاء الناس؛ للاستماع إلى شكاويهم، ورفعها إلى أولي الأمر للنظر فيها.

هل من كلمة توجهها في نهاية اللقاء؟

نوصي المسلمين عمومًا وجنود الدولة الإسلامية خصوصًا ألا يتظالموا، وأن يعلم كلٌّ منهم أن الظلم مرتعه وخيم، وهو ظلمات يوم القيامة، كما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومَن وقع عليه ظلم مِن أخيه وأراد أن يستوفي حقه منه: فأبواب إخوانه في المكتب المركزي لمتابعة المظالم وبقية المكاتب المكلفة بالأمر مفتوحة أمامه، وليرفع مظلمته إلينا؛ فإن كان له حق: أخذنا حقه ممن ظلمه، ولو كان مِن أحب الناس إلينا، ولن تأخذنا في ذلك لومة لائم، بإذن الله.

ومَن علم مِن نفسه شيئًا مِن الظلم: فَلْيتّقِ الله، وليبادر بالتوبة، وليبادر بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وليطلب العفو والصفح ممن ظلمه.

ومَن كان مطَّلِعًا على قصة ظلم لم تبلغنا: فلا يعجَزَنَّ عن إعانة المظلوم على رفع مظلمته إلينا؛ فإن منهم الضعيف، ومنهم الجاهل الذي لا يعلم كيف يرفع مظلمته، وكيف يطالب بحقه، فإن وصلتْنا: يكون قد أوصل المظلمة إلى أولي الأمر، وبَرِئَت ذمته أمام الله، ومَن سكت عن ظلم يعلمه: فقد أعان الظالم بسكوته عنه، وجرّأَه أكثر على الظلم، نسأل الله أن يصلح أحوالنا ويحسن ختامنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.

  1. حوار مع أمير الهجرة (العدد 49)

الخميس 5 محرم 1438ه

أمير هيئة الهجرة: مَن أتانا مهاجرًا إلى الله أعَنَّاه، ومَن أراد دار الكافرين منعناه.



لقاء ماتع؛ وضّح خلاله الكثير من المسائل الشرعية التي كانت خافية عن الناس منذ أمد بعيد، وكشف لـ (النبأ) بعضًا من جوانب عمل إحدى أهم الهيئات العاملة في الدولة الإسلامية، المسؤولة عن ضبط معابرها وإدارة حركة السلع والأفراد عبرها.

يتبادر إلى الذهن عند سماع اسم هذه الهيئة أنها مختصة باستقبال المهاجرين في سبيل الله؛ فهل يصيب المرء عندما يفهم عمل الهيئة بهذا الشكل؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى أصحابه الغرّ الميامين، وبعد: فلا شك أن الهجرة في سبيل الله من أفضل العبادات التي يتقرّب بها العبد إلى مولاه عز وجل، وأن إعانة المسلمين على أداء هذه العبادة، واستقبالهم عند الدخول إلى دار الإسلام، والقيام على شؤونهم حتى يستقر أمرهم: مِن الأعمال التي نحمد الله أن سخّرنا للقيام بها، وأعاننا عليها، ومع هذا فقد منّ الله علينا في «هيئة الهجرة» بالقيام بوظائف أخرى، تندرج كلّها في إطار إنفاذ أحكام الله التي منشَؤُها اختلاف الدارين: دار الإسلام ودار الكفر، وبنفاذ هذه الأحكام -وغيرها-: فإننا نسأل الله أن نكون ممن يقيم الدين، ويجدّد الإسلام في هذا الباب الذي أغفله الناس منذ زمن طويل، وصار مجرّد كلام منثور في كتب الفقه، يروونه ولا يعملون به، فالدولة الإسلامية اليوم -بفضل الله- أعادت استخراج هذه الأحكام، وعملت بها في إطار سعي أمرائها وجنودها لإقامة الدين، وتحكيم شريعة رب العالمين.

هلّا وضّحت للقرّاء ما المقصود بالأحكام التي منشؤها اختلاف الدارين؟

لا خلاف في أن الله فرّق بين المسلم والكافر في الأحكام، وهم كلّهم خلقه وملكه؛ كما قال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)} [سورة القلم]، وبناء عليه اختلفت كثير من الأحكام لتعلّقها فقط بحكم فاعلها إن كان مسلمًا أو كافرًا، لذلك نجد الفقهاء يشترطون لصحّة كثير من الأفعال اتّصاف فاعلها بالإسلام؛ كالعبادات؛ إذ لا تصحّ مِن كافر، والإمامة؛ إذ لا يصح عَقْدُها إلا لمسلم، والشهادة في بعض القضايا؛ فلا تُقبَل فيها شهادة الكافر.

وكذلك فرّق الله سبحانه بين الأرض في الأحكام، وهي كلّها خلقه وملكه؛ فجعل منها دار إسلام ودار كفر، وذلك بحسب الأحكام السائدة فيها؛ فأيما أرض سادت عليها أحكام الإسلام -بشوكة المسلمين-: فهي دار إسلام، وأيما أرض سادت عليها أحكام الكفر: فهي دار كفر، وبناء على هذا الاختلاف بين الدارين نشأت كثير من الأحكام في الإسلام، علمًا أن الحكم على الدار لا يستلزم منه الحكم على أهلها؛ فقد تكون الدار دار إسلام، وَجُلّ أهلها مِن كفرة أهل الذمة، وقد تكون دار كفر، وَجُلّ أهلها من المسلمين المستضعفين.

ومن أشهر الاختلافات في هذه الأحكام: أحكام الإقامة الدائمة والمؤقتة؛ إذ يجب على المسلم الإقامة في دار الإسلام، ويجوز له السفر فيما بين أقطارها وبلدانها، وتحرم عليه الإقامة في دار الكفر، وتجب عليه الهجرة منها إلى دار الإسلام، أما الكافر: فإنه لا يبقى في دار الإسلام بغير عهد أو أمان، فإن خرج الذمّي من دار الإسلام ولحق بدار الكفر: فقد نقض عهده، وصار من أهل الحرب، وغيرها كثير من الأحكام يمكن معرفتها بالرجوع إلى الكتاب والسنة وكلام أهل العلم.

ذكرت في كلامك أن تطبيق هذه الأحكام هو من التجديد في الدين، بسبب عدم عمل الناس بها لفترة طويلة من الزمن؛ هلّا وضحت هذا الأمر أكثر؟

لا يخفى عليكم أن أمة الإسلام تفرّقت منذ إزالة منصب الإمامة الذي كان يجمع المسلمين ويوحّد دار الإسلام، فانقسمت دار الإسلام إلى دويلات عديدة يحكم كل منها سلطان من السلاطين، وقد حافظ كثير منهم على انتماء بلادهم إلى دار الإسلام؛ بالتزامهم بالإسلام وحكمهما بأحكام الشريعة، إلى أن علا الكفرة في الأرض، فصاروا يضمّون أجزاء من دار الإسلام إلى دار الكفر التي بحوزتهم، وأزالوا حكم الله منها، وأحلّوا أحكامهم الجاهلية الوضعية مكانها، وتابعهم على ذلك -رغبة ورهبة- أولياؤهم الحاكمون لبلاد المسلمين المسلوبة، وهكذا تقلّصت دار الإسلام شيئًا فشيئًا إلى الحد الذي صار فيه الحكم في الأرض كلها لقوانين الكفر وأحكامه.

وبالوصول إلى هذه الحال: فقد انعدم التفريق بين البلاد لعدم وجود دار للإسلام في الأرض، وَجَهُدَ الكفار وحلفاؤهم من الطواغيت والمرتدين وأتباعهم من المنهزمين على محو مفهوم الدارين لا من الواقع والوجود فقط، بل من عقول المسلمين أيضًا، وحاولوا أن يجعلوا مكانه مفهوم الأوطان القائم على الحدود المصطنعة التي أنشأها المشركون لتقاسم ملكية الأرض فيما بينهم، ثم رسّخوها بعد رحيلهم عنها ليتمكّنوا من إدارتها عن طريق الطواغيت الذين نصّبوهم عليها، وهكذا تلاشت الفروق بين الدور، لا فرق بينها إلا في حجم اضطهاد المسلمين، والزيادة في الكفر، وصار أقصى أماني المسلم أن يكون في أرض يُسمح له فيها بقدر أكبر من إظهار بعض دينه، مع علمه اليقيني بأن الكفار لن يمكِّنوه بحال من إظهار دينه كاملًا.

ولكن بعد أن مكّن الله للدولة الإسلامية، وسادت شريعة الله على الأرض الواقعة تحت سلطانها: صار هذا الجزء من العالم دار الإسلام الوحيدة في الأرض؛ إذ لا سيادة للشريعة على أي جزء من العالم سواها، وعليه فقد عاد التقسيم الشرعي للعالم إلى دارين، وصار واجبًا على المسلمين التحوّل من دار الكفر التي يسكنونها إلى دار الإسلام التي أذن الله بإقامتها، كما وجب على أعيانهم الجهاد لحماية هذه الدار، خاصة في ظل الهجمة الصليبية الشرسة عليها، التي تسعى إلى إعادة سيادة الكفر وشرائعه على هذه الأرض، وإعادة التقسيم القديم على أساس الحدود المصطنعة، ومنها حدود (سايكس - بيكو) التي كسرها المجاهدون، بفضل الله.

كما صار واجبًا على إمام المسلمين أو مَن ينوب عنه -وهم في حالتنا: العاملون في «هيئة الهجرة»- أن يعملوا ما بوسعهم لضبط معابر دار الإسلام، وضمان التفريق بينها وبين دار الكفر في المعاملات.

فنحن اليوم -بفضل الله- نعيد استخراج الأحكام الشرعية التي تتعلق بهذا الباب من الكتب التي دُفنت فيها لعقود، نعيدها إلى حيز الواقع بتطبيقها والعمل بها، والحمد لله وحده.

لعل من المفيد أن توضحوا للقارئ الفرق بين عمل «هيئة الهجرة» في الدولة الإسلامية، وعمل إدارات «الهجرة والجوازات» في الدول الكافرة.

قد يكون هنالك تشابه بالشكل والإجراءات الظاهرة، ولكن لا مقارنة من ناحية الأحكام والقواعد المطبّقة، وسبب ذلك -كما هو معلوم- اختلاف مرجعية الأحكام؛ فأحكامنا كلها مرجعها إلى شريعة الله، ومرجعهم إلى قوانينهم الوضعية التي يكتبها طواغيتهم ويعدّلونها بحسب أهوائهم وآرائهم.

فمِن حيث المبدأ: يكون التفريق في المعاملة بين الأفراد في الدول الكافرة على أساس الوطنية والجنسية؛ فمَن يحمل جنسية البلد يحق له -عادة- الإقامة فيه بلا شروط، ومَن لا يحمل هذه الجنسية لا يُسمح له بعبور حدودها إلا بموافقات حكومية، وتكون إقامته فيها محدودة مشروطة.

فيما يكون التفريق في المعاملة لدينا على أساس الدين؛ فكل مسلم له حق في الانتقال إلى دار الإسلام والإقامة فيها، لا فرق بينه وبين أيٍّ مِن سكانها على أساس المولد أو مكان الإقامة الأصلي، بل يتقدّم المهاجر على أهل الدار بفضل الهجرة، ونسعى جهدنا لإزالة العقبات أمام هجرة المسلمين من دار الكفر إلى دار الإسلام، وقد بذلت الدولة الإسلامية الأموال الكثيرة في سبيل ذلك وما تزال، والكافر لا يُسمَح له بدخول دار الإسلام، أو الإقامة فيها إلا بعهد أو أمان، إن كان ممن يُعطى عهدًا أو أمانًا؛ إذ يمكن له أن يدخل دار الإسلام بعقد أمان، ويكون بهذا العقد آمنًا على نفسه وماله ما دام في دار الإسلام، وفيًّا لشروط أمانِهِ؛ كما حدث مع بعض النصارى الغربيين الذين دخلوا لزيارة أقارب لهم هنا، ثم عادوا إلى ديارهم بعد أن جالوا في دار الإسلام آمنين مطمئنين، وكذلك يمكن له أن يدخل في ذمة المسلمين؛ فيعيش في ظل الدولة الإسلامية بأمان، يدفع الجزية عن يد وهو صاغر؛ مثل واقع النصارى في الرقة وغيرها من المدن؛ إذ إنهم يعيشون آمنين على دمائهم وأموالهم وأعراضهم بعد ضرب الجزية عليهم، ومَن يتعرض لهم بظلم: فإنه يعرّض نفسه للعقوبة في الدنيا والآخرة.

وكذلك فإننا لا نسمح للمسلمين بالخروج إلى دار الكفر للإقامة الدائمة أبدًا؛ لأنه حرام قطعا، أما السفر المؤقت: فلا يحل إلا للضرورة؛ كالمريض مرضًا قد يؤدي إلى إهلاكه أو تلف شيء من أعضائه، ولا يتوفر علاجه في دار الإسلام، أو التاجر الذي يُؤذَن له بالسفر لجلب ما يلزم من السلع لحاجة المسلمين إليها، أو بعض الحالات الخاصة التي يقرّرها الإمام لِمَا فيها من مصلحة عامة للمسلمين.

وماذا بخصوص حركة السلع والمواد عبر المعابر، وداخل أراضي الدولة الإسلامية؟ هل هناك أيضًا إجراءات تفضيلية للمسلمين على الكافرين؟

بالتأكيد؛ فأموال الكفار يُفرَض عليها العشور، وهي كمية من المال للإمام اقتطاعها من أموال الكفار المعدّة للتجارة دون أموال المسلمين التي لا يصحّ تعشيرها؛ ولذلك يسمّيها بعض الفقهاء «عشور التجارات»؛ تمييزًا لها عن «عشور الصدقات» -أي زكاة الفريضة- التي تُؤخَذ من المسلمين فقط، فتفضيل المسلم بذلك لكونه ينقل تجارته عبر معابر دار الإسلام دون فرض أموال عليه، بخلاف الكافر الذي ستزيد العشور من سعر بضاعته بلا شك.

هل هناك إجراءات أخرى -سوى العشور- تُفرض على حركة السلع عبر معابر الدولة الإسلامية؟

لا شك أن المعابر من أهم الوسائل لحماية الاقتصاد داخل أراضي الدولة الإسلامية؛ فبواسطة ضبط حركة السلع الداخلة والخارجة والعابرة يمكن حماية الاقتصاد، وتحفيز مختلف أنواع النشاط الاقتصادي؛ مِن تعدين ورعي وزراعة وصناعة وتجارة، فعن طريق ضبط الواردات يمكننا حماية الاقتصاد من التدمير بفعل المنافسة الكبيرة في الأسعار؛ إذ تنخفض تكاليف إنتاج كثير من السلع الواردة من بلاد الكفر عنها في دار الإسلام، ما يؤدّي إلى عدم قدرة منتوجاتنا على منافستها في السوق، الأمر الذي سيتسبب في خسائر كبيرة للمنتجين، وقد يؤدّي إلى تدمير عملية الإنتاج بالكامل وجعلنا بالتالي رهائن بيد التجار في دار الكفر والحكومات الطاغوتية التي توجههم، والتي لا توفر فرصة لإيقاع الضرر بالإسلام والمسلمين عمومًا، وبالدولة الإسلامية خصوصًا.

ولذا فإننا نمنع أحيانًا دخول السلع التي قد تهدد الإنتاج المحلّي، كما نستخدم ضبط حركة السلع العابرة لهذا الغرض؛ وذلك بمنع عبور السلع المماثلة لما يُنتج في دار الإسلام، وبالتالي تنشيط حركة الصادرات لمنتجاتنا، وزيادة مداخيل المنتجين بذلك.

وكذلك فإنه في حال حدوث اضطراب في الأسواق يهدد المنتجين أو التجار أو المستهلكين؛ فيمكن باستخدام عملية ضبط الصادرات أو الواردات إعادة التوازن إلى السوق.

ويكون هذا العمل كلّه بناء على توصيات من ديوان الزراعة، أو من غرفة التجارة والصناعة، التابعَين للجنة المفوضة في الدولة الإسلامية.

نعود إلى موضوع منع المسلمين من السفر إلى دار الكفر؛ هلّا بيّنتم للقرّاء بعض أسباب منعها إضافة إلى الفتنة في الدين التي يتعرّض لها المسافر إلى دار الكفر؟

لا شك أنّ الحكم الشرعي هو الأساس في كل أفعال المسلمين؛ فإذا نهانا الله عز وجل عن أمر انتهينا عنه مهما رأينا فيه من منافع، وكذلك فإن مِن واجب الإمام أن ينهى الناس عنه لأنه مأمور بإقامة الدين فيهم، ومأمور بسياستهم بأحكام الشريعة لا وفق الأهواء، والمصالح الموهومة، ولذلك أنشأت الدولة الإسلامية ديوان الحسبة مثلًا لنهي الناس عن المنكر بالإضافة إلى أمرهم بالمعروف، وقد أُسنِد أمر الإذن بالسفر إلى دار الكفر للمضطرين من المسلمين: إلى الإخوة في ديوان الحسبة بادئ الأمر؛ لكونه يندرج في إطار النهي عن المنكر، حتى أذن الله بإنشاء «هيئة الهجرة» فأصبح من اختصاصها.

ويزداد النهي عن سفر المسلمين إذا كان هناك احتمال تعرضهم لأخطار تهدد دينهم أو أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم؛ كما هو حاصل الآن مع من يخرج من أراضي الدولة الإسلامية إلى الأراضي التي يسيطر عليها المرتدون في محيطها، من روافض ونصيريين وصحوات وملاحدة وغيرهم.

فمن تلك المخاطر: عمل المرتدين على إيقاع مَن يَفِدُ إليهم مِن دار الإسلام في الردّة؛ عن طريق طلبهم منه الإدلاء بمعلومات عن الدولة الإسلامية وجنودها، أو محاولة تجنيده للتجسس عليها، أو تجنيده كمقاتل في صفوف قواتهم المحاربة للإسلام، أو إلزامه بالمشاركة في أفعال كفرية؛ كالتحاكم إلى المحاكم الوضعية، أو إرسال الأبناء إلى المدارس التي تدرّس مناهج وطنية قومية شركية، أو دفعه إلى سب الموحّدين والطعن في دينهم، وطلبهم منه مدح المرتدين وأديانهم، وغير ذلك من الأفعال التي يعلم الناس يقينًا أن المرتدين لا يتركون مَن يصير في ذمتهم -غالبًا- حتى يوقعوه فيها.

ومنها مخاطر على الأنفس؛ فكثيرًا ما يُعَرَّض الداخلون إلى ديار الكفر للقتل والاعتقال والتعذيب من قبل الجنود المرتدين، وخاصة الروافض والنصيريين والأتراك منهم.

هذا فضلًا عن سلب أموالهم على الحواجز والسيطرات، وإجبارهم على دفع الأموال الكبيرة للسماح لهم بالدخول إلى دار الكفر، بعد إذلالهم وتجويعهم في مخيمات الذل والمهانة على أطراف مدنهم وحدود مناطقهم؛ كما يحدث في الأنبار وكركوك ودمشق وكردستان والأردن، وغيرها من المناطق.

بالإضافة إلى إجبار النساء على خلع الحجاب، وإهانتهن بالكلام والأفعال، وإمكان الاعتداء عليهن مِن قِبَل أولئك المجرمين الذين لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمّة.

ولهذا فنحن حريصون كل الحرص ألا نسمح لمسلم بدخول ديار الكفر لغير ضرورة؛ طاعة لله ورسوله ثم طاعة لأولي الأمر، وحفاظًا على المسلمين من أن يخسروا دينهم أو أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم أو ذلك كله، والله المستعان.

وحتى مَن نأذن له بسبب اضطراره؛ فإننا نحاول أن نقلّل مِن المخاطر عليه ما وسعَنا ذلك؛ مِن خلال التشديد أكثر على سفر النساء وخاصة الشابّات منهن، ومنع دخول الشباب في سن التجنيد إلى دار الكفر لغاية التجارة، وما شابه من الإجراءات.

جزاك الله خيرًا على هذا التوضيح لعمل «هيئة الهجرة»، ونسأل الله أن يعينكم على أداء ما وُكِّلتم بالقيام به من وظائف، وحمل ما ألقي على عاتقكم من أعباء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وإياكم أخي الحبيب، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.





  1. حوار مع أمير ديوان القضاء (العدد 51)

الخميس 19 محرم 1438ه

أمير ديوان القضاء: مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام الشريعة.



نرجو أن تشرح العلاقة بين إقامة الدولة الإسلامية، وتحكيم الشريعة وتطبيق الحدود.

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فإن تحكيم شريعة الله في الأرض شرط من شروط إسلامية الدولة؛ فإذا أُطلِق مسمّى «الدولة الإسلامية» فإنه يتضمن أن هذه الدولة تحكم بشريعة الإسلام، وعندما نتكلم عن الشريعة في هذا المجال فإننا نقصد أحكام الشريعة كاملة، فهي بهذا المفهوم تتجاوز مجرد إقامة الحدود، وإن كان هذا الأمر -وهو إقامة الحدود- قد صار اليوم دليلًا وشعارًا على تحكيم الشريعة.

ولا شك أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين المفهومَين، وأقصد بذلك تحكيم الشريعة وإقامة الحدود، ولنا على ذلك دليل من كلام الله عز وجل؛ حيث ورد هذا الارتباط كسبب لنزول قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [سورة المائدة]؛ إذ نزلت هذه الآية في اليهود الذين بدّلوا حدًّا من حدود الله؛ وهو حد الزاني المحصن: من الرجم كما أمرهم الله في التوراة، إلى الجلد والتحميم كما أمرهم أحبارهم؛ لخشيتهم من الناس واسترضاء لهم، فجاء بيان رب العزة جل وعلا أن مَن غَيَّر حدًّا مِن حدود الله واستبدل به عقوبةً أخرى: فإنه قد حكم بغير ما أنزل الله، وصار من الكافرين.

وكذلك لدينا دليل حسّي مشهود على هذا الارتباط من أحكام المشركين الوضعية؛ فالدول الصليبية -مثلًا- رغم أنها تحكم بالأهواء وآراء الرجال: فإن أحكامهم تتشابه مع بعض أحكام الشريعة أحيانًا، على سبيل المصادفة، أو على سبيل ما بقي لديهم من شرائع كتبهم، أو مما أعجبهم من أحكام الشريعة ووجدوا أن مِنَ المنفعة لهم الأخذ بها، ولكننا نجد في المقابل أنهم يشنون حربًا شعواء على تطبيق الحدود الشرعية كما أنزلها الله، ويعدّونها مناقضة لـ «حقوق الإنسان» كما وضعوها هم، وبالتالي استجاب لذلك كثير من أوليائهم؛ فصاروا عندما يذكرون تحكيم الشريعة يصرحون بأنهم سيستندون في قوانينهم الوضعية على «مبادئ الشريعة الإسلامية»، ويقصدون بذلك أنهم يأخذون من أحكام الإسلام ما يقرّ به المشركون أو ما يقرّ به كل البشر تقريبًا؛ من وجوب العدل، وحفظ النفس والمال، وما شابه، فلا يطبّقون من أحكام الإسلام إلا ما يأذن به المشركون وعلى رأسهم الدول الصليبية، ويستثنون بالتالي إقامة الحدود الشرعية، وخاصة حدود السرقة والزنا؛ لِمَا فيها مِن تناقض مع مواثيق المنظمات الكفرية الدولية، كالأمم المتحدة وغيرها.

كثير من الدول الطاغوتية الموالية للصليبيين تصرّ على وصف نفسها بأنها «إسلامية» رغم أنها تحكم بغير ما أنزل الله؛ فنرجو أن تشرح الغاية من وراء هذه الدعوى الكاذبة.

تسمية الدول التي لا تحكم بالشريعة بـ «دول إسلامية»: هو من قبيل تسمية الأشياء بغير اسمها؛ لتحريف حكمها؛ كما بيّن عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أُنَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) [رواه أحمد والنسائي]، وهذه من ألاعيب الشيطان أنه يزيّن القبيح بتغيير اسمه، كما فعل مع الشجرة التي نُهي آدم عليه السلام عن الأكل منها، فسمّاها بشجرة الخلد لكي يزين لآدم معصية الله بالأكل منها، وهكذا يفعل علماء السوء اليوم بتسمية هذه الدول الطاغوتية الكافرة بالدول «الإسلامية»؛ ليزيّنوها في أعين الناس، وليدعوا الناس إلى اتباعها في الكفر.

وكما أن الفرد لا ينفعه ادعاء الإسلام مع ارتكابه النواقض: فكذا لا ينفع الدول ادعاء الإسلام مع ارتكابها ناقضَ الحكم بغير ما أنزل الله، بل تُسمّى دولًا مرتدة، كما يسمى الفرد مرتدًّا إذا ارتكب ناقضًا، وكفره أعظم من كفر الكافر الأصلي.

خلال القرن الماضي؛ ظهرت كثير من التنظيمات والحركات التي تزعم سعيها لتحكيم الشريعة في الأرض، ورغم ذلك لم تنجح أيّ منها في ذلك، ولم تُحكِّم شريعة الله كاملة إلا في ظل الدولة الإسلامية التي نعيش فيها اليوم، وبعض الناس لا يعلم الأسباب وراء فشل تلك الطوائف في الوصول إلى تحكيم الشريعة؛ فنرجو شرحها لهم.

لبحث موضوع هذه الطوائف باختصار: يجب أن نعرف أصلًا هامًّا في دين الله؛ وهو أن الوسيلة لا تبرّرها صحّة الغاية، بل نقول: إن الضلال في الوسائل قد يفضي إلى الشرك كما أن الضلال في الغايات قد يفضي إليه أيضًا، فأكثر المشركين إنما أوقعهم في الشرك اتخاذهم وسائل شركية للوصول إلى غاية صحيحة وهي التقرب إلى الله؛ بأن دعوا غير الله تعالى ليقرّبهم إليه بزعمهم؛ كما وصفهم الله تعالى بقوله: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر: 3]، وهكذا فعل كثير من التنظيمات والحركات المرتدة المنتسبة إلى الإسلام؛ فقد نادت بتحكيم الشريعة وهي غاية صحيحة نبيلة، ولكن استزلّهم الشيطان فاتخذوا للوصول إلى تلك الغاية وسيلة شركية وهي الديموقراطية، فشاركوا فيها، أو طالبوا بها، فصاروا بذلك مشركين بالله العظيم؛ لأن التصريح بالموافقة على الديموقراطية، أو العمل بها: فعل مكفّر يصير به العبد مرتدًّا، حتى لو لم يستحلّه؛ لأن الديموقراطية مناقضة للتوحيد؛ لِمَا تتضمّنه مِن أقوال والتزامات وأفعال كفرية كثيرة.

ويزداد هذا الحكم عليهم وضوحًا: إذا علمنا أنهم يطالبون بالديموقراطية وينادون بها إرضاء للمشركين في الدول الصليبية وطاعة لهم في شركهم، وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [سورة الأنعام].

فهؤلاء المشركون لا يمكن أن يقيموا الدين أو يحكّموا شريعة الله في الأرض، ولو حَكَموا أجزاء منها، وهو ما يسعون إليه من خلال الديموقراطية، بل وجدنا منهم مَن صارت الوسيلة عنده هي الغاية بعد وصوله إلى الحكم، فما عادوا يستحون مِن التصريح بالحفاظ على الديموقراطية والعلمانية والقوانين الوضعية، بعد أن كانوا يزعمون أن الديموقراطية وسيلتهم إلى تحكيم الشريعة والقضاء على العلمانية.

ليست كل الطوائف المقصودة في السؤال ممن شاركوا في الديموقراطية أو نادوا بها؛ فمنهم مَن يعلن تكفير الديموقراطية وإن كان -لما حمله من عقائد غلاة الجهمية- لا يكفّر فاعلها؛ فنرجو أن توضّح للقارئ لِمَ عجزت هذه الطوائف عن تحكيم الشريعة.

ذكرنا أن السبب الأهم وراء دخول تلك التنظيمات والحركات في شرك الديموقراطيين إنما هو طاعتهم للمشركين في الدول الصليبية، والسعي لاسترضائهم؛ لأنهم يظنون أنه لا يمكن أن يصلوا إلى الحكم بغير رضاهم، فصاروا يوالون المشركين طلًبا لرضاهم ولمساعدتهم في الوصول إلى الحكم، فهذا الضلال في جانب الولاء والبراء أدى بهم إلى الشرك في الحاكمية.

وعلى الجانب الآخر: نجد النموذج الآخر من التنظيمات والحركات التي عَنَيْتَها بكلامك، يعلنون رفضهم للديموقراطية، وقد لا يرجون دعمًا وتأييدًا مِنَ الدول الصليبية لهم، ولكنهم يخافون مِن غضب الصليبيين عليهم إن هم حكّموا الشريعة في المناطق التي يسيطرون عليها، وفي الوقت نفسه يرجون تأييد الشعوب وبقية الأحزاب والفصائل لهم؛ كي يتّقوا بهم ضرر الدول الصليبية إن هي عزمت على إيذائهم، ويخشون مِن وقوفهم في صف الصليبيين ضدهم وخروجهم عليهم في شكل صحوات أو ما شابهها؛ ولذلك يعطّلون تحكيم الشريعة في مناطقهم بانتظار أن ترضى عن الشريعة تلك الأحزاب والفصائل، ولسان حال هذه الطوائف المدّعية للشريعة أن هذه الأحزاب والفصائل غير راضية عن تحكيم شريعة الله، مما يستوجب جهادها لا إرضاءها.

وفي الحالتين -أي: عدم تحكيمهم للشريعة خشية غضب الصليبيين، أو خشية إغضاب الفصائل والأحزاب والهمج الرعاع أتباع كل ناعق من عوام الناس-: فقد وقعوا في عين ما وقع فيه اليهود من قبل بحكمهم بغير ما أنزل الله خشية الناس؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [سورة المائدة].

فهؤلاء أيضًا لا يمكنهم أن يحكّموا الشريعة يومًا؛ لأنهم ينتظرون إذن عوام الشعوب وعموم الفصائل والأحزاب لهم، وهذا ما لن يكون؛ لأن كلًّا مِن أولئك يُسَيِّرُه هواه، ويرجو الدنيا وهو غافل عن الآخرة، ولا يقبل أن يتحمّل تبعات تحكيم الشريعة مِن إغضاب للمشركين وحربهم لإزالة حكم الشريعة.

هذه الفصائل التي تحدّثنا عنها ترى أنها لا تستطيع أن تفرض أحكام الشريعة على الناس فرضًا، بل تسعى لأن يكون تحكيم الشريعة نابعًا من رضاهم فيستجيبوا له، ويدافعوا عنه، فيظنّون أن عليهم إرضاء الناس مهما كان حالهم في السوء؛ هل لك تعليق على تصوّرهم الفاسد؟

بداية: يجب أن نعلم أن مَن يرفض تحكيم شرع الله: فهو كافر بالله العظيم بالإجماع؛ لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [سورة النساء]، ثم يجب أن نعلم أن تحكيم شرع الله أمر من الله يجب العمل به وعدم اتّباع رضا الناس فيه؛ لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كثيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [سورة المائدة].

فإن أقمنا حكم الشريعة: نجد أن حال الناس ينقسم بين راضٍ بهذا الحكم وهو المسلم، ومعلنٍ لرفضه وهو الكافر الظاهر، ومستخفٍ بكرهه لتحكيم الشريعة وهو المنافق، وكلّ يُعامَل بما له؛ فالمسلم يُوالى، والكافر يُعادى ويُحارَب، والمنافق يُعامَل بظاهره وهو الإسلام، حتى يظهر كفره فيُعامَل كالزنادقة.

بعض هذه الفصائل المرتدة في الشام: لا تعترف برفضها لحكم الشريعة، وإنما تزعم تأجيل ذلك إلى ما بعد إسقاط الطاغوت بشار الأسد، وتزعم أن تحكيم الشريعة في مناطقها قد يؤدّي إلى نزاع بين الفصائل يستفيد منه الجيش النصيري؛ فما تعليقك على هذه الدعاوى؟

من المعروف أن القتال المجرد لا يكفي لإنهاء حكم الطواغيت من الأرض؛ فالأرض التي يُخرَج جيش المشركين منها يزول عنها حكم الطاغوت، ولكن الناس لا بد أن يُحكَموا بشريعة ما؛ فإما أن يحكموا بشريعة الله كما هو الأمر في أراضي الدولة الإسلامية، وإما أن يتركوا الأمر لفوضى الغاب فيحكمهم كل مَن يستقوي عليهم بأهواء متنازعة وآراء مختلفة، وإما أن يحكموا بحكم طاغوتي واحد جديد -كطاغوت «القانون العربي الموحد»-، وبالتالي بمجرد إزالة حكم الطاغوت مِن قطعة مِن الأرض: فلا بد من تحكيم الشريعة فيها، ومَن رفض ذلك يُقاتَل كما قُوتِل الطاغوت مِن قبل.

وهذا ما فعلته الدولة الإسلامية؛ فبسبب سعيها لتحكيم الشريعة: استُهدِفَت مِنَ الفصائل العلمانية وعلى رأسها فصائل المجلس العسكري، فنصرنا الله عليهم وتمكّنّا مِن إخراجهم من كثير من المناطق، ووجدنا أن هذه المدن والبلدات صارت بيدنا من دون منازع، وأقمنا حكم الشرع فيها فورًا، وأنشأنا المحاكم الإسلامية لتفصل بين الناس وتقيم الحدود، كما حدث في الدانة وإعزاز وجرابلس ومناطق أخرى.

وبسيطرتنا على هذه المناطق، وإنشاء المحاكم التي تحكم بشرع الله فيها: بدأت المؤامرات لإخراجنا من هذه الأرض تظهر للعلن، وأعلنت فصائل الصحوات علينا تلك الحرب التي اشترك فيها مَن يرفض تحكيم الشريعة، ويجاهر بالعلمانية، مع مَن يزعم أنه يسعى لتحكيم الشريعة ولكنه يرى تأجيلها إلى وقت آخر.

فإن كانت هذه الفصائل ترفض تحكيم الشريعة دفعًا للقتال بينها: فكيف قبلت مجتمعة القتال ضد الدولة الإسلامية لأنها أقامت الشريعة؟!

وكيف يبرّر حربه على الدولة الإسلامية مَن زعم كاذبًا أنه يسعه ترك تحكيم الشريعة؟ فيُحارِب هذا الكاذبُ جنودَ الخلافة الذين أقاموا الدين، وسعوا لتوسيع سلطان الشريعة على كل المناطق التي يحكمها طواغيت الفصائل المحاربون لشرع الله.

فهؤلاء القوم يرفضون تحكيم الشريعة، وأكبر دليل على ذلك: أنهم يحكمون المناطق التي انحازت منها الدولة الإسلامية منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك فهم لم يُحَكِّموا الشريعة فيها بعد، ولن يحكّموها أبدًا؛ خوفًا من إغضاب الداعمين، وخشية من غضب الصليبيين، بل وزادوا على ذلك بقتالهم لمنع تحكيم الشريعة في تلك المناطق، كما نرى من دفاعهم المستميت لمنع امتداد سلطان الشريعة التي تقيمها الدولة الإسلامية إلى الأرض التي يسيطرون عليها، فصار حكمهم بذلك حكم الطوائف الممتنعة عن التزام أحكام الدين، كمرتدي العرب الذين قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه والصحابة؛ لأنهم امتنعوا عن حكم شرعي واحد وهو أداء الزكاة.

بل وزادوا من كفرهم بسعيهم إلى الاستيلاء على ما في يد الدولة الإسلامية من أرض تحكم بالشريعة، وضمّها إلى جملة الأراضي التي يحكمونها بالشرائع الطاغوتية والأهواء المتنازعة، ثم زادوا على ذلك بموالاة الصليبيين والطواغيت في حربهم على الدولة الإسلامية، كما يفعلون الآن في ريف حلب الشمالي وفي بادية الشام وفي مدينة سرت، فهم في ظلمات بعضها فوق بعض، وقضيتهم لم تعد تأجيل تحكيم الشريعة خوفًا من الصليبيين؛ وإنما صاروا يسعون جهارًا إلى إزالة حكم الشريعة من الأرض واستبدال الأحكام الجاهلية بمختلف أوضاعها بها.

الغريب حقًّا أن هؤلاء المرتدين لم يكتفوا برفض تحكيم الشريعة؛ وإنما صاروا يضربون لأنصارهم الأمثال بما حلّ بالدولة الإسلامية بسبب تحكيمها لشرع الله؛ كاجتماع المشركين في العالم كله على قتالها، وباتوا يؤمّلون أنفسهم بزوالها من الوجود؛ فما تعليقك على أوهامهم؟

هؤلاء طمس الله على قلوبهم وأبصارهم؛ فلم يعودوا قادرين على رؤية الحق، ولا معرفة ما يريده الله عز وجل من العباد، وقد سمعنا بعض سفهائهم يصرّح بأنهم لا يريدون أخدودًا جديدًا في الشام، ويقصدون بذلك أن يقاتلهم الصليبيون إن هم أقاموا الدين.

والجواب عليهم: أن الله تكفّل بحفظ هذا الدين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن المجاهدين لن يزولوا من الأرض حتى يأذن الله بقوله: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [رواه مسلم].

ثم إن الله عز وجل قد وصف مآل أصحاب الأخدود بأنه {الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}، رغم أن الحديث الذي ذكر قصة أولئك الموحّدين بيّن أنه لم يبقَ من تلك الجماعة التي آمنت بالله واتّبعت الغلام أحد؛ إذ أحرقهم الطاغوت جميعهم، حتى ما بقي منهم إلا أضعفهم، امرأة وغلام، فلما تقاعست المرأة عن النار قال لها الرضيع: «يا أُمَّه؛ اصبري فإنك على الحق»، وهذا يؤكّد حقيقة أن فعلهم كان صحيحًا، كما أن مآلهم في الآخرة كان محمودًا.

فلا خوف على الموحدّين؛ فهم باقون وظاهرون على الحق في كل زمان، ولا خوف على الدولة الإسلامية، فهي باقية بإذن الله، حتى تسلّم الراية للمهدي، وإن استشهد مَن استشهد مِن أمرائها وجنودها، فلهم سلف في أصحاب الأخدود، إلا أننا نحسن الظن بالله أن خلافتهم ستبقى إلى الملحمة الكبرى.

جزاكم الله خيرًا، ونرجو أن تتسع صدوركم لمزيد من الأسئلة حول مسألة تحكيم الشريعة، وواقعها في الدولة الإسلامية، وواقع ديوان القضاء الذي ابتليتم بالقيام عليه.

حيّاكم الله، ونسعد بلقائكم.





  1. حوار مع والي طرابلس (العدد 52)

الخميس 26 محرم 1438ه

والي طرابلس الشيخ أبو حذيفة المهاجر: ما هذه الأيام إلا محنة زائلة، سيعقبها فتح وتمكين، بحول الله وقوته.



مضت ثمانية أشهر على لقائنا بالشيخ عبد القادر النجدي حفظه الله؛ فهل يمكن أن تُجْمِلوا لنا أهم الأحداث التي شهدتها الولايات الليبية في هذه الفترة؟

الحمد لله القوي القدير المتعال، الذي إذا أراد بقوم سوءًا فلا مَرَدَّ له، وما لهم مِن دونه من وال، أتته السماوات والأرض طوعًا، وبسط الأرض وأرسى الجبال، يُسبِّح الرعد بحمده والملائكة مِن خيفته، ويرسل الصواعق فيصيب بها مَن يشاء، وهم يجادلون في الله وهو شديد المِحال، والصلاة والسلام على الضحوك القتال وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: في البداية نشكر صحيفة (النبأ) على بالغ اهتمامهم في نشر أخبار المجاهدين وتوعية عموم المسلمين، نسأل الله أن يكتب أجور القائمين على هذا العمل المبارك.

ومن ثم؛ فَعَوْدًا على سؤالكم حول الأحداث المتسارعة التي مرت بالمجاهدين مَرّ السحاب؛ فإن أنبياء الله ورسله ومَن اقتفى أثرهم وسار على هديهم مِن الصحابة والتابعين والمجاهدين: نهج واحد، سبيل واحد، سيرة واحدة، أولهم كآخرهم؛ مَخْمَصَةٌ وابتلاءات شدة وكروب، لحكمة بالغة قضاها ربنا جل وعلا، حتى إذا ضاقت مَخانِقُهم واستيأسوا: أتاهم نصر الله، إن علم في قلوب عباده خيرًا، وآتاهم خيرًا مما أخذ منهم.

فقد مضت ثمانية أشهر من جهاد أعداء الله، والسعي للتمكين لشرعه في أرضه، فتوحات وانتصارات في المناطق والقرى الواقعة تحت سيطرة ونفوذ كوبلر وجنتلوني وهولاند وأوباما، وتشريد وتنكيل بأوليائهم من جيش وكتائب حكومتي «الوفاق» و«المؤتمر الوطني» لتُنزَع منهم الأرض نزعًا، وتنال شرف العودة إلى أحضان الخلافة وسلطان الشريعة والأحكام الربانية بعد قرون التيه، ومن ثم كرّوا ثانية في معركة بذل فيها المجاهدون -وما يزالون- الغالي والنفيس صونًا لجناب التوحيد، ودفعًا عن حمى الشريعة، معركة انتصر فيها جنود الخلافة منذ أيامها الأول عندما اختاروا الموت في سبيل الله، على ألا يطأ المرتدون دار الإسلام إلا على أجساد الشهداء الطاهرة، فاسترخصوا الدنيا طمعًا بما عند الله، وتزاحموا ليلتحقوا بقوافل الرِّبِّييِّن، وذلك هو الفوز المبين.

لعل موضوع الحملة الصليبية على ولاية طرابلس، التي شارك فيها مرتدّو ما يُعرَف بـ «عملية البنيان المرصوص» هي أهم الأحداث التي طبعت هذه الفترة؛ فكيف بدأ هجوم الصحوات على مدينة سرت؟ ولماذا الإصرار الكبير مِن قِبَلهم على دخول المدينة رغم التكاليف الباهظة التي تحمّلوها في سبيل ذلك؟

إن أعداء الله الصليبيين باتوا خائفين وَجِلِين على قلاعهم وحصونهم؛ لسيطرة الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من سواحل الشمال الإفريقي في ولايات ليبيا، وتحكيمها للشريعة، ونشرها للتوحيد، وتحذيرها من الشرك، وتحريضها على الجهاد؛ فتراكضوا لحربها، واستجلبوا لذلك خيلهم ورجلهم، حربٌ لن تقيهم ما يحذرون، ولن تزيد طينهم إلا بلّة، بعون الله وتوفيقه، حرب لو لم تقم لحقَّ على المجاهد أن يراجعَ سريرتَه، وَيَشِكَّ في طَوِيَّته.

حرب خاض رحاها المجاهدون مطمئنين موقنين بنصر الله، بعد أن تسابق إلى لقاء ربهم خيرة مشايخنا وأمرائنا -تقبلهم الله أجمعين-، ومنهم أميرنا وشيخنا والي طرابلس السابق الذي تقدّم ركب الانغماسيين، مقتحمًا جموع المرتدين، وبعد توفيق الله نفّذ بحزامه الناسف بين جموعهم، فصدّقت أفعاله أقواله، وفدى الشريعة بدمائه الزكية، نسأل الله أن يعلي منزلته ويتقبله في الفردوس، وكان ذلك قبل ثلاثة أشهر.

بدأ الهجوم بعد أن تمالأت على حرب الشريعة أغلبُ الكتائب العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في الغرب الليبي وخاصة كتائب مدينة مصراتة، وبتواصل مباشر مع الصليبيين، وتحت غطائهم الجوي، وقد مكن الله عباده المجاهدين من التنكيل بكتائبهم المتناحرة التي تجمعها غرفة عمليات أسموها «البنيان المرصوص»، والتي أعلنت عند بدء المعركة أن قوامها يزيد على 10 آلاف مقاتل على الأرض، بالإضافة لغطاء جوي (صليبي - ليبي)، أمام قلة مؤمنة صابرة محتسبة يظنون أنهم ملاقو الله، واثقون بموعوده سبحانه.

فوفّق الله عباده للتصدي لهم في ملحمة من أكبر ملاحم التوحيد في زماننا، دفاعًا عن أرض حكمها بالشريعة عباد نصروا أنفسهم بالتوحيد، واستكثروا من قلتهم بالعزيز الحميد، يجالدون أعداء الله 6 أشهر متواصلة، منّ ربنا فيها على عباده المستضعفين ونفذوا 120 عملية استشهادية استهدفت تجمعات المرتدين وأرتالهم، بالإضافة إلى مئات العبوات الناسفة والكمائن التي قطعت المرتدين، ليسقط منهم حتى اللحظة قرابة 5000 مرتد بين قتيل وجريح، ولله الحمد والمنة، ولم يثن المجاهدين أو يزعزعهم طيران التحالف (الصليبي - الليبي)، الذي نفذ حتى اليوم قرابة 2300 غارة جوية، ولا آلاف الصواريخ وقذائف المدافع والدبابات.

أما عن استماتة المرتدين في القتال؛ فَبَاعِثُها بغضُ التوحيد وأهله، وتمنّي زوال الشريعة، إضافة إلى التزام أوامر أسيادهم الصليبيين الذين يقاتلوننا حتى نكفر بالله، ونجعل له أندادًا في حكمه وتشريعه، يقاتلوننا حتى نلقي شريعة الله وراء ظهورنا ونكفر بها، ونؤمن بالديمقراطية، ونترك الجهاد، فالسعيد الفائز من لقي ربه وهو قابض على جمرة التوحيد، مستمسك بالعروة الوثقى.

ستة أشهر من المعارك ولم يتمكن المرتدون بعد من حسم المعارك في سرت رغم مساندة الصليبيين لهم برًّا وجوًّا؛ ما هو السبب المباشر -بعد فضل الله- في تأخير تقدم المرتدين طيلة هذه الفترة؟ وما هي أهم التكتيكات العسكرية التي تسببت بهذا القدر الكبير من الخسائر في صفوفهم؟

هذا الثبات من جنود الخلافة في مدينة سرت محض توفيق من الله، ثبتوا لإيمانهم الجازم أن كل ما خلق الله سبحانه من حجر وشجر ورمال، أودية وجبال، مطر ورياح، ظلمة ليل أو ضياء نهار: كلهم عبيد له، وَخلقٌ مِن خلقه، ركّعٌ سجّد، يوالون أولياءه، ويعادون أعداءه، لا يحبون أن يعصى الله في أرضه، جند محضرون، يسخّرهم لنصرة أوليائه متى شاء سبحانه.

أما بالنسبة لأساليب القتال؛ فلله الحمد: الإخوة استخدموا في هذه الحرب أساليب عديدة كانت سببًا -بعد توفيق الله- في استمرار المعركة إلى هذه الفترة، ومنها: التشريك، والعبوات الناسفة، والأنفاق، والالتفافات التي أعيت أعداء الله، ومن ثم كان لسرايا الصحراء المتواجدة خارج سرت، والمنتشرة على الخط الساحلي بين سرت ومصراتة: الدور الكبير والأثر البالغ في إطالة أمد المعركة داخل أحياء سرت -بفضل الله-؛ فكانت لهم صولات وجولات، من العمليات الاستشهادية التي اخترقت تحصينات المرتدين، والعبوات والكمائن وحواجز التفتيش على طرق إمداد أعداء الله، والتي استنزفت المرتدين المتوجهين لحرب الشريعة في سرت.

ولا يفوتنا أن نذكر ملحمة من ملاحمهم: حين انغمست إحدى سرايا الصحراء، بعد أن تبايع الإخوة فيها وتعاهدوا ألا يَلْفِتوا وجوهَهم حتى يلقوا ربهم، فاقتحموا مدينة سرت من جهتها الشرقية، وسيطروا على منطقة السواوة وميناء وفندق سرت وقصور الضيافة، بعد أن قطعوا 30 كم داخل مناطق سيطرة المرتدين، ولم يبقَ بينهم وبين إخوانهم المحاصرين في سرت إلا شارع واحد، فُقِتلوا مقبلين غير مدبرين بعد أن أنكوا بأولياء الشيطان، وأثخنوا فيهم، فاستنجد المرتدون بطيران الصليبيين، ليسعد فرساننا بالشهادة في سبيل ربهم، نصرة لإخوانهم وأخواتهم، وذبًّا عن الشريعة، رحلوا مقبلين غير مدبرين، نحسبهم ولا نزكيهم على الله.

يُمَنِّي الصليبيون وأذنابهم المرتدون أنفسَهم بأن معركتهم في سرت ستكون آخر المعارك ضد الدولة الإسلامية؛ ما تعليقكم على هذا الأمر؟

هذا مما يعدهم به الشيطان ويمنّيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا، فإن ربّنا جل ثناؤه قوي عزيز، لا يُذلّ جنوده، ولا يُهزم أولياؤه، عباده منصورون، وجنده هم الغالبون.

المجاهدون هم الأعلون أبدًا، والصليبيون وأتباعهم المرتدون مهزومون مخذولون بطرائق قدد، وإن أمريكا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وكل الأمم المتحدة الصليبية التي تخندقت لحرب الخلافة مهما تطاولت وتعاظمت: فهي لا تملك لنفسها ضرًّا ولا نفعًا، لَهم أحقر مِن أن يخلقوا ذبابة، وإن اجتمعوا على خلقها، بل هم أذل وأحقر مِن أن يستردّوا ما تسلبهم الذبابة بخطامها، {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)} [سورة الحج]، وكذلك هم أذل وأحقر من أن يحاربوا الله أو يعادوا أولياءه، وَلَتَرَوُنَّ طواغيت الأمم المتحدة وكل مَن يتطاول على ربنا اليوم: أذِلَّةً جُثاةً على الركب يوم القيامة، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: 28].

ونقول لمن يحارب المجاهدين اليوم في سرت، الباغضين للشريعة، أهل الشقاوة والعناد والكفر والإلحاد: إنكم تقاتلون أمة لم تعقم، وعقيدة لن تُهزم، وإن سرايا المجاهدين المنتشرة اليوم في صحراء ليبيا ستذيقكم الأمرَّين، وستستعيد المدن والمناطق من جديد، بحول الله وقوته.

وأما رسالتنا إلى القاعدين عن الفرض المتعين في مصراتة خاصة وكافة المدن في غرب ليبيا عامة: فنذكّرهم أن لهم تاريخًا في التضحية والجهاد مجيدًا، وأن خيرة أبنائهم هم مَن يقاتَلون اليوم في سرت، ومِن قبلهم مئات قُتلوا في العراق والشام كانوا من صفوة رجالات الدولة الإسلامية، قتلوا على يد الحلف الصليبي ذاته، وبنفس طائراته التي تدمّر المنازل والمباني على رؤوس ساكنيها اليوم في سرت، فندعوكم إلى الوقوف إلى جانب أبنائكم المجاهدين في الدولة الإسلامية، وأن تخذّلوا عنهم ما استطعتم، وأن تمنعوا كل مَن غُرِّر به وقاتل تحت راية الصليب في سرت، وأعلن حربه على الشريعة، وتدعوه إلى التوبة إلى الله قبل أن يُقدَر عليه، ويضاف إلى قوائم الهلكى، فإن القتل أنفى للقتل.

بالانتقال إلى خارج سرت؛ كيف تُقَوِّمون وضع جنود الخلافة في باقي مناطق ليبيا؟

لله الحمد والمنة؛ نبشّر المسلمين عامة والمجاهدين خاصة: بأن إخوانهم المجاهدين في ولايات ليبيا ما يزالون بخير عميم وفضل من الله عظيم، وما تزال مفارزهم الأمنية تنتشر في كافة المدن والمناطق، وسراياهم تجوب الصحراء شرقًا وغربًا، وما هذه الأيام إلا محنة زائلة، سيعقبها فتح وتمكين، بحول الله وقوته، وإن الدماء التي سالت دفاعًا عن الشريعة ودفعًا لأعدائها: لن يضيّعها الله، ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَن ينصره.

في الفترة التي سبقت معركة سرت تدفّقَ كَمٌّ كبير مِن المهاجرين إلى الولايات الليبية؛ هل ما زال طريق الهجرة مفتوحًا إليكم؟ وما هي أهمية المهاجرين في ساحة الجهاد عندكم؟

الحمد لله؛ الطريق كان وما يزال مفتوحًا لمن أراد الهجرة، وقَصَد رضى الله، وأخلص نيته له سبحانه، وما يزال الموحدون بعربهم وعجمهم يتوافدون من كل حدب وصوب لأداء فريضة الجهاد، والثأر للدماء الزكية التي سالت على يد أعداء الدين، زاهدين بالدنيا ومتاعها الزائل، يقطعون المفازات، ليقاتلوا مَن كفر برب الأرض والسماوات، وكفى بالله نصيرًا.

أما عن أهميتهم في ساحة الجهاد الليبية؛ فبسواعدهم -بعد فضل الله- أُقيمت أحكام الشريعة وقوتل أعداء الله، إلى جانب أحبابهم الأنصار، وإن من نعم الله علينا أن نفَر إلى ولاياتنا كثير ممن لم تحبسهم الأعذار، كانوا حجة على مَن سواهم مِن أهل الاعتذار، وآخرون حبستهم الفاقة باعوا بيوتهم ومتاعهم وما يملكون ليلتحقوا بركب المجاهدين؛ قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)} [سورة النحل]، نسأل الله أن يتقبل هجرتهم وجهادهم، والله عنده حسن الثواب.

كيف هو حال مدينة سرت وأهلها بعد أن سيطر المرتدون على أجزاء واسعة منها؟

لقد تسبب أعداء الله بحربهم على مدينة سرت بتعطيل أحكام الشريعة سعيًا منهم ليستبدلوا بها أحكامَ كوبلر وأسيادهم الصليبيين، وقد نزح جُلُّ أهلنا في سرت إلى المناطق المجاورة منذ 6 أشهر -وما يزالون- ذاقوا خلالها الأمرَّين، وزاد أعداء الله عليهم بقصف وتدمير منازلهم، ونهب ممتلكاتهم، ونبشّر أمة نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أن أبناءهم المجاهدين سيستمرون بقتال المرتدين حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

السبب الرئيسي للحملة الصليبية ضد جنود الدولة الإسلامية في الولايات الليبية هو تَخَوُّف المشركين من امتداد عمليات المجاهدين إلى دول الجوار، ويتحدث الصليبيون وأذنابهم المرتدون عن موضوع تأمين مناطق جوار ليبيا بعد هذه الحملة؛ فما تعليقكم على ذلك؟

إن الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته وقتال أعدائه لا يوقفه جَورُ جائر أو عدل عادل، ولن يترك ربنا بيت مدر ولا وبر إلا ويدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل؛ عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًّا يُذِلّ اللهُ به الكفرَ؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا)، وإن هذه الملاحم العظام التي يخوضها المجاهدون اليوم والتحاق آلاف الموحدين بساحات الجهاد قاصدين مواطن الشهادة: لَهي بشارات انقشاع الظلم وظهور الحق، (وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).

كيف تُقَوِّمون وضع حكومتي «الوفاق» و«المؤتمر الوطني» اليوم؟ وما مستقبل عملياتكم ضد هاتين الحكومتين المرتدتَين؟

«وفاق» و«مؤتمر» و«برلمان»، وَعُزِمَ على تشكيل حكومات رابعة وخامسة، هذا هو وضع الحكومات المرتدة في ليبيا: يلعن بعضهم بعضًا، قلوب شتى، يتربصون ببعضهم الدوائر، قطّع الله بينهم، وجعل بعضهم لبعض عدوًّا، متفرّقون، وإن اجتمعوا متناحرون، حتى في جبهات القتال التي جمعتهم لحرب الدين.

وإن جنود الخلافة يمتثلون أمر ربهم بقتال كل من حارب دينه وعادى أولياءه، نعم نقاتلهم ونكفّرهم كافة، ونجهر بعداوتهم وبغضهم، ونقبّح ديمقراطيتهم وشركهم كما أمر ربنا، فلسنا ممن يشتري ودّهم أو يتحرى رضاهم بعرض من الدنيا زائل، ولا ممن يبتغي إليهم الوسائل.

وقد سقط في حبائلهم كثير ممن كانوا يدّعون نصرة الشريعة، وحب التوحيد وأهله، فإذا بهم باتوا أنصارًا للطواغيت، يحزنون لحزنهم، ويقاتلون في ألويتهم وسراياهم، ووزارات دفاعهم، نسأل الله العافية.

هل من وصية إلى جنود الدولة الإسلامية في الولايات الليبية؟ وهل من رسالة عامة توجّهونها إلى جنود الدولة الإسلامية في كل مكان؟

إلى خير البرية، إلى المجاهدين الصابرين المحتسبين في سرت وبنغازي والموصل وحلب وفي كل مكان؛ إن ربكم قريب مجيب، يرى مكانكم، ويسمع كلامكم، وقد توكلتم عليه، وعقدتم أسباب النجاة بما أمر به سبحانه؛ فأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وأقمتم الدين، وقاتلتم المشركين والمرتدين، وقد وعد ربنا مَن اجتمع على طاعته بالنصر والتمكين والاستخلاف ووراثة الأرض، وأن تكون لهم العاقبة، وأن يسوقهم إلى الجنة زمرًا، وإن ربكم جل جلاله لم يكتب على عباده البلاء إلا ليميز الخبيث من الطيب، والصادق من الدعيّ، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

تجد مِن العباد مَن إذا مسّه قرح وبلاء وشدة وعناء ظن بربه ظن السَّوء، ظن أن الذين كفروا فوقنا قاهرون، وأنهم سبقوا، وأنهم ظهروا فلا غالب لهم، وأنهم يطفئون نور الله بأفواههم، وأن الله لن يتم نوره، نعوذ بالله من تلك الظنون، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [سورة فصلت]، قال أبو مسلم الخولاني: «اتقوا ظن المؤمن؛ فإن الله جعل الحق على لسانه وقلبه»، وإن ربنا جل ثناؤه وتقدست أسماؤه يقول في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ)، {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}؟!

  1. حوار مع أمير هيئة الحرب (العدد 55)

الخميس 17 صفر 1438ه

أمير هيئة الحرب: سيرى المرتدون ما يعدّه المجاهدون لهم بعد انكسار حملتهم على الموصل، إن شاء الله.



في ظل الانشغال بالمعارك في مختلف ولايات الدولة الإسلامية؛ أجرينا معه حوارًا يسيرًا؛ ليحدّثنا عن حقيقة الحرب في الموصل وما حولها، وعن مجريات المعارك في مختلف الجبهات والمحاور، وليكشف لـ (النبأ) وقرائها رؤية مجاهدي الدولة الإسلامية لمآلات هذه الحملة الصليبية الرافضية.

هل تحدثنا باختصار عن مجريات الحملة الأخيرة على الموصل حتى وصول الروافض إلى أطراف المدينة الشرقية؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فقد بدأ الصليبيون والمرتدون حملتهم العسكرية الأخيرة على الموصل بحملة إعلامية كبيرة شاركت فيها كل وسائل الإعلام التي تتبع لهم وللطواغيت في المنطقة، وحاولوا من خلالها النيل من معنويات المجاهدين وعامة المسلمين على حد سواء؛ عن طريق تضخيم قدراتهم وإمكانياتهم، وذلك لكي يسحروهم ويسترهبوهم، وكذلك بذلوا كل جهدهم في محاولة إقناع الناس أن نتيجة المعركة محسومة للمرتدين، وأن حسمها لن يستغرق أكثر من أيام قليلة؛ كي يزرعوا اليأس في نفوس الموحدين، ويشدّوا بذلك من عزائم المنافقين والمرجفين.

فلما بدأ العمل العسكري: انكشف سحر أعداء الله، فإذا بالمجاهدين يدافعون عن مواقعهم متوكلين على الله موقنين بنصره، ولا يتمكن المرتدون من الوصول إلى أي موقع حتى يدفعوا في سبيل ذلك الخسائر الفادحة في أرواح جنودهم وعتادهم، ورغم ذلك استمروا في سعيهم للوصول إلى أطراف مدينة الموصل، لتحقيق هدفهم الإعلامي والذي يصرّ عليه أسيادهم الصليبيون، الذي دفعوا في سبيل تحقيقه المئات من القتلى، والعشرات من الآليات المتنوعة التي خلفوها وراءهم.

فلما وصلوا إلى أطراف المدينة الشرقية، وهم في غاية الإنهاك من ضراوة المعارك التي خاضوها مع جنود الخلافة في الأرياف: وجدوا المجاهدين في انتظارهم مجدّدًا ليغرقوا في حرب شوارع شديدة الاستنزاف لهم، وحالهم الآن بات لا يخفى على أحد؛ إذ انهارت معنوياتهم تمامًا، مع شدة ما خسروه من آليات وجنود، رغم التغطية الجوية الصليبية لهم، ولله الحمد.

بعد أيام من انطلاق الحملة الصليبية على الموصل؛ قام جنود الخلافة في عدة ولايات بعمليات نوعية على أهداف للروافض والبيشمركة بعيدًا عن الموصل، كما حدث في كركوك والرطبة وسنجار وغيرها؛ هل كان لتلك العمليات تأثير على المعركة في الموصل؟

من نِعَمِ الله تعالى على عباده المجاهدين: أن وفقهم للتخطيط لهذه العمليات المباركة قبل انطلاق الحملة الأخيرة على الموصل؛ وذلك لتوفير إمكانية المناورة أثناء المعركة، من أجل التخفيف على المجاهدين في الموصل، ولتحقيق النكاية في صفوف المرتدين، وقد نجحت أكثر تلك العمليات، بفضل الله، وحققت الأهداف التي خُطط لها.

أما تأثير هذه العمليات على المعركة؛ فقد ظهر -بفضل الله- حجم الرعب الذي أحدثته في صفوف المرتدين، وكم أجبرتهم على حشد أعداد كبيرة من جنودهم في مختلف المناطق التي يخشون من تهديد جنود الدولة الإسلامية فيها، فمنعوا بذلك من توجيه تلك الحشود إلى معركة الموصل، والتعويض عن النقص الحاصل هناك في جنودهم نتيجة الاستنزاف المستمر، وكذلك ساهمت تلك العمليات بقوة في كسر الهالة الإعلامية التي حاول الصليبيون والروافض إحاطة حملتهم على الموصل بها: بأن غطت أخبار انتصارات إخواننا في تلك العمليات على كل أخبارهم الكاذبة التي نشروها عن معاركهم في ريف الموصل، والحمد لله من قبل ومن بعد.

مع وصول المرتدين إلى منطقة كوكجلي باتوا يعترفون بوجود مقاومة شديدة من جنود الدولة الإسلامية؛ كيف تجري الأمور على أطراف الأحياء الشرقية للمدينة؟ وما هو واقع المعركة في هذا الوقت؟

مع وصول الجيش الرافضي إلى منطقة كوكجلي شرق الموصل، ودخولهم مع جنود الدولة الإسلامية في حرب الشوارع المنهكة: بات المرتدون على الغالب في حالة دفاع عن المناطق التي دخلوها؛ وذلك بسبب كثرة الهجمات الخاطفة والموجعة التي يشنّها جنود الدولة الإسلامية عليهم، وبسبب حرصهم على تقليل الاستنزاف في قطعاتهم العسكرية التي باتت أحجامها تتقلص -بفضل الله- تحت تأثير الخسائر.

وقد سعى المرتدون ومن ورائهم أسيادهم من الصليبيين إلى استهداف المشاة من جنود الدولة الإسلامية في هذه المناطق؛ لينالوا من معنوياتهم، وهذا ما لم يتمكنوا منه، بفضل الله، خاصة مع تفاجُئِهم بأساليب في القتال لم يكونوا يتوقعون من المجاهدين استخدامها في هذه الأماكن، يسرها الله للمجاهدين؛ كالعمليات الاستشهادية، والعبوات الناسفة، والإسناد المدفعي، والصواريخ الحرارية، والقنص، وغيرها.

يشتكي ضباط الجيش الرافضي من كثافة استخدام الدولة الإسلامية للعمليات الاستشهادية والانغماسيين في المعركة؛ فما دور هذين السلاحين المؤثّرَين؟ وما حقيقة نتائجهما على سير المعارك؟

نعم؛ لقد استخدم المجاهدون -بفضل الله وحده- أسلوبَي العمليات الاستشهادية والانغماسية بوفرة في معارك المحور الشرقي خصوصًا، وكان هذا محض توفيق الله تعالى لنا، وقد حقّق ذلك -ولله الحمد- النتائجَ الكبيرة في صد محاولات المرتدين التقدّم، وفي تشتيت تجمّعاتهم، وإيقاع أعظم الخسائر في صفوفهم.

ونبشّركم بأن أعداد الإخوة الاستشهاديين كبيرة جدًّا، بفضل الله، وإقبال الإخوة على العمليات الاستشهادية في تزايد، بل وجدنا مِن عامة الرعية مَن قدّم نفسه وسيارته، فأراق دمه، وعقر جواده في سبيل الله، وسيجد الرافضة في وجههم المزيد مِن الاستشهاديين والانغماسيين، بإذن الله.

يتحدث الإعلام الصليبي والرافضي كثيرًا عن الأنفاق ودورها الكبير في معركة الموصل اليوم؛ ما هي حقيقة استخدامكم لتكتيك الأنفاق في المعارك ضد المرتدين؟

الأنفاق تحت الأرض، ونفضّل أن يبقى موضوعها كذلك، ولكن نقول للمرتدين: سيبلغهم -بإذن الله- من نبأ الأنفاق ما يرونه بأعينهم، لا ما يقرؤون عنه في هذا الحوار.

نشر إعلام الدولة الإسلامية معلومات عن خسائر كبيرة للروافض في حملتهم على الموصل؛ فما تقويمكم لحجم هذه الخسائر؟ وهل يصح قول المرتدين إنهم دخلوا في فخ الاستنزاف؟

لم يعد إعلام الدولة الإسلامية هو الوحيد الذي يتحدث عن خسائر المرتدين؛ فحجم تلك الخسائر أكبر من قدرتهم على إخفائها، فعندما تتحدث عن خسارة آلاف المقاتلين خلال شهر واحد من المعارك، بالإضافة إلى المئات من الدبابات والمدرعات والآليات: فهذا -وبلا شك- خسارة كبيرة لأي جيش في العالم، فكيف بالنسبة لجيوش الرافضة والبيشمركة المنهكة التي تنزف منذ أكثر من عامين، والتي لم تكن لتحتمل المطاولة في الحرب لولا وقوف كل الكفار في العالم معهم؟ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [سورة الأنفال].

لاحظنا عجزًا للقوات الرافضية عن اقتحام بعض المناطق حول الموصل، وتأخُّرًا كبيرًا في دخول أخرى، كما حدث في تلكيف وبعشيقة؛ ما هو تفسير ذلك برأيكم؟

ما حدث هو نتيجة فشلهم في تنفيذ الخطة الموضوعة لهذه الحملة؛ فعندما تفاجؤوا بعدم قدرتهم على تنفيذ خطتهم، وتحقيق أهدافها خلال الفترة الموضوعة لها: خرجوا عن تلك الخطة، والمسار الموضوع من خلالها للمعركة، وصار عملهم أقرب ما يكون للوقائي والآني، فهم يعملون على إدامة الزخم في أي محور يجدون فيه بعض النجاح، ولذلك نجد أنهم تقدموا في بعض المحاور أكثر من قدرتهم على التحمل، فيما تركوا بعض المحاور تقريبًا، وتجاوزوا بعض المناطق التي كان يفترض أن يحسموا أمرها قبل الانتقال لما بعدها، والحمد لله.

يعكف الصليبيون والروافض الآن على إعادة التخطيط لمعركة الموصل؛ كيف سيكون رد جنود الخلافة على هذا التغيير في خطة هجوم المرتدين والصليبيين على المدينة؟

يعلم المجاهدون من خلال ملامستهم للواقع: أن خطة المرتدين والصليبيين الموضوعة لمعركة الموصل قد فشلت، وقد تأكد للمجاهدين ذلك من خلال التتبع والاستقرّاء والتجربة، كما أن هذا الأمر بات واضحًا جليًّا من خلال تضارب تصريحاتهم، وحجم التشتت في تصرفاتهم، بل أعلنوا بأنفسهم فشلهم في تنفيذ الخطة في الموعد الموضوع سلفًا لها، بعد أن تفاجؤوا بحجم المقاومة الشديدة من جنود الخلافة، وبحجم الخسائر الكبيرة في صفوفهم، وهذا من مكر الله فيهم، والفضل لله وحده.

أما بالنسبة لخطتهم الجديدة لإكمال المعركة؛ فقد باتت واضحة المعالم، ولن يتفاجأ المجاهدون بالتغيرات في سير المعركة، وسيستعينون بالله على إفشال خطتهم المعدلة، كما أفشلوا -بفضل الله- خطتهم الأصلية.

يعترف الروافض أن معارك شرق الموصل هي الأقسى عليهم منذ فتح الموصل قبل عامين ونصف؛ فهل هذا الأمر صحيح؟ وما السبب وراء إطلاقهم مثل هذه التصريحات؟

لا شك أن خسائرهم في شرق الموصل كانت الأقسى عليهم؛ حيث قُتِل المئات من جنودهم، ودُمِّرت آلياتهم، خلال أيام قليلة فقط، ولكن هذا لا ينفي أن خسائرهم في بقية محاور المعركة كبيرة أيضًا.

أما عن شكواهم من حجم هذه الخسائر في المحور الشرقي؛ فسببه أنهم يُدفَعون إلى التقدم دفعًا مِن قِبَل أسيادهم الأمريكيين، رغم علمهم أن في تقدمهم الهلكة لهم، وكذلك علمهم بصعوبة احتفاظهم بأي منطقة يتقدمون إليها في ظل هجمات المجاهدين المستمرة عليهم، إن شاء الله.

نسأل الله أن يزيدهم رعبًا على رعبهم، وأن يجعلهم فرائس للمجاهدين، وأسلحتهم وآلياتهم غنائم للموحدين.

تقدم الحشد الرافضي غرب مدينة الموصل تحت مزاعم قطع الطريق على جنود الخلافة لمنعهم من الانحياز عن الموصل إلى الشام؛ ما تعليقكم على هذه الخطوة؟ وما تأثيرها على المعارك في داخل الموصل؟

يحاول الروافض التقدّم في مناطق غرب الموصل للتخفيف عن إخوانهم الذين يتعرضون لخسائر كبيرة في المحور الشرقي، وكذلك فإن الغاية من ترك المنطقة الغربية مفتوحة كانت لتشجيع جنود الدولة الإسلامية على الانسحاب من الموصل، ولكنهم فوجئوا بثبات المجاهدين، واستماتتهم في الدفاع عن دينهم.

فكان هذا الهجوم من قبل الرافضة على مناطق غرب الموصل بكثافة عددية كبيرة من الجنود والآليات، ما زالت المعارك مستمرة في هذا المحور، والخسائر في صفوف المرتدين كبيرة، وما زال للحرب في هذا الجانب صفحات كثيرة، وفصول طويلة، ستتجلى في قابل الأيام، بإذن الله.

كان المرتدون يعوّلون كثيرًا قبل بدء هجومهم على وقوف أهالي الموصل معهم، وانضمامهم إليهم بمجرد وصولهم إلى أطراف المدينة؛ فكيف تُقَوِّم موقف أهالي المدينة اليوم في ظل هذه المعركة، وهم باتوا يسمعون أصوات الاشتباكات على أطراف مدينتهم؟

موقف أهالي الموصل من المعركة بين الموحدين والمشركين طيب، ولله الحمد؛ فهم يريدون أن يبقى شرع الله حاكمًا في أرضهم، وقد عرفوا فضل التوحيد، وخطورة الشرك، وقد التحق أبناؤهم بالدولة الإسلامية، فجاهدوا في صفوف جيشها، وقُتِل كثير منهم في سبيل الله تحت رايتها.

وفي المعركة التحق كثير منهم بالمجاهدين، وحملوا السلاح معهم، وقاتلوا إلى جانبهم، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل الله، وقد تفاجأ الصليبيون والمرتدون بموقفهم؛ إذ كان المنافقون يوحون لهم من قبل أن الناس تنتظر قدومهم، وهذا ما أثبتت الأحداث كذبه، بفضل الله، فكان سببًا إضافيًّا من أسباب خيبة أمل أعداء الله في حسم سريع للمعركة.

يزعم الروافض والصليبيون أن سبب تأخرهم في التقدم في الموصل هو امتناعهم عن القصف بالأسلحة الثقيلة والغارات الجوية حرصًا على سكان المدينة؛ ما مدى صحة هذه المزاعم؟

كذبوا؛ فقد قصفوا بطائراتهم عامة المسلمين في كثير من المواقع، وقتلوا كثيرًا منهم، وخاصة من النساء والأطفال، وهذا مما وثّقه إعلام الدولة الإسلامية وبَثّ مشاهد منه، بل نقول: إنهم تعمّدوا قصف الأهالي ليرعبوهم، ويوهنوا من عزائمهم، بل وقام جنود الجيش الرافضي بقتل مَن تمكّنوا مِنَ الوصول إليه من عامة المسلمين، وهم يساوون بينهم وبين جنود الدولة الإسلامية في العداء لهم، والسعي إلى قتلهم وإخراجهم من الأرض.

ما هو تصوّركم لمستقبل المعركة وما بعدها؟

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [سورة محمد]، فنتيجة المعركة هي في صالح المجاهدين -بإذن الله- إن صدقوا مع الله تعالى في جهادهم المرتدين والصليبيين، وهذا من حسن ظننا بالله تعالى.

أما ما بعد هذه المعركة: فأملنا بالله العظيم أن يكون حال المرتدين أسوأ -بإذن الله- من حالهم قبلها، وسيرون ما يُعِدُّه المجاهدون لهم بعد انكسار حملتهم، إن شاء الله، فهم قد جمعوا أقصى ما يستطيعون من قوتهم لهذه الحملة، وهزيمتهم فيها تعني أنه لن يبقى عندهم ما يدرؤون به عن أنفسهم كرّة جنود الدولة الإسلامية عليهم، بحول الله وقوته.

معركة الموصل تتزامن اليوم مع حملات صليبية على مدن الرقة والباب وسرت؛ كيف ترون هذا التزامن في المعارك لجنود الدولة الإسلامية في أهم مدنهم؟ وما رسالتكم إليهم؟

أوصي إخواني في كل الجبهات وفي كل المدن أن يصبروا ويثبتوا، فإنما يريد أعداء الله من حربهم عليهم أن يطفؤوا نور الله، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.

وأوصيهم أن يعلموا أن المعركة بين أهل الحق وأهل الباطل لم تبدأ اليوم أو أمس، وإنما بدأت منذ أخرج الله أبانا آدم عليه السلام من الجنة وأنزله إلى الأرض، وهي معركة لن تنتهي حتى يرث الله الأرض ومَن عليها.

وأن يعلموا أنهم يقاتلون في سبيل الله، وأعداؤهم يقاتلون في سبيل الطاغوت؛ كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)} [سورة النساء]، فما دام هناك طاغوت في الأرض وكان له أولياء: فنحن مستمرون في قتالهم، لا نقيل ولا نستقيل، كما قال صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورضي عنهم مِن قبلنا:

نحن الذين بايعوا محمدا *** على الجهاد ما بقينا أبدا

والحمد لله رب العالمين.

  1. حوار مع أمير مركز الحسبة بولاية سيناء (العدد 58)

الخميس 8 ربيع الأول 1438ه

أمير مركز الحسبة بولاية سيناء لمشركي الصوفية: هدايتكم أحب إلينا من قتلكم.



تعد محاربة الشرك من أهم وظائف ديوان الحسبة في الدولة الإسلامية؛ حيث يقوم الديوان باستتابة مشركي الصوفية، وإحالة بعضهم إلى القضاء ليحكم فيهم بما أنزل الله.

(النبأ) بحثت هذه القضية مع مركز الحسبة في ولاية سيناء؛ للوقوف على أهم جوانب محاربة الطرق الصوفية المشركة، فكان هذا الحوار...

ما هو واقع الحسبة في ولاية سيناء؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي المرحمة والملحمة الضحوك القتال، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

فمن فضل الله عز وجل على عباده المجاهدين في ولاية سيناء أن اعتصموا بحبل الله جميعًا، وقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، وصبروا في المحن والشدائد، في ظل اجتماع اليهود والمرتدين عليهم، ومحاولة أعداء الإسلام ليلًا ونهارًا أن ينالوا منهم، ويقضوا عليهم، ولكن هيهات.

قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورهُ وَلَوْ كَرهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [سورة التوبة].

فما ازدادت ولاية سيناء بعد كل هذه المكايد إلا قوة وصلابة، وما ازداد جنودها إلا إيمانًا وثباتًا، ومضوا يقارعون بثلّتهم جموع الكافرين، ويطبّقون شريعة رب العالمين في كل المناطق التي تطالها أيديهم، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.

ورغم استعار الحرب بين الإسلام والكفر هنا؛ إلا أن المراكز والمكاتب التابعة للدواوين الشرعية؛ (كديوان القضاء والمظالم وديوان الحسبة وديوان الدعوة): ما زالت تمارس نشاطها وتؤدي وظيفتها على أرض الواقع، ولله الحمد.

فنحن في مركز الحسبة أنعم الله علينا ووفقنا أن حاربنا كثيرًا من مظاهر الفساد، ومن أهمها: تهريب الدخان والبانجو والحشيش والترامادول وغيرها، كما نهينا الناس عن المعاصي والمنكرات الظاهرة؛ كسفور النساء، والاختلاط، وإسبال الثياب للرجال، بالإضافة إلى التدخين، والموسيقا، وأجهزة الاستقبال الفضائي.

ولكن تركيزنا الأول: ينصب على محاربة مظاهر الشرك والبدعة؛ ومنها: التصوّف والسحر، والعرافة والكهانة، والغلو في القبور.

الصوفيّة واحدة من أهم الأمراض التي ابتليت بها كثير من الديار اليوم؛ لدورها الكبير في نشر الشرك والبدع بين الناس، ولقيام الطرق الصوفيّة بتعبيد الناس للطواغيت؛ هلّا تحدثنا عن واقع الصوفيّة في سيناء؟

الصوفيّة في سيناء ينقسمون إلى طريقتين رئيسيتين؛ هما: الطريقة العلاويّة الأحمدية، والطريقة الجريريّة.

وتنتشر الطريقة الأحمدية في منطقة الجورة وما حولها؛ كمناطق شبانة، والظهير، والملافية، وكذلك في منطقة الشيخ زويد وما حولها.

أما الطريقة الجريريّة: فلها ثلاث زوايا رئيسية؛ وهي زاوية العرب في الإسماعيلية، وزاوية سعود في الشرقية، وهما في أرض مصر، ولها في سيناء زاوية الروضة، وتتبعها زوايا كثيرة؛ كزوايا حي أبو جرير، والطويل، وصباح وغيرها.

والطريقة الأحمدية: نشأت قبل نصف قرن تقريبًا على يد الهالك أبي أحمد العلاوي الفلسطيني، الذي جاء من غزّة، وكان مقرّها في منطقة التومة، وتتبعها زاوية الجورة.

وعندما هلك العلاوي؛ أوصى بالزاوية لابنه مصطفى، وجعل الهالك (خلف الخلفات) وصيًّا عليه لصغر سنه، ومن ثم صار الطاغوت (خلف) شيخًا للطريقة، وأصبحت الجورة هي الزاوية الأم، ثم هلك هذا المرتد أيضًا، ودُفِن في زاوية الجورة، وأصبح قبره ضريحًا بقبة خضراء.

أما الطريقة الجريريّة؛ فقد أنشأها الطاغوت الهالك (عيد أبو جرير)، وتمركزت في الزوايا الثلاثة التي ذكرناها؛ وهي: سعود والعرب والروضة، والتي سوف تقضي عليها الدولة الإسلامية فور تمكّنها من ذلك، إن شاء الله.

والطريقة الجريريّة أكثر انتشارًا ونفوذًا من الطريقة الأحمدية، كما أنها أعظم منها شركًا وضلالًا.

ما هي أخطر البدع والشركيات التي تمارسها هذه الطرق الصوفيّة؟

لقد انتشر الشرك بالله في أوساط هذه الطرق بشكل كبير، حتى هرم عليه الكبار، ونشأ عليه الصغار؛ فعَظُمَت البلوى، واشتدت المصيبة.

فهم يعتقدون النفع والضر في الأموات، ويصرفون لهم شتى أنواع العبادات؛ كالدعاء والاستغاثة والتوكل، والذبح والطواف، واتخذوهم وسائط بينهم وبين الله سبحانه وتعالى وكذلك فإنهم يتبعون طواغيتهم وشيوخهم في باطلهم، ويؤدون لهم السمع والطاعة العمياء في كل الأقوال والأفعال.

وهذه الأمور تشترك بها كل الطرق الصوفيّة في العالم اليوم، مع اختلافات بسيطة بينها، وإلا فكل الطرق الصوفيّة التي نعرفها، أو سمعنا بها، أو قرأنا عنها: واقعة في الشرك من هذا الباب أو ذاك.

فأتباع الطريقة الأحمدية: يعتقدون الحلول والاتحاد والعياذ بالله، ويقولون إن الله سبحانه: «ساكن في كل ساكن، ومتحرك في كل متحرك»! تعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا، ويقدّسون ابن عربي والحلاج وغيرهما من أئمة الكفر والضلال.

أما الطريقة الجريريّة: فهم أشد منهم شركًا، وهم معروفون بتقديس الأضرحة، والذبح لها، والطواف حولها، ولهذه الطريقة علاقة بدين الرافضة؛ حيث إن مَن ألّف كتاب الشعر الذي يقدّسونه ويعتبرونه بمثابة «قرآن» لهم يسمونه «بستان المحبة»: هو الرافضي الهالك (النمر الليثي)، وكان مستقرّه في طنطا.

ومن الطقوس التعبدية عند الصوفيّة في سيناء: ما يسمونه «الحضرة»؛ وهي اجتماعهم للذكر البدعي ليلة الجمعة، وليلة الاثنين، فيذكرون بشكل جماعي، وبصوت واحد، ويحرّكون أجسامهم، ويقرؤون كلامًا يحتوي على ألفاظ شركية؛ مثل: الاستغاثة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وطلب الشفاعة من الأموات.

وما علاقة الطرق الصوفيّة بالطواغيت الحاكمين لأرض سيناء؟

علاقة هؤلاء الصوفيّة بأجهزة الطاغوت: هي علاقة وثيقة؛ فما عُيّن محافظ أو مدير أمن إلا زاره الهالك (خلف الخلفات) رأس الطريقة الأحمدية، وعلاقته كانت جيدة بالمخابرات المصرية، وأيام الاحتلال اليهودي لسيناء لم تخرج زاوية الجورة من مكانها، وزارها الحاكم العسكري اليهودي، وكان الضباط اليهود يزورون (خلف الخلفات) في الزاوية، وكذلك قادة القوات الصليبية التي تسمّى زورًا بـ«حفظ السلام»، وكان (خلف الخلفات) يستغل الأتباع لإظهار مدى قوته على الساحة.

أما الطريقة الجريريّة: فعلاقتها بالأنظمة الطاغوتية الحاكمة وطيدة جدًّا، بل إن كثيرًا من الضباط والمسؤولين المرتدّين يحبون هذه الطريقة، ويتبع لهذه الطريقة الدجال الهالك سليمان أبو حراز.

ما هو موقف هذه الطرق الصوفيّة من المجاهدين في سيناء قبل إعلان البيعة لأمير المؤمنين وبعدها؟

لقد كان من الطبيعي أن تحصل العداوة والبغضاء بين أهل التوحيد وأهل الشرك، وقد كان (خلف الخلفات) شديد العداوة للمؤمنين الموحدين، ويسميهم بـ«السنيّة»؛ أي: أهل السنة.

وقد حرص طواغيت الطرق الصوفية أشد الحرص على أن يفرضوا حاجزًا منيعًا بين شبابهم وأتباعهم والمجاهدين في سبيل الله؛ خوفًا على شبابهم أن يتبعوا الموحّدين، ويستمسكوا بالمذهب الحق، وحرصًا منهم أن يظل هؤلاء الأتباع تحت رايتهم الجاهلية وعلى ما هم فيه من جهل وعمى.

وزادت هذه العزلة التي فرضها شيوخهم على شبابهم بعد قيام دولة الخلافة، وظهور دعوة التوحيد، ومع ذلك فقد هدى الله كثيرًا من شبابهم إلى دين الواحد الأحد جل وعلا؛ فتابوا من شركهم، وتعلموا التوحيد، والتحقوا بصفوف المجاهدين، وأولئك الشباب هم اليوم من أحرص الناس على إزالة هذا الشرك، وقد ضربوا أروع الأمثلة في التمسك بعقيدة الولاء والبراء.

كيف واجه المجاهدون في ولاية سيناء الطرق الصوفيّة؟ وكيف تعاملوا مع شيوخهم وأتباعهم؟

بعد أن جاهد المجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا، وقاتلوا أئمة الكفر من الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله: أصبحت للمجاهدين شوكة في بقعة من أرض سيناء، وصارت لهم الكلمة؛ فسعَوا جاهدين لإقامة دين الله في الأرض، وإزالة معالم الشرك والجاهلية، وعزموا عزيمة صادقة على ألا تبقى طرق صوفية في أرض تعلو فيها راية الجهاد.

فبدأ المجاهدون بدعوة هؤلاء الصوفيّة سواء كانوا من أتباع الطريقة الأحمدية أو الطريقة الجريريّة، فأظهر بعضهم الاستجابة للدعوة والتوبة منذ البداية، بعدما أوضح المجاهدون لهم خطر الشرك بالله عز وجل.

وبعضهم آثر الإعراض عن دين الله والاستماع لدعوة التوحيد؛ عندها انتشر جنود الدولة الإسلامية، وأقاموا الحواجز على الطرقات، وألقوا القبض على جميع رؤوسهم المشركة، وحبسوهم للاستتابة ثلاثة أيام؛ فإن تابوا وإلا قُتلوا، وبفضل الله تعالى تابوا من أول يوم، وتاب معهم أتباعهم من ضلالهم وردّتهم، وهذا بعد أن أوضح المجاهدون لهم ما عندهم من شركيات وبدع، وبيّنوا لهم خطرها، ولله الحمد.

وما زالت هناك بعض الزوايا الشركية الكبيرة خارج سلطان الخلافة في أراضي سيناء ومصر، وستكون -بإذن الله تعالى- من أهداف جنود الخلافة متى ما تمكّنوا منها، بالحسبة والجهاد؛ سعيًا إلى هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

ما هو دور الدعوة إلى التوحيد بين الأهالي في سيناء في محاربة الشرك عمومًا والتصوّف خصوصًا؟

يقوم جنود الدولة الإسلامية بعمل برامج شرعية لدعوة الناس، وتعليمهم أمر دينهم، بالتعاون بين مركزي الدعوة والحسبة، ونسأل الله تعالى التوفيق في هذه البرامج، كما نقوم بطباعة الكتيبات والمطويات الدعوية في مسائل العقيدة وتوزيعها، وعمل جولات دعوية ميدانية، والتركيز فيها على ترسيخ التوحيد لدى عوام المسلمين، وتحذيرهم من الشرك والردة بجميع أنواعها.

الكاهن الهالك (أبو حراز)؛ لاحظنا تركيزًا كبيرًا من وسائل الإعلام على قصة قتله؛ فمَن هو؟ ولماذا هذا الاهتمام مِن قِبَل المرتدين؟

لقد ألقى رجال الحسبة القبض على اثنين من الكهنة المجرمين؛ هما: سليمان مصبح حمدان أبو حراز، وقطيفان بريك عيد منصور.

وهما كاهنان، طاغوتان، يدّعيان علم الغيب، ويقصدهما الناس كثيرًا؛ ليسألوهما عن الغيب، ويطلبون سحرهما للشفاء والبركة.

والمدعو أبو حراز: عمره يناهز سبعة وتسعين عامًا، وقد اقتبس الآخر منه هذا الشرك، فتعلم منه الكهانة والاستعانة بالشياطين.

وهو من رؤوس الطريقة الصوفيّة الجريريّة، ومن أجل ذلك كان هناك تركيز كبير على قصة قتله من وسائل الإعلام؛ فقد كانت له علاقة قوية جدًّا بالمرتدين، حتى أن كثيرًا من عناصر الحكومة المصرية والجيش المرتد كانوا يقصدونه ويعتقدون فيه النفع والضر، ويزعمون أنه رجل صالح، ويسألونه عن الغيبيات.

وكذلك تلميذه قطيفان، الذي كان قد جعل داخل بيته عمودًا، يأمر الناس بالطواف حوله، والذبح عنده، ويدّعي علم الغيب، ويتعامل بالسحر، ويخبرهم عن المسروقات، وقد عمل بهذا الشرك عشرين عامًا بعد أن تعلمه على يد الهالك أبو حراز.

كيف تعامل القضاء مع هذين المرتدين بعد القبض عليهما؟

لقد حكم القاضي الشرعي على كلا الكاهنَين بالقتل ردة؛ لادّعائهما علم الغيب وممارستهما الكهانة والعرافة، ولأنهما رأسان من رؤوس الطواغيت، يدعوان الناس إلى الشرك في عبادة الله، تحت مسمى الصلاح والخير والولاية.

وقد قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} [سورة الجن]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) [رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة].

فهذا حكم الله فيمن يصدّق الكاهن، فكيف بالكاهن الذي يشرك نفسه مع الله عز وجل؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‏‏مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) [رواه البخاري عن ابن عباس]، وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: «اقتلوا كل ساحر وكاهن» [رواه ابن أبي شيبة].

تحدث بعض الناس أن هذا الكاهن تم اعتقاله مِن قِبَل جنود الدولة الإسلامية وإطلاق سراحه؛ فما حقيقة الأمر؟

هذه المعلومات غير صحيحة، ولم يتم إطلاق سراحه قبل ذلك أبدًا، بل تم القبض عليه مرة واحدة، والحكم عليه وعلى صاحبه بالقتل ردة، بلا استتابة، ومصادرة أملاكهما فيئًا للمسلمين.

وقد نشر المشركون من أتباعهما شائعات كثيرة ليس لها أساس من الصحة؛ منها بعض الخرافات المضحكة؛ كقولهم: إن السيف لم يتمكن من قطع رأسه، وذلك قبل أن يقوم إخواننا في المكتب الإعلامي لولاية سيناء بنشر صورهم مقطوعي الرأس؛ فخنسوا، وخرِسوا، والحمد لله رب العالمين.

ما هي رسالتكم إلى مشركي الصوفيّة في ولاية سيناء؟

نقول لجميع الزوايا الصوفيّة؛ شيوخًا وأتباعًا، في داخل سيناء وخارجها: إننا لن نسمح بوجود طرق صوفية في ولاية سيناء خاصة، وفي مصر عامة، وإننا لا نريد لكم إلا الهداية، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، وأن نتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، نقول لكم: تعلموا التوحيد والإيمان ونواقضهما.

ولتعلموا أن المجاهدين في سبيل الله ما خرجوا وما جاهدوا إلا لإقامة التوحيد وإزالة الشرك، وأنهم بذلوا دماءهم رخيصة في قتال أعتى أمم الكفر على وجه الأرض، فوَ الله لن تأخذهم في الله لومة لائم.

واعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدورة نجسة، ولكننا ندعوكم ونستتيبكم، ونرجو لكم الإسلام والهداية، ونرجو لكم أن تتبعوا طريق خاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم-، وطريق أصحابه، والتابعين من بعده، فكل خير في اتباعِ مَن سلف، وكل شر في الابتداع واتباعِ مَن خلف.

وآخر ما نختم به كلامنا: هو أن نحمد الله على ما رزقنا به من نعمة التوحيد والجهاد والخلافة، إنه أهل للحمد سبحانه، وصلى الله على نبيّنا محمد وآله وصحبه وسلم.



  1. حوار مع والي سيناء (العدد 60)

الخميس 22 ربيع الأول 1438ه

والي سيناء الشيخ أبو هاجر الهاشمي (حفظه الله): خطط المرتدين تطيل أمد الحرب عليهم، بإذن الله.



الحمد لله، والصلاة على نبيه ومَن والاه، وبعد: فَنَوَدُّ بداية أن نعزي أنفسنا وإياكم وسائر المؤمنين باستشهاد الشيخ المجاهد أبي دعاء الأنصاري -تقبله الله-، ونسأله أن يعينكم على ما ابتلاكم به، وأن يرزقكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يحفظكم وإخوانكم المجاهدين من كيد أعداء الدين.

جزاكم الله خيرًا.

أول ما نبدأ به حوارنا: هو الحديث عن الحملة العسكرية الأخيرة لجيش الردّة المصري في سيناء؛ فهلّا تحدثوننا عن مجريات هذه الحملة، وأهم أحداثها ونتائجها عليكم وعلى المرتدين؟

الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وبعد: فإن الحملة العسكرية التي شنّها جيش الردة المصري في سيناء هي حصته من الحرب على دولة الإسلام، التي يقودها التحالف الصليبي الدولي وأعوانه وأذنابه، وأما مجرياتها؛ فهي كسابقاتها: التضييق والحصار والوجود، كذا زعموا، وفاتَهم أن شجرة الجهاد لا تؤتي أكلها إلا عند العطش، ولا تُروى إلا بالدماء، ومن أهم نتائجها علينا: أنه أصبح الآن لدينا ما يزيد عن المائة والسبعين من مستودعات السلاح والذخيرة على هيئة تمركزات وكمائن لجيش الردة، ما علينا إلا أن ندخلها، فإن عدنا منها عدنا بفضل الله غانمين، ومستخدمين لغنائمنا في الإغارة على غيرها، وإن قُتلنا أو أُصبنا: فللشهادة محتسبين، وعلى الكُلم صابرين، معادلة بسيطة وسهلة، والحمد لله رب العالمين.

أما على المرتدين؛ فقد قُتل منهم ضباط وجنود كثر ولله الحمد، وقد صرحوا بذلك في إعلامهم، منهم ضباط من القوات الخاصة، وقد أصبح عملهم اليومي: هو التمشيط بين الكمائن خوفًا من العبوات، وعملهم الأسبوعي: هو نقل الإمداد إلى كل هذه النقاط المتباعدة، فزادوا أنفسهم إرهاقًا وتكلفة والحمد لله، وأعمالهم الشهرية: هي تعديل الخطط التي يفسدها عليهم المجاهدون بأعمالهم، والفضل لله.

ما هو الواقع الحقيقي للجيش المصري المرتد في سيناء؛ من حيث حجم الانتشار، والتسليح، وإرادة القتال لدى جنوده؟ وهل تغيّر أيٌّ مِن ذلك تحت تأثير عمليات جنود الدولة الإسلامية ضدَّهم؟

إن الواقع الحقيقي لجيش الردة في سيناء أشبه بالحظائر المتراصة هنا وهناك بحيث ترى كل حظيرة أختها، ولو رأيت عددهم وعدتهم لِنَصْبِ حظيرة واحدة لَقلتَ إنهم يتهيؤون للتصدي لجيوش جرارة، ولكنه الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم بشركهم، ولو رأيت عباد الله المجاهدين مع قلة العدد والعدة لَعَلِمْتَ أنهم يقاتلون بدينهم ولدينهم ولا يخافون إلا الله، فكان لهم الأمن بإيمانهم.

فالمرتدون يوسعون دائرة انتشارهم، ويكدِّسون أماكن تواجدهم بالسلاح، وهم بذلك يطيلون أمد الحرب -بإذن الله-؛ فقد جاؤوا بالسلاح لنغنمه، وبالجندي لنقتله.

أما إرادة القتال لدى جنود جيش الردة؛ فنراها معدومة -بفضل الله-، وما قتالهم إلا كخبطات الغريق الذي يسعى للنجاة من الموت؛ فتحركاتهم تتسم بالعشوائية، وردود أفعالهم غير متزنة.

ما هي النتائج التي حققتموها من استخدام سلاح العبوات؟ وهل طورّتم في الأسلوب الذي طُبِّق سابقًا في العراق بشكل خاص؟

لا بد للمجاهد من أن يستعين بالله تعالى، ويستفيد من طبيعة الأرض التي يقاتل عليها، ويختار السلاح الأنجع للإثخان في عدوه، ومعلوم أن سلاح المتفجرات المتمثل بالعبوات بأنواعها هو السلاح الأمثل للتعامل مع المدرعات، ومنها التي يستعملها جيش الردة المصري.

وقد كان لاستخدامنا العبوات الناسفة في الهجوم على أرتال المرتدين ومواقعهم الأثر الكبير -بعد الإيمان بالله- في ضبط موازين القوى، بل وتحويل اتجاه كثير من المعارك، بفضل الله، وإننا نركز عليه لأنه -بعد فضل الله تعالى وتوفيقه- سبب في استنزاف عتاد العدو، وكسر هيبته، وتحطيم معنويات جنوده، فما أكثر صراخهم! وما أعلى نحيبهم حين يلفحهم لهيبها!

أما من ناحية أسلوب الاستخدام: فهو كما كان سابقًا في العراق، مع بعض التغييرات التي تفرضها طبيعة الأرض، وتوفر المواد اللازمة لصناعتها، بالإضافة لبعض التطوير عليها خاصة في وسائط الاتصال والتفجير عن بعد، سائلين الله التوفيق والسداد.

ما هو سبب هذا التدخل المفضوح للجيش اليهودي في الحرب ضد الدولة الإسلامية في سيناء؟ وما نتائج هذا التدخّل؟

كيف لا يتدخلون وقد رأوا جنود الدولة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ كيف لا يتدخلون وقد عرفوا أن نهايتهم قد اقتربت بشروق شمس الخلافة؟ كيف لا يتدخلون وهم يعرفون وَصْفَ مَن تكون على أيديهم نهاية دويلتهم المزعومة كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم كعادتهم يكتمون الحق وهم يعلمون؟ ولسان حالهم كقول سلفهم حيي بن أخطب لمّا أيقن بنبوة رسولنا عليه الصلاة والسلام، وسأله قومه عن موقفه منه؛ فأجابهم: «العداوة له ما حَيِيْتُ».

ولم يتدخلوا حتى الآن إلا بالقصف الجوي، وقد ظنوا أنهم سيقضون على الدين إن قتلونا، وما دروا أننا نحيا بهذا الدين، أما الإسلام فقد تكفل الله بحفظه، بنا أو بغيرنا.

أما نتائج التدخل: فما زالوا -والحمد لله- في حالة اضطراب، رغم استخدامهم أفضل ما لديهم من سلاح وتقنية، وأهم أسباب اضطرابهم هو أن أعماهم الله؛ فهم يعانون من نقص في المعلومات، وسوء في إدراك حقيقة الوضع في سيناء، وهذا مما يزيدهم رعبًا من جنود الخلافة الذين يزدادون قربًا منهم يومًا بعد يوم، وأصبحوا يتكلفون الأموال الباهظة لتأمين حدودهم الزائفة الزائلة بإذن الله تعالى، وكعادتهم نسوا أن سنة الله فيهم أنهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.

أما المجاهدون: فما زادهم التدخل إلا إيمانًا وتسليمًا، وقد رأوا معية الله تعالى لهم في أعمالهم، وهم موقنون أن هذا ما وعدهم الله ورسوله، ويعلمون أنهم في حرب يصيب المؤمنين فيها القرح والألم، كما يصيب أعداءهم فيها قرح وألم، ونحسب أن مجاهدي الولاية ممن استجابوا لله من بعد ما أصابهم القرح، ونسأل الله تعالى أن يجزيهم على ذلك الأجر العظيم.

أما القتل في سبيل الله: فلا فرق في أن يكون بطلقة من مرتد، أو قصف من يهودي، أو صاروخ من صليبي، أو طعنة من جاسوس، وإنما حالنا كحال الصحابي الجليل رضي الله عنه وهو يقول:

ولستُ أبالي حين أُقتَل مسلمًا ***على أي جنب كان في الله مصرعي

الصحوات المرتدة: السلاح المفضل لدى الصليبيين في قتال المجاهدين؛ هل استُخدم في سيناء؟ وكيف تعاملتم معه؟

الحق أن سيناء لها طبيعة مميزة خاصة في أهلها؛ فهم الرجولة شِيمتُهم، والكرم سَجِيَّتُهم، والأنَفة والبعد عن الرذيلة طبعُهم، هذا في مجملهم، كيف لو جاء الدين وتسربلوا به؟ فهم خيار الجاهلية، وخيار الإسلام إذا فقهوا، حتى مَن لم يكن في صفنا منهم لم نجد منهم صحوات أو جواسيس إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود سرعان ما اقتطفناها، ولله الحمد من قبل ومن بعد؛ إذ يعالج المجاهدون في سيناء كل بادرة لتشكيل صحوة بضرب رؤوسها بسرعة، ولم يتركوا لأي نبتة خبيثة أن تنمو ويشتد عودها وتغلظ أشواكها.

ولا يفوتنا أن نذكر أن الكذابين من ضباط وجنود جيش الردة أرادوا تشويه سمعة أهل سيناء لتغطية نكستهم ونكبتهم؛ بتكرار المزاعم الكاذبة بوقوف قبائل سيناء معهم، وليس معهم من أهل سيناء إلا النطيحة والمتردية، ولن يطول بهم الزمن حتى نُلحِقَهم بإخوانهم الذين أمكَننا اللهُ منهم، فجعلناهم عبرة لمن يعتبر.

كَثُرَ الحديث عن احتمال مشاركة حركة حماس المرتدة في قتال الدولة الإسلامية؛ ما حقيقة الأمر؟ وما ردّكم على الجرائم الكثيرة التي قامت بها هذه الحركة في حق التوحيد وأهله؟

إن حركة حماس المرتدة داخلة فعلًا في الحرب على الدولة الإسلامية وجنودها، وهم يؤدّون دورهم المرسوم لهم في هذه الحرب داخل غزة، فهل تقتصر الحرب على التحرك بالمدرعات والمشاة والطائرات؟! وهل أسرهم لإخواننا الموحدين في غزة وتعذيبهم إلا حرب على دولة الإسلام؟ وما نقموا منهم إلا أن أطلقوا صاروخًا على اليهود، أو قتلوا رافضيًّا خبيثًا، أو أرادوا لغزة أن تُحكَم بشرع الله.

أما ردّنا: ففي كتاب الله مسطور؛ قال تعالى: {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)} [سورة يونس]، وإن الأيام حبلى ننتظر مخاضها، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وإلى أفراد حركة حماس وخاصة كتائب القسام: ألا تتفكّرون في وصفنا لكم بالمرتدين وتقولون في أنفسكم: «لماذا تصفنا الدولة الإسلامية بالمرتدين ونحن نقاتل اليهود؟!».

ألا تعلمون أن مَن حكم بغير شريعة الله فهو كافر، ولو صلى وصام وقاتل اليهود؟!

ألا تعلمون أن الكفر مُحبِطٌ للعمل مهما عَظُمَ أجرُه، وَعَلَتْ منزلتُه؟!

ألا تعلمون أنكم جنود لطاغوت يحكم بالقانون الوضعي، وقد كنتم تزعمون أنكم تحاربون الطواغيت؟!

ألا تعلمون أن حفظ الدين مقدَّم على حفظ النفس والعرض والمال؟!

فأين تذهبون؟ وفي سبيل ماذا تقاتلون؟ وفي أي صف تقفون اليوم؟

فإن كنتم تزعمون أنكم ستقيمون الدين غدًا أو بعد غد: فهلّا سألتم أنفسكم عن حكم أعيانكم اليوم، وأنتم تحرسون القوانين الوضعية الجاهلية، وتقاتلون مَن يكفر بها؟! وهلّا سألتم أنفسكم عن حكم مَن يموت اليوم منكم تحت راية هذه الحكومة المرتدة التي تنازع الله في سلطانه، وتلبِّس على الناس دينهم بشعارات فارغة جوفاء تخدِّر بها المخدوعين؟!

ولذلك فإننا ندعوكم إلى أن تتوبوا إلى الله من ردتكم، وأن تكفروا بحكومة حماس وشركها، وأن تقاتلوها كما تقاتلون اليهود، وكما تقاتلون (فتح) المرتدين؛ فإن لم تفعلوا: فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين.

لم تخلُ ساحة من فصائل الضرار التي لا غاية منها سوى شق صف المسلمين، وصدّ الناس عن البيعة لأمير المؤمنين؛ هل ظهرت مثل هذه الفصائل في ولاية سيناء؟ وكيف تعاملتم معها أو ستتعاملون معها إن ظهرت في أرض الولاية؟

قد كان هنا ظهور تعاملنا معه بالحجة والبيان والسنان، ولله الحمد، وإننا -إن شاء الله تعالى- لن نرضى إلا أن تكون كلمة المسلمين واحدة، وإننا ندين الله تعالى بوجوب بيعة أمير المؤمنين، روى مسلم في صحيحه عن عَرْفَجَةَ رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ)».

هل ما زالت آثار عملية إسقاط الطائرة الروسية مستمرة على مصادر تمويل المرتدين من السياحة؟ وهل لديكم مشروعات أخرى لضرب هذا القطاع الذي يقوم على إباحة الفاحشة ويشكل مصدر دخل مهم للمرتدين؟

إن هذه العملية المباركة التي لا أرى سببًا في نجاحها إلا توفيق الله، وإرادته أن يشفي صدور المؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم ثم بركة الجماعة، وإخلاص الإخوة المنفذين -نحسبهم كذلك- في الثأر لإخواننا بالشام.

وقد كان لها أثر كبير على مصدر تمويل محوري للمرتدين، وهو تجارة الفاحشة والبغاء باسم السياحة، وما زال هذا الأثر مستمرًّا بعد هذه الشهور الطويلة من العملية؛ بعزوف أكثر السياح الصليبيين عن القدوم إلى سيناء ومصر، بل زاد تأثيره بعد التدهور الاقتصادي لحكومة الطاغوت في القاهرة، وإننا لن ندَّخر جهدًا في إزالة الفواحش ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، ومنع المرتدين واليهود والصليبيين من إشاعة الفاحشة في أرض المسلمين، والوسائل لتحقيق ذلك كثيرة، وكذلك الأهداف، والحمد لله.

هلَّا حدثتنا عن أهم معالم إقامة الدين في أرض سيناء على أيدي جنود الخلافة، فتح الله لهم؟

إننا -بفضل الله تعالى- في ولايتنا المباركة قد حاربنا الكفر وأزلنا الشرك، وأقمنا الحدود، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر؛ فبعد الكفر بالطاغوت ومحاربته وبعد أن مكّننا الله تعالى في بقعة من أرضه: علمنا أن نصر الله لن يتنزل علينا ولن يدوم إلا إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، فعمدنا إلى الشرك ومحوناه، وإلى المنكر وأزلناه، وما من حد استوفى شروطه إلا وأقمناه، وإنا -إن شاء الله- على هذا الدرب ماضون ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، فقد تاب الصوفية وتركوا الشرك والبدعة، وقتلنا الساحر، وحرقنا المحرمات، وأزلنا المنكرات، سائلين الله الثبات.

هل باب الهجرة إلى سيناء مفتوح؟

نعم؛ مفتوح بضوابط معروفة لكل مَن يسعى إلى النفير، ومَن صدق الله صدقه، وأعتقد أن الهجرة رزق مِن الله وفضل يؤتيه مَن يشاء مِن عباده، فأدعو إخواني إلى كثرة الدعاء واللجوء إلى الله وصدق النية، وإنني أتوق شوقًا للمهاجرين من غزة الحبيبة، اللهم اجمعني بإخواني من غزة زرافات ووحدانًا، يا رب العالمين؛ آمين.

في ختام هذا الحوار: هل من رسالة توجهونها إلى المسلمين في أراضي سيناء ومصر؟

نقول لهم: الدم الدم، والهدم الهدم، نحورنا دون نحوركم، ولن يخلص إليكم المرتدون، وفينا عرق ينبض، فوَ الذي رفع السماء بلا عمد، سنظل شوكة في حلوق الكفار أجمعين، ولَنكونَنَّ كابوسهم المزعج حتى في منامهم، فأبشروا بما يسركم.

ونوصيهم وأنفسنا بتقوى الله عز وجل، وأن يحرصوا على الاعتصام بحبل الله جميعًا، والالتحاق بمعسكرات الخلافة في ولاية سيناء؛ لإعداد العدّة الشرعية والعسكرية، وقتال الكفرة والمرتدين، تحت راية الإمام القرشي، فلا يموتَنَّ أحدهم وليس في عنقه بيعة، ولا يموتَنَّ أحدهم على شعبة من شعب النفاق، وأُحذّرهم مِن دعايات الإخوان المرتدين وفتاوى «علماء» الطواغيت؛ فإنهم لن يتركوا مسلمًا ولا مسلمة حتى يَرُدّوه عن دين الإسلام إلى دين الطاغوت، وعن جماعة المسلمين إلى فِرَقِ الضلالة، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، فالثبات الثبات، وليعلموا أن العصمة السيف، كما جاء عن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.

هل من نصيحة تقدمونها إلى جنود الخلافة في ولاية سيناء خصوصًا، وولايات الدولة الإسلامية عمومًا؟

نصيحتي لجنود الخلافة في ولاية سيناء: اذكروا نعمة الله عليكم؛ فلقد جمع الله لكم ما لم يجمعه لغيركم، فأنتم من أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم تكونوا من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شِيَعًا، ومَنّ الله عليكم بالجهاد في هذا الزمان في الشام في هذه البقعة المباركة، بجوار أشد الناس عداوة للذين آمنوا، تقاتلون بني جلدتكم المرتدين، فهنيئًا لكم رقعة الشهادة الواسعة؛ فمَن لم يقتله المرتدون قصفه اليهود، ومَن عاش منكم لَيَرَيَنَّ النصر بأمِّ عينه، وعد الله، لا يخلف الله وعده، ومَن يبدّل نعمة الله مِن بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب.

فيا جنود الخلافة في ولاية سيناء مهاجرين وأنصارًا؛ أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله في السر والعلن، واعلموا أن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، فأصلحوا ذات بينكم، وكونوا لبعضكم أذلة لتكونوا على الكافرين أعزة، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.

أما أنتم يا صقور الولاية وعيونها الحارسة في الليل والنهار؛ فإن الله اختاركم من بين المجاهدين لتنقلوا عورات العدو، فلا تستصغروا عملكم ولا تحقروه، واعلموا أن صبركم في الرباط هو من فضل الله عليكم فاحمدوه، وأن مللَ أحدِكم وضجرَه من الرباط: هو مدخل من مداخل الشيطان ومعصية لله، فاستعيذوا بالله، وتوبوا إليه واستغفروه.

وإلى الأخفياء من فرسان العبوات: ماذا أقول وقد عجز اللسان عن وصفكم، وملأ القلبَ في الله حبُّكم؟ فلله دركم، وعلى الله أجركم، الصبر لكم رفيق، والجد لكم صديق، أثخنتم في الأعداء، وقطعتم عليهم الطريق، فتاهوا وتأخروا وتقهقروا، وعادوا خائبين والحمد لله.

أجركم على الله، ويكفيكم أن الله يَعْلَمُكم، فاستعينوا بالله، واعلموا أن سلاحكم التقوى، وذخيرته الصدق والإخلاص، فجددوا النية، ولا تغفلوا عن الاستغفار.

ونصيحتي إلى كل جنود الدولة الإسلامية: اصبروا واحتسبوا، ولا تخونوا دماء الصادقين من السابقين من إخوانكم ومن قبلهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

اصبروا واحتسبوا؛ فإنكم ترسمون خارطة دار الإسلام التي خطها أسلافكم على أنقاض الخرائط التي رسمها الطواغيت.

اصبروا واحتسبوا؛ فالطاغوت يترنح، وسِتر عملائه وقعَ وانفضح، وكل يوم نصبر فيه على الحرب لا يصب إلا في مصلحة الإسلام، وما النصر إلا صبر ساعة.

فاصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون.





  1. حوار مع أمير ديوان الصحة (العدد 67)

الخميس 11 جمادى الأولى 1438ه

أمير ديوان الصحة: أنشأنا مؤسسات صحية متميزة، وجامعاتنا الطبية تخرّج الكوادر المؤهلة.



ديوان الصحة واكب الدولة الإسلامية منذ نشأتها؛ هل تحدثنا باختصار عن أهم مراحل تطوّر هذا الديوان؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وبعد: منذ إعلان أمير المؤمنين الشيخ أبي عمر البغدادي -تقبله الله- عن إقامة دولة العراق الإسلامية، وطرح تشكيلتها الوزارية: كان للصحة حظ من هذه الوزارة الأولى، ضمن وزارة للصحة، وقع على عاتقها آنذاك إدارة الملف الطبي في الدولة الإسلامية.

وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك قطاع خاص بالصحة قبل هذا الإعلان، لكن كان الأمر أقل تنظيمًا، في فترة الفصائل والجماعات؛ كالتوحيد والجهاد، ثم تنظيم القاعدة، ومن معه من الفصائل التي تشكّلت منها الدولة الإسلامية.

وليس خافيًا اليوم أن الدولة الإسلامية مرّت بمحنة كبيرة آنذاك؛ بسبب القتال الشرس مع الجيش الأمريكي الصليبي، وعملائه من الصحوات المرتدين، ما أدى إلى خسارة المجاهدين لأكثر الأرض التي كانوا ممكَّنين فيها، وانحياز كثير منهم إلى الصحارى، ومَن بقي منهم في المدن عاش حياة أمنيّة، يتربص بالمشركين وهم يتربصون به.

وفي هذه الأثناء: استمرت وزارة الصحة في عملها الذي اقتصر على خدمة المجاهدين وعوائلهم، وعوائل الأسرى والشهداء؛ مِن خلال تقديم ما يمكن من المساعدة لهم في علاجهم ودوائهم، وكذلك الإشراف على بعض المضافات السرية للجرحى، وإدارة ملف العلاج خارج العراق لمن تتطلب حالته ذلك، ويمكنه الخروج.

وقد كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل؛ إذ كان صعبًا جدًّا الوصول إلى الجرحى من المجاهدين، وكثيرًا ما مات الإخوة بسبب تأخر وصول الطبيب إليهم، وكذلك كانت مضافات الجرحى داخل العراق وخارجه معرَّضة دائمًا للإنزالات والمداهمات، وذهب كثير من الإخوة بين قتيل وأسير نتيجة ذلك.

وكان فتح ساحة الشام للمجاهدين تفريجًا على الإخوة من المرضى والجرحى؛ إذ صار يمكن لهم ولعوائلهم الانتقال إلى الشام للتداوي والعلاج؛ إذ كان القطاع الطبي للدولة الإسلامية في العراق والشام حينها قيد التكوين والتطوير، حتى استقر أمر الديوان مع ما مَنّ الله عليه مِن تمكين في بعض الولايات؛ ليستوي العمل على سوقه مع فتح الموصل والولايات الشرقية؛ فحدثت نقلة نوعية في عمل الديوان وصولًا إلى ما هو عليه الآن مِن نموّ وازدهار، بفضل الله وحده.

ما هي مسؤوليات ديوان الصحة في الدولة الإسلامية اليوم؟

يقع على عاتق الإخوة العاملين في الديوان مهام عظيمة تتعلق كلها بصحة رعايا الدولة الإسلامية ومجاهديها، يمكننا أن نجملها في أبواب؛ الأول: هو الصحة الوقائية؛ إذ يعمل الديوان على وقاية الناس من الأمراض، وخاصة السارية والمعدية منها وذلك؛ عن طريق حملات التلقيح، ومتابعة الأسواق وما فيها مِن مواد قد تضر بصحة الناس، وعلى رأسها بعض الأدوية، وغير ذلك من الإجراءات التي تهدف إلى الحد من انتشار الأمراض قدر الإمكان، بإذن الله.

والباب الثاني، وهو الذي يأخذ الحظ الأكبر من الجهد والموارد: وهو الصحة العلاجية، ويتعلق برعاية المرضى والمصابين، والسعي في علاجهم بإذن الله تعالى؛ وذلك من خلال عمل المستشفيات والمستوصفات والعيادات والنقاط الطبية والصيدليات.

والباب الثالث: يعنى بنشر التوعية الصحية بين الناس حول الأمراض وكيفية الوقاية منها، والإسعافات الأولية، بالإضافة لحملات الدعاية المصاحبة لحملات التلقيح، والدعوة للتبرع بالدم، وما شابه، وتتم غالبًا بالاشتراك مع الإخوة في الإعلام.

وهناك باب رابع يقع على عاتق ديوان الصحة، وإن كان علميًّا أكثر منه تنفيذيًّا: وهو باب التعليم والتدريب الطبي؛ وذلك من خلال التعليم الطبي الجامعي الذي يقوم على جامعتين للعلوم الطبية؛ اﻷولى: هي جامعة العلوم الطبية في الولايات الشرقية؛ وتضم كلّيّتَين للطب البشري، وكلية طب الأسنان، وكليتي الصيدلة والتمريض، باﻹضافة لعدة معاهد طبية وصحية، وجامعة العلوم الطبية في الولايات الغربية؛ وتضم كلية للطب البشري، وعددًا من المعاهد الطبية، وكذلك يشرف الديوان على التدريب الطبي؛ من خلال الدورات الطبية المستمرة للمجاهدين في ديوان الجند؛ لتخريج المسعفين والعناصر الطبية المرافقة للجيش في الجبهات وخطوط الرباط.

قطاع الصحة من أكثر القطاعات حاجة للموارد خاصة في ظروف الحروب؛ كيف استطاع الديوان تأمين احتياجاته من الموارد لإطلاق العمل وإدامته وتطويره، حتى وصل إلى هذه المرحلة المتقدمة، بفضل الله؟

بداية: فإن الفضل في ذلك -كما ذكرت- هو لله وحده من قبل ومن بعد؛ فهو الذي نصرنا على عدونا، ومكّن لنا في الأرض، ورزقنا من الأموال والأنفس والثمرات ما أعاننا به على إقامة دينه، وتحكيم شرعه، وخدمة عباده.

أما بالنسبة لموارد ديوان الصحة: فهذا القطاع يحتاج لموارد كثيرة ومتنوعة؛ على رأسها الموارد البشرية النوعية، والموارد المالية الكبيرة، والموارد المادية: من مراكز طبية، وأجهزة، ومعدات، وآليات وغيرها، بالإضافة إلى الإجراءات والأنظمة التي تضمن إدارة هذه الموارد الكبيرة وتحقيق أفضل الاستفادة منها.

أما بالنسبة للموارد الماديّة: فقد أحرزناها -والحمد الله- بسيوفنا: فمن جملة ما مَنّ الله به علينا مِن فتوحات وتمكين: المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات بمستلزماتها كافة، ومن أجود الأنواع، فلم ندفع فيها فلسًا واحدًا، فكان عملنا في ذلك مصداقًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي)، ومع كل مدينة يفتحها الله لنا كان الديوان يحرز ما فيها من أموال المشركين من مراكز ومعدات تخص عمله كفيء للمسلمين، ثم يُستفاد منه بالطريقة المناسبة؛ سواء في مكانه، أو بنقله إلى مكان آخر يحتاج إليه، وهكذا -بفضل الله- أمّنَّا غالب ما تحتاجه مستشفيات الدولة الإسلامية في الولايات الشرقية والغربية، ولم ينقصنا من الأجهزة والمعدات إلا الشيء القليل الذي اشتريناه بالمال.

ولكن نتيجة ظروف الحرب والاستهداف المستمر للمنشآت الصحية من قِبَل الروافض والنصيرية والصليبيين؛ فقد أصاب كثيرًا منها التدمير والتخريب؛ لذلك عملنا على إصلاح ما يمكن إصلاحه، وإنشاء منشآت صحية جديدة على نفقة الديوان، بمعايير عالية الجودة -بفضل الله- تفوق ما دمره المشركون.

كما عمل الديوان على إكمال حاجات المستشفيات والمراكز الصحية المختلفة، وخاصة من الأجهزة الطبية المتطورة؛ كأجهزة التصوير الطبقي المحوري، والرنين المغناطيسي، والتصوير القوسي، وجهاز قص السائل الزجاجي للعين، وغيرها من الأجهزة المتطورة التي حصلنا عليها: إما من الغنيمة والفيء، أو بإصلاح الأجهزة القديمة، أو حتى بشرائها.

والنفقات المالية للديوان: يأتي أغلبها من بيت مال المسلمين؛ وذلك لتغطية النفقات الجارية والمشتريات، بالإضافة إلى جزء من الواردات المالية التي تأتي من الأجور المخفضة للعلاج في مستشفيات الدولة الإسلامية، وتساهم في دعم ميزانية الديوان.

وتبقى الموارد البشرية هي أهم حاجات الديوان؛ وذلك لكون العمل الطبي لا يمكن لأي شخص القيام به، وإنما فقط من قبل كوادر ذات تحصيل علمي معين، وخبرة كبيرة؛ إذ لا يمكن أن نسمح لأيٍّ كان أن يعالج مريضًا أو يداويه، وفي ظروف الحرب التي نعيشها: فقد خرج الكثير من الأطباء والكوادر الطبية من ضعفاء الإيمان، ولحقوا بدار الكفر؛ طمعًا في الأموال، أو خوفًا من القصف، وبذلك فقدنا قسمًا كبيرًا من الموارد البشرية الضرورية، وخاصة في المناطق القريبة من جبهات القتال، وقد عمل الديوان على سد النقص الحاصل في هذا الباب، وتقدّمنا خطوات كبيرة في هذا الجانب، والفضل لله وحده.

هل يمكن أن تذكر لنا هذه الخطوات؟

بالرغم من المرارة التي نحس بها عندما نسمع عن طبيب خرج إلى دار الكفر؛ إذ في ذلك خسارة للمسلمين، وفائدة عظيمة للكافرين؛ بعمله عندهم ومداواته لمرضاهم وجرحاهم، مع ما يعنيه ذلك من خطورة على دين هذا الطبيب: فإن الله تعالى مَنّ علينا بما يفرح قلوبنا بهجرة الكثير مِن الأطباء من المسلمين من ديار الكفر؛ رغبة في دار الإسلام، وحرصًا على نصرة المجاهدين في حربهم ضد المشركين، فقد جاءنا -ولله الحمد- أطباء من شتى أصقاع الأرض، بعضهم عمل في أكبر المستشفيات العالمية وأكثرها تطوّرًا، ووضعوا أنفسهم في خدمة الدولة الإسلامية، عاملين في ديوان الصحة، مجاهدين في سبيل الله، فمنهم مَن قضى نحبه ومنهم مَن ينتظر، وقد رأينا في ذلك سنة الاستبدال التي وعد الله بها المتولّين عن النفير في سبيل الله، فقد استبدل الله بهم مَن هم خير منهم مِن المهاجرين في سبيل الله، والحمد لله من قبل ومن بعد.

أما بخصوص خطوات العمل لتأمين الموارد البشرية وتنميتها: فقد بدأنا بالعمل على الحفاظ على ما بأيدينا من كوادر طبية؛ عن طريق توعية المسلمين من العاملين في هذا القطاع بمخاطر الخروج إلى دار الكفر على دينهم ودنياهم، بالإضافة إلى إزالة العوائق التي تعترض استمرار الكوادر الطبية في عملها؛ وذلك لتسهيل أمرهم قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه: جرى الترتيب لتنظيم عمل هذه الكوادر بما يحقق أفضل استفادة منها.

ومن جانب آخر: بدأ العمل حثيثًا لتنمية الكوادر الطبية من حيث الكم والنوع، وكان أهم المشروعات في هذا الجانب: مشروع الكليات والمعاهد الطبية التخصصية؛ إذ عمل الديوان على استمرار الدراسة في هذه الكليات للطلاب القدامى، وفي الوقت نفسه كان الإصرار على استقبال دفعات جديدة من الطلاب رغم الظروف الصعبة، وتناقص الإمكانيات، بل وفتح كليات جديدة ككلية طب الرقة والمعاهد الملحقة بها، وكذلك تغيير النظام التعليمي المطبَّق سابقًا ليصبح أكثر فعالية، وأقل استغراقًا للوقت، وبفضل الله المشروع يمضي بخطى حثيثة نحو تخريج كوادر طبية مؤهلة، مع ما قد ينتابه من عراقيل في ظل هذه الحرب الصليبية ضد الدولة الإسلامية، وليس بخافٍ ما حلّ بالمنشآت الطبية والتعليمية في مدينة الموصل نتيجة الحرب مع الروافض، والقصف الصليبي، ولله الحمد من قبل ومن بعد.

في جانب الإجراءات التنظيمية؛ ما هي أهم التطورات التي حققها الديوان، بفضل الله؟

لقد ورّثنا الطواغيت في كثير من المناطق التي فتحها الله علينا نُظمًا صحية ضخمة من حيث الحجم، لكنها مترهّلة كسول من حيث الأداء والإنجاز، مريضة عليلة من حيث البنية، ينخر فيها الفساد بمختلف أنواعه، وتعشش فيها الطفيليات التي تعتاش على حساب آلام الناس ومعاناتهم.

وقد مكننا الله من خلال ضبط جوانب الفساد في قطاع الصحة من توفير الكثير من النفقات، وتحصيل كمٍّ كبيرٍ من المنافع والفوائد.

ودعني أضرب لك أمثلة في الشق المالي؛ فبعد استلامنا إدارة المنشآت الصحية في ولاية نينوى: راجعنا عقود المشتريات لإدارة الحكومة الرافضية، فوجدنا أن الحكومة المرتدة قد رصدت 13 مليار دينار عراقي شهريًّا لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية للولاية، في حين أننا نشتري نفس الكمية التي كانوا يشترونها تقريبًا بما يعادل مليار إلى مليار وربع دينار عراقي فقط.

وبالإضافة للتكاليف الباهظة للمشتريات: فقد كان نظامهم الصحي يعاني من هدر كبير في الموارد والمشتريات، وذلك في ظل ما يسمونه بالطبابة المجانية، بحيث كان الكثير من المتمارضين يستغلّون ثغرات يعرفونها للحصول على أدوية غالية الثمن لا يحتاجونها ليبيعوها من جديد، عدا عن استنزافهم لجهود الكوادر الطبية، وتشكيلهم ضغطًا إضافيًّا على وظائف الأجهزة الطبية ذات الطاقة المحدودة.

وقد خففنا كثيرًا من الهدر في الموارد والطاقات؛ عن طريق فرض أجور علاج رمزية على المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية، الهدف منها: إبعاد المتمارضين، وكذلك الاستفادة من هذه الواردات المالية في زيادة فاعلية الكادر الطبي عن طريق توزيعها عليهم، فيزداد دخلهم بازدياد العائد من خدمة المراجعين، وقد طبقنا هذا النظام الذي سميناه (التمويل الذاتي) في مستشفيات ولاية نينوى، ونحن في طريقنا إلى تعميمه بحسب الإمكان، إن شاء الله.

تحدّثتَ عن تكاليف العلاج بالنسبة للمرضى؛ كيف تتم المعاملة بالنسبة لرعايا الدولة الإسلامية في هذا الجانب؟ وهل هناك فروق بين المجاهدين وعامة المسلمين في تكاليف العلاج؟

ذكرتُ لك سلفًا أن ما يدفعه المريض من أجور للعلاج في مستشفيات الدولة الإسلامية إنما هو مبلغ رمزي بالمقارنة مع التكلفة الحقيقية لعلاجه، فهو في كثير من العمليات لا يزيد عن عُشر قيمة المواد اللازمة للعملية من أدوية ومستلزمات، فضلًا عن أجرة الأطباء والممرضين والمساعدين، وتكاليف المستشفى، ولو قارنَّا تكاليف العلاج في مستشفيات ديوان الصحة مع مثيلاتها في المستشفيات الخاصة المنتشرة في أراضي الدولة الإسلامية لَوجدنا فرقًا كبيرًا.

وحتى هذه التكاليف الرمزية فإننا نُعفي منها الفقرّاء والمساكين؛ إذ يتولى ديوان الزكاة السداد عنهم، وكذلك الأمر بالنسبة للأمراض المزمنة؛ كمرضى الفشل الكلوي، والسرطانات وغيرها، رغم أن تكاليفها باهظة الثمن.

أما المجاهدون في سبيل الله: فلا شك أن تكاليف علاج المرضى والمكلومين منهم في سبيل الله: يقع كله على عاتق الدولة الإسلامية؛ فيتم تسديده من قِبَل ديوان الصحة، كما يتم علاج أسر المجاهدين وفق آليات محددة بالنسبة لهم.

الأدوية والمستلزمات الطبية؛ ما هو دور ديوان الصحة في ضبط جودتها وأسعارها وضمان توفيرها؟

نتيجة لظروف الحرب والحصار في كثير من مناطق الدولة الإسلامية؛ فقد نقصت واردات الأدوية بشكل كبير، كما تراجعت من حيث النوعية؛ إذ تعرض كثير من معامل الأدوية للتدمير والتخريب والسرقة، كما حدث مع المعامل في الموصل وحلب وريف دمشق وغيرها، ونتيجة ضعف الرقابة خارج مناطق الدولة الإسلامية: فقد ظهر كثير من الورشات والمعامل الصغيرة التي تقوم بتقليد الأدوية المصنعة، وهي في الغالب لا ترقى إليها، هذا إن لم يتعمد فيها الغش لزيادة الأرباح، كما دخل إلى الأسواق كثير من الأدوية المستوردة من المناطق المجاورة لم تخضع غالبًا للرقابة الدوائية.

ولضبط هذا الأمر: تعمل في كل الولايات فِرَقٌ من مكتب الرقابة الدوائية التابع للديوان على متابعة الصيدليات ومستودعات الأدوية، والتقصي عن الأدوية الداخلة إلى أراضي الدولة الإسلامية ومصادرها وفعاليتها، ووضع الضوابط التي تحدد تداول هذه الأدوية، وخاصة المسكّنات والأدوية التي تسبّب الإجهاض، ومصادرة الأدوية المخالفة، ومحاسبة المخالفين.

وكذلك يجري تنظيم عمل الصيدليات في أراضي الدولة الإسلامية، وخاصة في موضوع أهلية العاملين فيها، وفق ضوابط تتناسب مع وضع كل منطقة؛ بحيث يجري عمل موازنة بين حاجتها، وما يتوفر فيها من صيدليات وكوادر صيدلانية، والغاية أن نَحُدَّ مِن الصرف العشوائي للأدوية وما ينجم عن ذلك من مضاعفات ومخاطر على حياة الناس.

كما استحدث الديوان قسمًا للعلاج بالأعشاب؛ يعمل على استخلاص الأدوية والعلاجات من النباتات الطبية بطرق حديثة، وتجهيزها للاستفادة منها في علاج الأمراض، وفق الخطط العلاجية التي يضعها الأطباء والمختصون بهذا المجال.

هل من وصية توجهها إلى العاملين في القطاع الصحي، داخل أراضي الدولة الإسلامية وخارجها؟

أما الأطباء والممرضون والمساعدون، وجميع مَن يعينهم في عملهم داخل دار الإسلام؛ فأقول لهم: جزاكم الله خيرًا، فإنكم على ثغر عظيم، وفي عمل صالح مبارك، ونسأل الله أن يجعل لكم نصيبًا من قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [سورة المائدة: 32]، ومِن قوله تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [سورة التوبة:120]، فمجرد ثباتكم في دار الإسلام هو عمل صالح لإغاظتكم الكفار بذلك، فكيف بثواب الرباط والجهاد في سبيل الله؟ ولذلك أوصيهم بإخلاص النية لله تعالى في عملهم؛ كي ينالوا أجر رباطهم وثباتهم وجهدهم وعرقهم، وألا يكون همّ أحد منهم المال أو السمعة، بل يبتغي فيما أنعم الله به عليه من علم وجه الله تعالى.

أما مَن هم خارج دار الإسلام؛ فأقول لهم: لقد حرمتم أنفسكم من خير كبير، وثواب عظيم؛ هو خير العيش تحت حكم الإسلام، وثواب الجهاد والرباط في سبيل الله، وعرّضتم أنفسكم لفتنة عظيمة على دينكم، بمقامكم في ذمة الكفار، وعيشكم تحت حكمهم وأمرهم.

وأوصيهم بالتوبة إلى الله من كبيرة قعودهم عن الهجرة والجهاد، وأحثّهم على الهجرة في سبيل الله، نصرة لدين الله، وولاء لأولياء الله، وبراءة من أعداء الله، وأحذّرهم من أن يُفتنوا بما علّمهم الله فيقول كما قال عدو الله قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}، فما لدى أيٍّ منهم من علم إنما هو ابتلاء له؛ فإن اتخذه طريقًا للجنة: فقد فاز وظفر، وإن اتخذه طريقًا للدنيا: فقد خاب وخسر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.







  1. حوار مع أمير هيئة شؤون الأسرى والشهداء (العدد 78)

الخميس 1 شعبان 1438ه

أمير هيئة شؤون الأسرى والشهداء: نُنفِّذ وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحفظ أمانة أمير المؤمنين.



حياكم الله أخانا الفاضل، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، نبدأ حوارنا بالحديث عن تشكيل هيئة شؤون الأسرى والشهداء: من أين بدأت هذه الهيئة المباركة عملها حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من الخير؟

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، والصلاة والسلام على مَن نهتدي به ونتبعه، ونتقرّب إلى الله بمحبة آله وأصحابه، ومَن سار على هداهم إلى يوم الدين، أما بعد: فإن عمل هيئة شؤون الأسرى والشهداء ليس جديدًا على الدولة الإسلامية بفضل الله؛ فالاعتناء بهم وإيلاؤهم الاهتمام الكبير من مشايخنا وأمرائنا قديم قدم الجهاد في العراق، ولا أدَلَّ على ذلك من إنشاء وزارة متخصصة بشؤونهم منذ الأيام الأولى لدولة العراق الإسلامية، أُوكِلَ أمرُها إلى الشيخ أبي عبد القادر العيساوي، وبقيت هذه الوزارة في التشكيلة الوزارية الثانية للدولة الإسلامية؛ حيث أُوكِلَ أمرُها للشيخ حسن الجبوري، وعلى هذا مضت سيرة الدولة الإسلامية في العناية بهذا الباب.

بل ولم تنقطع عناية الدولة الإسلامية بأسرى المسلمين، أو عوائلهم وعوائل إخوانهم من الشهداء، حتى في أشد الظروف قسوة عليها.

فمع قلة ذات اليد، وضعف حال المجاهدين: كان الإخوة ينفقون الأموال بحسب طاقتهم لمساعدة الإخوة داخل السجون، والتخفيف ورفع الأذى عنهم، بل وفدائهم بالأموال الطائلة لإخراجهم منها، وكذلك إعالة أُسَرهم، وأُسَر الإخوة الشهداء، كما نحسبهم.

ومع الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ شُكِّلت المكاتب لرعاية شؤون الأسرى والشهداء على مستوى الولايات، بحيث يتولى كل والٍ من الولاة مسؤولية العناية بمَن تحت سلطانه مِن عوائل الأسرى والشهداء، ثم كان من الضروري ربط هذه المكاتب الفرعية بأصل واحد يتولى إدارة الأمر على مستوى الدولة الإسلامية، وخاصة في موضوع الأسرى؛ لِمَا يتبعه من سعي في فكاكهم من أيدي أعداء الدين، والتعامل مع ما بأيدينا من أسرى الأعداء، فشُكِّل مكتب الأسرى العام لتولي هذه المهمة.

وبعد أن أنعم الله على الدولة الإسلامية بالتمكين: ظهرت هيئة شؤون الأسرى والشهداء لتتولى مسؤولية من مسؤوليات الإمام بتفويض منه، إلى جانب بقية الدواوين والمكاتب التي فوَّض الإمام -حفظه الله- أمراءها بالنيابة عنه لتسيير أمور الدولة الإسلامية، كلٌّ في مسؤوليته.

وما زال عمل الهيئة يتقدم -بفضل الله- يومًا بعد يوم، وما زالت إمكانياتها ومواردها في ازدياد، ونظامها الإداري في تطوّر، وخدماتها في تحسن، والحمد لله من قبل ومن بعد.

المسؤوليات التي توَلَّتها هيئة شؤون الأسرى والشهداء بالنيابة عن أمير المؤمنين، حفظه الله؛ هلّا حدثتَنا عن أهميتها؟

لا شك أن كل المهام التي تقوم بها دواوين الدولة الإسلامية وهيئاتها ومكاتبها: هي مهام عظيمة شريفة؛ فلا تجد وظيفة لها إلا ولها أصل عظيم في شريعة الإسلام، وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام.

وأمّا أشرف مهمات الهيئة: فهي السعي في فكاك أسرى المسلمين من أيدي أعدائهم؛ استجابة لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فُكُّوا الْعَانِيَ) [رواه البخاري]، وقد مَنَّ الله علينا بفكاك أسر المئات من المسلمين من سجون المشركين والمرتدين، بعد فدائهم بالمال أو أسرى الحرب، هذا عدا عن الآلاف منهم الذين يسّر الله فكاكهم على أيدي المجاهدين بالقوة، كما حدث في أبو غريب وبادوش والموصل وغيرها سابقًا.

وكذلك فإن القيام على أمر عوائل الإخوة من الأسرى هو من أعظم الأعمال؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا) [رواه مسلم].

والقيام على أمر أرامل الشهداء وأيتامهم: هو من أعظم القربات إلى الله؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) [متفق عليه]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا)، وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئًا [رواه البخاري].

هذا من جانب، ومن جانب آخر: فإن المسلم إذا علم أن وراءه مَن يسعى في فكاك أسره إن أُسِر، ويحفظ أهله في دينهم وأنفسهم إن غاب عنهم، فلا يضيعون بقتله أو أسره: فإن هذا من دواعي الإقدام على الجهاد في سبيل الله، والترغيب في اقتحام المخاطر؛ نصرة للإسلام، ودفاعًا عن المسلمين، وكذلك فإن جنود الدولة الإسلامية من العاملين في هيئة شؤون الأسرى والشهداء موجودون -بفضل الله- في ساحات القتال وخطوط الرباط.

والمعارك لا تخلو من أن يكون فيها قتلى من المسلمين أو أسرى يقعون في أيدي العدو، أو مفقودون لا يعلم إخوانهم مصيرهم، ولمّا كان القيام بأمر هؤلاء حمل عظيم قد يشغل المقاتلين عن معاركهم: فإن إخوانهم العاملين في الهيئة المنتشرين في الكتائب والألوية المقاتلة يكفونهم -بإذن الله- هذا الهم؛ ليفرغوا لمقارعة الأعداء ومصاولتهم والنكاية فيهم.

وهذا كله مما أنعم الله علينا بالقيام به، ونسأل الله أن يجعله لنا حسنة عنده، وأن يشركنا بأجر الغزاة والمرابطين به، إنه أهل لذلك سبحانه.

إذا أردنا التفصيل في هذه المهام أكثر، وبدأنا من حيث انتهيتَ -وهو وظيفة الإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء في ساحة المعركة-؛ كيف تبدأ خطة العمل لديكم؟ وأين تنتهي؟

ذكرتُ لك أن جنود الدولة الإسلامية التابعين للهيئة منتشرون -بفضل الله- في كل كتائب جيش الخلافة وألويته المقاتلة في ساحات القتال كلها، وهم يتبعون لمفصل خاص بشؤون الأسرى والشهداء يتبع لديوان الجند، وفي كل معركة يحصل فيها فقدان لبعض الإخوة قتلًا أو أسرًا أو جهلًا بحالهم: فإن الإخوة العاملين في هذا المفصل يتولون أمورهم، فمَن يُستشهد مِن المجاهدين: نواريه الثرى، ونحفظ مقتنياته، ويُنظَر في أمرها؛ فما كان ملكًا لبيت مال المسلمين: عاد إليه، وما كان من ماله الخاص: سُلِّم إلى ورثته، قلَّ أو كثر، فلا يضيع حقهم فيه بإذن الله، وأما المال الذي لم يُعرَف صاحبه: فَيُعاد أيضًا إلى بيت مال المسلمين.

وأما المفقودون: فتُدَوَّن أسماؤهم، ويجري التحقيق في أمرهم؛ فمَن شهد الإخوة مقتله، ولم يستطيعوا سحب جثته: حُكِم بوفاته، وأُحِيلَ ملفُّه إلى قسمِ مَن نحسبهم مِن الشهداء؛ لِيُعتَنى بأمر أهله، ومَن ثَبُتَ أَسْرُه: أُحِيلَ ملفُّه إلى قسم الأسرى؛ لمتابعة قضيته، والبحث والتقصي عن مكانه، والسعي في فكاكه من أيدي الأعداء، أو التخفيف عنه داخل الأسر إن أمكن.

ومَن لا يثبت لدينا شيء في مصيره: فإنه يبقى في حكم المفقود، ونستمر في البحث عنه حتى يظهر لنا شيء في أمره.

الأسرى -نسأل الله لهم فرجًا قريبًا- ماذا تقدّمون لهم؟ وكيف تعملون على فكاك أسرهم؟ وما مدى نجاحكم في ذلك؟

ابتداءً: علينا أن نعلم ويعلم كل إخواننا أن الأسر ابتلاء من الله تعالى، يبتلي به مَن يشاء مِن عباده، كما يصطفي مَن يشاء منهم في الشهداء، وبالتالي فإن على الأسير أن يعمل صالحًا فيما ابتلاه الله به؛ فيثبت على دينه، ويصبر على ما أُوذي به في سبيل الله، ويسعى في فكاك نفسه بما أمكنه، فهذا واجب عليه هو قبل غيره.

وليعلم الأخ الأسير أنه إن قُتِل وهو يسعى لفكاك أسر نفسه، أو أسر إخوانه: فهو شهيد في سبيل الله، بإذن الله، فعليه أن لا يدَّخر وسعًا في هذا الباب، ولو غلب على ظنه أنه يُقتَل على أيدي الكفار: فالشهادة في سبيل الله خير من التعرض للفتنة على أيدي المشركين، والله أعلم.

أما بالنسبة لما نقدّمه لهم؛ فإنه لا يتوقف علينا، بل على حال الأخ الأسير، وحال آسريه، أما نحن فإننا -بإذن الله- لا ندَّخر جهدًا ولا مالًا ولا أي وسيلة أخرى مباحة في فكاك أسر إخواننا أو التخفيف عنهم، ما استطعنا.

وذلك أن أعداءنا مختلفون من حيث كشفهم عن أسماء أسرانا لديهم، أو التفاوض على مُفاداتهم بأسراهم لدينا أو بالمال، وكذلك هم مختلفون في أمن سجونهم، وقوة أجهزتهم الأمنية، ومدى فساد ضباطها وعناصرها، وفي إجراءات سجونهم ومحاكمهم، وهذا ما يعرقل أحيانًا وصولنا إلى المعلومات حول إخواننا الأسرى، أو التواصل معهم، لتقديم المساعدة اللازمة لهم، أو التفاوض على فدائهم بالمال أو الأسرى.

أما عن نجاحات الهيئة في إطلاق سراح إخواننا الأسرى: فهي كثيرة -بفضل الله-، وقد فككنا قيد كثير من إخواننا في سجون مختلف أعدائنا؛ كالروافض، والنصيرية، والبيشمركة، وملاحدة الـ PKK، والصحوات، ومرتدي الأتراك، وغيرهم، بكل طريقة ممكنة مباحة، ولله الحمد.

فمنهم مَن فديناه بالمال ليُطلَق سراحه، ومنهم مَن فديناه بما لدينا مِن أسرى، ومنهم مَن قدَّمنا المعلومات عنهم لإخواننا في الجهاز الأمني؛ حيث تمكّنوا مِن تقديم العون لهم ومساعدتهم على الهرب من سجونهم.

ولم نقتصر على مَن يأسره الأعداء في المعارك؛ فهناك أيضًا المهاجرون الذين يأسرهم الطواغيت في طريق هجرتهم إلى ديار الإسلام، وأقارب المجاهدين في ديار الكفر الذين يأسرهم المرتدون للضغط عليهم، وكذلك المسلمون الذين يقدّمون العون للمجاهدين في ديار الكفر فيأسرهم المرتدون بسبب ذلك، أو رعايا الدولة الإسلامية الذين يأسرهم الكفار عند سفرهم إلى ديار الكفر للعلاج مثلًا، وأمثال ذلك كثير.

وبالمحصِّلة: فقد قمنا بواجبنا -بفضل الله- تجاه كل مَن استطعنا الوصول إليه مِن إخواننا الأسرى داخل سجونهم، وتفاوضنا على فكاك أسرهم بما لدينا من أسرى أو مال، إلا مَن لم نصل إليه أو نعثر عليه، فَيُؤَجَّل أمرُه حتى نستطيع التواصل معه، أو يرسل ذووه معلومات تعيننا على تقديم العون له.

عوائل الأسرى والشهداء والمفقودين؛ ما هو نوع الرعاية المقدمة لهم من قِبَل هيئة شؤون الأسرى والشهداء؟

يجري على هذه العوائل ما يجري على بقية عوائل إخوانهم المجاهدين، بل هم مقدَّمون لدى ولاة الأمور في كثير من جوانب الاهتمام والعطاء.

فنحن -ولله الحمد- نقدّم لهم السكن المناسب؛ سواء من البيوت المملوكة من الدولة الإسلامية، أو المستأجَرة التي تدفع الهيئة أجرتها، ويستمر إيصال المنح المالية الشهرية لهم، وكذلك الرعاية الطبية، وغير ذلك مما تحتاج إليه أخواتنا زوجات الأسرى والمفقودين، وأرامل الشهداء، وأبناؤهم.

وأهم من ذلك كله: الرعاية بجانب التربية، والحرص على دينهم؛ وذلك بحثِّ الأخوات على حضور الدورات الشرعية، وتأمين إيصال الأطفال إلى المدارس، ومعاهد الأشبال، وتهيئتهم ليسيروا على خطى آبائهم، ويجاهدوا في سبيل الله؛ فإن أهم ما يشغل بال الأخ دين أهله وأبنائه من بعده، ولن نضيِّعهم -بإذن الله- ما وسعنا ذلك.

ومن باب آخر: فنحن حريصون على تزويج أرامل الشهداء؛ إحصانًا لأنفسهن، وكفالة لأيتامهن، ونسعى لذلك قدر الإمكان.

وبالإضافة لذلك: فإن الهيئة مسؤولة عن رعاية كل مَن ليس له ولي في دار الإسلام، وخاصة المهاجرات إلى الدولة الإسلامية وأطفالهن؛ فهؤلاء وليُّهم الإمام، ونحن ننوب عنه في رعايتهن، بعد إحالتهم إلينا عن طريق هيئة الهجرة، ونقدِّم لهم ما نقدِّمه لعوائل إخواننا من الأسرى والشهداء والمفقودين.

وكذلك: فإن الهيئة مسؤولة عن إخلاء كل مَن تكفلهم مِن العوائل عند الطوارئ؛ كحالة دهم العدو لإحدى المناطق فجأة، فنوصلهم إلى مأمنهم بإذن الله، هم ومَن نستطيع نقلهم مِن عوائل الإخوة المرابطين، وتتوفر لدى الهيئة إمكانيات جيدة -بفضل الله- في النقل والإيواء، والحمد لله من قبل ومن بعد.

لا شك أن ما ذكرته من مهام ووظائف تستهلك موارد مالية ضخمة؛ فما هي مصادر تمويل الهيئة؟ وما هي علاقتكم ببقية دواوين الدولة الإسلامية؟

مصادر التمويل متعددة بفضل الله، وولاة الأمر لا يردُّون لنا طلبًا فيما يتعلق بفكاك أسارى المسلمين، أو رعاية أُسَر الشهداء والأسارى والمفقودين، ولله الحمد.

فأما النفقات الاعتيادية للهيئة؛ من كفالات مالية للعوائل، وإيجارات المساكن والمقرات، وصيانتها، وتكاليف النقل وغيرها: فهي تُقتَطَع من واردات بيت المال، كحال ببقية دواوين الدولة الإسلامية وهيئاتها ومكاتبها.

وأما الأموال المخصصة لفداء أسارى المسلمين، وهي مبالغ كبيرة: فمصدرها ديوان الزكاة؛ حيث يُقتَطَع سهم الرقاب من مجموع ما يُجبى من أموال الزكاة كل شهر، وتُخَصَّص لفكاك أسارى المسلمين، سواء كانوا من جنود الدولة الإسلامية أو رعاياها.

وبالإضافة إلى ذلك: فهناك عطاءات خاصة يخصّصها أمير المؤمنين مما له من الفيء وخمس الغنيمة، فتُوَزَّع هذه العطاءات على العوائل التي تكفلها الهيئة، على شكل أموال أو مساعدات عينية وهدايا، الهدف منها: إدخال البهجة والسرور على عوائل إخواننا، والتخفيف عنهم.

ونسأل الله أن يوسّع علينا أكثر؛ لنوسّع بدورنا على أخواتنا وأطفالهن، ونبذل أكثر في فكاك أسر إخواننا، ولا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها.

ختامًا لهذا اللقاء الماتع: هل هناك كلمة أو رسالة توَدّ توجيهها عبر صفحات (النبأ) إلى مَن تبلغه مِن المسلمين؟

أوَدّ بداية أن أتوجه إلى الإخوة العاملين في الهيئة في مختلف الولايات والقواطع، وأسأل الله أن يجزيهم على ما يبذلونه كل خير، وأُذَكِّرهم بما في أعناقهم من أمانة ثقيلة يُسألون عنها يوم القيامة، ونحسبهم على خير، وعلى قدر المسؤولية في تحمُّل ما كُلِّفوا به، ونسأله تعالى أن يعينهم عليه.

وأتوجه إلى إخواننا الأسارى في سجون المشركين، نسأل الله سبحانه أن يفرج عنهم؛ فأوصيهم بالصبر على ما ابتلاهم به ربهم، والثبات على دينهم، وأُذَكِّرهم بالله ألَّا يدّخروا جهدًا في فكاك أسر أنفسهم، وأعلمهم أننا -بإذن الله- لن ندّخر جهدًا في السعي لذلك، سواء بالقوة، أو بفدائهم بما يقع في أيدينا من أسارى المشركين، أو ما بأيدينا من مال مهما كثر، فليبشروا وليأمِّلوا خيرًا، فإن مع العسر يسرًا لهم، بإذن الله السميع العليم.

ورسالتي إلى أخواتنا من زوجات الشهداء والأسرى والمفقودين: نطلب منهن أن يسامحن إخوانهن إن رأين تقصيرًا ليس بمقصود؛ فإنما نحن بشر نخطئ ونصيب، ولا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها، ونذكّرهن أن يتّقين الله في أنفسهن، ويحفظن دينهن وأطفالهن، ويربّينَهم على توحيد الله واتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإعدادهم ليكونوا مجاهدين في سبيله على خطى آبائهم الذين كانوا سيربونهم على ذلك لو كانوا قائمين عليهم.

وإلى كل مَن بلغه هذا الخطاب مِن المسلمين: نطلب منه أن يوصل إلينا أي معلومة تتعلّق بأحد من أسارى المسلمين: لنسعى في فكاكه أو التخفيف عنه، أو تتعلق بعائلة أخ شهيد أو أسير أو مفقود لم يصلها حقها مما أوصى به الإمام لها؛ لنوصله إليهم بإذن الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

  1. حوار مع أمير جنود الخلافة في مصر (العدد 79)

الخميس 8 شعبان 1438ه

حدثنا عن وضع جنود الخلافة في مصر وطبيعة عملياتهم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على مَن بُعث بالسيف رحمةً للعالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد: فإن جنود الخلافة في مصر بخير وفضل عظيم من الله عز وجل، والحمد لله؛ فهم في زيادة وقوة مستمرة، ورغم الحرب عليهم فإن عملياتهم تترك أثرها المنشود، وتحقق أهدافها المرسومة وزيادة، ولله الحمد والشكر وحده.

ما هي العوائق التي يواجهها المجاهدون في مصر؟

إن أهم ما يواجهه المجاهدون في مصر: هو غياب حقيقة التوحيد عند شريحة واسعة من الناس، خاصة من ناحية التشريع، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وموالاة أهل هذا الشرك، ومعاداة أهل الإيمان، الذين يقاتلون ليكون الحكم كله لله مالك الملك، قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [سورة يوسف: 40].

فصار حال هؤلاء الناس مع الطواغيت كحال قوم فرعون الذين قال الله تعالى فيهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)} [سورة الزخرف]؛ إذ غيَّبهم الطواغيت عن الدين الحق؛ بشيوخ الضلال تارة، وبإعلامهم الفاسد تارة أخرى، فجعلهم يوالونهم ويعادون المجاهدين بدعوى مكافحة الإرهاب، وهذه ردة ظاهرة عن دين الإسلام، عليهم أن يسارعوا إلى التوبة منها، ومن ثم عليهم عدم تتبع عورات المجاهدين، بل الستر عليهم ونصرتهم وإيواؤهم، والخروج معهم لقتال هؤلاء الطواغيت؛ جهادًا واجبًا عليهم.

حدثنا عن علاقتكم بولاية سيناء.

تربطنا بإخواننا جنود الخلافة بولاية سيناء علاقة الأخوّة والمحبة والولاء، بارك الله فيهم، ونحن جميعًا جنود للدولة الإسلامية على أرض سيناء ومصر نقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولنا من مصر طريق إلى بيت المقدس مرورًا بسيناء، قريبًا بإذن الله تعالى، ولو كره الكافرون.

ما هو الهدف الذي تريدون تحقيقه باستهداف الكنائس؟

إن استهداف هذه الكنائس هو من ضمن قتالنا وحربنا على الكفر وأهله؛ وذلك استجابة لأمر الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [سورة التوبة].

وإن ظن هؤلاء النصارى المحاربون أن حصونهم ستمنعهم من جنود دولة الإسلام: فليعلموا أن للمجاهدين سيوفًا قد سُلَّت -بإذن الله تعالى- على رقابهم ورقاب مَن والاهم، لن تخطئهم أو يمنعها مانع عنهم بإذن الله، ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله.

ما هي طبيعة ردود الأفعال التي ترونها تجاه عملياتكم؛ سواء من عامة الناس، أو من الطواغيت، أو من القوات "الأمنية"، أو من علماء السوء؟

الطابع الغالب على ردود أفعال كثير من الناس: هو الاستنكار والبراءة من تلك العمليات بصفة خاصة، ومن الحرب على النصارى والطواغيت بصفة عامة، ومواساة هؤلاء المشركين فيما وقع عليهم، تحت دعاوى أُخُوَّة الوطن ونحوها، مع أن ذلك من موالاة الكفار والمشركين المخرجة من الملة، وإن مَن صدر منه شيء مِن ذلك: أصبح مرتدًّا عن دين الإسلام، وحبط عنه عملُه، ما لم يسارع إلى التوبة والندم، قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له من الله.

وأما ردود أفعال المرتدين في الجيش والشرطة: فهم على عادتهم في البطش والعدوان؛ قتلًا أو اعتقالًا أو تنكيلًا؛ لإرضاء قادتهم في الحكومة وأسيادهم من الصليبيين بعد كل عملية، وهذا مما يزيد من تضجر طائفة من الناس منهم ومن كرههم للنصارى والمرتدين، والحمد لله. ومع أن هذا البطش له أثر إيجابي على المجاهدين وسلبي على الطواغيت والنصارى؛ إلا أنهم لا يستطيعون تفاديه، ومن فضل الله تعالى علينا أن سلَّمَ إخوانَنا بعد هذه العمليات وما تبعها من التضييق والبطش، فلم ينلهم أذى يُذكر والحمد لله، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [سورة الأحزاب: 25].

أما مشايخ وعلماء الطواغيت، والدعاة على أبواب جهنم باختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم التنظيمية والحزبية: فينطبق عليهم قول الله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [سورة الأعراف: 176]، ونقول لهم ما قال الله تعالى لمن سبقهم في طريقهم هذا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [سورة البقرة].

هل تنصحون المسلمين في مصر ممن لم يتسنَّ لهم الالتحاق بصفوف المجاهدين: بأن يقوموا بعمليات منفردة ضدّ أعداء الدين والنصارى منهم خصوصًا؟ وهل تقدّم لهم أي توجيه في ذلك؟

أقول للمسلمين في مصر ممن عرفوا الحق واتبعوه من أهل التوحيد والجهاد: عليكم بإحياء دعوة التوحيد والجهاد في سبيل الله، والالتحاق بإخوانكم في الدولة الإسلامية، ولزوم الجماعة، وإن تعذَّر عليكم الوصول لها: فاستعينوا بالله وخذوا حذركم، ثم أعدّوا قوتكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا، وخططوا لتنفيذ عملياتكم ضد النصارى والمرتدين، وإلحاق أكبر ضرر ونكاية بهم، وليروا منكم بأس أهل الإيمان، وحرصكم على الشهادة في سبيل الله.

واعلموا ألا خيار في قتالنا سوى النصر أو الاستشهاد، وإياكم أن يستأسر أحدكم لجنود هؤلاء الطواغيت، وعليكم بالصبر واليقين؛ فإن الله سيفتح لنا هذه الأرض ويمكِّن لنا فيها، قريبًا بإذن الله تعالى؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)} [سورة الأنبياء]، ولا يضرَّنَّكم مَن خالفكم ولا مَن خذلكم؛ فإنكم مِن الطائفة المنصورة، الظاهرة على عدوِّها، والحمد لله، فاصبروا على غربتكم؛ فقد قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)} [سورة النساء].

ما هي الرسالة التي تريد أن توجهها إلى النصارى في مصر؟

نقول لهم: إن سنة الله عليكم جارية، وحكم الله ورسوله واقع عليكم، وإنكم مخيَّرون بين إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، ولن تغني عنكم أسلحتكم ولا موالاة الطواغيت المرتدين وجنودهم لكم؛ فهم لا يملكون حماية أنفسهم من جنود الخلافة بفضل الله، فكيف بحمايتكم؟! وإنَّ كفركم واستكباركم هو طريق هلاككم بعذاب من عند الله أو بأيدينا.

ما هي الرسالة التي تريد أن توجهها إلى المسلمين في مصر؟

أقول لهم: عليكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، تمسكوا بهما، وعضوا عليهما بالنواجذ، واجعلوهما واقعًا في حياتكم، ولا تهابوا عدوَّكم، وكونوا على يقين بوعد الله لعباده المؤمنين؛ قال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)} [سورة آل عمران].

ونحذّركم ونشدد عليكم بأن تبتعدوا عن أماكن تجمعات ومصالح النصارى، وكذلك أماكن تجمعات الجيش والشرطة، وأماكن مصالح الحكومة السياسية منها والاقتصادية، وأماكن وجود رعايا دول الغرب الصليبية وانتشارهم، ونحوها؛ فكل هذه أهداف لنا مشروعة، ويسعنا ضربها في أي وقت بإذن الله، ولا نرضى أن يصاب أحد منكم في عمليات استهداف هؤلاء الكفرة والمشركين؛ فابتعدوا عنهم، وليبلِّغ مَنْ عَلِمَ منكم ذلك مَنْ لم يَعْلَمْ، نسأل الله لنا ولكم السلامة.

ما هي الرسالة التي تريد أن توجهها إلى طواغيت مصر؟

أقول لأعداء الله: إنكم أيها الطواغيت الجبناء تزدادون في كفركم وطغيانكم، وتسعون في الأرض فسادًا، وتسومون المستضعفين من أهل الإسلام سوء العذاب، وإنكم تحبون أن تغطّوا على هزيمتكم وضعفكم في حربكم مع جنود دولة الإسلام، ولن تستطيعوا؛ فقد افتُضِح أمركم، ونحن لكم بالمرصاد، والغلَبة لنا قريبًا بإذن الله تعالى، فتربصوا إنا معكم متربصون.

ولن تنفعكم استعانتكم باليهود ولا بالصليبيين في حربنا؛ فهم أعمى وأغبى منكم، وما زالت هزيمتهم أمامنا مستمرة في كل أرض يقاتلوننا عليها، وما النصر إلا من عند الله.

وأقول لجنود الطواغيت المرتدين: توبوا مِن ردتكم، وتبرؤوا من هذه الحكومة وعادوها قبل القدرة عليكم، فإن قدرنا عليكم: فليس لكم عندنا إلا القتل، وإنا لنعلم مدى التعذيب والتضييق الذي تمارسونه على الموحدين في السجون عندكم، وأنكم تجهرون بمحادّة ومحاربة الله ورسوله والمؤمنين، فنحذِّركم من سوء أفعالكم، كما نحذِّركم من المساس بأي أذى لأحد من أهالي المجاهدين أو نسائهم فهم ليسوا كغيرهم، وإن عميت أبصاركم وصُمَّت آذانكم عن هذا التحذير واستكبرتم، ولم تنتهوا عن أساليبكم الجبانة هذه: فإنا نقسم بالله العزيز القهار أنكم لن تأمنوا على أنفسكم طرفة عين بإذن الله العظيم، ولن تفلحوا إذًا أبدًا، ولن ينفعكم حينها الندم. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

  1. حوار مع أمير هيئة النقد (العدد 81)

الخميس 22 شعبان 1438ه

أمير هيئة النقد: ندعو المسلمين إلى نبذ النقود الورقية، والتعامل فقط بالنقود الإسلامية.



مبيِّنًا سبب إصرار الدولة الإسلامية على إتمام مشروع النقود الإسلامية رغم الصعوبات الكبيرة، وشارحًا خطورة استمرار تعامل الناس بالعملات الورقية، وموضّحًا فائدة استخدام النقود الإسلامية في الادخار والتداول.

إلى أين وصل مشروع النقود الإسلامية؟ وكيف تُقَوِّمون ما تحقق في ظل هذه الحرب الشرسة بين الدولة الإسلامية وملل الكفر المختلفة؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، اللهم نسألك الإخلاص في القول والعمل، أما بعد: فإن الدولة الإسلامية لا تزال ماضية في إتمام كل ما بدأته لتحكيم شرع الله، وإقامة دينه فيما تحت يديها من أرض، لا تبالي بكل ما جمعه المشركون وحشدوه لصدّها عن ذلك، بل إن جنودها -وبفضل الله- يتقربون إليه سبحانه، ويستنزلون نصره لهم على أعدائهم بطاعته، وفعل كل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال.

ولا يزال إخواننا في دواوين الدولة الإسلامية كافة يسعون جاهدين لحفظ ما وكِّلوا به من أبواب إقامة الدين؛ دعوة إلى الله، وإقامة للصلاة، وإيتاء للزكاة، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وجهادًا في سبيل الله، وقضاءً لحوائج المسلمين، ولم يتخلف المجاهدون العاملون في هيئة النقد عن أداء واجبهم العظيم في أن يحفظوا الله فيما استُحفظوا عليه من الأمانات، وأن يطيعوا ولاة أمورهم فيما ولُّوا من الواجبات.

ولذلك استمر العمل على إنجاز مشروع النقود الإسلامية منذ جاء الأمر بذلك من أمير المؤمنين حفظه الله، وحرص الإخوة على ألَّا يتوقف المشروع، رغم العقبات الكثيرة التي وضعها المشركون في وجهه، حتى تمكّنَّا -بفضل الله ومَنِّه- من الوصول إلى أهم مراحل هذا المشروع؛ وهي طرح الأصناف الثلاث (الذهبية، والفضية، والنحاسية) في الأسواق، وفتح التداول بها بين المسلمين.

ونسأل الله أن نكون قد وفَّينا بوعد ولاة أمورنا، وأكملنا ما بدأه إخواننا الذين بذلوا دماءهم لإنجاز هذا المشروع، نسأل الله أن يتقبلهم، وأن يعيننا على إكماله حتى نطهِّر الأرض من النقود ذات الأصول الربوية الخبيثة التي ملأت العالم، وابتُلي بها الناس أيَّما بلاء.

ما هو سبب الإصرار على إنجاز هذا المشروع رغم ما ذكرته من عوائق وُضعت أمامه، وحرب استهدفت إيقافه؟

الجانب الشرعي هو الأساس في كل مشروعات الدولة الإسلامية، ومنها مشروع النقود الإسلامية؛ إذ إن لهذا المشروع ضرورات شرعية متعددة؛ أوّلها: إيجاد البديل الذي يخلِّص الناس مما ابتلاهم به أعداء الله من الأموال ذات الأصول الربوية الخبيثة التي ألزموهم التعامل بها، وسلبوا بواسطتها أموالهم الحقيقية؛ من: ذهب، وفضة، وعقارات، وأنعام، وغيرها.

وكذلك فإن بعض أحكام الشريعة الإسلامية تتعلق بالنقدين الذهب والفضة؛ من زكاة، وديات، وجزية، وحدود، وسواها، وتوفيرهما بأيدي الناس ضروري لأدائها على الوجه الصحيح.

بالإضافة إلى ذلك: فإن حفظ أموال المسلمين من واجبات الإمام؛ ومن صور هذا الحفظ: تخليصهم من النقود الورقية فاقدة القيمة التي بأيديهم، واستبدال الأموال الحقيقية سهلة التداول والادخار كنقود الذهب والفضة بها.

إذ أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان في عصره منها رغم أنها كانت من نقود مشركي الفرس والروم وعليها إشاراتهم، إلى أن سكَّ المسلمون نقودهم الخاصة بهم، واستمر العمل بها بين المسلمين قرونا طويلة، بل لم تَفْشُ الأوراق النقدية في أمم الشرك كلها أيضًا إلا في القرون الأخيرة، ثم ألزموا الناس التعامل بها، بعد أن وجد الطواغيت فيها وسيلة سهلة لسرقة أموالهم، وخداعهم بالأوهام التي رسموها عليها.

كيف تتم عملية سرقة الناس باستخدام الأوراق النقدية؟ وما قصدك بأنها ذات قيمة وهمية؟

لقد كانت الأوراق النقدية في الأساس بمثابة صك ملكية لمقدار معين من الذهب أو الفضة مودَعة في مكان ما.. هو في الغالب البنوك الربوية التي تتولى إصدارها، أي كان يمكن لحامل ورقة نقدية أن يذهب إلى البنك الربوي ويطالب باسترداد ما يقابلها من الذهب، ما يعني بالتحديد أن لحامل الورقة النقدية كمًّا من المال مودَعًا لدى البنك الربوي، الذي يتولى إقراض هذا المال بالربا لشخص آخر، وبالتالي جعلت البنوك الربوية -التي تشرف عليها الحكومات الطاغوتية- مَن يحمل أوراقها المالية شريكًا في عملية الربا، من حيث شعر أم لم يشعر.

ومع إصدار هذه البنوك والحكومات التي تملكها أو تشرف عليها كميات كبيرة من الأوراق، تفوق بأضعاف كثيرة حجم ما يقابلها من المعادن الثمينة: أعلن المشرفون على هذه اللعبة القذرة فك الارتباط بين الأوراق النقدية والذهب، وبذلك امتنعت بنوكهم عن استبدال الأوراق عديمة القيمة التي طبعتها وروَّجتها بين الناس على أساس أنها لها قيمة نسبية مقدرة بالذهب، امتنعت عن استبدال الذهب بها.

وأعطى طواغيت الحكم في الدول الصليبية وإخوانهم من كبار المرابين لأنفسهم الحق أن يطبعوا منها ما شاؤوا من الكميات، وأن يحددوا لتلك الأوراق قيمتها، ثم ربط أتباعُهم في الدول الأخرى أوراقهم بعملات الدول الصليبية الكبرى؛ فهي ترتفع بارتفاعها وتنخفض بانخفاضها، وبذلك أعطوا قيمةً أكبر لعملات الدول الصليبية الكبرى وخاصة دولار الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي ساعدها على تسليع الدولار بشكل كامل تقريبًا، بحيث صارت قيمته تتأرجح بحسب العرض والطلب، فتتأرجح معه عملات الدول المرتبطة به كلها!

وبالتالي: صار على هذه البلدان أن تمتلك كميات كبيرة من الدولارات لتغطية قيمة عملتها، ما يؤدي إلى انخفاض في قيمة هذه العملة كلما انخفض رصيد الدولة من الدولار؛ بسبب الحروب، أو الهزات الاقتصادية، أو الإنفاق، أو غير ذلك من الأمور، ما يدفع هذه البلدان باتجاه إلغاء أي ارتباط بين أوراقها النقدية والدولار، أو غيره من العملات التي ترتبط بها، ويجعلها في حكم السلعة أيضًا؛ بحيث تخضع قيمتها لمعيار الطلب عليها، فتزداد بالإقبال على شرائها، وتنخفض إذا أعرض الناس عنها لسبب أو لآخر.

ما زال الأمر بحاجة إلى توضيح أكثر بخصوص القيمة الوهمية للأوراق النقدية...

مشكلة هذه السلعة أنها لا قيمة لها في ذاتها إطلاقًا، وإنما قيمتها وهمية مختلَقة، فلا يمكن الاستفادة من هذه الأوراق في حال فقدانها لتلك القيمة النسبية، بخلاف الذهب والفضة وغيرهما من المعادن؛ فإن لهما قيمة حقيقية مثبتة على مر العصور، لا أدَلّ عليها من قيمة كنوز الأمم السابقة التي مضى على بعضها آلاف السنين مع احتفاظها بقيمتها الحقيقية.

وكذلك بقية الأموال ذات القيمة الحقيقية؛ فالشاة من الغنم مثلًا قد تكون وسيلة للمقايضة مع كمية من الحبوب مثلًا، فتكون لهذه الشاة قيمة نسبية تتعلق بمقدار ما يتحصل عليه بائعها من الحبوب، ولكن في الوقت نفسه: فإن صاحبها يمكنه أن يستفيد منها إذا لم يشترها منه أحد؛ فيأكل من لحمها، ويجني من صوفها، أو يستبقيها ليربيها وهكذا... أما الأوراق النقدية: فإن انعدمت قيمتها النسبية، فأقصى فائدة تقدمها لصاحبها هي أن يجعلها وقودًا لمدفأته!

ولهذا نرى حقيقة أن قوة هذه الأوراق النقدية وقيمتها تعتمد بشكل كبير على استقرار الأنظمة السياسية التي تتبناها، وتحفظ قيمتها، فإذا ضعفت هذه الحكومات، أو أصابها العجز عن الاستمرار في المحافظة على قيمة عملتها: فإن الطلب على هذه الأوراق النقدية يتراجع، فتتراجع قيمتها، بل قد تفقد قيمتها بشكل كلّي، وتزاح حتى من الأسواق المحلية أمام إقبال الناس على عملات أخرى لها قيمة وهميّة أكبر، وهكذا يستمر الناس في لعبة الوهم هذه.

لو أردنا أن نتكلم عن العلاقة بين الأوراق النقدية والذهب هذا الوقت؛ كيف توضح لنا هذه العلاقة؟

إن مَن يتابع تطور أسعار كل مِن الذهب والدولار، والعملات الورقية الأخرى المرتبطة به: سيجد أن الأسعار متباعدة مع الزمن، فتزداد قيمة الدولار هبوطًا مقارنة بالذهب، لا أن قيمة الذهب تزداد صعودًا مقارنة بالدولار كما يروّج أولياء الدولار؛ فقيمة الدولار اليوم هي أقل بثلاثين مرة من قيمته أمام الذهب منذ انكشاف خدعة ربط الدولار بالذهب قبل نصف قرن تقريبًا، وإعلان الأمريكيين إنهاء هذا الارتباط، في حين أن قيمة الفضة مقابل الذهب لم تهبط إلا بمقدار الثلث فقط خلال الفترة نفسها.

وما يزال الذهب هو الملاذ الأوسع للهاربين من تقلّبات أسعار الدولار؛ فعند أي بادرة لأزمة اقتصادية نجد أن أسعار الذهب تزداد (بمصطلحهم)، وذلك أن أصحاب الأموال يسارعون إلى التخلي عن دولاراتهم ويتمسكون بالذهب الآمن، فإذا انجلت الأزمة عادوا لشراء الدولارات لكي يتمكنوا من الاستثمار في أسواقهم التي حصروا التعامل فيها بالأوراق النقدية.

وكذلك الأمر في الحروب والاضطرابات؛ إذ سرعان ما تتراجع قيمة العملات المحلية، وتختلف سرعة التراجع بحسب قوة اقتصاد الدولة، وصولًا إلى انهيار سعر العملة وفقدانها قيمتها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر، وليس بعيدًا عنا حال العملات الورقية في العراق والشام؛ إذ تراجعت قيمة دينار الطاغوت صدام 660 ضعفًا تقريبًا خلال 5 سنوات فقط؛ بسبب الحرب بينه وبين الصليبيين، عقب غزو الكويت والحصار الذي فُرض على العراق بعد ذلك، فما كان الفرد يشتريه بدينار واحد قبل انهياره: بات يحتاج إلى 660 دينارًا لشرائه بعد التراجع الحاد لقيمته، الأمر الذي أدى لفقدان الناس أموالهم ومدخراتهم بدرجة كبيرة، وإفقارهم وتجويعهم، وكذلك وجدنا عملة النظام النصيري تنهار وتخسر 10 أضعاف قيمتها بعد 6 سنوات من الحرب فقط، وهكذا الأمر في كل الدول التي دخلت حروبًا، أو حلت فيها الاضطرابات.

ولذلك نجد أن أي بلد تدخل في حرب أو يتجه الوضع فيها نحو الاضطراب: يرتفع فيها سعر الذهب بسبب الإقبال الشديد من الناس على اقتنائه للادخار؛ لمعرفة الناس حتى العوام منهم أن العملات الورقية لا تثبت أمام الهزات القوية، وسرعان ما تنهار.

وهذا ما يجب أن يحرص عليه المسلمون داخل أراضي الدولة الإسلامية وخارجها؛ وهو أن يستبدلوا ما له قيمة حقيقية من السلع بما لديهم من عملات ورقية، وخاصة الذهب والفضة؛ لاستقرار أسعارهما، وسهولة التعامل بهما: تخزينًا ونقلًا وتداولًا.

ذكرتَ أن الناس يلجؤون حين الأزمات إلى الذهب، ولكن بمجرد أن تنجلي الأزمة فإنهم سرعان ما يعودون إلى استبداله بالعملات الورقية؛ فما السبب في ذلك؟ وما السبيل للتخلص منه؟

السبب الأول: هو الحكومات الكافرة، التي تبني اقتصاداتها على أساس من سحت الربا، فتحافظ عليه وتحارب أي محاولة للتخلص منه؛ فقد جعلت هذه النقود الورقية أداة الإقراض ووسيلة الربا الأساسية، وبالتالي فإن مَن اعتاد أكل السحت يسارع للعودة إلى هذه الأوراق بمجرد أن يشعر أن أسواق الربا في مأمن مِن التقلّبات، وذلك كي يعود إلى أكل ربا البنوك والسندات وغيرها من جديد، وكذلك فإن مَن يتوجه إلى الاستهلاك فإنه يحتاج إلى استبداله النقودَ الورقية بالذهب للتعامل مع الأسواق التي لا تتقبل غير هذه العملة، كما خطط لذلك طواغيت الحكم وإخوانهم من كبار المرابين.

أما بالنسبة لنا؛ فالحمد لله اقتصاد المسلمين طاهر من الربا، ومَن فعلَه أخذْنا على يده ومنعناه منه وعاقبناه؛ ولذلك فلا حاجة للعملات الورقية عند الاعتماد على الذهب والفضة كلّيًّا بعد توفيرهما للناس، وانتشارهما في الأسواق.

وهذا ما نعمل عليه في مشروع النقود الإسلامية؛ بسكِّنا للنقود الذهبية والفضية والنحاسية، وبفئات مختلفة، ونشر هذه النقود في السوق رويدًا رويدًا؛ فتدخل في دورات التجارة المختلفة، وتستقر في أيدي الناس بالادخار، وتزيح العملات الورقية المحلية والأجنبية، وتحل محلّها، بإذن الله.

ومن أهم عوامل جذب الناس في أراضي الدولة الإسلامية لاستبدال النقود الإسلامية (من دنانير ذهبية، ودراهم فضية، وفلوس نحاسية) بالأوراق النقدية: أن كل دواوين الدولة الإسلامية وهيئاتها ومكاتبها لا تتعامل بغير هذه النقود، وكذلك فإن كل ما تبيعه الدولة الإسلامية من سلع يمكن شراؤه بهذه النقود، وهذا عامل تثبيت إضافي لقيمة النقود الإسلامية بالإضافة لقيمتها الحقيقية، المتمثّلة بقيمة المعادن التي سُكَّت منها، وفوق ذلك كله: إدراك المسلمين للجانب الشرعي في القضية، المتمثّل بوجوب الخروج مِن دورة الربا التي وضعهم فيها الطواغيت والمرابون رغمًا عنهم، وتطهير أموالهم مما يشوبها من شبهة.

ماذا بعد انتشار الدينار الذهبي والدرهم الفضي والفلس النحاسي، ووصوله إلى أيادي المسلمين في أرض الدولة الإسلامية، ودخوله مرحلة التداول الحقيقي في أسواقها؟

إن هدفنا الأول في هذا المشروع: هو التقرّب إلى الله تعالى بإخراج مَن تحت أيدينا مِن المسلمين من دائرة الربا العالمية، وكذلك حفظ أموالهم من أن تتآكل قيمتها من دون أن يشعروا، أو تذهب بالكلّية نتيجة أزمة مالية يفتعلها سماسرة الربا في شرق الأرض أو غربها، أو نتيجة الحرب المستمرة التي يشنها أعداء الله ضد الدولة الإسلامية.

ولا شك أننا نَعُدُّ ما مكننا الله منه مِن نشر النقود الحقيقية بين الناس، وإعادتها إلى حيز الادخار والتداول والتجارة: فتحًا مبينًا من الله، لا يقل في أهميته عمَّا مَنَّ به الله سبحانه علينا مِن فتوح للأمصار والبلدان خلال السنوات الماضية.

فقد أعاننا ربنا أن نجدّد في باب من أبواب السياسة الشرعية، كما أعان إخواننا في كل دواوين الدولة الإسلامية وهيئاتها ومكاتبها أن يجدّدوا في أبواب مختلفة من الدين سعى المشركون والمرتدون جاهدين أن يزيلوها من الوجود، ومكّننا جل جلاله من فعل ما عجزت عنه كل الدول التي زعمت لعقود عداءها للرأسمالية الأمريكية، وحربها على الدولار الأمريكي والعملات الورقية التابعة له، دون أن يجرؤ أي منهم على تحدي هذا الدولار، والعودة إلى التداول بالذهب والفضة والنحاس، ولكننا فعلنا -بفضل الله- ولم نخشَ في ذلك إلا الله سبحانه.

وإننا اليوم نسعى جاهدين لإخراج كل ما في أيدي المسلمين ومدّخراتهم من العملات الورقية، وأن تعود النقود الإسلامية لتحلّ محلّها بالكامل.

وإننا ندعو إخواننا من المسلمين عامة، ومن جنود الدولة الإسلامية خاصة: إلى أن يسارعوا إلى التخلص مما في أيديهم من عملات ورقية، وأن يستبدلوا بها النقودَ الإسلامية، فلا يدخروا إلا ذهبًا وفضة ونحاسًا، وما قام مقامها من السلع الأساسية ذات القيمة الحقيقية، ولا يخرجوا زكاة أموالهم، وصدقاتهم، ودياتهم: إلا بهذه النقود، ولا يتبايعوا فيما بينهم إلا بها.

ولن يطول بهم الزمن حتى يروا البركة في أموالهم، بإذنه سبحانه، ولن يطول بهم زمن حتى يروا الناس كلهم يلحقون بهم؛ فلا يتعاملون إلا بالنقود الحقيقية، فيكون لهم سهم في أجر تدمير النظام الاقتصادي الربوي العالمي، الذي أقامته أمريكا الصليبية، وأمسك بزمامه ملاعين اليهود. والحمد لله رب العالمين.





  1. حوار مع أمير جنود الخلافة في شرق آسيا (العدد 84)

الخميس 13 رمضان 1438ه

فنَّد أمير جنود الخلافة في شرق آسيا ادعاءات طاغوت الفلبين بقدرة جيشه على القضاء على المجاهدين، وذكَّر بالمعارك الكثيرة التي خاضها جنود الدولة الإسلامية ضد الجيش الفلبيني الصليبي، التي رجحت فيها الكفة لأهل التوحيد على المشركين رغم كثرة عددهم وعتادهم.

وروى الشيخ أبو عبد الله المهاجر جانبًا من قصة الجهاد في شرق آسيا، وصولًا إلى بيعة المجاهدين لأمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي تقبله الله، وانضمامهم إلى الدولة الإسلامية، والفتوحات التي جرت على أيديهم بعد ذلك.

وبيَّن أن جبهة تحرير مورو بتياراتها المختلفة وقعت في فخ الحكومات الصليبية المتعاقبة في الفلبين التي لم تقدّم لهم غير الوعود الكاذبة، التي تركوا سلاحهم في سبيل الحصول عليها، وكشف عن ترك كثير من مقاتلي تلك الحركات لها؛ بسبب اكتشافهم سوء منهجها، وكذب قادتها، وانضمام بعضهم إلى الدولة الإسلامية.

ووجَّه إلى كل المسلمين في العالم رسالة يدعوهم فيها إلى الهجرة إلى مناطق انتشار جنود الخلافة في شرق آسيا؛ نصرة لإخوانهم، وإقامةً لدولتهم، وبشَّر بوصول الكثير من المهاجرين من مختلف المناطق إليهم، وانضمامهم إلى صفوفهم.

صحيفة (النبأ)؛ تنقل لكم مجريات الحوار مع الشيخ أبي عبد الله المهاجر حفظه الله، أمير جنود الخلافة في شرق آسيا:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ هلّا تُحَدِّثْنا عن وضع المسلمين في شرق آسيا؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فلقد كان حال المسلمين في شرق آسيا كحال بقية إخوانهم في أصقاع الأرض بدون جماعة واحدة تضمهم، ولا إمام يقودهم؛ فكانوا شِيَعًا وأحزابًا وقبائل وتنظيمات، متفرّقين متشتّتين، وقد استفاد المشركون من هذا الواقع بشكل كبير.

ومع انتشار النصرانية بشكل كبير في هذه المنطقة تحت سيف الاستعمار الصليبي، وبدعم منه، واستمرار ذلك حتى وقتنا الحالي: كان القضاء على الإسلام في هذه المنطقة من أهم أهداف المشركين المعلنة؛ فحاولوا الضغط على المسلمين بكل وسيلة لتغيير دينهم، وإزالتهم من الأرض، وهو ما وَلَّد ردة فعل جيدة؛ بأن استفاق الناس من سباتهم، وحملوا السلاح ضد الحكومة الصليبية وجيشها المجرم.

وهو ما أصاب المشركين بالذهول، خاصة وسط عجزهم عن قهر المنتسبين للإسلام، وإخضاعهم من جديد؛ فاضطروا إلى وقف سفكهم الدماء، وإيقاف عدوانهم على مناطقهم، وبات أقصى أمانيهم أن يقعدوهم عن القتال، ولكن هيهات، فرغم جرائم الصليبيين، وغدر الغادرين، وخيانة الخائنين: ما زال الناس هنا يحتفظون بأسلحتهم، مستعدين لقتال النصارى في كل حين.

وفي هذا الجو من العداوة بين أهل التوحيد وأهل الشرك: نشأ جيل جديد من الشباب، تعلّم التوحيد، وعرف الولاء والبراء، وجعل نصب عينيه إقامة حكم الله في الأرض في هذه البقعة التي باتت شوكة في حلوق النصارى المحاربين والبوذيين الوثنيين، وغيرهم من ملل الشرك أجمعين، ولكن كثرة الأحزاب، وتعدد الرايات، وكثرة الأمراء الذين يقودون الناس من ضلال إلى ضلال: أبعد الناس عن تحقيق غايتهم السامية، بل وأوقع كثيرًا منهم في الشرك والردة، مع سيرهم في طريق الإخوان المرتدين، ودخولهم في الديموقرطية، وموالاة المشركين.

ولكن بقيت ثلة من الموحدين يحرصون ألا يكون الحكم في هذه الأرض إلا لله تعالى، وكان هؤلاء هم طليعة المبايعين لأمير المؤمنين حفظة الله، والمنضمين إلى الدولة الإسلامية، بارك لنا الله فيها.

كيف كان وضع المجاهدين في شرق آسيا قبل إعلان الخلافة؟ وما هي الثمار التي جنيتموها من انضمامكم إلى صفوف الدولة الإسلامية؟

كما سبق وقلت؛ فإنه بالرغم من الآثار الطيبة لحمل السلاح ضد الصليبيين في جزر الأرخبيل: فإن الناس هنا لم يتخلصوا من داء الفصائل والأحزاب الذي أصاب ويصيب كل ساحة جهادية، خاصة قبل عودة الخلافة، وتكوين جماعة المسلمين من جديد تحت إمرة إمام مسلم، وكذلك فإن أهل الضلال سرعان ما استغلوا الأحداث وحرفوا الناس إلى التهادن مع الصليبيين، والصعود على أكتافهم لاستلام المناصب في الحكومات الكافرة.

وهنا كان أهل التوحيد يسعون جهدهم لتعليم الناس دين الإسلام، ويحرضونهم على الاستمرار في الجهاد حتى إقامة الدين في هذه الأرض، ولكن الناس أخلدوا إلى الأرض، ورضوا بالفتات القليل الذي حصلوا عليه من المشركين، ومع قلة العدد والعدة، وضعف الناصر من البشر: بدأ اليأس يتسلل إلى قلوب كثير من الشباب، وللأسف: فمنهم مَن قعد عن الجهاد، وانشغل بتحصيل الرزق وتربية الأطفال، ومنهم مَن هاجر إلى ساحات جهاد أخرى يرى فيها أملًا لإقامة دين الله في الأرض.

وكان مِن نعمة الله علينا وعلى كل المسلمين في العالم: أن أعلن الشيخ أبو بكر البغدادي -تقبله الله- إعادة الخلافة، فسارعنا لبيعة أمير المؤمنين بعد أيام قليلة من إعلان عودة الخلافة؛ طاعة لأمر الله، وجمعًا لأشتات المجاهدين في هذه المنطقة تحت راية الدولة الإسلامية، ولكن إعلان هذه البيعة تأخَّر فترة من الزمن، حتى يسّر الله خروجه، فكان فيه الخير الكثير للجهاد في جزر الأرخبيل كافة.

خاصة أن الكتائب والسرايا التي اجتمعت تحت راية الدولة الإسلامية: هي مِن خيرة الجماعات منهجًا، وأوضحها عقيدة، وأشرسها في قتال المشركين، ولا أدَلّ على ذلك مِن المعارك الكبيرة التي خاضها جنود الدولة الإسلامية ضد الجيش الفلبيني الصليبي خلال العامَين الماضيين، التي تضمنت صدَّ العديد من الحملات العسكرية الكبيرة، وقتل المئات من جنود الجيش الصليبي، واقتحام أكثر من مدينة كانت تحت سيطرة الصليبيين، ولن تكون مدينة ماراوي التي سيطر عليها المجاهدون آخرها بإذن الله.

ما هو وضع ساحة الجهاد عندكم؟ وما هي مناطق وجودكم في شرق آسيا؟ وما هي أبرز المعارك التي خاضها المجاهدون مع الحكومة الصليبية بعد إعلان الخلافة؟ وما هي طبيعة العمليات؟

إن أحوال المجاهدين هنا بشكل عام: من حسن إلى أحسن، ويزداد عددهم ويكثر سلاحهم، وأعدادهم باتت -بفضل الله- كبيرة في "مينداناو" جنوب الفلبين في شرق آسيا، وقد وصل إلينا كثير من المهاجرين، من مختلف دول منطقة شرق آسيا، بل ومن خارجها أيضًا، والحمد لله وحده.

وقد كان لنا عدة معارك في مناطق متفرقة من البلاد منذ إعلان الخلافة؛ ففي "باسيلان" وحدها وصل عدد المعارك إلى خمس، ومن أهمها: معركة استمرت 46 يومًا، استُعمِلت فيها المروحيات والطائرات النفاثة والمدفعية، التي كانت تضرب الموحدين ليلَ نهار، وقد بلغ عدد قتلى العدو مائة تقريبًا ما عدا الجرحى.

وكذلك الأمر في منطقة "راناو" المهمة؛ فكان لمدينة "راناو" خمس معارك أخرى منذ إعلان الخلافة، ومن أهمها: المعركة الثالثة في "بوتيج" سنة 1437 هـ، التي بدأت بعد أن تعرَّضت مناطق المجاهدين لقصف جوي بالمروحيات ليلًا وبالطائرات النفاثة نهارًا، وكذلك للقصف المدفعي ليلًا ونهارًا خلال ستة أشهر متواصلة، وكان للعدو عدته وعتاده كالطائرات والدبابات والمروحيات والمدافع، بينما كان للمجاهدين قليل مِن العدة والعتاد، وكثير مِن التوكل على الله والالتجاء إليه، فمَنَّ الله عليهم بأن قتلوا المئات مِن عدوّهم، ونصرهم عليهم.

وأما في "ماجينداناو"؛ فقد أرهق المجاهدون فيها أعداءهم المتغطرسين الصليبيين بفضل منه ونعمة.

وعلى العموم: فقد ذاق الصليبيون منا الويلات بفضل الله، وقد خَبِرْناهم جيدًا من خلال المعارك الكثيرة التي خضناها معهم؛ فوجدناهم جبناء عند اللقاء، رغم كثرة أعدادهم وضخامة تسليحهم، فنصرنا الله عليهم، وأثخنَّا فيهم الجراح.

لو تحدثنا عن حركة تحرير مورو، وكيف وقَّعت على اتفاق مع الحكومة الصليبية؟

جبهة تحرير مورو: هي في الأصل مزيج غير متجانس من الأفكار والمذاهب، والشخصيّات المتنازعة، ذوات الأهداف المتضاربة، وإن كان غلب عليها الوسم بتبعيتها للإخوان المرتدين، ولذلك فقد عانت كثيرًا من التشققات خلال العقود الأربعة الماضية، وكذلك فقد عصفت بها الخلافات الشديدة حول طريقة التعاطي مع الحكومة الصليبية؛ بين تيار رافض منذ زمن للعمل المسلح، ويصرّ على التفاوض مع الحكومة الصليبية، والرضا بأي شيء منها، وتيار آخر كان يرى السلاح الوسيلة الوحيدة لإخراج الجيش الفلبيني الصليبي من مناطق المسلمين، وقد نجح الصليبيون في استغلال هذا الخلاف بينهم على أحسن وجه؛ فأعطوا للتيار الاستسلامي أقل القليل، ثم أجبروا تيار القتال على الرضا بذلك القليل، ثم بدؤوا يتملّصون من ذلك القليل الذي وعدوا بإعطائه، ليكتشف قادة الجبهة بمختلف تياراتها أن الصليبيين كانوا يتلاعبون بهم طيلة السنوات الماضية، ولكن ذلك لم يغير من واقع الحال شيئًا؛ فالقوم قد استطابوا القعود، ورضوا بالمناصب التافهة التي تحصّلوا عليها، بل وأعجبهم الدخول في لعبة الديموقراطية الشركية، والمشاركة فيها.

وقد ساعد هذا الأمر -ولله الحمد- على انكشاف حقيقة أولئك الضالين المضلين، وابتعاد الشباب عنهم، وانتماء الكثيرين منهم إلى الجماعات المجاهدة، التي تقوم على التوحيد، ولا تقبل بإلقاء السلاح أبدًا، وهدفها المعلن إقامة حكم الله في الأرض، وعلى رأسهم الجماعات والكتائب والسرايا التي انضمت إلى الدولة الإسلامية.

واليوم يقف قادة جبهة تحرير مورو بمختلف تياراتهم وأطيافهم عاجزين أمام سطوة الحكومة الفلبينية الصليبية، وليس لهم إلا الشكوى من نكث الصليبيين وعودهم معهم، وفي الوقت نفسه يزعمون أن تحت أيديهم آلاف المقاتلين المسلحين، دون أن يستطيعوا تحريكهم ضد الصليبيين؛ خوفًا من وسمهم بالإرهاب.

كثيرًا ما يتحدث الإعلام الصليبي عن توعد الرئيس الفلبيني بقرب القضاء على المجاهدين عندكم؛ فما حقيقة ذلك؟

إن طاغوت الفلبين "دوتيرتي" قد سوّلت له نفسه ذلك، وظن أنه سيطفئ نور الله بكلامه؛ وصدق الله إذ قال: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)} [سورة التوبة]؛ فمنذ أن أسلم أهل هذه البلاد لم يتوقف الكفار يومًا عن التخطيط لمحاربتهم، كيف لا؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) [رواه أحمد وأبو داود]، فهل أباد هذا الطاغوت المجاهدين ومسحهم من على الخارطة؟ أم أنهم يزدادون ويكثرون ويقوون من حين إلى آخر بإذن ربهم؟ فوَ الله لن يستطيعوا إطفاء نور الله، وقد وعدنا الله بأنه سيُتمّ نوره ويظهر دينه؛ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [سورة التوبة].

هل هناك مَن تورّط في مشاركة الطواغيت حربهم على جنود الخلافة في شرق آسيا؟ وهل للطواغيت في المناطق المجاورة أو غيرها دور في ذلك؟

نعم؛ هناك مَن تورّط في ذلك، بل هم يتربّصون ويترصّدون أخبار المجاهدين هنا، ومِن ضمن هؤلاء: روسيا وأمريكا، مع أن كلًّا منهما منشغل بمآسيه وبَأْسائه في العراق والشام.

هل استقبالكم للمهاجرين مستمر حتى الآن؟ وهل يوجد طريق للالتحاق بكم؟

نعم والحمد لله؛ فما زلنا نستقبل المهاجرين ونرحب بهم، وهنالك عدة طرق وسبل آمنة لتحقيق ذلك، ولكن لا بد على كل مَن أراد النفير أن يبذل الأسباب لذلك، مع الإخلاص والتضرع إلى الله أن ييسر له الهجرة، ويوصله إلى ساحات الرباط والقتال؛ لينال رضى ربه الرحمن.

ما هي الرسالة التي توجهها إلى الصليبيين عامة وفي شرق آسيا خاصة؟

أما رسالتي إلى الصليبيين؛ فأقول: أيها الصليبيون؛ أبشروا بما يسوؤكم؛ فإن جنود الدولة الإسلامية في شرق آسيا ماضون في طريقهم حتى يزلزل الله بهم عروشكم في واشنطن وموسكو بعزّ عزيز أو بذُل ذليل؛ عزًّا يُعِزّ الله به الإسلام وذلًّا يُذِلَ الله به الكفر، شئتم أم أبيتم، ولَيبلُغَنّ ملك أمتنا ما بلغ الليل والنهار بإذن ربنا الرحمن، فإما أن تسلموا، أو تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن تُعِدُّوا أنفسكم؛ فإننا سنغزوكم بعد حملاتكم هذه إن شاء الله، وستجدوننا صابرين غالبين قاهرين، بإذن الله.

هل من رسالة إلى الموحدين في العالم عامة وفي شرق آسيا خاصة؟

أيها الموحدون في العالم؛ لقد قامت دولتكم كما ذكر لكم نبيكم، وأتت كما وصفها لكم، وتيقّنَّا من غير ريب أو شك أنها خلافة على منهاج النبوة، فإياكم ثم إياكم أن تُؤتى مِن قِبَلكم وفيكم عينٌ تطرِف وعرقٌ ينبِض، فبيعوا سلعتكم لله رخيصة، واجعلوا أعمالكم لله خالصة، فيُباهي بها ملائكته ويغيظ بها الكفار من شياطين الجن والإنس، وأعْلِموا الصليبيين بأنه قد حانت ساعة الصفر، وجاء وقت محاسبتهم على شركهم بالله وتقتيلهم وتشريدهم للمسلمين المستضعفين في العالم، واغتصابهم أعراضهم وأموالهم، وأخبروهم أن موعدنا واشنطن وموسكو، وأن الخبر ما يرون لا ما يسمعون بإذن الله.

  1. حوار مع أمير ديوان الجند (العدد 87)

الخميس 5 شوال 1438ه

أمير ديوان الجند: معركة الموصل من أهم معارك الإسلام في التاريخ، ودروسها ستُطبَّق في ساحات أخرى بإذن الله.



قال أمير ديوان الجند في الدولة الإسلامية: إن معركة الموصل هي من أهم معارك الإسلام في التاريخ، وأن دروسها ستطبق -بإذن الله- مِن قِبَل جنود الخلافة في ساحات القتال الأخرى.

وكشف أن الاستعدادات لهذه المعركة الكبيرة بدأت منذ الأيام الأولى لفتح الموصل قبل سنوات ثلاث، وأن المعارك في أطراف الدولة الإسلامية كانت كلها جزءًا من الحرب الشاملة ضد الروافض، وساهمت في إضعافهم كثيرًا قبل وصولهم إلى مدينة الموصل.

وأكَّد أن قضية استسلام جنود الدولة الإسلامية في الموصل التي يحلم بها الصليبيون والروافض: لم تكن يومًا جزءًا من خطة إدارة المعركة في المدينة، ولم تُطرح من قِبَل أحد من الجنود والأمراء، بل كان الإصرار على التمسك بالأرض المحكومة بشرع الله، والقتال حتى نيل إحدى الحسنيين: هو الخيار الوحيد للمعركة.

جاء ذلك خلال الحوار الذي أجرته معه (النبأ)، وتحدث -حفظه الله- عن قضية التحاق كثير من أهالي مدينة الموصل بالمجاهدين خلال المعركة، واصفًا الأمر بأنه نوع من النصر الإلهي لعباده الموحدين، في معركتهم ضد المشركين.

وفي الجانب العسكري: شرح أمير ديوان الجند الرؤية العسكرية التي خططت لها الدولة الإسلامية في معركة الموصل وإدارتها في المواجهة، الأمر الذي ستكون له نتائجه المستقبلية على مجمل الحرب بين الدولة الإسلامية والروافض المشركين في ولايات العراق.

ووجه الشيخ رسائل إلى جنود الدولة الإسلامية في كل من تلعفر والرقة، وقدم لهم نصائح مستفادة من معركة الموصل، كما وجه رسائل أخرى إلى جنود الدولة الإسلامية والمسلمين عامة.

صحيفة (النبأ)؛ تقدم حوارها مع أمير ديوان الجند في الدولة الإسلامية، حول معركة الموصل بعد مرور ثمانية أشهر عليها، سائلين الله تعالى أن يكون فيه الخير للإسلام والمسلمين.

ما هي أهمية معركة الموصل بين معارك الدولة الإسلامية خلال عقد من الزمن، هو عمر هذه الدولة المباركة؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده. لا تخفى على أحد اليوم -سواء من الأولياء أو من الأعداء- أهمية هذا المعركة؛ فهي من أكبر معارك الإسلام، بل هي واحدة من أهم المعارك في التاريخ العسكري في العالم كله؛ سواء من حيث حجم القوات المشاركة فيها، أو طول مدتها، أو الحجم الكبير لخسائر القوات المهاجِمة، بل وحتى من ناحية نتائجها المستقبلية، بإذن الله تعالى.

وكما تعلمون؛ فإن تقييم الأمور عندنا له معايير أخرى، وأساس النجاح عندنا هو إرضاء الله رب العالمين، وإننا نحسب أن إخواننا قد أرضوا ربهم سبحانه بحسن فِعالهم في هذه المعركة، فقد أعذروا بما قدموه من غال ونفيس في دفع المشركين، وبذلوا أقصى ما يستطيعون من جهد في رد عاديتهم، والنكاية فيهم، ولم يتمكن عدوّهم من نيل قطعة أرض إلا بعد أن كبَّدوه الخسائر الفادحة فيها.

ويكفيهم أنهم ثبتوا هذه الفترة الطويلة، التي فاقت الثمانية شهور، تحت هذا القصف الشديد، وأمام هذا الحشد الغفير من جيوش أمم الشرك والكفر؛ من صليبيين وروافض، وجنود للطواغيت وصحوات، بل ولقَّنوهم درسًا لن ينسوه أبدًا عن ثبات أهل التوحيد، وتسابقهم إلى الموت في سبيل الله، ورفضهم الاستسلام لأعدائهم مهما بلغت قوَّتهم، وقوي ناصرهم، وتأكيدهم أنهم لا يسلِّمون أرضًا للمشركين حتى ولو فنوا عن آخرهم، وتحوّلت هذه الأرض إلى رماد.

كما قدموا لأهل الإسلام درسًا جديدًا من دروس الثبات والصبر، وحسن البلاء في جهاد المشركين، سيكون نموذجًا يقتدون به، ومثالًا يَحْتَذُونه؛ كمعارك الفلوجة المتعددة والرمادي وسرت والباب، وغيرها من ملاحم جنود الخلافة.

وكما ذكرت في سؤالك: فهي معركة من معارك الدولة الإسلامية، وليست هي معركتها الوحيدة، ولا معركتها الأخيرة؛ فمعركة الدفاع عن الموصل واحدة من المعارك الهامة في تاريخ الدولة الإسلامية، كما كانت معركة فتح الموصل قبل ثلاثة أعوام من أهم معاركها أيضًا.

متى بدأت الاستعدادات لمعركة الموصل؟ وهلّا حدثتنا عن جانب من هذه الاستعدادات، وثمراته في ثبات المجاهدين طوال هذه الفترة، وتكبيد المرتدين كل هذه الخسائر؟

لقد بدأت الاستعدادات لهذه المعركة بُعيد أن فتح الله علينا مدينة الموصل بأيام قليلة، في نفس الوقت الذي كان فيه الإخوة يسعون لتقديم الخير للناس؛ فيدعونهم إلى التوحيد، ويحكِّمون فيهم شرع الله، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويحرّضونهم على الجهاد، ويقدّمون لهم ما يستطيعون من الخدمات التي تعينهم في معيشتهم، وشارك بذلك الإخوة في كل دواوين الدولة الإسلامية، فجزاهم الله عن المسلمين في الموصل كل خير.

وذلك كله بالرغم من أن أعداء الله سعوا جهدهم لكيلا يتركوا فرصة تستقر فيها أوضاع الدولة الإسلامية، وتنجح في إيصال دعوة التوحيد للناس، فحشدوا الجنود، وبدؤوا بالهجوم على أطراف أرض الدولة الإسلامية، في الوقت الذي كانت طائرات التحالف الصليبي تقصف كل مناطقها، ومنها مدينة الموصل التي نالها خلال السنوات السابقة لهذه المعركة تدمير شديد، استهدف بشكل أساسي تعطيلَ حياة الناس فيها؛ من خلال تدمير البنى التحتية، وقتلهم وزرع الرعب في قلوبهم، ودفعهم للهروب من دار الإسلام إلى دار الكفر.

وكذلك منع الدولة الإسلامية من تعزيز وجودها في المدينة، وتهيئة الظروف لتكون معركة الموصل هي المعركة الفاصلة بينهم وبين الدولة الإسلامية.

ومع ذلك: فقد مكّننا الله تعالى من إدامة زخم المعارك في أطراف أرض الدولة الإسلامية، وإطالة أمدها لأكثر من سنتين، وتكبيد المرتدين خسائر عظيمة، كما في تكريت وبيجي، والرمادي والفلوجة ومناطق حزام بغداد، بالإضافة لباقي الأجنحة كسنجار وتلعفر والشرقاط، وحقول علاس وعجيل، وكركوك، وصحراء الأنبار، فضلًا عن العمل الأمني النشط في بغداد وسامراء والجنوب وديالى وكركوك.

وكل هذا ساهم -بفضل الله- في إضعاف العدو؛ فلم يصل الجيش الرافضي إلى أطراف مدينة الموصل إلا وقد أعياه التعب، وفقد الآلاف من جنوده وضباطه، وتفكّكت أكثر فِرَقِه وألويته وكتائبه، وخسر الكَمّ الأكبر من سلاحه وعتاده.

وبالموازاة مع ثبات إخواننا في بقية الولايات، الذين أخّروا -جزاهم الله خيرًا- وصول الروافض إلى الموصل أكثر من سنتين: كان مشايخنا وإخواننا يُعِدّون العدّة لهذه المعركة؛ فيحصِّنون الثغور، ويُعِدّون الجنود، ويهيِّئُون الغذاء والسلاح والعتاد، والوقود والمعدات، ويحرّضون الناس على الجهاد والثبات.

وهذا كله وجدنا ثمرته المباركة خلال هذه الملحمة التي نحمد الله أن كتب لنا ولإخواننا أن نشارك فيها، ونسأله تعالى أن يكتب لنا فيها النصر، ويتقبّل مَن قُتِل منا في الشهداء.

فرض الصليبيون والروافض الحصار على مدينة الموصل منذ بداية المعركة، وغايتهم في ذلك: دفع المجاهدين إلى الاستسلام؛ كيف أثَّر هذا الحصار على استمرارية المعركة؟ وكيف تغلّبتم على الصعوبات التي نشأت عن هذا الواقع؟

الحصار أثَّر -وبلا شك- على معركة الموصل؛ من خلال تأثيره على الإمداد والدعم، بل وحتى الحالة المعنوية لبعض الجنود والأهالي، ولكن هذا الأمر كان متوقَّعًا قبل بداية المعركة، ولذلك فقد استعد الإخوة لأسوأ الاحتمالات، وأعدوا لها العدّة، وسعوا لتأمين البدائل لكل ما يُفتَقَد من الضروريات، مع ضمان استمرارية المعركة لأطول فترة ممكنة.

وزيادة على الإعداد المسبَق لهذا الوضع، الذي أشرف عليه مشايخنا في اللجنة المفوَّضة: فإنهم -جزاهم اللهُ خيرًا وجميعَ الدواوين- بذلوا جهدًا جبّارًا في حفظ هذا الخزين وإدامته، وحسن إدارة توزيعه ونقله، في ظلِّ انشغالٍ كاملٍ للإخوة المقاتلين في المعارك والجبهات، ولولا أن يسَّر الله لنا هذا الجهد المبارك من إخواننا: لَما كان من الممكن الاستمرار في هذه المعركة الشرسة؛ فالجندي لا يقاتل دون سلاح وعتاد، وطعام ووقود، وهذا كله لم ينقطع عنا بفضل الله وحده، وما زلنا قادرين -بإذن الله- على الاستمرار في المعركة بالوتيرة ذاتها، والإثخان في أعداء الله، دون أن نشكو من نقص في سلاح أو طعام، أو ما شابه من احتياجات المعركة.

وأما مسألة الاستسلام التي يحلم بها الصليبيون والروافض: فإنها لم تدخل في خيارات المعركة مطلقًا، ولم نسمعها من إخواننا والحمد لله، وإن كان لدى أعداء الله أوهام بخصوص ذلك بعد هذه الشهور الطويلة من المعارك: فإنهم سينتظرون طويلًا إذن، ولن ينالوا منا إلا مقولة أمرنا بها ربنا سبحانه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)} [سورة التوبة]، فإنما هي بالنسبة إلينا إحدى الحسنيين: إما نصر يعزّ الله به أولياءه، أو شهادة يدخلنا بها جنته، وإن الأمر لله من قبل ومن بعد، وليس لنا ولا لهم، وإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.

وإنه ما من نفس منفوسة إلا ولها أجل تلقى فيه ربها، ولكنها ستُبعَث على ما تموت عليه يوم القيامة، وإن أوفى النفوس حظًّا هي التي تموت في رضا ربها، وقد بيعت لله فاشتراها من المؤمنين، وقد قال ربنا جل وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} [سورة آل عمران]، فليتربصوا بنا ما شاؤوا، فإننا بهم متربصون، على ديننا قابضون، حتى نسلِّم هذي النفوس إلى باريها.

ما زال الروافض والصليبيون يبرّرون عجزهم عن حسم معركة الموصل بزعم حرصهم على أرواح أهالي الموصل؛ كيف تصفون حجم الدمار الذي أصاب المدينة، وحجم الخسائر في صفوف الأهالي؛ نتيجة استهداف الصليبيين والروافض لهم؟

يقولون: مِن المعضلات توضيح الواضحات؛ فهل بقي بيد الروافض وأسيادهم الصليبيين من سلاح لم يستخدموه ضد المجاهدين، وعوام المسلمين في مدينة الموصل؟ وهل المجازر التي ارتكبها الطيران الصليبي والرافضي، ومدفعيتهم تخفى على أحد؟

إن معركة الموصل بالنسبة لأعداء الله كانت ولا تزال حرب إبادة، استخدموا فيها أكثر أسلحتهم فتكًا وتدميرًا؛ كالقذائف الطنّيّة والفراغية والارتجاجية، بل والفوسفورية والعنقودية، وكل ما يخطر على بال؛ إذ كل مَن في سلطان الخلافة هو عدو لهم لا يبالون بحياته أو مماته، بل يتعمّدونه بالقصف والقتل، وما زلنا نراهم في كل حي يعجزون عن اقتحامه، أو تقع بهم كارثة على أيدي الموحدين: يصبّون عليه من الحديد والنار ما يصبون، حتى أهلكوا الناس، ودَمَّروا المدينة، وارتكبوا بحق أهلها عشرات المجازر، كما حدث في الزنجيلي واليرموك والآبار والعربي والانتصار والشفاء والصحة و"الثورة" وغيرها، وما زالوا إلى يومنا هذا لا يوفّرون وسيلة في قصف المدينة القديمة وتدميرها وإحراقها، في ظل عجزهم عن حسم المعركة فيها، بعد مرور شهر تقريبًا على آخر وعودهم لأسيادهم الصليبيين.

فهم يريدون أن يزول حكم الله في الأرض بأي وسيلة، ولو كانت النتيجة أن يأخذوها وهي كومة من الرمال، بعد أن يقتلوا أهلها، ويخربوا بيوتها وعمرانها.

وأما مَن قُتِل مِن رجالنا ونسائنا وأطفالنا: فإننا نحتسبهم عند الله من الشهداء، ونسأل الله أن يتقبلهم، فقد قُتِل أكثرُهم لأجل ثباتهم على دينهم، ورفضهم الخضوع لكافر أو الدخول في ذمته، وقد قُتِلوا بسلاح المشركين، وفي كل ذلك بشارات لمن أخلص النيَّة منهم: أنه شهيد بإذن الله.

من مميزات معركة الموصل: انضمام الكثير من المسلمين إلى جنود الدولة الإسلامية، بل إن كثيرًا منهم أقدم على تنفيذ عمليات استشهادية؛ كيف تفسر هذا الأمر؟ وكيف تولَّيتم قضية انتساب هؤلاء الإخوة وتدريبهم وإعدادهم للمعارك؟

هذا من فضل الله علينا، ومن المنح التي تظهر خلال المحن؛ فكثير من الناس يغفلون عن دينهم، وينشغلون بالدنيا، ويسوِّفون التوبة، ثم يبتليهم الله تعالى بالبأساء والضراء، ويكفِّر عنهم بذلك الخطايا، ويحبّب إليهم الإيمان، ومنه الجهاد في سبيل الله، بالإضافة إلى أنه في الابتلاءات والأزمات تظهر معادن الرجال، وجواهر الأبطال، كما أن ما يراه المسلمون من حرب المشركين عليهم: يساعدهم في إزالة الغشاوة التي على عيونهم تجاه المجاهدين، ويبصّرهم بحقيقة الحرب بين الإسلام والكفر، وهذه الأسباب وغيرها كان لها الدور الكبير في التحاق أعداد كبيرة من عوام المسلمين بالجهاد، وقتالهم في الصفوف الأولى إلى جانب إخوانهم، فمنهم مَن قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ونحسبهم لن يبدّلوا تبديلًا.

ونحسب أن التحاق هؤلاء الناس بالمجاهدين في هذا الوقت العصيب هو من نصر الله تعالى الذي وعدنا؛ كما قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جميعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} [سورة الأنفال].

فكان في هذا التأييد الإلهي وغيره لجنود الدولة الإسلامية: خير تعويض لنا عن انقطاع السبل عن إخواننا في الخارج، الذين يتحرّقون لنصرتنا ولكن حالت بيننا وبينهم جيوش من المرتدين، وكذلك عن المنتكسين الذين ارتدّوا على أعقابهم، ونكصوا بعد إيمانهم، وولّوا الدبر، فأبدلنا الله تعالى خيرًا منهم، ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وقد التحق بصفوف جيش الخلافة أثناء معركة الموصل آلاف من المجاهدين، كانوا قبلها من عامة رعايا أمير المؤمنين، فلما اشتدت الحرب: وجدنا الأب يأتي مصطحبًا ابنه، والصديق مرافقًا صديقه، وكلهم يطلب الجهاد في سبيل الله، وقد تقدّم كثيرون منهم لتنفيذ العمليات الاستشهادية، ورأيتم جانبًا من هذا الأمر في الإصدارات المرئية التي أصدرها إخواننا في المكتب الإعلامي لولاية نينوى، جزاهم الله خيرًا.

أما قضية التعبئة والتجنيد، وإعداد المقاتلين أثناء المعارك، وخلال الحصار، وتحت الطائرات المسيرة والقاصفة: فهو من الصعب العسير ولا شك، ولكن الله يَسَّر، وأعان إخواننا في مكاتب الانتساب على استقبالهم، وإدراجهم في معسكرات خاصة، حسنة التمويه؛ حيث تم تدريبهم عسكريًّا، وتعليمهم شرعيًّا، ومِن ثَمّ فرزهم إلى خطوط الرباط، أو الصنوف المختلفة، وكلّ بحسب قدراته ومؤهلاته.

لو ركزنا على الجانب العسكري البحت؛ كيف تصف التخطيط لإدارة الحرب عند جيش الخلافة في معركة الموصل؟ وما هي أجدى التكتيكات التي اتبعتموها في هذه المعركة؟

إن أفضل تخطيط لإدارة الحرب الذي اعتُمد لمعركة الموصل منذ بدايتها -بعد التوكل على الله تعالى والالتجاء إليه-: هو وضع الخطط في المكان الصحيح ضمن التخطيط الشامل للدولة الإسلامية؛ فهذه المعركة واحدة من معارك الحرب التي يخوضها جيش الخلافة ضد الروافض وغيرهم من المشركين والمرتدين، وليست هي كل الحرب، وإن كانت هذه المعارك من أهمها وأكبرها على الإطلاق.

فإن اعتبرنا أن تدمير قوة الرافضة في العراق هو واحد من أهم أهداف هذه الحرب؛ فإن معركة الموصل ساهمت بقسط كبير في تحقيق هذا الهدف، بالرغم من أنها معركة دفاعية بحتة، مع احتوائها على تكتيكات هجومية.

ولذلك كان تخطيط إدارة الحرب عند جيش الخلافة في معركة الموصل منذ بدايتها يقوم على أسس قوية حافظنا عليها: هي التمسك بالأرض داخل المدينة، وتفعيل كل القدرات والخبرات العسكرية، وإطالة أمد المعركة قدر المستطاع، وتكبيد العدو أكبر ما يمكن من الخسائر، ولذلك يمكننا القول إن خطة معركة الموصل بكاملها قامت على الاستنزاف.

وقد مرت خطة الاستنزاف هذه بمراحل متعددة؛ فعندما كانت المعارك تدور خارج المدينة وعلى أطرافها: كان التركيز الأكبر على استنزاف العدو في آلياته، باستخدام مضادات الدروع بمختلف أنواعها، والعمليات الاستشهادية، وحقول الألغام الكبيرة، وبمجرد دخول الروافض إلى أحياء المدينة بدأ الاستنزاف الكثيف لأفراد قواته من جنود وضباط؛ وذلك من خلال الاشتباكات المباشرة، والقنص والعبوات، والعمليات الاستشهادية والانغماسية، وما زال النزيف الحاد في الجيش الرافضي مستمرًّا إلى يومنا هذا: في أفراده وسلاحه، وعتاده وآلياته، بل وفي بنيته الأساسية.

وكانت من نتيجة هذا -بفضل الله- أن خسر الجيش الرافضي معظم آلياته ودروعه، وقُتل الآلاف من جنوده المدربين، والمئات من ضباطه، هذا عدا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين.

وفي المحصّلة: لم يبقَ من الجيش الرافضي الكثير؛ فأغلب فِرَقه وألويته وأفواجه جرت إعادة هيكلتها، بسبب فقدان أغلب جنودها وضباطها، وأخرى لم يبق منها سوى أسمائها، وقامت الحكومة الرافضية بفتح باب التطوع في الجيش والشرطة على مصراعيه لاستقبال أيِّ منتسب مهما كانت صفته، ليُزَجَّ به في معركة الموصل بعد تدريب شكلي، وهؤلاء المنتسبون سيكونون في المستقبل هم عماد الجيش الرافضي الجديد، بعد إفناء غالبية الجيش القديم.

ولذلك فإن الجيش الرافضي بعد معركة الموصل لن يكون كما كان قبلها، وإن كان الجيش القديم الضخم قد كسره بضع مئات من المجاهدين في الموصل يوم فتحها؛ فكيف سيكون حاله الآن؟!

ولذلك نرى -والفضل لله- أن التخطيط لإدارة معركة الموصل كان ناجحًا، ويمكن تطبيقه من قِبَل المجاهدين في كل الظروف المشابهة، مع إجراء التعديلات عليها بما يناسب تغير أحوال الأعداء وساحات المعارك.

وقد تم التخطيط لإدارة المعركة، والإشراف على خططها وتطبيقها على الأرض: من قِبَل غرفة عمليات مركزية أنشأها ديوان الجند بفضل الله، ضمت أمراء القواطع والاختصاصات العسكرية وأصحاب القرار في الولاية، وفُوِّض لها ما تحتاجه من الصلاحيات، ووضع تحت تصرفها كل ما يتطلب من الإمكانيات، وكان لهذه الغرفة الفضل الكبير -بعد الله عز وجل- في توحيد مركز القرار، وتركيز الجهد، وحسن إدارة المعركة.

ولا ننسى طبعًا دور الإخوة في بقية ولايات العراق في مشاغلة الرافضة، والضرب في ظهر قواتهم، وعلى طرق مواصلاتهم، وتهديد أمن المدن التي يسيطرون عليها، وزيادة نزيفهم، بمعدل يكاد يساوي بمجموعه حجم النزيف الهائل لهم في معركة الموصل، وهذا كله ساهم -بفضل الله- في تخفيف زخم العدو، وتشتيت انتباهه، وإجباره على إبقاء جزء من قواته بعيدًا عن معركة الموصل، وتخفيف الضغط عن جنود دولة الخلافة في الموصل، وإطالة أمد المعركة أكثر، فجزى الله إخواننا في كل الولايات خيرًا، على جهادهم وثباتهم.

اليوم ونحن في منتصف الشهر التاسع من المعركة؛ ما هي أحوال المجاهدين في الموصل اليوم؟ وما هو حال عدوهم؟ وكيف هي ساحة الحرب في هذه الفترة التي يزعم المرتدون أنها المرحلة الأخيرة من مراحل المعركة؟

أما حال الكفار: فلا يخفى على أحد، وخسائرهم أكبر من أن يستطيعوا إخفاءها، حتى وإن أخفوها، فنحن قد أظهرنا جانبًا منها، هو كفيل -بإذن الله- بإعطاء صورة مجملة عن حالهم.

ولذلك نرى الروافض وأسيادهم في استعجال شديد لإعلان حسم المعركة، وإعطاء الموعد تلو الموعد؛ لتخدير عناصرهم وأنصارهم، فجميعهم قد تعب من هذه المعركة، التي حسبوا أن تنتهي في شهر أو أكثر، فإذا هي تكاد تنهي شهرها التاسع دون أمل لديهم بحسم قريب، وقد قال طاغوتهم مؤخّرًا: إنّ لا موعدَ محدّدًا لانتهاء المعارك في الموصل.

وأما حالنا: فيَسُرّ الصديق والحمد لله، ويغيظ العدو، ويذكر بتضحيات الجيل الأول من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين فدوا الدين بأرواحهم؛ فقد رأينا في هذه المعركة من نماذج البطولة والثبات، وصدق التوكل على الله: العجب العجاب، رغم الحصار وشدة القصف، وزخم المعارك، ومَن يعرف حال إخواننا اليوم يعرف أنهم ما زالوا مستبشرين بنصر الله، يرونه بين أيديهم، وأمام أنظارهم، لا يحجبه عنهم إلا قدر من أقدار الله.

بل ترى كثيرًا من الإخوة يترقّب نصر الله في الساعة التي تنتهي من أيديهم كل الأسباب فلا يبقى إلا سبب الله تعالى، فيَمُنّ به على عباده الصابرين.

وتراهم يبشّر بعضهم بعضًا، ويثبّت بعضهم بعضًا، وكلهم -نحسبهم- طالب للشهادة، حريص عليها، مقبل على الله تعالى، مدبر عن الدنيا وما فيها.

أما ساحة الحرب بيننا وبين الكفار؛ فهي كما قلت سابقًا: أوسع من معركة الموصل، وإن كان ما لاقوه في الموصل من الأهوال لن ينسوه بإذن الله، إلا أن يمكِّننا الله من أن نحدث بهم كارثة أكبر تنسيهم الموصل وأهوالها، وهو قريب غير بعيد، بإذن الله.

وقولهم: إن المعركة في مراحلها الأخيرة: ما يزالون يكررونه منذ بداية المعركة، بل ما زالت هذه كذبتهم المفضلة منذ قيام الدولة الإسلامية قبل عقد من الزمن، وإننا نقول لهم: إن المرحلة الأخيرة من قتالنا مع المشركين لن تكون -بإذن الله- حتى يقاتل آخرنا الدجال، ويكونوا هم من جنوده، فينصرنا الله عليهم أجمعين.

إخوانكم في الرقة وتلعفر يتعرضون للحصار، ويحاول المرتدون اقتحام المدن عليهم؛ ما هي نصيحتكم إليهم؟ وهل يمكن أن يستفيدوا من تجربة معركة الموصل في معاركهم التي بدأت في تلك المدن؟

أما أهم نصيحة نقدمها إليهم؛ فهي أن يتقوا الله في أنفسهم، ويحرصوا على دينهم، ويتوكلوا على ربهم ويحسنوا الظن به سبحانه، ويتذكروا نعمة الله عليهم بالتوحيد والجهاد في سبيله، والتمكين لهم في الأرض، وأن يسعوا جاهدين في شكر هذه النعمة، بطاعة الله تعالى، وطاعة أمرائهم، والحرص على الجماعة، والبعد عن النزاع.

وأن يوقنوا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وإنما هي أسباب نأخذها، ونتوكل على الله عز وجل؛ فالتوكل في القلب، والأسباب في متناول الجوارح، ويحذروا من أن تدخل الأسباب إلى القلب، أو يخرج منه التوكل على الله، أو يترك أحدهما بزعم الأخذ بالآخر فحسب، بل نتوكل على الله ونأخذ بأقصى ما نستطيع من الأسباب، وما النصر إلا من عند الله العزيز القدير.

ومن الضروري أن يكون الأمراء على معرفة برجالهم؛ فيستخدموا كلًّا منهم في المكان الأنسب له، ويوزعونهم على المحاور بما يضمن ألا يُؤتى الصف من أيٍّ منهم، وأن يحفظوا صفهم أيضًا من النزاع، ومن المرجفين.

وفي خصوص معركتهم: نوصيهم أن يُفَعِّلوا صنوف القتال كافة، ويستخدموا كل صنف منها: في مكانه الصحيح، وفي وقته الصحيح، وضمن المدى الصحيح؛ فإنا قد وجدنا لهذا فائدة كبيرة.

وأن يكثفوا من الاستطلاع، ويجتهدوا في معرفة تحركات المرتدين، وأماكن تجمعهم بشكل دقيق؛ فذلك سيوفر لهم -بإذن الله- إمكانية توجيه ضربات مركزة لهم، تصيبهم في مقاتلهم.

ونوصيهم بالمبادرة فالمبادرة، وبالهجوم فالهجوم، وأن يوقنوا أن النصر من عند الله عز وجل، فليطلبوه من الله، وليُعِدّوا له أسبابه.

وإن دروس معركة الموصل أكثرها قد صارت بين أيديهم؛ فليستفيدوا منها، ولينتفعوا بها، وليأخذوا بأحسنها، فإنما هذه الدروس ثمنها غال عظيم، هو نفوس إخوانهم ودماؤهم، فلا يزهدوا فيها.

رسالة توجهها إلى جنود الدولة الإسلامية، وإلى عامة المسلمين.

أقول لجنود الدولة الإسلامية: اثبتوا واصبروا وصابروا ورابطوا، واعلموا أن ما أصابكم هو ابتلاء من ربكم، ولستم أول من يبتلى في سبيل الله أو يفتن، بل هي سنة الله تعالى في أهل الإيمان دائمًا؛ قال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} [سورة البقرة]، واعلموا أنه ليس بعد البأساء والضراء والزلزلة إلا نصر الله، الذي هو قريب منا كما قال ربنا، ينزله بعلمه وقدرته وإرادته جل جلاله.

فتابعوا جهادكم، وأثخنوا في أعدائكم، فلسنا -بفضل الله- ممن يذرف الدموع كالنساء، ولكننا ممن يبذلون دماءهم رخيصة دفاعًا عن ديننا وأعراضنا، فقوموا إلى جهادكم، فإنما هي والله إحدى الحسنيين، وإنها جنة عرضها عرض السماوات والأرض.

فلا بد من الابتلاء قبل التمكين، ولا بد أن يتزلزل الصف قليلًا؛ ليخرج ما فيه من الخبث، فيعود طيبًا، وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.

فالثبات الثبات، والإخلاص الإخلاص، والنجاة النجاة؛ فإن الأمر خطير، وإن الخطب لجلل.

وأما إلى بقية المسلمين؛ فأقول لهم: لقد بان الليل من النهار، وامتاز الفسطاطان: فسطاط الإيمان، وفسطاط النفاق؛ فاختاروا لأنفسكم، قبل أن يختار لكم أعداؤكم، ولتعلموا أن الله غني عنّا وعنكم، ولكنه سائلنا وسائلكم عن دينه: هل حفظناه؟ وعن المستضعفين من عباده: هل سعينا في استنقاذهم؟ أم قد أضعنا ذلك كله؟ فلا تضيعوا أنفسكم ودينكم بعد أن هيأ الله لكم أسباب الظفر، وسلَّ لكم سيوفًا لا تكلّ في نحر الكفار، فأجيبوا داعي الله قبل فوات الأوان، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.





  1. حوار مع أمير مكتب المُطَّوِّعة والمستنفَرين (العدد 93)

الخميس 17 ذو القعدة 1438ه

أمير مكتب المُطَّوِّعة والمستنفَرين: استنفار المؤمنين اليوم للجهاد واجب شرعي، ومَن يلتحق بالنفير يعامل معاملة جنود الدولة الإسلامية.



عمل مكتب المطوعة والمستنفرين يتعلّق بشعيرة الجهاد؛ هلّا حدثتنا عن هذه الشعيرة، وفرضها على المسلمين؟

إن الجهاد في سبيل الله تعالى شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، كتبه الله على عباده المؤمنين؛ فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون (216)} [سورة البقرة]، وبيَّن سبحانه أن هذا القتال الذي يكرهه الناس: إنما هو خير للذين آمنوا؛ إذ فيه صلاح دينهم ودنياهم.

ولا شكَّ أن النفوس السوية رغم كرهها للقتال؛ فإن كرهها لتسلط الأعداء عليها، وإذلال أصحابها: أشد وأعظم؛ ولذلك فإنها تشتهي رد العدوان، ودفع الظلم عنها وعن غيرها، واسترداد الحقوق ممن غصبها، ولا يكون ذلك -غالبًا- إلا بقتال الظالمين المعتدين، فما بالك إن كان الاعتداء والظلم واقعًا على المؤمنين من قِبَل أعدائهم المشركين ليصدُّوهم عن سبيل الله؟ فإن رغبة أهل الإيمان في قتال أولئك الطواغيت أشد وبلا شك، فإن المؤمن قد يعفو عن حق نفسه، ولكنه لا يتنازل عن حقوق الله تعالى.

ولذلك كانت إباحة القتال للمسلمين، وأمرهم بذلك: نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليهم، فلا ننسى أن كثيرًا مِن الأمم الذين مِن قبلنا لم يُؤمَروا أن يدفعوا أذى المشركين عن أنفسهم، وإنما كان الأمر الرباني لهم بالصبر على الأذى في سبيل الله مهما عظم، أو الهجرة وترك الديار وتجنُّب مساكنة الذين كفروا، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام كانوا في فترة طويلة من عمر الدعوة غير مأمورين بالقتال، رغم تشوّقهم إليه، وحرصهم على دفع أذى مشركي قريش عن أنفسهم وإخوانهم، ورغبتهم في الانتقام منهم، حتى أذن لهم ربهم سبحانه بقتال مَن آذَوهم وأخرجوهم، فكان ذلك من النعم التي منّ بها الله تعالى عليهم؛ فقال سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} [سورة الحج].

ثم انتقل أمر الله تعالى لعباده المؤمنين في قتال المشركين من الإباحة والندب إلى الوجوب، وذلك بحسب حال المسلمين؛ فإن كانوا في حال قوة وكفاية: كان الوجوب عامًّا على الأمة، بحيث يكفي لرفع الحرج عن المسلمين أن يقوم بالفريضة بعضهم فيسُدُّوا الثغور، ويُديموا الجهاد، وإن كانوا في حالة ضعف وقِلَّة: وعجزوا عن حماية أنفس المسلمين، وحفظ دار الإسلام من أن يستولي عليها الأعداء، فإن الجهاد يكون واجبًا متعيّنًا على كل مسلم، وفق أولويات معروفة، شرحها الفقهاء، وبيَّنُوها للناس منذ القدم.

ما دور الدولة الإسلامية في تطبيق هذا الحكم الشرعي؛ سواء كان الجهاد جهاد طلب لفتح الأرض والتمكين فيها لدين الله تعالى، أم كان جهاد دفع للمشركين عن ديار المسلمين؟

إن من واجبات الإمام المسلم الذي يُمثِّل الدولة الإسلامية ويتولى أمرها وأمر رعيتها: أن يحمل الناس على أداء الواجبات، وترك المحرمات، كما أن حماية البيضة، وجهاد أعداء الدين: هو من واجباته أيضًا، وهذا الواجب لا يمكن أن يقوم به وحده، وإنما يحتاج للقيام به أن يعينه عليه المسلمون، فينفروا للقتال إذا استنفرهم لذلك، فكان استنفار الإمام لفردٍ من المسلمين أو جماعة منهم: مما يوجب عليهم النفير، ولو كان النفير غير متعيّنٍ عليهم بالأصل، فإذا لم يستجيبوا لاستنفاره لهم: جاز له إلزامهم بالخروج، وتعزير من تولَّى أو تأخر، وذلك لأسباب كثيرة؛ أهمها: أن ذلك داخل في نهيهم عن المنكر، بتركهم أمرًا واجبًا عليهم القيام به.

بل إن هذا يكون واجبًا على الإمام في بعض الحالات؛ كأن يترتّب على عدم خروج الناس أو بعضٍ منهم لجهاد الأعداء احتمال انهزام جيش المسلمين؛ لقلة عدد، أو افتقار إلى بعض الخبرات والإمكانيات التي يمتلكها القاعدون عن الجهاد، فهُنا يجب على الإمام أن يُلزم مَن يُحتاج إليه لسد الثغر بالنفير والجهاد، وإن قصَّر في ذلك يكون آثمًا، إذا علم أن الواجب المفروض عليه مِن حفظ دار الإسلام، وحماية أنفس المسلمين وأموالهم وأعراضهم: لا يتم إلا بإخراج نفر من المسلمين أو كلهم لذلك؛ فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وهكذا فإن الإمام يحرِّض المؤمنين على الجهاد؛ لِمَا فيه الخير في دنياهم وآخرتهم، ويستنفرهم إلى القتال إن احتاج لذلك، فإن لم تُسَدّ الحاجة بمَن نفروا طواعية: فإنه يُخرِج مِن المسلمين ما يكفي لذلك، ولو بإجبارهم وإلزامهم، وتعزير مَن يشاء مِن المتخلّفين بما هو كافٍ ليرتدع عن معصيته، ويكون عبرة لغيره.

وبالمثل: فإن من الواجب على الإمام أن يُنفِق من بيت مال المسلمين ما يكفي من المال للقيام بفريضة الجهاد، وحماية بلاد المسلمين، وفي الوقت نفسه: يحثُّ المسلمين على الإنفاق في سبيل الله طلبًا للخير لهم، فإن قلَّ ماله عن كفاية المطلوب: فإن له أن يستقرض المسلمين، ويأمرهم بالبذل في سبيل الله، فإن لم يَكْفِ ذلك كله: فإن له أن يأخذ من أموال المسلمين ولو بغير رضا نفوسهم حتى يكتفي بيت مال المسلمين لسد حاجة الجيش والثغور، ولا يأخذ أكثر من هذا الحد، وهذا الجواز يتحوّل إلى الوجوب في بعض الحالات كما ذكرنا سابقًا.

البعض يزعم أن إلزام المسلمين بالجهاد في سبيل الله ليس من سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا خلفائه الراشدين، ويظن أنه من ابتداع الطواغيت الحاكمين لبلاد المسلمين اليوم، الذين يسوقون الشباب راضين أو مرغمين ليخدموا في جيوشهم الكافرة؛ فما حقيقة الأمر؟

هذا من الجهل بالدين، ومن التكلم بغير علم في تاريخ المسلمين، فإن كان الأصل في صحابة النبي -رضوان الله عليهم- أنهم لا يتأخرون عن الجهاد في سبيل الله حتى لو لم يكن واجبًا عليهم: فهذا لا يعني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يلزمهم بالقتال في بعض المواطن، التي أشهرها غزوة تبوك التي استنفر لها كل المسلمين، فلم يتأخر عنها إلا مَن تقدّم بعذر، فَقُبِل منهم علانيتهم، وترك أمرهم إلى الله تعالى، فهو العليم بسرائرهم، أما مَن تخلّف عن الخروج إلى الغزوة: فإنه عليه الصلاة والسلام عزّرهم بما كان أشد عليهم مِن الضرب والحبس؛ فأمر المسلمين بمقاطعتهم، حتى تاب الله عليهم، رغم أنها كانت من أشق غزوات النبي عليه الصلاة والسلام؛ فالعدو مَخُوْفٌ، والمسافة بعيدة، والوقت في أحر الصيف.

وكذلك فإننا نجد في تاريخ خلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على إلزامهم الناس بالخروج للجهاد في سبيل الله تعالى، حين يحتاج المسلمون لذلك؛ فهذا الفاروق عمر رضي الله عنه يرسل إلى أمراء الأمصار، يحضّهم على إخراج الناس لنجدة المجاهدين في حربهم مع الفرس، وقال لهم كما روى الطبري وابن الأثير: "ولا تدعوا في ربيعة أحدًا، ولا في مضر، ولا حلفائهم أحدًا، من أهل النجدات، أو فارسًا: إلا اجتلبتموه؛ فإن جاء طائعًا وإلا حشرتموه" أي مكرَهًا.

وعلى هذا مضى أمر الدول الإسلامية من زمن الصحابة حتى يومنا هذا؛ فكان الأئمة والأمراء والسلاطين يخرجون للجهاد في سبيل الله، ويُخرِجون للجهاد حاجتَه، وألزَمَ كثيرٌ منهم الناسَ بذلك ولو مكرَهين، وعلماء المسلمين بينهم، لا ينكرون عليهم، ولا يرون في ذلك بأسًا، بل ونجد في كلام بعضهم تحريضًا للأمراء على ذلك.

ولكننا اليوم في زمان غربة من الدين؛ لذلك فإن كثيرًا من الناس يستغربون أحكامه، وهذا ما شاهدناه مرارًا خلال السنوات الماضية من عمر الدولة الإسلامية، التي جدد الله بها ما اندرس من الدين، وأحيا بها كثيرًا من السنن المتروكة، والناس لجهلهم أو لأهوائهم يظنون هذه الأمور بدعًا من الدين ما أنزل الله بها من سلطان، ولذلك نجدهم كما كانوا يستغربون أن يأتيهم مَن يلزمهم بالصلاة واللحية وبحجاب نسائهم: فإنهم اليوم يستغربون أن يأتيهم مَن يلزمهم بالجهاد في سبيل الله تعالى، وهم يحسبون أن الجهاد نافلة من النوافل، لا تجب في حقهم بحال.

وما ذكرته أنت بخصوص "التجنيد الإجباري" الذي يفرضه الطواغيت على مَن يحكمونه مِن الناس: مثال جيد على مدى اختلال الموازين عند أغلب الناس؛ فهم يخضعون لحكم الطواغيت في ذلك، ويذهبون طائعين مذعنين لينتسبوا إلى الجيوش الكافرة، ويخرجوا بذلك عن دين الإسلام، بل ويقاتلون المسلمين في سبيل الطاغوت، ولا أحد يستنكر ذلك، أو ينهى عنه، بل نجد علماء السوء المرتدين يحُضُّون عليه، ويصورونه زورًا جهادًا في سبيل الله، واليوم نجد هؤلاء أنفسهم يستنكرون أن يُلزِم خليفةُ المسلمين رعيّتَه بالجهاد في سبيل الله، ويقولون: إن الجهاد لا إلزام فيه، وما إلى ذلك من الأقاويل!

والخلاصة: أن إلزام المسلمين بالجهاد في سبيل الله عند الحاجة إلى ذلك هو عمل صالح، يُؤجَر فيه الإمام إن أمر به، ويُؤجَر فيه المستنفَر إن لبَّى طاعةً لله ورسوله وطاعة لولاة أمره، أما إلزام الناس بالانتساب إلى جيوش الطواغيت، أو القتال فيها: فهو كفر، يكفر مَن يأمر الناس بذلك أو يجيزه، ويكفر مَن يستجيب لهذا الأمر فيلتحق بالجيوش الكافرة، ولو كان يكره الطواغيت ويعاديهم، ويزعم حب المسلمين والولاء لهم.

لماذا ألزمت الدولة الإسلامية اليوم المسلمين بالنفير في سبيل الله تعالى؟

لقد سبق وذكرتُ بعض الأسباب التي تبيح للإمام هذا الأمر أو توجبه عليه؛ وأهمها: أن يكون جيش المسلمين في حاجة إلى ذلك، أو خوفًا على ديار المسلمين من أن يدخلها المشركون فيعيثوا فيها فسادًا، كما نراه اليوم في بعض البلاد التي دخلوها، والتي بذل فيها المجاهدون أقصى ما يستطيعون للدفاع عنها، حتى فنَوا في بعض المناطق عن بكرة أبيهم وهم يأبون الانحياز وترك المشركين يستولون عليها دون قتال؛ مثلما حدث في الموصل وسرت وغيرها من ديار المسلمين.

وإننا نجِدُ اليوم أمامنا فرصة كبيرة لتحصين ما بَقِيَ بأيدينا من الديار، بل واسترداد ما استولى عليه المرتدون، ثم الكَرَّة عليهم وفتح ما بأيديهم من البلدان، ولكن هذا الأمر مرهون -بعد توفيق الله- بتوفُّر العدد والعدة اللازمة لذلك، وفي الوقت نفسه نجد أكثر المسلمين غافلين عما يجري من حولهم، فانشغلوا عن آخرتهم، ولم تسلم لهم دنياهم، بل أفسدها العدو عليهم؛ ولذلك فإن من الواجب اليوم أن يخرج من المسلمين ما يكفي لتعزيز الثغور، والشد من أزر المرابطين، وتقوية عزائم المجاهدين، وهذا كله هو غاية إعلان النفير الإلزامي على فئة من المسلمين.

وأقول: فئة من المسلمين؛ لأن هذا النفير الذي صدر التعميم بخصوصه محصور بطائفة من الناس لا كلهم، وهم المقيمون في ولاية الخير، ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عامًا، وهو اختيار يخضع لاجتهاد الإمام والنواب عنه، وقد يتغير بتغير الأحوال، وبحسب تقدم العدو وانحساره عن بلاد المسلمين.

ولا يخفى عن أحد أن الروافض والنصيريِّة يحشدون كل قوتهم للهجوم على ولاية الخير، وجنود الدولة الإسلامية يتصدَّون لهم، ويُعظِمون فيهم النكاية بفضل الله، ولكن الأمر يحتاج أكثر من جهد المُطَّوِّعين من المجاهدين؛ ولذلك فقد استنفر الإمام أهل ولاية الخير عدة مرات، فنفر من شيبها وشبابها الكثير -والحمد لله- استجابة لاستنفار أمير المؤمنين، ولكن لم تُسَدّ حاجة الثغر بذلك، فوجب أن نُخرِج لهذه الحاجة مَن يسدّها مِن الرجال ولو بالإلزام، وهو خير لهم من أن تسقط ديارهم في أيدي النصيريِّة: فيُهلِكوهم، وينتهكوا الأعراض، ويسلبوا الأموال، بل ويسلبوهم دينهم عندما يلزمونهم بالخدمة في جيشهم، كما حدث في كل المدن والمناطق التي سيطروا عليها.

الآن: ما هي سياستكم في التعامل مع المستنفرين؛ مَن أجاب النفير منهم، ومَن تولّى وظل قاعدًا عن الجهاد؟

بالنسبة للطائفة المستنفرة من المسلمين: فإنهم مَدعُوُّون الآن لزيارة مكاتب المستنفرين المنتشرة في عموم أرجاء الولاية؛ لبيان حالهم للإخوة العاملين فيها؛ فمَن كان مِن أهل الأعذار قدَّم عذره للجنة مختصة بذلك، فيُقبَل عذره إن كان صادقًا فيما يدّعيه مما يُعذَر به القاعد عن الجهاد، وإن كان أهلًا للالتحاق بالجهاد فإنه يُرْجَأُ إلى حين إخطاره بالموعد الخاص به؛ للالتحاق بالدورات الشرعية والعسكرية التي تؤهله للقتال في سبيل الله، أو يُؤَجَّل لفترة محددة من الزمن إن كان لديه عذر شرعي في التأخر عن النفير.

فمن التحق بالنفير: فإن مدة خدمته بما فيها التأهيل الشرعي والتدريب العسكري ستكون بحدود 4 أشهر، يُعامَل خلالها معاملة بقية جنود الدولة الإسلامية في النواحي كلها تقريبًا، ويبقى كذلك حتى تنتهي مدة نفيره المقرّرة، ويُخيَّر بعدها بين التطوّع في جندية الدولة الإسلامية وعدمها؛ فإن هداه الله للبقاء في صفوف المجاهدين: جرى ضمّه إليهم، دون إلزامه بإعادة الدورات الشرعية والعسكرية، وصار حالهم كحالهم، وإن أبى: فله العودة إلى حياته التي كان عليها قبل نفيره، ونسأل الله أن يتقبل منه.

أما مَن تولّى عن إجابة النفير مِن غير أولي الأعذار: فإنهم يُلزَمون بذلك وإن كَرِهوا، ويتم إلحقاهم بالمستنفرين رغمًا عنهم، وتعزيرهم على قعودهم وتوَلِّيهم عن أداء ما توجب عليهم من الجهاد، وتخَلُّفهم عن طاعة إمامهم وولي أمرهم.

هل من كلمة توجهونها للمسلمين عمومًا، والمستنفَرين إلى الجهاد في سبيل الله خصوصًا؟

إن خير ما نوصيهم به وأنفسنا: تقوى الله تعالى في السرِّ والعلن، وخير ما نذكّرهم به في هذا الخصوص قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [سورة الصف].

أما إخواننا المستنفَرون؛ فإننا نخُصُّهم بالتذكير بوجوب إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله، ولا يصُدَّنَّهم عن ذلك إلزام الإمام لهم به، فإنما أراد أمير المؤمنين -حفظه الله- من ذلك خيرهم في دينهم ودنياهم، ليُرضوا ربهم، ويحفظوا دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم.

وفي الختام: نقول لهم قول الله تعالى لعباده: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)} [سورة العنكبوت]، والحمد لله رب العالمين.





حوار مع الأمير العسكري لولاية الرقة (العدد 94)

الخميس 24 ذو القعدة 1438ه

الأمير العسكري لولاية الرقة: معركة الرقة لن تكون نزهة للمرتدين والصليبيين.



حيث المعارك تستعر في نواحي المدينة التي صارت ساحة لمن أراد إحدى الحسنيين، ومقبرة للمرتدين وحلفائهم؛ فمَن شاهد معركة الموصل عَلِم يقينًا أن معركة الرقة لن تكون إلا خسارة وندامة للمرتدين وأعوانهم، فلن يتقدم الكفار شبرًا في أرض الإسلام حتى تنوح نوائحهم على دماء أُرِيقت فداء لجنود الصليبيين، كما أريقت دماء الرافضة في الموصل، ولن يخلُوَ بيت من عويل نوائحهم، بإذن الله عز وجل.

(النبأ)؛ تنقل لكم مجريات الحوار مع الأخ الأمير العسكري لولاية الرقة؛ ليحدّثنا عن أهم معالم المعركة هناك.

حَدِّثْنا عن ولاية الرقة، وأهميتها الاستراتيجية، ووضعها العسكري الحالي، ومعنويات المجاهدين فيها.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، أما بعد: فلقد تمتّعت الرقة بمكانة خاصة قبل الأهمية الاستراتيجية والعسكرية؛ إذ إنها مِن أولى المدن التي فتحها الله سبحانه وتعالى للمجاهدين، ونشروا فيها عقيدة التوحيد الصافي، وحاربوا فيها الكفر بكل أنواعه، وكانت هي المنطَلَق لتمدد الدولة الإسلامية، والمركز لعمليات الخلافة في مختلف الجبهات، أمَّا بالنسبة للأهمية الاستراتيجية؛ فتتمتع الرقة بموقع جغرافي يتوسّط الأراضي التركية والمناطق المهمة في بلاد الشام، ويمكن اعتبارها مركز ثقل المدن الواقعة شمال الفرات.

أما عن معنويات المجاهدين؛ فهي عالية، وإرادة القتال موجودة، بفضل الله، ولهم غايتان لا ثالث لهما: فإما شهادة ولقاء رب العالمين، وإما نصر وفتح وتمكين، إن شاء الله.

ما الذي يهدِف إليه الصليبيون وعملاؤهم في المنطقة بحملتهم على الرقة؟

إن الهدف الرئيس من الحملة الصليبية: هو القضاء على الإسلام وأهله، وردُّ الناس عن دينهم بعدما عاد إليهم التوحيد وقد طُمس حِقبة من الزمان.

وأبرز الأهداف العسكرية للحملة على الرقة هي:

إبعاد المجاهدين عن مركز حَيَويٍّ لهم من النواحي الاقتصادية والعسكرية وغيرها.

إخراج مجاهدي الدولة الإسلامية من إحدى أكبر مدنهم؛ ظنًّا منهم أن ذلك سيُقلِّل من انضمام المسلمين إلى الدولة الإسلامية.

إعطاء الملاحدة فرصة لإقامة دُوَيْلَة لهم على مقربة من الأراضي التركية؛ ظنًّا منهم أن ذلك سيمنع دخول المجاهدين إلى أوروبا عبر المنافذ الحدودية.

وصول الصليبيِّين إلى ضفاف نهر الفرات والسيطرة على أبرز المدن فيه؛ وهي: الرقة، والسيطرة على السدود المهمة فيها.

إيهام الغرب والشرق أن استيلاء الصليبيِّين والملاحدة على الرقة سيكون ضربة قاصمة للمجاهدين، وعاملًا يقضي على الخلافة في الأرض، ولكن خابوا وخسِئوا إن شاء الله؛ فإنها باقية إلى قيام الساعة بإذن الله.

كيف استعد جنود الخلافة وقادتهم للدفاع عن الولاية عمومًا ومدينة الرقة خصوصًا؟

يسَّر الله تعالى للمجاهدين أسبابًا للقتال والتصدّي للحملة الصليبية، والإثخان بأعداء الله؛ فلقد شَرَعَ المجاهدون بالولاية في بداية الحملة بامتصاص القوة الصليبية عبر الدفاع تارة، والهجوم المعاكس تارة، وضربِ العدو في العمق تارةً أخرى، ونصب الكمائن في مناطق العدو والمناطق التي يُتوَقَّع دخول الكفار إليها، وكان لتلك العمليات أثر بالغ في الكفار والمرتدين، التي جعلت جحافله تبدو قلقة مضطربة، والخوفُ يعلو جباههم، والرُّعبُ يملأ قلوبهم.

وإن من أنجح طرق الدفاع ضد تقدم المرتدين: هي تفخيخ الأماكن المحتمل التقدم إليها، وخاصة الاستراتيجية منها، أو التي يريد العدو تحصيل نصر وهمي فيها، ومن الأساليب أيضًا: نشر مفارز القنص بمختلف أنواعها الثقيلة منها أو الخفيفة في الأماكن الاستراتيجية التي تظهر فيها عورة العدو، والأماكن المرتفعة كالأبنية وغيرها.

ومن الأساليب أيضًا: السيارات المفخخة التي تُغِيرُ على التجمعات، والعتاد الذي لا يمكن الوصول إليه بالأسلحة الأخرى كقاذفات الصواريخ أو غيرها.

واعتمد الإخوة على التمويه مُتَّخذين منه سببًا مهمًّا لنجاح المعركة، وقام الإخوة أيضًا بتقسيم المدينة إلى قواطع وقطعات صغيرة تكون ذاتية التصرف في حالة الطوارئ، وذاتية التعامل مع الأهداف، وكذلك يكون لها مؤن وذخائر؛ بحيث لا يحتاج القاطع إلى غيره من القواطع الأخرى، ويكون ذاتيَّ التصرف لتقدير المواقف ولترتيب الصفوف.

ومن الأساليب أيضًا: وضع ورش لصيانة السلاح وإصلاحه وكذلك تصنيعه، بعدما أثبتت الدولة الإسلامية -بفضل الله- مهارة في تطوير السلاح؛ سواء إن كان سلاحًا جويًّا، أو طائرات مسيّرة، أو مضادات الأبنية والثكنات، أو أسلحة القنص والكواتم، وكذلك العبوات... وغيرها من الأسلحة التي مَنَّ الله بها على عباده المجاهدين ولم نَبُحْ بها.

استنزف إخواننا في الموصل ومحيطها الكفار والمرتدين، وإن الكفار قد صرّحوا مرارًا وتكرارًا بأنهم يتوقعون أن معركة الرقة ستكون معركة طويلة مستنزِفة كذلك؛ فما أثر معركة الموصل على معركة الرقة؟

إن للإخوة في الموصل أثرًا بالغًا على باقي الولايات في الدولة الإسلامية؛ وذلك لعظيم ثباتهم ونكايتهم بأعداء الله المشركين، وعلى الرغم من اجتماع الكافرين وتكالبهم: فإن الإخوة في الموصل أظهروا أساليب جديدة للقتال فاجأت أكبر الأنظمة الطاغوتية في العالم، على الرغم من حشد هذه الأمم لقوة كبيرة جدًّا ومتطورة عسكريًّا، كما مَنَّ الله سبحانه وتعالى على الإخوة في الموصل بأساليب بسيطة أثخنت في الكفار والمرتدين وأذهلتهم.

إن تجربة الإخوة قد عُمِّمت على جميع الولايات للاستفادة منها إيمانيًّا وعسكريًّا؛ فقد أعذَروا إلى ربهم وأتعبونا بصنيعهم، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

وإننا نُبشِّر المسلمين في جميع أصقاع الأرض أن معركة الرقة لن تكون نزهة للمرتدين وأعوانهم، بل ستكون نارًا تحرق الصليب وأهله، وتُعِزُّ دولة الإسلام وترفع لواءها، وتكون درسًا قاسيًا لأعداء الإسلام، بإذن الله تعالى.

وجدنا أن الصليبيِّين قد قاموا بعدة عمليات إنزال وقد باؤوا بالفشل في بعض منها؛ بفضل الله أولًا، ثم بفضل إخواننا الذين وقفوا لصدّ عملياتهم؛ حدِّثنا عن دور هذا النوع من العمليات في المعركة، ولماذا يلجؤون إليه؟ وكيف تواجهونها؟

لقد تعوَّد الجيش الصليبي على رفع معنويات جيشه المنهارة بين الحين والآخر؛ وذلك عبر ترسانة الطيران الهائلة التي يملكها، وتهويل هذه الإنزالات عبر آلته الإعلامية الكاذبة؛ فإن هذه الإنزالات لا تتعدى مناطق صحراوية خالية من البشر والحجر والشجر، وهي مناطق واسعة في الدولة الإسلامية كما تعلمون، أما بالنسبة للعمليات الفاشلة: فإن الله عز وجل يسَّر لبعض إخواننا نصب عدة كمائن، منتظرين من المرتدين الإنزال، ومتوقّعين حدوثه في مواقع أظهر الجيش الصليبي عجزه عن اختراقها، وكان منها: سدَّ الفرات الذي فشل عدة مرات في النزول فيه من الجو أو حتى عبر البر؛ فكانت هذه الاستعدادات التي يسَّر الله لجنود الخلافة القيام بها ضربةً قاصمةً للعقل العسكري، الذي يسعى جاهدًا لحسم المعارك عن طريق المجابهة الجوية، أو غيرها من الأساليب الماكرة.

ما هي رسالتك إلى الصليبيين وأعوانهم من المرتدين؟

إلى جيوش الصليب وجحافله وقطيعه المتهالك: كما سجَّل التاريخ مغازي المسلمين مرارًا وتكرارًا، وتحطيمَهم جيوش الصليب في عقر دارهم وفي أوج قوتهم، ونصر الله عباده على الكفار في مواطن كثيرة، ومنح أكتافهم للمسلمين قتلًا وأسرًا، وجعلهم في سابق العهد والزمان يتراكضون لدفع الجزية للمسلمين، حتى أنهم كانوا يأتون أذلاء صاغرين، يقدِّمون الطاعة لعباد الله المؤمنين: فإن الله عز وجل سيُنجز وعده فيهم في هذا الزمان، وسنكون في عقر دارهم كما كنا في سابق العهد، وسيورثنا الله أرضهم وديارهم وديارًا لم نطأها من قبل، إن شاء الله تعالى، تحقيقًا لا تعليقًا، وعد الله لا يخلف الله الميعاد.

ما هي رسالتك إلى المنافقين في صفوفنا، الذين يتربصون بنا، ويتمنّون انتصار الكفار علينا، ويرغبون في حكم الديموقراطية؟

إلى كل منافق يختبئ بين صفوف المسلمين ولباسهم: توبوا إلى الله تعالى؛ فلن ينفعكم جيش المخنثين ولا طواغيتهم، ولن ينفعكم لَهْوُكم ولعبكم، وقد عَلِمتمونا وشاهدتمونا وعاينتمونا: أشداء في النزال، أقوياء في القتال، لا نتثاقل عن غزوة، ولا نغفل عن كافر، ولا ننسى مرتدًّا ولو طال الزمان به، وإن كنتم تعتقدون أن العاقبة ستكون للكفار والمرتدين من جيوش الطواغيت: فخبتم وخسئتم، وخاب ظنكم؛ فإن الله تكفل لنا بالنصر ووعدكم بالهزيمة، فتوبوا إلى الله تعالى قبل أن نقدر عليكم، فأنتم تعرفون شدتنا على الكافرين وأعوانهم، وأنكم مهما اختبأتم بين المسلمين وفي زيهم ولباسهم: فإن الله عز وجل سيفضحكم ويكشف سوءتكم.

ورسالة نوجهها إلى عموم المجاهدين في مختلف الجبهات: اعلموا إخواننا -حفظكم الله ورعاكم- أن النصر للمجاهدين بعد صبرهم لَهُوَ سنّة كونية، ولن تجد لِسُنّة الله تبديلًا، ولكن الصبر والثبات ليس مجرد كلمات؛ بل هو قبضٌ على الجمر حتى يُتم الله هذا الأمر، ولا يَثْبُتُ عند الابتلاء إلا مَن بذل لذلك الأسباب، وخيرها الإيمان وتقوى العزيز الوهّاب.

إذا اشتْدَّت رياحُ اليأْس فِينا

سَيعْقُبُ ضيقَ شِدّتِها الرّخاءُ

لنا بالله آمالٌ وسلوى

وعند الله ما خابَ الرّجاءُ





  1. حوار مع أمير البيضاء في ولاية اليمن (العدد 197)

الخميس 28 ذو الحجة 1440ه

أمير البيضاء في ولاية اليمن: القاعدة تنسّق مع "جيش الطاغوت هادي" لقتال جنود الخلافة في قيفة.



بعد أن كان لها دور في زج تنظيم القاعدة في الشام في موالاة الصحوات ضد جنود الدولة الإسلامية: أعلنت قيادة القاعدة في اليمن حربها عليهم في منطقة قيفة وسط اليمن، بتنسيق ومساعدة من جيش الطاغوت (منصور هادي)، ورغم تمكّن جنود الخلافة من كسر هجمتهم الأولى -بفضل الله تعالى-؛ إلا أنهم ما زالوا يحرّضون ويحشدون عليهم، نسأل الله أن يرد كيدهم -وإخوانهم المشركين- في نحورهم.

وللوقوف على أحداث ما جرى في قيفة؛ التقت (النبأ) أمير منطقة البيضاء في ولاية اليمن؛ ليطلعنا على حقيقة الوضع هناك، وتوقعاتهم بخصوصه في الأيام القادمة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أخي المبارك؛ لو تحدثنا بداية عن منطقة قيفة، وكيف بدأت فيها الدولة الإسلامية؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: منطقة قيفة هي جزء من ولاية البيضاء الواقعة وسط اليمن، والتي تعد ذات أهمية؛ كونها تربط بين أهم المدن اليمنية، ومنطقة قيفة تابعة لمدينة رداع، المدينة المهمة استراتيجيًّا لدى الحوثة المشركين، وتظهر أهمية رداع عند الحوثة كون هذه المدينة فيها كبار الروافض وتجّارهم، وكونها محطة لتعبئة جبهاتهم، وقد سعى الحوثة لحماية هذه المدينة بالسيطرة على أهم الجبال المطلة على بلاد قيفة؛ كإسبيل والعليب والثعالب وجميدة وغيرها، كما يهدفون من السيطرة عليها أيضًا أن تُحاصر قيفة؛ تفاديًا لأن تكون منطلَقًا إلى مدينة رداع المهمة لديهم.

وقد رأت الدولة الإسلامية أن أرض قيفة تمتاز بتضاريس وعِرة تصلح لإعداد العدة، وأن تكون منطلَقًا جيّدًا لنشر نور الله تعالى في يمن الإيمان والحكمة، كما يمتاز أكثر أهلها بعدم اختلاطهم بما يسمّى بالشرعية المرتدين أتباع الطاغوت (عدو ربه) عبد ربه، فأكثر الجبهات في اليمن ضد الحوثة: هي في ظل ما يسمى بالشرعية إن لم تكن كلها، ولم تصْفُ منهم سوى جبهة قيفة آنذاك، باستثناء تنظيم القاعدة الذي كان له وجود يسير في جبهات قليلة في قيفة، وكان قد سحب جُل عناصره آنذاك إلى المُكلّا.

بدأت دولة الإسلام ببناء لبنتها الأولى في قيفة: بدعوة الناس إلى الهدى ودين الحق وتعليمهم أمور دينهم، فوجدوا بفضل الله في هذه البلاد استبشارًا بدولة الإسلام ونصرة لها؛ ففتح الأنصار لهم البيوت، ومكّنوهم من الشعاب لتجهيز المعسكرات، وبدأت بفضل الله بالدورات التأسيسية من شرعية وعسكرية، فانضم إليها كثير من الأنصار ولحقهم المهاجرون من كل مكان، ورسخت الأمور وثبتت الأركان بفضل الله تعالى، حتى فُتِحت جبهة للقتال ضد الروافض الحوثة، ما زاد يقين الناس أن الدولة ما أتت إلا لحرب الروافض، واندحض ما أُشيع أن الدولة إنما أتت لقتال أهل السنة في قيفة.

بعدها شارك الأنصار إخوانهم المهاجرين في الجبهات حتى ترجّل منهم الأبطال شهداء نحسبهم والله حسيبهم، واستمرت الدولة الإسلامية في تعليم الناس المنهج الراسخ والدين القويم من جهة، وقتال المشركين من جهة أخرى، حتى توسّعت جبهاتها، وفتح الله عليها.

فسيطرت الدولة الإسلامية بفضل الله على الجبل الاستراتيجي المُسمى (حمة لقاح) في منطقة لقاح، وكسر الله على أيدي جنود الخلافة أعتى الحملات الرافضية؛ منها: حملة واسعة في 27 رمضان 1438 هـ، وحملة واسعة أيضًا في ذو القعدة 1438 هـ، التي هلك على إثرها قائد حملاتهم المرتد (أبو مرتضى المحطوري)، كما شنّ جنود الخلافة على مواقع الحوثة المشركين في منطقة الظهرة عدة عمليات اقتحامية وصولات واستهدافات، راح ضحيتها العشرات منهم بين قتيل وجريح ولله الحمد، كما قاموا بصد هجمات للرافضة على عوام المسلمين ونصرتهم.

أثناء ذلك: كان لتنظيم القاعدة وجود، وبعد انسحابه من المكلّا خصوصًا: سحب أكثر عناصره إلى قيفة؛ لِما له من الأنصار والمقرّات فيها.

وبدأ الناس يعرفون الفرق بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، حتى قال بعضهم لجنود الدولة الإسلامية: أنتم تذكّروننا بالمجاهدين الأوائل الذين كنا نعرفهم؛ لما رأوا بعض مَن كانوا مع التنظيم قديمًا وهداهم الله تعالى للحاق بدولة الإسلام، كما كان التنظيم سابقًا يدعو لما تدعو إليه الدولة الإسلامية اليوم، فثبتها الله تعالى وهم بدّلوا.

وبهذا الظهور للدولة الإسلامية وحظيها بخيرة الأنصار، وتقدمها على الأرض: علم التنظيم أن مشروعه سيؤول إلى زوال.

كيف يبدو طابع جبهات تنظيم القاعدة وعملياته العسكرية في بلاد قيفة؟

كان تنظيم القاعدة بعد رجوعه من المكلّا يعمل على تثبيت مواقعه الأولى في قيفة ودعمها ببعض أفراده، ولم تكن لهم عمليات تُذكر من هجوم وسيطرة على مواقع للروافض الحوثة، أو أي تقدمات عليهم، باستثناء بعض الهجمات اليسيرة التي يهدف منها إلى تفعيل أنصاره، وليبيّن للناس وجوده في الأرض، بل ما زالت الانسحابات والانتكاسات طابعًا فيهم -نسأل الله السلامة-، ومَن رأى حالهم ومجاهرتهم بالمعاصي مِن تعاطٍ "للقات" وغيرها في معاركهم: لا يعجب كيف أن الله تعالى خذلهم.

ومن أساليب تنظيم القاعدة في القتال: استنفاره لأهل الأرض، ثم خذلانهم بالانسحاب المفاجئ، وجعلِهم في الأمر الواقع أمام العدو؛ فيصول العدو على ديارهم ويأسر منهم، وهذه سياسة التنظيم من قديم؛ فقد كان يُشعل الحرب مع الحوثة من داخل قرى قيفة، ثم يتركها تواجه مصيرها ويولّي هارِبًا، فعل هذا في المناسح وفي خبزة وفي الزُوَب، وقد كان من أهل قيفة تخوُّفٌ في بداية الأمر من أن تفعل بهم الدولة الإسلامية مثل هذا، ولكن بفضل الله بعدما رأوا ثبات جند الخلافة زال ذلك عنهم.

وقد تكرر في التنظيم انكساره أمام الحوثة المشركين وسيطرتهم على مواقعه، فيقوم بعدها بعض قبائل قيفة برد الحوثة عن تلك المواقع؛ كونها مطلّة على قراهم وطرقهم.

بشكل عام: مَن هم الأعداء المتربّصون بالدولة الإسلامية في قيفة؟

كل مَن نصّب نفسه لحرب دين الله فهو عدو لدولة الإسلام؛ لأن الدولة إنما تعمل لإقامة الدين وتحكيم الشرع، وعلى رأس أولئك الأعداء المحاربين لدولة الإسلام في قيفة: هم الروافض الحوثة، الذين طالما شنّوا الهجمة تلو الهجمة على مواقع الدولة، فيردّهم الله بحَوله وقوته ومنته.

أيضًا من الأعداء: ما يسمّى بالشرعية أتباع حكومة عبد ربه منصور؛ وهم الجيش اليمني المرتد، والصحيح تسميتهم بالشركية؛ لجعلهم الطواغيت والدساتير شركاء لله في حكمه وتشريعه، هؤلاء الشركية قد كانوا في بداية الأمر يستخدمون أرض قيفة كخط آمن للمرور لمن يستقطبونهم للتجنيد من المناطق الشمالية من خارج البيضاء التي تقع تحت نفوذ الحوثة، وبترتيب وتنسيق مع مهربين بقيفة كان منهم بعض أنصار القاعدة، ويمرّون بنقاط لتنظيم القاعدة، ثم يتم تسليمهم لقيادة ما يسمى بالشرعية في مأرب.

وقتها كانت الدولة الإسلامية في مواقع رباطها بعيدة عن ذلك الخط.

حتى تمادى مرتدو الشركية بعد ذلك، وأرادوا تكوين معسكر في قيفة لوحدات من اللواء 117 الذي أنشئ في مأرب، وفيه البعض من أبناء قيفة وغيرهم، بقيادة وكيل محافظة البيضاء السابق الطاغوت "سنان جرعون"، لكن -بفضل الله تعالى- حطّمت الدولة الإسلامية هذا المشروع، كما بيّن ذلك المكتب الإعلامي للبيضاء في إصدار له بعنوان: "أنقذوا أنفسكم".

وبعدها رأت الشركية أن أفضل مشروع للمكر بدولة الإسلام: أن يكون تحت غطاء تنظيم القاعدة.

قامت الشركية باستخدام عباءة القاعدة؛ فجعلت بعضَ أنصار القاعدة يتولّى الأمر، وأبرز هؤلاء: أبو وافي الصريمي، وأخوه أبو وسام، وأبو الحسن الجوفي، وأبو كساب التيسي، فكانت تدعمهم بالذخيرة والسلاح وترتب أمورهم، وتهيئ لأن تجعل من بعضهم قادة للكتائب، باسم مقاومة أبناء وقبائل قيفة، وبعضهم يُظهِر رُتبتَه العسكرية وبعضهم لا يُظهِرها، وبفضل الله انكشف هذا المشروع ولم يفلح.

وما كان التنظيم يجد حرجًا في علاقة كبار أنصاره بالشركية؛ للتدهور والانتكاسة التي وصل إليها التنظيم في المنهج، والحقد الذي أعماه، وجعله يمد يده لكل مَن يريد النيل مِن مجاهدي دولة الخلافة، فكان الحال العام بين مشروع الخلافة ومشروع القاعدة كمشروعَين انتهى أحدهما وفشِل ولم يجد إلا أن يُفشِل الآخر، ثم فشلوا أيضًا -بفضل الله تعالى- في إفشال مشروع الخلافة، والحمد لله من قبل ومن بعد.

كيف صار تنظيم القاعدة عدوًّا جديدًا في الساحة؟

بعد كل ما سبق ذكره، ومع زيادة إيذاء عناصر القاعدة واستفزازهم لجنود الخلافة: بات التنظيم وكأنه مدفوع لقتال الدولة الإسلامية -أعزّها الله تعالى وأدامها-.

حتى حصلت وقْعَة الحاجز، وما كان من التنظيم إلا اتهام الدولة بالغدر، ثم قام ينشر ويستعطف الناس أن الدولة قتلت عناصره غدرًا، والتنظيم كان يعلم أن كل ذلك كان كذبًا، وأن جنوده كانوا أحياء آنذاك، ولكن رآها الفرصة السانحة للتأجيج لقتال الدولة، ولا ضير أن يضحّي بجنوده أولئك في سبيل عدم إضاعة فرصة كهذه انتظرها كثيرًا!

نُشِر ذلك الخبر ليلًا، وما أتى صباح اليوم التالي إلا وقد باغت التنظيمُ جنود الخلافة وقتل بعض رجالهم، ولكن وراء الأكمة ما وراءها، ثم إن التنظيم لم يكن جادًّا حتى في السؤال عن أمر جنوده كما ذكر صاحبهم في مقطع أعماق قائلًا: "فهم سدّوا الباب في وجوهنا... وحكموا علينا، وجعلونا قد قتلنا، وجعلونا مطية لهذه الحرب"، وبهذا يتبيّن غدر التنظيم بالموحّدين من جنود دولة الإسلام.

ومن المعلوم أيضًا لدى أنصار وجنود تنظيم القاعدة: أن التنظيم إذا أراد هجمة كهذه رتّب لها من فترة طويلة وجمع أصحابه من أكثر الأماكن، فما جعلنا نتفاجأ أن المشكلة صارت عصرًا وفي الصباح حاصر التنظيم الكثير من مواقع الدولة في قيفة العليا، خصوصًا المواقع المتأخّرة وقتل مجموعة منهم، وهذه الجاهزية الغريبة توحي أن التنظيم إنما كان يرتّب لقتال دولة الإسلام مسبقًا، لكنه كان ينتظر سببًا لذلك، وقد تم له مراده.

وفي النهاية ظهر عِداؤه، وقد استبان أكثر في هذا القتال بتوحّده مع الشركية، وبدعم منهم؛ من سلاح وذخيرة وتغذية ولباس وغيرها، وهذا بشهادة أبناء قيفة أنفسهم على ذلك.

من ينظر إلى أحداث الاقتتال بين التنظيم ودولة الإسلام في البداية: يقرأ أن التنظيم أراد أن يمحو الدولة الإسلامية من قيفة تمامًا؛ هل هذا صحيح؟

من المهم أن نذكر هنا أن تنظيم القاعدة كان يشكو قلة جنوده من قبل، فيشكو ذلك لقبائل قيفة وغيرهم، بل أخرج بيانًا بتاريخ 10 جمادى الآخرة 1438 هـ مخاطبًا القبائل: "أن البدار البدار بتعزيز الجبهات وإلا ستسقط"، والذي يعني أن التنظيم كان في مرحلة رخوة وبدأ يُبدي ضعفه في قيفة أو كما يقول هو في بيانه، هذا أمام قتال الحوثة الروافض، لكن تفاجأ الجميع بعدها عند الاقتتال مع جنود دولة الإسلام بحشده لجنوده من كل مكان في أرجاء اليمن إلى قيفة، واستبسال التنظيم في القتال وهجماته الكثيرة جدًّا بطريقة لم يعهدها حتى أهل قيفة من قبل! حتى قال بعضهم: لو كان هذا القتال من التنظيم ضد الروافض لطرد الحوثة من قيفة، بل وسيطر على مدينة رداع!

وللعلم؛ فما زال التنظيم في قتاله للروافض يُبدِي ضعفه وجُبنه وأنه لا يستطيع، وبالأمس القريب يريد من أهل قيفة أن يقاتلوا معه؛ بحجة أن جنوده يُقتَلون بالقصوفات!!

الشاهد أن التنظيم كان يرى هذه الحرب فرصة له كي ينهي وجود دولة الإسلام في قيفة -خابوا وخسروا-، وروّجوا لشائعات كهذه، وهذه هي خطة الشركية كما سبق، ثم تبيّن لنا بعدُ أن التنظيم لم يكن وحده في هذه الحرب، بل معه بعض المنتسبين للجيش اليمني (الشركية)، بل أصبح هناك دعم للجبهة ضد الدولة عن طريق بعض ضباط الشركية من قيفة؛ كجبر عبد الله وحزام صالح الصراري وفهد قناص التيسي، والتنسيق مع حكومة الشركية بمأرب لمعالجة جرحاهم، وبفضل الله ما لقوا من جنود دولة الإسلام إلا صد هجماتهم والصلابة في القتال، فرد الله كيدهم في نحورهم، ولن يطفِئوا نور الله مهما اجتمعوا أو انتهزوا الفرص أو تستّروا بأي قناع، فالله مولى المؤمنين ومبطل كيد الخائنين.

كيف كان ثبات جنود دولة الإسلام أمام هجمات التنظيم؟

كان التنظيم يريد الاستفراد بالمواقع الخلفية للجبهات أو المواقع البعيدة من الإخوة، فكان من توفيق الله تعالى لجنود الخلافة أن سحبوا الأفراد من المواقع البعيدة جدًّا -وهم مرابطون على الحوثة المشركين- خشية أن يستفرد بهم التنظيم، فسحبوهم لمكان ليكون نقطة انطلاق، وظن التنظيم أنه قد أنهى الدولة من هذه الأماكن، وما درى أنها خطة من جنود الخلافة لترتيب صفوفهم، ثم سار الإخوة بخطى ثابتة، يتصدون لهجمات التنظيم مرة ويكرّون عليه مرة حتى اقتحموا على مواقع للتنظيم وأخذوها وثبتوا فيها، والآن بات التنظيم في تخبّط ملحوظ، ولله الحمد أولًا وآخرًا.

وكما نرى اليوم وبعد هجماتهم ومحاربتهم لدولة الإسلام: أصبحت الدولة بفضل الله تعالى هي مَن تهاجم التنظيم في مواقعه، وكذلك نرى العبوات تزمجر وتفتك بهم.

وهنا يُذكر أن الدولة الإسلامية لو أرادت النكاية أكثر في التنظيم: لَزرعت له العبوات في الطرق التي يستخدمها، ولكن ما أوقفنا عن هذا العمل أن الطرق يستخدمها بعض العوام أيضًا، ما جعل جنود دولة الإسلام يمتنعون عن ذلك، لا كما يدّعي التنظيم قتل الدولة للأبرياء وعامة المسلمين، ولا يضعون العبوات في طريق عام إلا بطريقة التحكّم عن بُعد، ويتم تفجيرها على آليات التنظيم المعروفة لديهم مسبقًا، والشاهد أنهم تركوا أكثر هذه الخطوط رغم سهولة زرع الألغام فيها؛ قربةً لله عزّ وجلّ، وخشية من سفك دماء المسلمين بغير قصد، بينما التنظيم لا يأبه بزرع الألغام في الطرق العامة التي يمر فيها جنود دولة الإسلام وغيرهم، وبفضل الله العظيم باءت بالفشل.

يتساءل الكثير عن عجلة النفير للدولة الإسلامية في ولاية البيضاء بعد هذه الحرب؛ هل هي مستمرة؟

بحمد الله؛ عجلة النفير ما زالت مستمرة حتى بعد الحرب، رغم أنها كانت قبل الحرب أكثر، لكن في بداية المرحلة خَفّ النفير قليلًا؛ لأن البعيدين كانوا يسمعون من الإعلام، وكان التنظيم ينشر الأكاذيب والأراجيف أن الدولة الإسلامية محاصرة، وأنها انتهت، ولم يعُد لها وجود في بلاد قيفة، وبفضل الله نشط إعلام الدولة وبيّن الحقيقة، وعندما رأى الناس الحقيقة عرفوا ما الذي يدور في أرض قيفة، بل اتضح للناس تعاون التنظيم مع الشركية، وعلموا أنه خنجرٌ مسمومٌ في ظهور المسلمين، فبدأت عجلة النفير تسرع من جديد والناس تأتي من كل مكان بفضل الله، والأمور إلى خير إن شاء الله تعالى.

ما هو ردّكم على من يقول: إن هذا الاقتتال فتنة؛ فيُحجِم عن النفير لذلك؟

هناك مِن الناس مَن يعلم بما صار إليه التنظيم الآن، وما زال يرى أنه فتنة؛ فنقول: القتال لأجل الدين ليس فتنة؛ فقد استبان مشروع الدولة الإسلامية، واستبان أيضًا مشروع التنظيم المختلط مع مشروع الشركية، فلا تتأخر عن نصرة إخوانك ونصرة راية التوحيد، التي لم يرفعها إلا أجناد دولة الإسلام، وقد بان جليًّا كيف أن التنظيم قد تخلى عنها وأنزلها من قبل في ظل سيطرتهم في المكلّا، والآن أنزلها في أرض قيفة لأجل الشركية، الذين اتفق مع بعضهم لتصوير مواقع هي للتنظيم، فينسبونها إليهم، ويأتيهم إثر ذلك الدعم من قيادة الشركية، فينكّس التنظيم الراية لتقاسم الدعم، ولنا في الشام عبرة؛ فقد بدأ حالهم بمثل هذا: تقاسم الفصائل في الدعم المشروط وغير المشروط، واختلافهم فيه، وفي النهاية انتهوا إلى أحضان الأتراك واتفاقيات سوتشي وغيرها من الخزي والهوان، وفي خراسان أيضًا انتهى قادتهم الطالبان إلى أحضان الروس والأمريكان باتفاقيات ومؤتمرات، وسينتهي هنا قريبًا إن شاء الله تعالى؛ لأن الأمر حق وباطل لا غير ولا ثالث لهما، والقاعدة إلى حضن الشركية أقرب، وقد رأينا إرهاصات ذلك.

هل توقّفت العمليات ضد الحوثة بسبب الانشغال بحرب التنظيم؟

بفضل الله عزّ وجلّ؛ جنود الخلافة رغم انشغالهم برد كيد التنظيم وقتاله إلا أنهم لم ينسوا الأصل الذي بدأوا به؛ وهو قتال الروافض، فما زالت جبهاتهم مشتعلة، كما رأينا قبل فترة؛ حيث حاول الحوثة المشركون مهاجمة مواقع الدولة الإسلامية في قيفة العليا، وذلك أن الروافض قالوا: إن الدولة انشغلت بحرب التنظيم وهذه فرصة للدخول على مناطق أهل السنة والسيطرة عليها! فقاموا بهجوم واسع، فردّهم الله العظيم مدحورين، وتصدّى لهم جنود الخلافة الذين كانوا يقظين بفضل الله وحده.

كما قام جنود الخلافة -بفضل الله تعالى- في الأسابيع الماضية أيضًا بعدة استهدافات لمواقع الرافضة الحوثة بالرشاشات والمدفعية؛ في كل من: (الظهرة - سبلة الجرم - حمة بقر - تبة سفيان - الجرو - جبل جميدة)، ولله الحمد على توفيقه.

كما لوحظ تتابع الحملات على مواقع الإخوة في قيفة؛ فما أن ينتهي المجاهدون مِن صد هجوم للحوثة، حتى يشن تنظيم القاعدة هجومًا آخر ويردّ الله عاديتهم، ثم يشنّ الآخر؛ لأنهما يعلمان أنه وبوجود الدولة الإسلامية ستتكسر آمالهم وتتبدد أحلامهم، وستخيب مشروعاتهم الفاسدة -بإذن الله العظيم-، وما زال جند الخلافة يدافعون عن أهل السنة، وما الحرب مع التنظيم إلا مرحلة من مراحل القتال، والعاقبة إنما هي للمتقين، وقد قال سبحانه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [سورة الرعد: 17].

هذا والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

  1. الجزء الأول: حوار مع أمير الجند في الصحراء الكبرى (العدد 260)

الخميس 26 ربيع الأول 1442هـ

حوار مع الشيخ أبي الوليد الصحراوي -حفظه الله-، أمير جنود الخلافة في منطقة الصحراء الكبرى.



أعلن تنظيم القاعدة في منطقة الصحراء مؤخّرًا الحرب على الدولة الإسلامية، بتأييد من قياداته وفروعه المختلفة؛ فكيف بدأ هذا الأمر؟ وما هي أحوال تنظيم القاعدة في منطقة الصحراء منذ البدايات؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومَن والاه، وبعد:

فقبل الخوض فيما وصلت إليه الأوضاع مؤخّرًا بشأن العلاقة مع تنظيم القاعدة المرتد: يمكننا الحديث بداية عن تاريخ نشأة هذا التنظيم في منطقة الصحراء، وحالته التي كان عليها قبل إعلان الموحدين في المنطقة عن التحاقهم بالدولة الإسلامية؛ ليستبين الأمر الذي وصلوا إليه اليوم.

فقد بدأ الأمر قبل عقدين من الزمن بظهور عدد من مقاتلي "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" العاملة في الجزائر آنذاك؛ حيث وصل روّادٌ من هذه الجماعة وغيرها إلى مناطق شمال مالي غرب النيجر، رغبة في جعلها منطقة إمداد خلفية للجهاد في الجزائر وملجأ آمنًا للملاحقين من الطواغيت هناك.

وقد تحققت نجاحات جيدة بهذا الخصوص بداية الأمر، وجرى تأسيس قواعد للعمل في هذه المنطقة، ولكن العمل تعرض لانتكاسات كبيرة بظهور الخلافات والنزاعات بين أمراء الكتائب المختلفة، الأمر الذي أصبح سمةً عامةً صبغت الحال طيلة السنوات الماضية.

ولم يُنهِ الصراعات والنزاعات بين المجموعات المختلفة إعلانُ قيادتهم في الجزائر الانضمام إلى تنظيم القاعدة عام 1428 ه، وبالتالي تبعيتهم جميعًا للتنظيم الذي لم يستطيع توحيد أفراده في جماعة واحدة طيلة عقد من الزمان تقريبًا.

وكان من أسباب ذلك بداية: عدم وجود أمير ميداني موحَّد في المنطقة، وإنما كانت المجموعات كلها مرتبطة بقيادة فرع القاعدة في الجزائر، مع ما يعنيه ذلك من بعد المسافة، وانقطاع التواصل والبطء في الاتصالات.

وهذا الأمر الذي زاد من التنافس بين أمراء الكتائب، وعزّز من استقلالية كل منهم، وازدادت حدة الانتقادات والاتهامات المتبادلة بينهم، ولم تنجح كثير من محاولات التوحد التي دعا إليها وسعى فيها بعض المجاهدين للتقريب بين الأمراء والإصلاح بينهم.

وكذلك: فإن بعض الأمراء لم يلتزموا بتوجيهات قيادة القاعدة في الجزائر فيما يخص توطيد العلاقة مع الجيوش المرتدة في المنطقة!

وبالتالي؛ كان التنظيم في الواقع صورة لا حقيقة لها، والموجود على الأرض: هو عدد من الكتائب المختلفة التوجهات، المتعددة الولاءات، وكلها مرتبطة بقيادة القاعدة في الجزائر، ثم وصل الحال بانفصال بعضها عن التنظيم والإعلان عن أسماء خاصة بها، لتُنهِيَ بذلك حالة الانتماء الشكلي إليه.

ولماذا لم تفرض قيادة التنظيم على المجموعات أميرًا واحدًا يجتمعون عليه ويطيعون أوامره؟

بعد مراسلات عديدة معهم مِن قِبَل الكتائب المختلفة: أرسل التنظيم "نبيل أبو علقمة" ليكون نائبًا لأمير التنظيم في الجزائر على منطقة الصحراء، ولكن تنصيب هذا الأمير لم يكن سهلًا، بل إنه لم يتحقق فعليًّا.

فبعد إعلان بعض الكتائب موافقتها على الأمر، ودعمها تولية الأمير الجديد، وعلى رأسهم "مختار بلمختار" ومَن معه؛ رفضت كتائب أخرى وعلى رأسها كتيبة "طارق بن زياد" التبعية للأمير الجديد، وبالتالي لم يتحقق توحيد الكتائب تحت إمرته، بل زاد تنصيبه وعزله لاحقًا من التفرق بينها؛ حيث تبادل أمراؤها الاتهامات بالمسؤولية عن إفشال التوحد.

ولم يتحقق تعيين "نبيل أبو علقمة" أميرًا على المجموعات المنضمّة إلى القاعدة إلا في أواخر عام 1432 ه؛ وذلك بعد اشتعال الحرب في ليبيا، واتجاه عدد من أمراء الكتائب ومجموعاتهم إلى هناك، ومنهم "مختار بلمختار"، وانفصال بعض المجموعات نهائيًّا عن تنظيم القاعدة وتشكيلها جماعة مستقلة، أطلقوا عليها مسمى: "التوحيد والجهاد في غرب إفريقية".

وبمجرد عودته من ليبيا؛ عادت الخلافات بين "مختار بلمختار" والأمراء الآخرين إلى التفجّر من جديد، وانتهى الأمر بإخراجه من التنظيم آنذاك، وتشكيله جماعة مستقلة أطلق عليها مسمى: "الموقِّعون بالدماء".

وكان من أسباب عزل قيادة التنظيم لمختار ومجموعته، بالرغم من موافقته على توجيهاتهم التي باتت تعرف ب "وثيقة أزواد": أنه كان يميل إلى الاستقلالية في العمل، في الوقت الذي كان التنظيم يحاول فرض سلطته على الكتائب هناك، وكذلك فإن مشاركته إلى جانب جماعة "التوحيد والجهاد" في قتال "حركة تحرير أزواد" المرتدة في مدينة "غاو": سبَّب إحراجًا كبيرًا لهم أمام المرتدين، ولم يرفع لومهم لمختار كون المرتدين هم مَن بدأوا جماعته بالقتال، ولم يكن يرغب هو في البداية بمساندة "التوحيد والجهاد" في هذه المعركة التي انتهت بطرد المرتدين من المدينة ومناطق أخرى، وكادت تنهي وجودهم في شمال مالي.

كيف أسهمت الحرب في ليبيا وما تلاها مِن أحداث في توجيه الصراع في منطقة الصحراء عامة وفي مالي بشكل خاص؟

مع اشتعال الحرب في ليبيا، ومن ثم انهيار نظام الطاغوت "القذافي" تحت ضربات الطيران الصليبي والقوات المعارضة له: عادت الكثير من الفصائل الموالية له إلى مالي، محمَّلة بكثير من السلاح والأموال التي أخذتها من جيش الطاغوت؛ لقاء مساعدته في حربه، أو استولت عليها بعد انهيار قواته في مناطق جنوب ليبيا.

وبهذا امتلكت هذه الفصائل من القوة ما مكنها من إطلاق حرب جديدة على الجيش المالي المرتد؛ وذلك بهدف السيطرة على المناطق الشمالية وإعلانها "دولة مستقلة" عن مالي، وقد تجمعت كثير من هذه الفصائل في إطار "حركة تحرير أزواد" المرتدة.

وفي الوقت نفسه: تشكّل إطار آخر لضم المقاتلين والفصائل التي تُخالف "حركة تحرير أزواد"؛ إما لأسباب عرقية قومية، أو لأسباب عقدية دينية، وأُطلِق على هذا الإطار من المجموعات المتنافرة مسمى "أنصار الدين"، وأعلن قادته رفضهم استقلال المنطقة الشمالية من مالي، ودعوا إلى "وحدة البلاد" في ظل إقامة حكومة تلتزم الشريعة الإسلامية، باعتبار أن ذلك هو السبيل للتخلص من الصراعات القومية والعرقية التي هي سبب الحروب الدامية في شمالها وشرقها، ودخل تنظيم القاعدة بمجموعاته المختلفة ضمن هذا الإطار، وإن كانت قيادته مستقلة عنه، وشاركوا معه في القتال ضد الجيش المالي.

وقبل ذلك كانت الحالة بين التنظيم والجيش المرتد قريبة من "الموادعة"؛ فلا يتعرّضون للجنود المرتدين مقابل أن يتركهم جيش الطاغوت يتحركون في المنطقة، وذلك "التفاهم" جرى بوساطة من أطراف قبلية على علاقة مع الطرفين.

ومع انهيار الجيش المالي المرتد، وتقهقر قواته باتجاه العاصمة: بدأت المناطق في شمال ووسط البلاد تسقط من يده، فسيطر مرتدو "حركة تحرير أزواد" على بعض المناطق، وسيطر كل من "أنصار الدين" و "التوحيد والجهاد" على مناطق أخرى، وكانت بعض المناطق مزيجًا من سيطرة الفريقين وخاصة في المدن الكبرى؛ الأمر الذي مهّد للحرب على "حركة تحرير أزواد" المرتدة، والتي كان لها آثارها على الحرب الدائرة في المنطقة، وخاصة بعد تدخل الصليبيين فيها.

كيف كانت العلاقة بين "حركة تحرير أزواد" وتنظيم القاعدة؟

جاءت التوجيهات من قيادة تنظيم القاعدة في الجزائر لأتباعهم بالعمل تحت مظلة "أنصار الدين"، والسعي إلى التقارب مع "حركة تحرير أزواد" المرتدة، وعلى هذا الأساس بدأت مفاوضاتهم مع المرتدين للتوحد وتقاسم السلطة بعد السيطرة على مالي.

ولكن هذا الأمر لم يتحقق لعدة أسباب؛ منها: انسحاب "حركة تحرير أزواد" من الاتفاق مع القاعدة و "أنصار الدين" فيما بعد.

وكذلك اشتعال الحرب بين المرتدين و "التوحيد والجهاد" وانضمام "الموقعون بالدماء" إلى قتالهم بعد استهدافهم لهم أثناء توسطهم لوقف القتال في "غاو"، وقد أدت هذه الحرب إلى إخراج المرتدين من مناطق "غاو" و "غوسي" و "أنسونغو" و "دوينزا" و "هامبري" و "بوني" و "أنتيلت" ومن منطقة "لبزنقا" الحدودية مع النيجر، وبعد ذلك من منطقة "ميناكا"، وبالتالي فقدان الحركة المرتدة لتأثيرها ونفوذها في أغلب مناطق مالي.

وكان يمكن القضاء على أكثر الحركات المرتدة في ذلك الوقت بعد أن كسر الله تعالى شوكتها في معظم المناطق، وانحسر وجودهم إلى الحدود مع الجزائر؛ ولكن توجيهات "وثيقة أزواد" التي أصدرتها قيادة القاعدة آنذاك: منعت من قتالهم في تلك المناطق، وأدّت إلى استمرار وجودهم وتحركهم هناك؛ حيث حاول التنظيم استمالتهم بشتى الوسائل، إلى أن بدأت الحملة الصليبية التي قادتها فرنسا؛ حيث انقلب مرتدو "حركة تحرير أزواد" وغيرهم من العَلمانيين والوطنيين إلى صف الصليبيين، وشكّلوا فصائل صحوات مهمتها إخراج "التوحيد والجهاد" و "أنصار الدين" ومَن تحالف معهم مِن المدن وملاحقتهم في الصحاري برفقة الجيش الصليبي.

حينها فقط أدرك أمراء القاعدة و "أنصار الدين" حجم الجريمة التي ارتكبوها بتركهم لهؤلاء المرتدين والتقرّب إليهم! واكتشفوا أن كل ما فعلوه من مداهنة لهم لم يمنع من تحوّلهم إلى صحوات تقاتلهم إلى جانب الصليبيين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وكيف صار الحال بعد الحملة الصليبية؟

الحركات الوطنية "الأزوادية" المعارضة للحكومة المرتدة انضمت إلى التحالف الصليبي، وعلى رأسها "حركة تحرير أزواد"، وبدأت بالقتال تحت قيادته؛ طمعًا في أن يساعدها ذلك على تحصيل مطالبها القديمة بتحقيق استقلال منطقة "أزواد" عن مالي وإقامة "دولة" فيها.

وتجمع "أنصار الدين" تعرض أيضًا لتشققات؛ بتأثير انسحاب عدد من أمرائه وجنوده منه للابتعاد عن الحركة التي أصبحت هدفًا للصليبيين، وقد شكّل هؤلاء فصيلًا مستقلًّا بهم انضم لاحقًا إلى الحركات المرتدة في "تنسيقية الحركات الأزوادية"!

وبقي تنظيم القاعدة مستقلًّا عن "أنصار الدين"، وإن كان على ذات التوجيهات القديمة بالعمل تحت غطاء الحركة والتعاون معها، مع بقائه على حالته القديمة من التفرّق والتنازع والصراعات بين الأمراء.

وأما فصيلا "التوحيد والجهاد" و "الموقعون بالدماء"؛ فقد جرى اندماجهما تحت مسمى "المرابطون"، وبعد مقتل أمير الجماعة آنذاك "أحمد العامر" تقبله الله تعالى: وقع اختيار الإخوة في مجلس الشورى على العبد الفقير لإمارتها ومِن الله العون والسداد؛ وذلك في شهر (ربيع الآخر) عام 1436 ه.

وقد يسّر الله تعالى لنا بيعة الإمام أبي بكر البغدادي تقبله الله تعالى، بموافقة مجلس شورى الجماعة، وصرنا من جنود الدولة الإسلامية ولله الحمد، وكان هذا نقطة تحوّل كبرى في مسيرة الجهاد بمنطقة الساحل والصحراء، والتي عانت ما عانته سابقًا من التفرّق والتحزّب والعصبيّات الجاهلية، ولله الحمد على توفيقه من قبل ومن بعد.

كيف نظرت فصائل القاعدة وغيرها إلى إعلان المجاهدين في الصحراء البيعة لإمام المسلمين والتبعية للدولة الإسلامية؟

بحمد الله تعالى؛ فرح كثير من المجاهدين في المنطقة ببيعة إخوانهم للخليفة أبي بكر القرشي تقبله الله تعالى، ومن ثم بيعة الخليفة أبي إبراهيم الهاشمي -حفظه الله تعالى-، كما فرحوا من قبل بإعادة الخلافة وتنصيب الإمام، وانضم هؤلاء إلى إخوانهم في جماعة المسلمين، وهم يأمَلون أن تنتهي بذلك مرحلة التشتّت والتفرّق والتحزبات المذمومة والعصبيات الجاهلية التي طبعت مسيرة الجهاد في المنطقة طوال عقدين من الزمان تقريبًا.

أما فصائل القاعدة؛ فإنها بمجملها أبدت العداوة والمحاربة لمن انضموا إلى جماعة المسلمين من المجاهدين، في الوقت الذي كانوا يبدون الموالاة والمحبة للفصائل والأحزاب الوطنية المرتدة، ويتقرّبون إليهم بشتى الطرق والوسائل، ولو على حساب دينهم!

وكان مبدأ معاداتهم: هو خوفهم من ترك أتباعهم لهم، وبالتالي زوال تنظيماتهم وإماراتهم التي لأجل الحفاظ عليها تنازعوا وتصارعوا طوال السنين الماضية.

وهكذا حاولوا بشتى الوسائل حجب كل أخبار الجرائم التي ارتكبتها فروع القاعدة الأخرى وأولياؤهم من الصحوات والطالبان عن أتباعهم؛ خشية من اطلاعهم على حقيقة الحرب الدائرة في العراق والشام واليمن والصومال وخراسان وليبيا، ما يؤدي إلى كشفهم لِمَا وقع فيه تنظيمهم من كفر وردة.

وكذلك منعوا أتباعهم من الاطلاع على ما يصدر عن إعلام الدولة الإسلامية؛ مخافة أن يعرفوا حقيقة الأمور التي يسعون جهدهم لإخفائها عنهم.

ووصل بهم الأمر إلى سجن كل مَن يشكّون بإمكانية لحاقه بجماعة المسلمين، وخاصة المهاجرين منهم، بل وقتلهم أحيانًا! سنّة إخوانهم في كل مكان.

وللوقوف في وجه الدولة الإسلامية: قررت فصائل القاعدة وحلفاؤها في النهاية التوحّد في فصيل واحد، أطلقوا عليه مسمى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وبذلك وحّدهم وجمّعهم عداؤهم للموحّدين! وهم لم يستطيعوا الاجتماع فضلًا عن التوحّد رغم صراعهم سنين طويلة مع المرتدين والصليبيين.

وفي الوقت نفسه: لم يدّخروا جهدًا في نشر الأخبار الكاذبة عن الدولة الإسلامية بين عامة الناس؛ لتنفيرهم من جنود الخلافة، وإيغال صدورهم عليهم ليقاتلوهم، وخاصة بعد كل معركة بين الموحدين والفصائل المرتدة: كان مرتدو القاعدة يتوجهون إلى القبائل لتحريضهم على قتال المجاهدين ثأرًا للمرتدين.

وقد سعى جنود الدولة الإسلامية وطلبة العلم منهم خاصة إلى دعوة الناس بالحسنى، وبيان حقائق الأمور لهم، وكشف الشبهات عنهم، والرد على الأكاذيب التي تقال بحقهم، واستمروا على هذا الأمر عدة سنين، وهم يتجنبون الصِدام مع تنظيم القاعدة وحلفائه قدر الإمكان، في الوقت الذي يستمرون فيه بقتال الصليبيين والمرتدين وينكّلون فيهم، بفضل الله تعالى.

وقد كان لهذه الدعوة ثمار مباركة بحمد الله تعالى، وبعد بيعة إخوانكم لأمير المؤمنين سرعان ما انضم إليهم مجاهدون من "المرابطين" و "أنصار الدين"، وتوالت بعدها بيعات إثر بيعات لجنودٍ من جماعة "أنصار الإسلام" في بوركينافاسو لتلحق بهم أعدادٌ من المبايِعين مما يسمى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" من مناطق "كونا" و "ماسينا"، ومؤخّرًا من منطقة "نامبالا" غرب نهر النيجر على الحدود مع موريتانيا، وما زال الخير مستمرًّا بحمد الله تعالى مع انكشاف حقيقة تنظيم القاعدة وخيانته للإسلام والمسلمين، وموالاته لأعداء الدين.

وكيف بدأت الحرب الأخيرة بين جنود الخلافة ومرتدي تنظيم القاعدة؟

لم يتحمل أمراء جماعات القاعدة المرتدين هذا النزيف المتواصل لفصائلهم، بعد إعلان المئات من الجنود انضمامهم للدولة الإسلامية وبيعتهم لإمامها.

فبعد أن عجزوا عن إقناعهم لافتقادهم الحجة والدليل: سارعوا إلى إعطاء الأوامر باعتقال بعض الإخوة واعتراض طريقهم، ومنعهم من العودة إلى مناطقهم في "نامبالا"، فرفض بعض جنودهم الموجودين في منطقة "ماسينا" تطبيق هذه الأوامر، وسارعوا إلى بيعة دولة الخلافة بعد استنكارهم لهذا الطلب وهذا السلوك.

وواصل الإخوة مسيرتهم نحو مناطقهم، ليتولى بعض المغرورين كبر جريمة قتل اثنين من الإخوة المبايِعين وأسر أخرين، بعد فشلهم في اعتراض الأخ "المقداد الأنصاري" أمير المجموعة المبايِعة من منطقة "نامبالا"، والذي قُتِل مع ابنه الصغير في غارة جوية للقوات الصليبية بعدها بأيام فقط وفي ظروف غامضة! تقبله الله تعالى.

وزعم أحد أدعياء العلم من تنظيم القاعدة في "تسجيل صوتي" له أن هذه الحادثة كانت مجرد احتكاك بين مجموعة من "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" ومجموعة من جنود الدولة الإسلامية، ولم تكن بأمر أيِّ من أمرائهم! وقد كذّب هذه المزاعم الإخوةُ الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية وأخبرونا أن دعاوى التحريض على قتال الدولة داخل التنظيم لم تتوقف! وخاصة من قبل أحد "شرعييهم" المرتد "قتيبة أبو النعمان الشنقيطي"، وهو أحد المتورّطين قبل هذا في قتال جنود دولة الخلافة في ليبيا.

ولم يكتفِ المرتد "محمد كوفا" أمير "جبهة تحرير ماسينا" بذلك؛ بل طلب من مجموعة الإخوة الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية تسليمَ أسلحتهم والخروجَ من منطقة "نامبالا" في مدة أقصاها عشرة أيام، وإلا سيقوم بقتالهم، بعد أن أقدم على أسر أحد الأمراء هناك، وذلك في أواخر شهر (جمادى الآخرة) عام 1441 ه.

وبعد انتهاء هذه المدة: قامت ميليشيات القاعدة المرتدة بمهاجمة جنود دولة الخلافة ليس فقط في منطقة "نامبالا"، بل حتى في منطقة "كونا"، وفي مناطق على الحدود بين بوركينافاسو ومالي.

وفي نفس الوقت: تركوا قتال أكبر الحركات الموالية لحكومة مالي المرتدة، والتي يدّعون قتالها؛ كحركة "طوارق إمغاد" وحلفائهم، وميليشيات قبائل "الدونسو" الوثنية، إضافة إلى تحالفهم مع عدد من الجبهات والحركات المسلحة الوطنية المسيطِرة على ربوع أرض شمال مالي، والتي أصبحت النواة الرئيسة في تشكيل الجيش الجديد لحكومة مالي، ناهيك عن تركهم قتال طواغيت دول موريتانيا والجزائر، وتحوّلهم إلى حراس حدود لهم!

واليوم: يدفعهم ضلالهم وغرورهم إلى اقتفاء خطى حركة "طالبان" المرتدة؛ بقتال الموحدين، واللهث وراء سراب التفاوض مع المرتدين؛ لنيل رضى أهل الأوثان، ولو بقتال أهل الإسلام.

  1. حوار مع أمير المفارز الأمنية في الخير بولاية الشام (العدد 261)

الخميس 4 ربيع الثاني 1442هـ

حوار مع الشيخ أبي منصور الأنصاري حفظه الله، أمير المفارز الأمنية في الخير بولاية الشام.



بداية: لو تبيّنون لنا باختصار حال المنطقة في ظل سيطرة مرتدي ال PKK عليها.

الحمد لله، والصلاة على رسوله ومَن والاه، وبعد:

حال المنطقة اليوم يرثى له من جميع النواحي، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فالدّين قد ضاع بفرض المرتدين لأحكامهم الجاهلية عليها، وسعيهم الحثيث لإفساد عقائد الناس وإدخالهم في دين الإلحاد الذي يدينون به؛ وذلك عن طريق الإعلام والتعليم وغيرها من الوسائل، وفساد الأخلاق والمعاصي منتشران بكثرة، ولا تجد مَن ينكر عليها، أو يأمر بالمعروف، في ظل انشغال الناس بأمور الدنيا عن الآخرة، ومَن يقارنْ حالها بما كانت عليه حين سيطرة جنود الدولة الإسلامية عليها يُصِبْه العجب مِن تغيّر حالها بسرعة، ورغم ذلك ما زال هناك خير نرجوه في الناس -بإذن الله تعالى- ممن تعلّموا التوحيد وما زالوا يحرصون على دينهم، ويتجنّبون كفر الملاحدة أو موالاتهم، نسأل الله أن يثبّتهم وينفع بهم.

وكذلك من النواحي المعيشية: فوضع المنطقة سيئ جدًّا؛ فالمرتدون همهم الوحيد هو سرقة النفط والخيرات الكثيرة الموجودة فيها، وسلب الناس أموالهم بمختلف الطرق؛ فلا خدمات جيدة، ولا فرص عمل متوفرة، ولا مشروعات جديدة، وكأن الملاحدةَ موقنون برحيلهم عنها قريبًا -بإذن الله تعالى-؛ فهم منهمكون بسرقة ما يقدرون عليه في أسرع وقت، دون إنفاق شيء يرون أنهم لن يبقوا لينتفعوا به فيما بعد.

وماذا بخصوص الحالة الأمنيّة التي تسود المنطقة اليوم؟

الحال من الناحية الأمنيّة سيئ جدًّا بالنسبة للمرتدين؛ فهم -بحمد الله تعالى- لا يأمَنون على أنفسهم أن يسيروا مطمئنين في كل مناطق الخير؛ حيث تفترسهم كمائن المجاهدين وعبواتهم، بل لا يأمَنون على أنفسهم حتى داخل منازلهم؛ إذ لطالما دهمهم جنود الدولة الإسلامية وقتلوهم وهم على أسرّتهم.

وكذلك: فإن عموم الناس في المنطقة يفتقدون الأمن على أنفسهم وأموالهم من المجرمين؛ إذ تكثر عمليات الخطف وقطع الطرقات ليلًا ونهارًا، كما عادت الثارات العشائرية التي خمدت أيام حكم الدولة الإسلامية للمنطقة، وقد حصدت هذه الثارات أرواح العشرات من الناس، وزرعت الخوف والعداء بينهم خلال العامين الماضيين.

وكل هذا يجري وسط إهمال متعمَّد مِن قِبَل الصليبيين والملاحدة؛ فهم يتعمّدون زرع الشقاقات والحروب بين الأهالي، بل ويعينون بعض الأطراف على أخرى بحسب درجة الولاء لهم، كما ثبت أن كثيرًا من عصابات الخطف والسلب التي تعتدي على الأنفس والأموال والأعراض: مُكَوَّنة من عناصر ال PKK واستخباراتهم، أو ممن يحتمي بهم مِن أوليائهم المرتدين، قاتلهم الله أجمعين.

ومَن يقارن حال المنطقة اليوم بحالها أيام حكم الدولة الإسلامية: يتذكر كيف كان المسلمون وأهل الذمة يقطعون البوادي والحواضر ليلًا ونهارًا وهم آمنون على أنفسهم وأموالهم، نسأل الله تعالى أن يعيد حكم الشريعة لهذه الأرض قريبًا؛ فيأمَن به المسلمون، إنه على ذلك قدير.

بناء على هذا: ما طبيعة العلاقة بين الأهالي والمرتدين الحاكمين للمنطقة؟

العلاقة بين الطرفين لا تسودها المودّة، كما ظهر للناس من خلال الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، بخلاف ما يدّعيه الملاحدة وأولياؤهم الذين وعدوا الناس من قبل بالأمن والأموال والخدمات بمجرد إزالة حكم الشريعة من الأرض، ثم نكثوا وعودهم، وانشغلوا مع أسيادهم بالسلب والنهب والتقرب للصليبيين، تاركين أحوال الناس تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، لتزداد النقمة عليهم بسبب ذلك.

والناس هنا بطبيعتهم منقسمون؛ فمنهم المسلمون الذين يتعبّدون الله تعالى ببغض الصليبيين والمرتدين وبغض حكمهم الكفري، ويعادونهم في الدّين لا من أجل المكاسب والمنافع الدنيوية؛ فهم يبغضون الملاحدة ومَن والاهم ولو نشروا الأمن وأفاضوا على الناس المال، فما بالك وهم نشروا الخوف والفساد، وضيّقوا على الناس في معاشهم؟

ومنهم المرتدون الذين باعوا دينهم من أجل دنياهم؛ فلما وجدوا أنهم لم ينالوا من دنيا الملاحدة والصليبيين شيئًا: نقموا عليهم، وقد وُعِد هؤلاء من قبل بأن يكون لهم حصة كبيرة من واردات نفط المنطقة، أو يحوزوا السلطة فيها، ثم خرجوا من الأمر صفر اليدين بعد أن بذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الطاغوت، ولم ينتفع منهم إلا قلة قليلة من كبار العملاء والجواسيس الذين جعلهم الملاحدة واجهة لحكمهم، وأما البقية: فعبيد أذلاء، ليس لهم إلا الفتات، رواتب قليلة يتقاضونها لقاء كفرهم بالله العظيم وعدوانهم على المسلمين.

وهناك المنافقون الذين لم يظهروا موالاة المرتدين أو مظاهرتهم على المسلمين، وبنفس الوقت: هم لا يعادونهم لدينهم، فهم عبيد الدرهم والدينار؛ إن أُعطُوا رضوا، وإن لم يُعطَوا سخطوا، منشغلون بالدنيا، ولا يريدون أن يُظهِروا معاداة المسلمين، ولا معاداة المرتدين؛ حرصًا على دنياهم، فعداوتهم للملاحدة موجودة ما دام الوضع المعيشي لهم سيِّئًا؛ فإن أرضاهم الصليبيون والمرتدون بوظائف لديهم، أو بعض الجاه الكاذب، أو شيء من المال: انقلبوا إلى أولياء لهم، وأظهروا بذلك الكفر بالدين.

والحالة التي بيّنّاها للمنطقة: تجعل كل أصناف الناس في حالة عداء للملاحدة -بحمد الله تعالى-، إلا طوائف قليلة من المنتفعين، أو من كبار المجرمين الذين يحتمون بالملاحدة ويخشون من ثارات المسلمين، التي ستنالهم عاجلًا أو آجلًا بإذن الله؛ جزاءً لِمَا اقترفته أياديهم بحق المستضعفين.

فالمسلمون يعادونهم لكفرهم وحربهم للدين، والمرتدون والمنافقون يعادونهم لِمَا تسببوا به من إفساد لمعايش الناس، ولاستئثارهم بالمال والسلطة من دونهم.

ونحن نسعى لزيادة العداوة الموجهة ضد الصليبيين والملاحدة بشتى الوسائل؛ عن طريق إرهاب أولياء الملاحدة، وقتل مَن يعينونهم في المجالس المحلية على خداع الأهالي وتسكين العداوة معهم، وقد أثمرت جهود إخوانكم في هذا المجال نجاحًا كبيرًا بحمد الله تعالى، وبعض نتائجها معروف مشهور، وبعضها الآخر خفيّ مستور، يطلع عليه أهل الشأن من المجاهدين، ويعلمه الله تعالى رب العالمين.

بالكلام عن عمل جنود الدولة الإسلامية في المنطقة: نلاحظ أن وتيرة العمل متغيرة بين وقت وآخر، وبين مكان وآخر؛ فما السبب وراء ذلك؟

إن إخوانكم المجاهدين في الخير يعملون في ظروف صعبة للغاية؛ فالمرتدون متمكّنون من الأرض، وقد نشروا فيها أعدادًا كبيرة من عناصرهم في المنطقة، ووزّعوهم على حواجز ونقاط عسكرية كثيرة، كما أعانهم على ذلك الكثير من المرتدين الذين صاروا لهم عيونًا وجواسيسَ يترصدون تحركات المجاهدين وينقلون أخبارها لأسيادهم، والصليبيون يسيطرون على الأجواء من خلال طيران الاستطلاع الذي يراقب المنطقة، والمروحيات والمقاتلات التي تقدّم الغطاء الجوي للتحركات الأرضية، ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله العظيم.

ولكن رغم ذلك: فإن جنود الدولة الإسلامية قد تمكنوا خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تنفيذ مئات العمليات، بفضل الله تعالى وحده، كبّدوا فيها الصليبيين والمرتدين خسائر باهظة، ومنعوهم من تحقيق الاستقرار الذي هو أساس بسط سيطرتهم الكاملة.

وأما مسألة تغيّر وتيرة العمل وانتشاره: فيعود لأسباب عديدة؛ منها: أن المجاهدين يقررون أحيانًا تنشيط العمل في مكان ما أو على نوع معين من الأهداف لأسباب يرونها، ويرون في أوقات أخرى تجميد العمل في منطقة ما لفترة من الزمن، وقد يكون الخيار لهم نقل ثقل الحرب من منطقة إلى منطقة أخرى، وكل ذلك خاضع لتقديرات الإخوة من أمراء المجاهدين.

ويضاف إلى ذلك: أن حملات الصليبيين والمرتدين تكاد لا تتوقف في المنطقة؛ فهم في سعي مستمر لرصد المجاهدين وتعقّبهم بالقتل أو الأسر من أجل إيقاف جهادهم، أو على الأقل جعلهم في موقف مطاردة يعيق تفرّغهم للتخطيط لعمليات هجومية فضلًا عن تنفيذها، وهذا الأمر قد يبطئ أحيانًا نشاط المفارز الأمنية لجنود الخلافة في وقت ما أو مكان ما.

ولكن كما يرى الناس: فإن المجاهدين بحمد الله لا يلبثون أن يستعيدوا نشاطهم بعد كل حملة، ويعودوا لاستهداف المرتدين وإلزامهم بحالة الدفاع لفترة من الزمن، حتى تضطر قيادة المرتدين لحشد قوات كبيرة من مختلف المناطق للقيام بحملة على المجاهدين برفقة الجيش الأمريكي الصليبي وطيرانه الكثيف، فيتجنّب الإخوة الصدام معهم، ثم تعود الأمور لسالف عهدها بعد حين، فنحن وهُم في كر وفر حتى ننهكهم وينصرنا الله تعالى عليهم، وقد يئسوا بحمد الله من إيقاف عمليات المجاهدين في المنطقة، فأقصى أمانيهم اليوم: هو تخفيف الخسائر في صفوفهم، ولله الفضل من قبل ومن بعد.

المرتدون يعلنون بعد كل حملة عسكرية يقومون بها إلحاق خسائر كبيرة بالمجاهدين؛ فما حقيقة الأمر؟

هم في كل حملة يعلنون عن اعتقال عدد من الناس يزعمون أنهم من المجاهدين وأمرائهم، ويظهرون قِطَعًا من السلاح يزعمون أنها للمجاهدين؛ ليصوّروا للناس أنهم أضعفوا من قوتهم، وقلّلوا من خطرهم، وأوشكوا على القضاء عليهم، وهل ديدن المرتدين إلا الكذب؟!

وكان الأَولى بهم: أن يتوقفوا عن هذه الأكاذيب التي جعلتهم محطّ سخرية أهالي المنطقة، الذين يعرفون المعتقلين وظروف اعتقالهم، ويعرفون حقيقة الأسلحة التي تظهر في تقارير الملاحدة على أنها أسلحة المجاهدين.

فلا أدَلّ على كذبهم من كونهم بعد كل حملة يعتقلون فيها العشرات من الناس لا يلبثون أن يطلقوا سراح أغلبهم خلال أيام قليلة؛ فيتبيّن للجميع أنهم إنما اعتقلوهم ليجعلوهم أرقامًا في نتائج حملاتهم البائسة، بل قد اعتقلوا في الحملات الأخيرة بعضًا من عناصر استخباراتهم وجواسيسهم وآخرين هم من أكثر الموالين لهم، قاتلهم الله أجمعين.

ثم تنكشف كذبة قضائهم على خطر المجاهدين مع عودة العمليات التي تستهدف المرتدين، وتتخطّفهم على الطرقات والحواجز، وفي داخل المقرّات؛ ليتضح حتى لعناصرهم وقيادتهم بل ولأسيادهم الصليبيين: أن نتائج تلك الحملات الكبيرة قد صارت هباء منثورًا، والحمد لله من قبل ومن بعد.

والواقع أن المجاهدين -كما ذكرنا- يتحاشون الصدام مع الحملات الكبيرة؛ لِكَون هذا الصدام ليس في صالحنا، خاصة أن زمام المبادرة في أيدينا بفضل الله، فنحن مَن نقرر بعد توفيق الله وتيسيره متى نشعل منطقة ما تحت أقدامهم نارًا، ومتى ننقل النار إلى منطقة أخرى يحسبون أنفسهم آمنين فيها فنقض مضاجعهم، ونحن مَن نحدّد الوقت المناسب لعملياتنا وأسلوب القتال ضدهم، ولا نسمح لهم أن يستفزّونا لمعارك هم مَن خطّط لها.

ما تأثير جهاد جنود الدولة الإسلامية في صد الناس عن الوقوع في كفر موالاة الملاحدة والقتال في صفوفهم؟

منذ بدايات انحسار سيطرة الدولة الإسلامية على الأرض، واستعلاء الصليبيين والمرتدين فيها: وقع كثير من الناس في الكفر والردة بالانضمام إلى صفوف مرتدي ال PKK رغبًا ورهبًا، وكان مَن يغويهم الشيطان في هذا الاتجاه لا يجدون لهم رادعًا يردعهم عنه، بعد أن زال خوف الله تعالى من نفوسهم، وأعمى الحرص على الدنيا أبصارهم وطمس على قلوبهم.

ولكن -والحمد لله تعالى- منذ أن أعاد المجاهدون تنظيم صفوفهم، وبدؤوا جهادهم المبارك ضد الصليبيين والمرتدين: أحَسَّ كثير من الناس بخطورة الأمر عليهم، وأن مَن لا يخشى عذاب الله تعالى في الآخرة: فعليه أن يخشى مِن عذاب عبيده في الدنيا، وخاصة بعد أن تصاعدت نكاية المجاهدين في المرتدين، وصاروا يتخطّفونهم في الأسواق ويغتالونهم على مرأى من الناس، ثم يُبَيِّتون مَن اختبأ منهم في منزله فيقتلونه بين أهله وعشيرته، ويتلفون أموالهم التي من أجلها كفروا بالله العظيم.

فكل ذلك دفع كثيرًا من الناس إلى إعلان التوبة من موالاة المرتدين وإعانتهم على نشر كفرهم، بل إن كثيرًا ممن كان يعمل لديهم في مفاصل غير عسكرية أو أمنية: ترك وظيفته وبحث لنفسه عن مصدر رزق بعيدًا عنهم؛ خوفًا من أن تناله أيدي الموحدين، والفضل لله من قبل ومن بعد أن استعملنا سبحانه في منع الناس من الدخول في دين الكفر أفواجًا.

ومَن بقي في صفوفهم لحرصه على الفتات الذي يقدمونه له: فإنه -بحمد الله تعالى- يعيش خائفًا لا يدري متى يمكّن الله تعالى عباده منه؛ فهناك مناطق لا يجرؤ أحد منهم على دخولها، بل في كل مناطق الخير تجد كثيرًا من المرتدين لا يتجوّل في مدينته أو قريته باللباس العسكري؛ خوفًا من رصد المجاهدين له واستهدافه، فهم يستَخْفون بكفرهم اليوم عن الناس بعد أن كانوا يفاخرون به، ولن يخفى أمرهم على الله تعالى ولا على جنوده، وسينالهم -بإذن الله تعالى- العذاب الشديد في الدنيا والآخرة، جزاءً لكفرهم ولما اقترفته أياديهم من جرائم بحق المسلمين.

وإننا على يقين أنه كلما زادت قوة المجاهدين، وزادت نكايتهم في المرتدين، وفتح الله تعالى لهم أكثر في البلاد: فستزداد أعداد مَن يتركون صفوف الملاحدة، ويعلنون التوبة مِن كفرهم وردّتهم؛ مصداقًا لقوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} [سورة النصر]، فالنصر للمسلمين يصاحبه دخول الناس في دين الله تعالى أفواجًا، ونسأل الله تعالى أن يعجّل به لأوليائه الموحدين.

ختامًا: كثير من شباب المسلمين في مناطق الخير وخارجها يبحثون عن المفارز الأمنية لجنود الخلافة طلبًا للجهاد في صفوفهم والقتال معهم؛ ما توجيهكم لهؤلاء الإخوة؟

أقول لهم بداية: شكر الله سعيكم وكتب أجركم، وأثابكم على نياتكم الصالحة، والمرحلة القادمة من العمل الجهادي مرحلتكم، والدور الأكبر فيها سيكون دوركم بإذن الله عزّ وجلّ، وإن مجرد طلبكم اللحاق بركب الخلافة له عظيم النكاية في المرتدين؛ فهم يسعون جاهدين لصد المسلمين عن الجهاد في سبيل الله؛ عن طريق إشغالهم بالشهوات، أو تضليلهم بالشبهات، فأخلصوا نياتكم لله سبحانه، واجعلوا مطلبكم خالصًا لوجهه الكريم، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.

واعلموا أن ساحات الجهاد هي في متناول أياديكم وليست بعيدة عنكم، فشمروا عن ساعد الجد وتحلّوا بروح الإقدام، وكونوا خير خلف لخير سلف، وإن لم يتيسر لأحدكم الالتحاق بالمفارز الأمنية للدولة الإسلامية: فليكن هو مفرزة أمنية لها أينما كان، يجاهد الكفار والمرتدين بما يستطيع، وينصر إخوانه بما يقدر عليه، ولا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

هذا والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الجزء الثاني: حوار مع أمير الجند في الصحراء الكبرى (العدد 308)

الخميس 7 ربيع الأول 1443هـ

حوار مع الشيخ أبي الوليد الصحراوي -تقبله الله تعالى-



استكمالًا للحوارِ -بجزئه الثّاني والأخير- الّذي أجرتهُ صحيفة (النّبأ) مع الشيخ المجاهد أبي الوليد الصّحراوي -تقبّله الله تعالى- في العدد (260) من الصّحيفة.

منطقة الصحراء الكبرى، رغم أهميتها: فإنّ المعلومات عنها شحيحة، ومعرفة الناس بها قليلة؛ فهلّا تكرّمتم بتعريفها مع بيان حالها: طبيعتها، سكانها، حال حكوماتها، وسر اهتمام الصليبيين الكبير بها؟

تُعَدّ منطقة الصحراء الكبرى والساحل كغيرها من مناطق غرب إفريقية التي تضم أعراقًا وإثنيّات مختلفة؛ حيث يوجد قبائل الطوارق والعرب في المناطق الشمالية من مالي والنيجر، وتنتشر قبائل الفلان في غرب ووسط وجنوب مالي والنيجر، بالإضافة إلى عرقيات وإثنيّات أخرى.

وقد التحق عدد من أبناء القبائل العربية والطوارق بالجهاد منذ منتصف العشرية الأولى من هذا القرن، وضمّت "جماعة التوحيد والجهاد" في غرب إفريقية في صفوفها منذ تأسيسها -آنذاك- أولى طلائع المجاهدين من قبائل الفلان، وقد اتّسمت العلاقة بين حكومات المنطقة وهذه العرقيات بالتوتر والمواجهات المسلحة طيلة العقود الماضية؛ فقد مارست هذه الحكومات المرتدة أنواع الظلم والبطش والقتل والتشريد ضد أفراد هذه القبائل خصوصًا، كما حرمتهم من الحقوق التي تمنحها لغيرهم من القوميات الأخرى؛ بُغْيَةَ تفقيرهم وإذلالهم وإخضاعهم لسياساتها.

ولم تكتفِ هذه الحكومات فقط بهذه الممارسات؛ بل اعتمدت على تقريب عرقيات أخرى؛ لتثبيت عروشها، واستغلالها للاستقواء بها ضد خصومها وأعدائها من القبائل المذكورة والتي لا تدين بالولاء لها، وإقحامها في هذه الصراعات وإشعال فتيل حروب عرقية لا تنتهي؛ لتُدخلها بذلك في دوامة صراع يشغلها عن مطالبة هذه الحكومات بتحقيق ما كانت تُطالب به، لتعرض الحكومات على هذه القبائل والحركات حلولًا ظرفية لإيقاف هذه الصراعات تحت إشراف هذه الحكومات، ووفق أجنداتها ووسطائها ووفق سياساتها الأمنية؛ لتستفيد هذه الحكومات بعد ذلك من هذه الهدن والتسويات لعدة سنين، ثم تظهر هذه الصراعات مجددًا أكثر حدّة وعنفًا لتستخدم تلك الحكومات نفس الأسلوب ونفس العرقيات في مواجهة خصومها وأعدائها عند كل مواجهة وعند تكرار الأحداث، وهكذا دواليك وإلى يومنا هذا.

وتتربع منطقة الساحل والصحراء الكبرى على مساحة كبيرة تضم ثروات طبيعية هائلة، وهو ما جعل اهتمام الصليبيين بها كبيرًا؛ حيث عملت الدول الصليبية المسيطِرة على المنطقة -من خلال شركات التنقيب التي تديرها عائلات وشخصيّات صليبية- على استغلال تلك الثروات المختلفة ونهبها طيلة عقود من الزمن وإلى يومنا هذا، خاصة مناجم الذهب واليورانيوم والمنغنيز.

فالصليبيون ينظرون إلى هذه المنطقة باهتمام بالغ؛ بسبب الخيرات التي تحويها أراضيها، وبسبب موقعها الاستراتيجي المتميز المجاور لليبيا ونيجيريا، والذي يُعزز إمكانية التنسيق بين جنود دولة الخلافة لتكثيف أنشطتهم، وتحرُّكهم وتمركزهم في هذا المحور المترابط الممتد من سيناء إلى ليبيا إلى نيجيريا، وإلى مناطق الصحراء الكبرى والساحل.

ابتُليت منطقة الصحراء الكبرى بالصراعات القبلية المتجددة؛ ما أهم أسباب تلك الصراعات؟ وما دور الحكومات المرتدة والصليبيين في إشعالها؟ وما تأثير ذلك على الجهاد في المنطقة؟

لقد تركت القوى الصليبية الغازية بعد خروجها من المنطقة حكومات وأنظمة عميلة؛ تنوب عنها، وتؤدي دورها الذي يضمن استمرار مصالحها وسياساتها، ولكي تحافظ هذه الحكومات المرتدة على عروشها: سعت إلى استغلال القبائل والعرقيات المختلفة في خدمة مصالحها؛ عبر إثارة القلاقل والنعرات، واستمالة قبائل على حساب أخرى.

حيث قامت التركيبة السياسية لحكومات المنطقة -منذ منحها الاستقلال الصوري- على السماح لقبائل وعرقيات دون أخرى بالسيطرة على العديد من الموارد والأراضي المهمة؛ كامتيازات تحظى بها مقابل ولائها وتبعيتها لهذه الحكومات، مما وفّر لها الحماية وساعدها على التحكم في دواليب الحكم وإدارة شؤون البلاد حقبًا متتالية، وهو ما صبغ الصراعات التقليدية بين هذه القوميات المختلفة بطابع التعقيد والتقلب الدائم تبعًا لتقلّب المصالح والولاءات في المنطقة.

- ففي شمال مالي: واجهت حكومة مالي تمرّدًا مسلَّحًا من قبائل الطوارق وحلفائهم، طالبوا فيه بحكم ذاتي للمنطقة، وقد استخدمت الحكومة المالية أبناء قبائل: (البمبارا، والدوغون، والفلان، والسونغاي) المنحدرة من مناطق الجنوب والوسط، في مواجهة قبائل العرب والطوارق المنحدرين من مناطق الشمال، ليأخذ هذا الصراع منْحًا إثنيًّا يزداد دموية بمرور السنين.

ومع كل تمرد جديد للحركات المسلحة: تلجأ الحكومة المالية إلى الاستعانة بقوميات موالية لها لمواجهة التمرد القبلي المسلح عبر إحداث خلاف بين مكوناته لإضعافه، كما حدث في حقبة التسعينيات عندما استقطبت الحكومة مجموعات من الطوارق أنفسهم لضرب تمرد الشمال؛ حيث تحالفت مجموعات من "طوارق الإيفوغاس" -على رأسهم إياد غالي- مع الجيش المالي ضد التمرد الذي يقوده "الهيجي غامو" زعيم حركة طوارق إمغاد، وبعد فشل هذا التحالف بين الجانبين نتيجة تنكّر الحكومة المالية لوعودها: قررت الحكومة في (باماكو) اختيار "الهيجي غامو" وبعض قبائل العرب للقتال ضد قبائل الإفوغاس! وهكذا استخدمت حكومة مالي مختلف القوميات والحركات لخدمة مصالحها وحماية عروشها، بالتنسيق مع دول كالجزائر وليبيا ومخابراتها الراعية لهذه الحركات.

- أما في وسط مالي وغربه على الحدود مع موريتانيا، والذي يضم قبائل: (البمبارا، والدوغون، والسونغاي، والفلان) التي استخدمتها الحكومات المالية في مواجهة قبائل الطوارق والعرب المتمردة في الشمال طيلة العقود الماضية، إلا أنها كانت تقرّب بعض هذه العرقيات على حساب العرقيات الأخرى لأسباب سياسية وعرقية ودينية: فقد كانت قبائل (البمبارا) تتمتع بامتيازات عديدة؛ حيث يسيطر أفرادها على مقاليد السلطة وأعلى المراتب في السلّم العسكري والإداري في مختلف القطاعات، وبصورة أقل قبائل (الدوغون) و (السونغاي)، فيما كانت تعاني قبائل (الفلان) الفقيرة من تهميش كبير ومتعمد؛ حيث يمتهن أغلب أفرادها الرعي ويُحرَم أبناؤُها من تلقي التعليم، وقد كانت محاولات العرقيات التي تمتهن الزراعة ضمّ مزيدٍ من الأراضي إلى ممتلكاتها -بدعم من الحكومة- يؤدي إلى التصادم مع قبائل (الفلان) التي تمتهن الرعي، فكان هذا طابعًا يطبع الصراع التقليدي بين القبائل في تلك المناطق.

ومع التحاق شباب قبائل (الفلان) بالمجاهدين -وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء-، وانكباب قبائلهم على النصرة ودعم الجهاد: بقيت العرقيّات الأخرى تنافح عن الحكومات المرتدة في مواجهتها للمجاهدين، ليتغير طابع الصراعات التقليدية ويستغلها الطواغيت كواجهة؛ لإخفاء حقيقة الجهاد وأهدافه عن عامّة الناس.

- أما في بوركينافاسو: فقد سيطر النصارى على الحكم بتأييد وتحالف من المرتدين، حيث ينقسم السكان فيها: إلى مسلمين، ونصارى، ووثنيين، وقد تعرّض المسلمون طيلة العقود الماضية إلى التهميش والإقصاء والتفقير رغم الثروات الباطنية التي تزخر بها البلاد، في الوقت الذي كانت فيه أنشطة المنظمات التنصيرية تستهدف أبناء المسلمين من أجل حرفِ عقيدتهم وتنصيرهم، وفق مناهج تعليمية ممنهجة، يتم نشرها عبر المدارس والمؤسسات التعليمية، والتغلغل في أوساط قرى المسلمين الفقيرة تحت غطاء المساعدات الغذائية وبناء المراكز الطبية؛ بهدف ضرب وتدمير عقيدة المسلمين، والتغطية على حقيقة الحرب الصليبية ضد الإسلام، غير أنّ ظهور أجناد الخلافة -بفضل الله تعالى- على أرض بوركينافاسو في عام 1436 ه، وقيامهم منذ ذلك الوقت باستهداف القوات البوركينية ومهاجمة مقراتهم: غيّر كثيرًا من الأحداث والأحوال؛ فبدأ شباب المسلمين يعي حقيقة الصراع الدائر، وعلى إثر ذلك التحق الكثير منهم بالمجاهدين وتخندقوا في خندقهم، وأمام تزايد الهجمات والخسائر في صفوف الحكومة البوركينية: لجأت هذه الحكومة إلى تجنيد ميليشيات نصرانية وقبائل وعرقيات وثنية وخبالة من المرتدين؛ لمواجهة أجناد الخلافة وأنصارها.

- وفي النيجر: سلكت حكوماته نفس الطريق الذي سلكته حكومات المنطقة، بل سخّرت أغلب مطاراتها وأراضيها للصليبيين لمحاربة المجاهدين، واستخدمت نفس أساليب النظام المالي في مواجهة جنود دولة الخلافة، بعد عجزه عن صدّ هجماتهم المتكررة ضد قواته المختلفة وقواعدها.

حيث تتوزع القبائل الساكنة في النيجر إلى الطوارق والعرب والفلان في أقصى الشمال، وقبائل الفلان والهوسا في الوسط والشرق، إضافة لقبائل الزرما والطوارق السود وبعض الفلان في الجنوب والغرب.

وكان أبناء قبائل الفلان الموجودين على الحدود بين النيجر ومالي: هُم أولى القبائل التي انضمت إلى المجاهدين في الصحراء والساحل عمومًا، وكان لهم السبق من بين بني جلدتهم في الإثخان بأعداء الله تعالى من الجيش المالي والحركات الوطنية في أزواد، وجيش النيجر والقوات الصليبية، فكانوا أول مَن أعلنوا بيعتهم لدولة الخلافة عام 1436 ه في هذه المنطقة.

وقد تواطأت لمواجهتهم -مع جيشي النيجر ومالي والجيش الفرنسي الصليبي- حركات تدعمها قبائل وعشائر، مستغلة ما كان يحدث من مواجهات قبلية قديمة قبل ظهور الجهاد في هذه المنطقة بين قبائل الفلان والطوارق الموجودة على الحدود مع مالي، أو قبائل الزرما في النيجر، لإثارة الحمية والنعرات القبلية لتجنيد تلك القبائل لحرب المجاهدين، وتصويرها على أنها ثارات وتصفية حسابات بين القبائل، حتى لا يُفهَم أن تلك القبائل تقاتل لصالح الحكومات المرتدة وتواليها وتشاركها حربها ضد المجاهدين.

وقد استغل عبّاد الصليب أطماع وأحقاد بعض القبائل في تجنيدها لمحاربة المجاهدين مقابل وعود الصليبيين لهم بتحقيق أطماعهم، وتكفّلت الحكومات المحلية بتقديم كافة الدعم لهم، والتكتّم كذلك على جرائمهم بحق عوام المسلمين، والتي يقترفونها أثناء حملاتهم وحروبهم ضد المجاهدين.

ما موقف تنظيم القاعدة من هذه الصراعات القبلية والعرقية؟ وما دوره فيها؟

- يحاول التنظيم اليوم الدفع بمختلف مكونات شمال مالي من القبائل والحركات المعارضة والموالية للحكومة المالية إلى الوقوف معه في حربه ضد المجاهدين؛ فتارة يصف جنود الخلافة -في اجتماعاته مع القبائل- بأنهم "أجانب" جاؤوا للإفساد في الأرض وتفريق وحدة القبائل! وتارة يصف الحرب التي يخوضها بأنها لمنع قبائل الفلان من السيطرة على مناطق الطوارق والعرب، رغم أن معظم جنوده من الفلان وليسوا من العرب والطوارق! لكنه يستخدم خطابًا مزدوجًا أمام قبائل الطوارق والعرب فيهددهم فيه من خطر زحف قبائل الفلان! وأمام جنوده من قبائل الفلان يحرّضهم على قتال جنود الخلافة بزعم أنهم خوارج! وهكذا يخطو التنظيم وقائده المرتد "إياد غالي" خطى الحكومة المالية المرتدة متّبعًا سياستها في إشعال حروب عرقية؛ لاستخدام هذه القبائل كمطية في خدمة مصالحه وحمايته، تحت شعار الجهاد وقتال الخوارج!!

- وبسبب البيعات التي توالت على الدولة الإسلامية، بعد ترْك العديد من أبناء قبائل الفلان تنظيماتهم وأحزابهم السابقة في غرب ووسط مالي تحديدًا: أعلن تنظيم قاعدة الردة حربه ضد أجناد دولة الخلافة؛ بغيةَ وَقْفِ استمرار تلك البيعات المباركة، وإيهام مَن تبقّى مِن أنصاره أن جنود الخلافة هم مَن بدؤوهم بالحرب والعدوان، وتسابق قادة التنظيم إلى القبائل يشوّهون أمامهم جنود الخلافة ويخوّفونهم منهم، كما أوقفوا حروبهم مع العديد من القبائل الوثنية في كثير من المناطق؛ ليتفرغوا لقتال المجاهدين والغدر بهم في (نامبالا) على الحدود مع موريتانيا، وفي منطقة (ماسينا) وسط مالي، وفي مناطق المثلث الحدودي، وبذلك أثار المرتد "أمادو كوفا" النعرات القبلية في صراعه مع جنود الخلافة، وحاد بقبائل كثيرة -انبرت لنصرة الجهاد ابتداء- عن جادة الصواب، وهيّج عاطفة الحميّة في أوساطهم، مستخدمًا نفس الطريقة النتنة التي اعتمدتها الحكومات الطاغوتية قبله حفاظًا على الحكم والرياسة.

- أما في بوركينافاسو، وفي خضم تلك المواجهات المستعرة بين جنود الخلافة وميليشيات النصارى والقبائل الوثنية المدعومة من الجيش البوركيني؛ فقد تطوّع تنظيم قاعدة الردة لخوض حرب متزامنة ضد جنود الخلافة، متجاوزًا خلافاته وحروبه مع الميليشيات النصرانية والوثنية، ليزجّ بآلاف من أبناء قبائل الفلان في حرب ضد المجاهدين بحجة أنهم خوارج! فتعقّدت بذلك أحوال المسلمين وحارت أفهامهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ليتبيّن للكثيرين منهم بعد مضي الوقت ظلم تلك الحرب التي شنها التنظيم المرتد وما جرّته على المسلمين من ويلات على أيدي عبدة الصليب والأوثان، بعد أن كانت الدولة الإسلامية أول مَن تصدى لرد عادية النصارى والوثنيين عن المسلمين في بوركينافاسو، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وما دور المجاهدين في التصدي لهذه الصراعات؟ وكيف هي علاقة المجاهدين بأبناء المنطقة في ظل هذه الصراعات المعقّدة؟

الحقيقة أنّ المجاهدين نجحوا -بفضل الله تعالى- في منع اندلاع كثير من الصراعات الجاهلية القائمة على أساس قبلي وعرقي، رغم قيام الطواغيت ومن تولاهم من القوميات والعرقيات بتزييف الحقائق، ومحاولة إظهار جهاد المجاهدين ومعاركهم على أنها معارك وثارات قبلية.

ورغم التنوع العرقي والإثني في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، واختلاف الشعوب والأقوام المشكِّلة لهذا النسق، وتعدُّد لهجاتها ولغاتها: إلا أن المجاهدين وخاصة المهاجرين استطاعوا -بفضل الله تعالى- التأقلم مع هذه الأحوال رغم قساوة الظروف المحيطة بهم، والتواصل مع العديد من هذه الأقوام والشعوب في النيجر ومالي وبوركينافاسو؛ لتبيين الغاية لهم من قتال المجاهدين لهذه الحكومات المرتدة وحلفائهم من الصليبيين، ودعوة تلك الشعوب إلى عدم الانخداع بدعايات أعداء الدين التي تهدف إلى إبعادهم عن دينهم وعن إخوانهم المجاهدين.

وعمومًا: فإن المجاهدين تربطهم علاقات جيدة مع العديد من أبناء القبائل ممن لا تربطهم علاقات بالأحزاب والحركات المرتدة، ولا برؤسائها وكبرائها؛ حيث تُعَدّ تلك الحركات والجبهات السبب الرئيس في تضليل القبائل المرتبطة بهم، لتبقى هذه القبائل حزامهم الأمني وخزّانهم البشري الذي يعتمدون عليه في تحقيق مصالحهم، واستخدامها كورقات ضغط أمام أنظمة الصليبيين.

يجري حديث عن مفاوضات بين حكومة مالي المرتدة وتنظيم القاعدة في شمال مالي؛ كيف بدأ الأمر؟ وما مدى جدية الحكومة المرتدة في الحوار؟ وما مدى تقبّل القاعدة وحلفائها للأمر؟ وما توقعاتكم بخصوص سير هذه المفاوضات؟

- منذ تراجع الجيش المالي وفقدانه السيطرة على مناطق شمال مالي: كانت "حركة أنصار الدين" بقيادة المرتد "إياد غالي" بمثابة الواجهة السياسية لتنظيم القاعدة، والتي تمثّله في المشهد السياسي في أزواد؛ حيث قامت الحركة بجولات عديدة في عدد من عواصم الدول المجاورة لمالي، أعلنت من خلالها تمسّكها بوحدة أراضي مالي، وشرحت فيها آفاق سياساتها المستقبلية، ومواقفها من القضايا التي تُقلق هذه الدول وخاصة علاقتها بالجماعات "الجهادية"، وأبدت استعدادها للانخراط في المفاوضات المباشرة مع الحكومة المالية ضمن وفد موحَّد يضم كل الحركات المسلحة في أزواد، وكانت هذه الجولات تجري بعلم ومباركة تنظيم القاعدة.

وهي واحدة من مسارات التفاهمات التي جرت مع عدد من الحكومات الأخرى؛ فقد كانت "حركة أنصار الدين" تعهدت أمام تكتّل الحركات المسلحة والأعيان والشخصيّات القبلية النافذة في الشمال: بِثَنْيِ تنظيم القاعدة عن استهداف الجزائر، وفي هذا السياق حاول تنظيم القاعدة التفاوض عام 1433 ه مع شركة (آريفا) الفرنسية شمال النيجر؛ للحصول على مبالغ مالية سنوية يتلقاها التنظيم مقابل استفادة الشركة من إنشاء طرق تصدير باتجاه الجزائر (لتصدير اليورانيوم)، وتعهُّد التنظيم بعدم استهداف مصالحها، وهو اتفاق لم يتم بسبب الخلافات بين أمراء التنظيم آنذاك، كما كانت المفاوضات مع الحكومة الموريتانية المرتدة جارية على قدم وساق، عبر سجناء تابعين للتنظيم في سجون موريتانيا وعبر شخصيّات مقرّبة من النظام الموريتاني؛ للوصول إلى اتفاق يوقف التنظيم بموجبه استهداف مصالح موريتانيا، مقابل تلقّيه أموالًا من الحكومة الموريتانية! وهو ما يفسّر توقف عمليات التنظيم على الأراضي الموريتانية منذ عام 1433 ه وإلى اليوم.

- أما في بوركينافاسو: فقد أصدر التنظيم توجيهات لأتباعه بعدم الدخول في حرب مع القبائل الوثنية والنصرانية هناك، وقد تلقّى التنظيم عروضًا مِن قِبَل حكومة بوركينافاسو عبر وساطة من بعض قادة الحركات المسلحة في شمال مالي، للوصول إلى تسوية يتلقى من خلالها التنظيم أموالًا من الحكومة البوركينية مقابل عدم استهدافه لمصالحها وقواتها وللشركات الصليبية العاملة هناك، غير أن وجود أجناد الخلافة وتزايد عملياتهم: أفشل -بفضل الله تعالى- الكثير من مشروعات التفاهمات والتسويات التي كان التنظيم يعتزم إبرامها.

وتمهيدًا للحملة الصليبية التي انطلقت عام 1438 ه: عقد الصليبيون اتفاقًا مع الحركات الموالية للحكومة المالية من أجل إشراكها في الحملة الصليبية ضد جنود الخلافة، لكن المعارك التي اندلعت أضعفت بشكل كبير تلك الحركات المرتدة بعد انفضاض عدد كبير من أتباعها عنها؛ نتيجة الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدتها في المنطقة الحدودية بين مالي وبوركينافاسو والنيجر، وفشل التحالف الصليبي في تحقيق أهدافه المعلنة، وهو ما جعل الجيش المالي في مرمى نيران المجاهدين في هذا المثلث الحدودي، وكبّده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، فسارع بالانسحاب من تمركزاته في عدة مناطق، وهو ما فاقم الأوضاع الأمنية المتأزمة في الأساس، وأظهر قصور وضعف حكومة الطاغوت "كيتا"، وزاد من حدة الانتقادات الموجهة لها، لترتفع الأصوات المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وإنهاء الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها مالي منذ سنوات؛ وذلك بإجراء "حوار وطني شامل" لحل المشاكل العالقة، وفتح الباب أمام إمكانية التفاوض مع القاعدة! فجرت لقاءات جمعت بين بعض الشخصيّات ذات التوجه الإخواني السروري في مالي، وعلى رأسها المرتد "محمود ديكو" الرئيس السابق لما يسمى "المجلس الأعلى الإسلامي" في مالي، مع أمراء تنظيم القاعدة قبل حدوث الانقلاب العسكري الأخير الذي أطاح بحكومة "كيتا".

وبعد الانقلاب العسكري: سارع منفّذوه إلى التصريح بالتزامهم بالاتفاقيات العسكرية المبرمة مع القوات الفرنسية، وفي نفس الوقت استعدادهم لقبول التحاور والتفاوض مع تنظيم القاعدة في محاولة لطمأنة الأصوات المنادية بذلك.

ورغم أن تنظيم الردة قد أعلن مرات عديدة -عبر بياناته الرسمية- قبوله المبدئي بالدخول في هذه المفاوضات وفق شروط حددها سابقًا، وما سبق ذلك من جولات ولقاءات جمعت أمراءه بشخصيّات وسيطة في هذا الموضوع؛ إلا أن المعطيات الميدانية جعلت الشروط التي قدمها التنظيم مبالغًا فيها؛ فالتنظيم المهترئ لم يحقق نصرًا عسكريًّا ملحوظًا على قوّات (برخان) الفرنسية، ولم يقم بإخراج القوات المالية من مناطق ذات أهمية، ولم يسيطر على أي من المدن، بل تزامنت خرجاته الإعلامية حول مفاوضاته الموعودة مع حكومة مالي المرتدة، مع تحضيراته لشنّ حرب شاملة ضد أجناد الخلافة عام 1441 ه في غرب مالي ووسطها، وعلى الحدود مع بوركينافاسو وفي جميع أراضيها، كجزء من خططه الرامية إلى تفرده في الساحة، وإزاحة أجناد الخلافة لإقناع القوى الأخرى بقدرته على تحقيق نتائج وإحداث تغيرات على مجرى الأحداث في أي وقت وفي أي فترة، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن التنظيم المرتد، فتكبّد خسائر بشرية ومادية كبيرة، وطُرد -بفضل الله تعالى- من عدة مناطق في بوركينافاسو ومالي على يد أجناد دولة الخلافة، وطال أمد الحرب التي ما تزال فصولها لم تنته بعد، ليدخل التنظيم دوامة صراع زاد من تعقيد الأمور أمامه.

كما أن الموقف الرسمي لفرنسا الصليبية لم يتفق مع موقف الانقلابيين العسكريين الصريح القابل مبدئيًّا التفاوض مع تنظيم القاعدة؛ حيث ترفض فرنسا في الوقت الراهن بشكل علني هذا التوجه، وقد شنت في الآونة الأخيرة غارات جوية استهدفت مناطق وجود القاعدة على الحدود بين مالي وبوركينافاسو، ويُفَسَّر هذا التوجه العسكري الفرنسي -ربما- كأسلوب من أساليب الضغط التي ينتهجونها ضد هذا النوع من التنظيمات؛ لتعزيز مواقف الحكومات المرتدة أمامها في المفاوضات، ولإجبارها على التنازل عن كثير من مطالبها وعدم رفع سقف تلك المطالب، ومن ثم تقديم أدلة وبراهين على التزامها بالتحول الجذري -في توجهاتها العقدية والعسكرية والتنظيمية- المحدد من قِبَل الصليبيين وحلفائهم في المنطقة، وذلك قبل المضيّ قدما في إدماجها في مسارات التسوية؛ حيث ترى هذه القوى أن الجماعات ذات التوجه "المحلي" يمكن احتواؤها إذا تم فصل العناصر "الأجنبية" عنها وتخلّيها عنهم.

ورغم كون الحركات المسلحة في عموم شمال مالي تدعم وتؤيد تنظيم القاعدة في حربه ضد أجناد الخلافة، وتؤيد فتح باب التفاوض بين قاعدة الردة وحكومة مالي المرتدة، وعناصر القاعدة -أيضًا- يؤيدون تنظيمهم في المسعى ذاته؛ إلا أن المعطيات العسكرية في الميدان تبقى تتحكم فيمن يُقَدِّم التنازلات أكثر، ويبدو أن ذلك سيأخذ وقتًا من الشد والجذب قبل أن يبرز إلى العلن بشكله النهائي وفق المقاربات الأمنية للحكومة الجزائرية التي تعوّل عليها فرنسا وأنظمة المنطقة؛ للعب الدور المهم والراعي لهذا التحول الذي سيسلكه تنظيم القاعدة بشكل جلي، كون الجزائر ستكون حاضنة المشروع والراعية له ضمانًا لمصالحها "الجيوسياسية" تمامًا، كما لعبت بعض دول الخليج نفس الدور في رعاية مشروع المفاوضات مع طالبان الردّة.

ما رسالتكم إلى المسلمين في منطقة الصحراء الكبرى والساحل وما جاورها عامة، وإلى أجناد الدّولة الإسلاميّة في ولاية غرب إفريقية خاصة؟

لقد حمل المجاهدون سلاحهم في سبيل الله للدفاع عن المسلمين وعن دينهم أمام ظلم أعداء الدين، والذين ما فتئوا يسعون لتضليل المسلمين وحرفهم عن عقيدتهم؛ فنقول: لا تلتفتوا إلى ما يروّجه المرتدون وأسيادهم من كذب وافتراء على إخوانكم المجاهدين في أجناد الخلافة، لتخويفكم وإبعادكم عن نصرة الحق وأهله؛ فجنود الخلافة لا يقاتلون إلا مَن حادّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وحارب الإسلام والمسلمين.

أما أنتم يا أجناد الدولة الإسلامية؛ فنوصيكم بالصبر والثبات، والسمع والطاعة لأمرائكم والاعتصام بالوحدة، فأنتم والله على الحقّ -نحسبكم والله حسيبكم-، فَذُبُّوا عن دولتكم، واثأروا لدماء إخوانكم.

وما رسالتكم إلى أفراد الطوائف المرتدّة في منطقة الصحراء الكبرى والساحل؛ سواء المنضمون إلى الحكومات المرتدّة وأحزابها، أو المنضمون إلى تنظيم "القاعدة" المرتد والجماعات المرتبطة به؟

نقول لهم: توبوا إلى ربكم، وعودوا إلى دينكم؛ فقد حاربتم هذا الدين وأهله سنين طويلة إرضاء لأهوائكم وأسيادكم الصليبيين الحاقدين، وما زال سوق الجهاد قائمًا بفضل الله تعالى لم يوقفه مكركم، ولم توقفه ولن توقفه جحافل جيوش أسيادكم الصليبيين، فتوبوا قبل أن نقدر عليكم فتطير رؤوسكم بأسيافنا؛ فلقد أعددنا لكم أجيالًا تحبُّ الموت في سبيل الله تعالى كما تحبون أنتم الحياة، وإنّ غدًا لناظره لقريب.

وأما رسالتنا إلى جنود قاعدة الردة؛ فنقول لهم: لقد مضت الشهور على بدء غدرتكم ولم تحققوا ما كنتم تصبون إليه، وكشف الله خبيئتكم، وبان عوار منهجكم وضلال أمرائكم، وانحراف تنظيمكم، فماذا تنتظرون؟! عودوا إلى ربكم ودينكم قبل أن تلقوا هلاككم فتخسروا دينكم ودنياكم وآخرتكم، وإن توبتكم وهدايتكم أحبّ إلينا من قتالكم.

هذا وصلّ اللهم وسلم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله ربّ العالمين.

  1. حوار مع المسؤول العسكري في البادية (العدد 349)

الخميس 29 ذو الحجة 1443هـ

المسؤول العسكري للمجاهدين في (البادية) في حوار خاص مع (النبأ): "مجاهدونا تكيّفوا مع بوادي الإيمان، ونجحوا في استنزاف العدو وأفشلوا حملاته، وما نُخفيه أكبر مما نعلن عنه".



بداية: لو تعطون المسلمين نبذة تعريفية موجزة بمناطق البادية وتضاريسها، وما هي الجهات والأطراف المنخرطة في الحرب ضد المجاهدين فيها؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

تمتد البادية عبر مساحات شاسعة في مناطق حمص وتدمر وحماة، وبوادي الخير والرقة وغيرها، وتتنوع الطبيعة الجغرافية للبادية من منطقة لأخرى؛ فمنها ما هو صحراء قاحلة وكثبان رملية، ومنها ما هو سهول منبسطة مكشوفة، ومنها التلال التي تنحدر أسفلها الوديان، وهناك الجبال الوعرة والمرتفعات الصعبة، وتشترك جميعها في نفس البيئة المناخية القاسية والتضاريس الوعرة.

أما بالنسبة للجهات المنخرطة في قتال المجاهدين في البادية؛ فتشمل كُلًّا من: الجيش النصيري المرتد وميليشياته الرديفة على اختلاف مسمياتها، وأشقاها ما يسمى بـ (لواء القدس)، كذلك القوات الروسية الصليبية، والميليشيات الإيرانية الرافضية، بالإضافة إلى تشكيلات أخرى من الميليشيات المحلية القبلية؛ كمقاتلي الشرقية وغيرهم.

ذكرتم في حديثكم الطبيعة الجغرافية الوعرة للبادية؛ فكيف تأقلمَ جنود الخلافة مع تلك البيئة القاسية؟ وما هي أحوالهم في تلك المفاوز والقفار؟

بفضل الله تعالى؛ ثبت جنود الخلافة في البادية ثبات الأبطال، وكانوا بحق جبالًا فوق الجبال، ورغم صعوبة العيش هنا تحت لهيب الشمس في الرمضاء، وشدة البرد والثلوج في الشتاء: إلا أنهم استطاعوا التأقلم مع طبيعة الصحراء؛ فانتشروا عبر مساحات واسعة فيها، وأحسنوا التكيّف مع ظروفها المختلفة حرصًا على استمرارية الجهاد، متوكلين على الله وحده، متبرّئين مِن حولهم وقوتهم إلى حوله وقوته سبحانه.

ولمن يسأل عن أحوالهم: فهم والحمد لله يتقلبون في نعم الله التي لا تنضب، محتسبين كل ما يلاقونه من شدائد وصعاب في سبيل مولاهم، ولقد علم أسد البوادي وكماة الصحاري أنهم يحملون رسالة نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- في هذا الزمان، وأنّ على عاتقهم أمانة عظيمة تتمثل بإقامة حكم الله تعالى في أرضه؛ ولذا فهم يستسهلون الصعب ويستعذبون العذاب في سبيل أداء هذه الأمانة العظيمة التي حملوها طاعة لله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهم موقنون بوعد الله لهم، وأنه سبحانه منجز وعده وناصر عباده ولو بعد حين.

كيف يقضي المجاهد حياته اليومية في البادية؟ وما هي البرامج المُعَدَّة له لاستغلال وقته هناك على مدار الساعة؟

يقضي المجاهد حياته اليومية في البادية متنقّلًا بين الإعداد الإيماني والإعداد البدني والعسكري، فهو يتنقل من عبادة إلى عبادة ولله الحمد؛ فمن الرباط على الثغور تربُّصًا بأعداء الله، إلى معاونة المجاهدين في قضاء حوائجهم اليومية، إلى إعداد العدة العسكرية؛ عبر المشاركة بمهام التفخيخ وصناعة العبوات والأحزمة الناسفة، إلى عمليات الرصد لتحركات العدو، ومن الغزوات والصولات على دوريات وأرتال النصيرية وحلفائهم، إلى المشاركة في صدّ الحملات وإفشال التوغلات.

ومع هذا كله ولله الحمد والفضل: لا تكاد تجد جمعًا من المجاهدين في البادية إلا وتُقام فيهم مجالس الذكر وحلق العلم، وحفظ القرآن والحديث، فرغم ضيق الوقت وكثرة التكاليف وشدة الحال: إلا أنهم لا يُفَوِّتون على أنفسهم رياض الجنة وميراث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ينقطعون عن إقامة الدروس وحِلق العلم بسبب انشغالهم بالمعارك والقتال والإعداد العسكري والرباط على نقاط التماس مع العدو، إلا أنهم قد ملؤوا أوقات رباطهم وجهادهم عبادة وذكرًا وتلاوة لكتاب الله تعالى، ونُصحًا لإخوانهم وأمرائهم، وتواصيًا بالحق والصبر، فيجمعون بين أعظم العبادات وأجلّ القربات، في أشرف المواطن تحت بارقة السيوف ورحى المعمعات، فأي خير أعظم من هذا؟ نسأله تعالى ألا يحرمنا وإيّاكم وسائر المسلمين هذه الأجور.

كيف يبدو عليه الوضع العسكري والميداني للمجاهدين بعد سنوات على اشتعال الجهاد في البادية؟ وما أنواع العمليات التي يشنها المجاهدون ضد العدو هناك؟

بخصوص الوضع العسكري والميداني: فبفضل الله وحده باتت مناطق شاسعة من البادية ساقطة أمنيًّا بأيدي المجاهدين؛ يهاجمون فيها العدو في الوقت الذي يحدّدون، والطريقة التي يريدون، ولله الحمد أولًا وأخيرًا، أما بالنسبة لطبيعة العمليات التي يشنّها المجاهدون: فإنها تتنوّع بين الكمائن المحكمة والإغارات المسلحة على أرتال وقطعان العدو السائبة في الصحراء، خصوصًا حافلات نقل الجنود، والصولات الخاطفة والجريئة على نقاطه وتمركزاته العسكرية، وأيضًا سلاح العبوات الناسفة الذي له دور كبير في استهداف دوريات العدو المحمولة والراجلة.

ومن أبرز أساليب العمليات أيضًا: شنّ هجمات متزامنة ضد أهداف العدو، عبر مساحات واسعة ومترامية الأطراف؛ بهدف تشتيت قوات العدو واستنزاف مقدّراته العسكرية واللوجستية عبر بوادي عدة مناطق، وهو ما ساهم بشكل كبير في ضرب الروح المعنوية لجنود العدو الذين أرهقهم الاستنفار الدائم، والانتشار عبر مساحات شاسعة للبحث عن مجاميع المجاهدين التي تضرب وتختفي بشكل سريع.

إلى جانب عمليات الرصد المضاد والاستطلاع المسبق لتحركات العدو، والتي ساهمت في الإطاحة بقادة وضباط بارزين من القوات الروسية والجيش النصيري، بالإضافة إلى العمليات الأمنية التي تستهدف الجواسيس الذين يحاولون تتبع آثار المجاهدين، إلى غيرها من الأساليب والتكتيكات العسكرية التي تناسب الميدان.

نسمع كثيرًا عن هجمات كبيرة وإبادة أرتال للمرتدين في البادية؛ فما صحة هذه الأخبار؟ وما هي رسالتكم لفرسان البلاغ فيما يتعلّق بتلقّي الأخبار والتعاطي معها؟

نعم صحيح؛ بفضل الله تعالى تحدث إبادة لأرتال الجيش والميليشيات النصيرية، لكن أيضًا توجد مبالغة في كثير من الأخبار المزيّفة التي يتعمّد إعلام الصحوات المرتدين نشرها في أوقات معيّنة ولأهداف خبيثة ممنهجة؛ منها: تسعير الحملات على المجاهدين في البادية، واستجلاب الدعم الصليبي، إلى غيرها من الأهداف الخبيثة.

ولذا نوصي إخواننا المناصرين فرسان الإعلام: أن يتنبّهوا لهذه الأساليب والمآرب الخبيثة، وألا يدفعهم ترقُّبُهم لأخبار المجاهدين إلى التعاطي مع كل خبر ينشره إعلام العدو عن البادية، وأن يكتفوا بما يتم الإعلان عنه رسميًّا في إعلام الدولة الإسلامية -أعزّها الله-؛ فهو خاضع لسياسة النشر التي تخضع لتقديرات أمنية وعسكرية معيّنة، وكل ذلك يندرج ضمن الحرب الإعلامية المستعرة التي لا تقلّ خطورة عن الحرب العسكرية التي يخوضها إخوانهم المجاهدون على الأرض؛ لذلك يقع على عاتق إخواننا فرسان البلاغ مسؤولية عظيمة في هذا الميدان المبارك، فليكونوا على قدرها، رفع الله قدرهم وكتب أجرهم.

وبهذه المناسبة: نعلن أن جنود الخلافة قد نفّذوا أكثر من 20 هجومًا خلال أربعة أشهر من هذا العام في (جمادى الآخرة) و(شعبان) و(ذو القعدة) و(ذو الحجة)، خلّفت نحو 90 قتيلًا وجريحًا من الجيش النصيري والميليشيات الرافضية، وأسفرت عن تدمير وإعطاب 15 آلية متنوعة، وتوزّعت على مناطق: (السخنة) في بادية حمص، و(سلمية) في بادية حماة، و(الدوير) و(الشولا) و(الكشمة) في بادية الخير.

30 قتيلًا وجريحًا من الجيش النصيري

وكان أبرزها: هجوم مزدوج شنّه جنود الخلافة في يوم الأحد (3/شعبان)؛ عبر تفجير عبوة ناسفة كبيرة الحجم على حافلة نقلٍ للجيش النصيري، شرق محطة (T3) جنوبي مدينة (السخنة) في بادية حمص، تلاه استهداف الحافلة بالأسلحة الثقيلة، ما أسفر عن تدميرها وسقوط نحو 30 قتيلًا وجريحًا بينهم ضباط، ولله الحمد.

25 قتيلًا وجريحًا من الميليشيات

وهجوم آخر شنّه المجاهدون في يوم الخميس (2/ذو القعدة)؛ حيث نصبوا كمينًا لحافلة نقلٍ للميليشيات الرافضية المرتدة، قرب منطقة (الشولا) في بادية الخير، واستهدفوها بالأسلحة المتنوعة، ما أدى لإعطابها ومقتل وإصابة نحو 25 رافضيًّا كان فيها، ولله الحمد.

ونؤكّد مجددًا على أنّ ما يتكتّم عليه المجاهدون في البادية أكبر مما يُعلنون عنه، وإنّ تأخُّر الإعلان عن بعض العمليات، أو نشرها مِن عدمه، أو نشرها مع التكتم على بعض تفاصيلها: كل ذلك يخضع لسياسة النشر التي أسلفنا الحديث عنها، والحمد لله.

أطلق العدو عشرات الحملات العسكرية ضد المجاهدين في البادية؛ فما نتيجتها؟ وما ردكم على إعلانات روسيا المتكررة قتل مئات المجاهدين خلال هذه الحملات؟

أطلق الكفار حملات كثيرة ضد المجاهدين في البادية، وبرغم ضخامة وشراسة هذه الحملات، وكثرة أعداد المشاركين فيها، واستعانتهم بميليشيات العشائر مؤخَّرًا لِسَدّ النقص الحاصل، ناهيك عن القوات الروسية التي تشارك بحدّها وحديدها وطائراتها، واتباعهم أسلوب القصف الهمجي الكثيف لتهيئة الأرض لقواتهم للتقدم نحو مواقع المجاهدين؛ إلا أن أكثر هذه الحملات باءت بالفشل، بفضل الله تعالى ومعيّته لعباده المجاهدين الذين لم تزدهم هذه الحملات إلا إصرارًا على مواصلة الطريق.

أما بالنسبة لما يُشِيعُه الروس حول مقتل مئات المجاهدين خلال هذه الحملات؛ فشأنهم في ذلك شأن سائر الجيوش الكافرة التي لا حدّ لكذب بياناتهم وتصريحاتهم فيما يتعلق بحربهم ضد جنود الخلافة؛ فهم إذا قتلوا مجاهدًا أعلنوا قتل المئات! وإذا استهدفوا آلية أو قصفوا نقطة للمجاهدين: قالوا: دمّرنا عشرات الآليات والمقرّات! وما الجيش الرافضي والمصري عنهم ببعيد.

يُلاحَظ اعتماد العدو بشكل كبير مؤخَّرًا على الحملات الجوية؛ فما تفسيركم لذلك؟ وكيف استطاع المجاهدون مواصلة العمل تحت سماء مليئة بالطائرات؟

في الآونة الأخيرة: أصبح العدو يطلق طائراته المسيّرة بشكل متواصل في أجواء البادية، ويرسل الطائرات المروحية والحربية للتمشيط وشنّ غارات عشوائية في أطراف البادية؛ وذلك بهدف تقييد المجاهدين والحدّ من تحركاتهم، إلا أن المجاهدين استطاعوا -بفضل الله تعالى- التكيّف مع هذا الوضع والتخفي عن طائرات العدو، بل والتحرّك تحتها في كثير من الأحيان، وبرغم اتساع المساحة التي ينتشر فيها المجاهدون في البادية: إلا أنهم نجحوا في تمويه مواقعهم من رصد المسيّرات التي صارت تغدو خائبة وتروح خائبة، وكل ذلك بفضل الله وتوفيقه، ثم بفعل الخبرة الميدانية التي اكتسبها المجاهدون في التعامل مع هذه الطائرات، طيلة السنوات الماضية.

هل نجح المجاهدون في البادية في حرب الاستنزاف التي أعلنوها ضد قوات العدو، وفق الخطة التي رسموها والأهداف التي وضعوها؟

نعم؛ بفضل الله وحده نجحت خطة المجاهدين في تحقيق أهدافها في استنزاف وإنهاك جيوش الكفر والردة في عموم البادية، ولا أدَلّ على ذلك من استمرار الهجمات والتفجيرات والكمائن والصولات التي كبّدتهم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وليس آخرها الهجوم الموثّق على حافلة للجيش النصيري في بادية الخير الجنوبية.

وضمن حرب الاستنزاف أيضًا: كثّف المجاهدون استهداف صهاريج النفط التابعة لميليشيا المرتد "القاطرجي"، والتي تنقل النفط لمناطق سيطرة النظام النصيري، كما واصلوا هجماتهم ضد الشاحنات والقوافل التجارية للنصيرية، وإلى غيرها من أساليب حرب الاستنزاف التي يطوّرها المجاهدون، ويزيدون قائمة أهدافها يومًا بعد يوم.

ومما فاقم استنزاف العدو اقتصاديًّا وعسكريًّا: التكلفة المادية الكبيرة لحملات القصف الجوي العشوائي على البادية؛ فقد أصبحت هذه الحملات المتواصلة مصدر استنزاف كبير ومستمر لهذه القوات والجيوش مجتمعة، وهذا من تدبير الله تعالى لعباده.

ختامًا: يتابع كثير من المسلمين في العالم بشغف صولات وبطولات المجاهدين في البادية، وكلهم أمل للحاق بكم ومشاركتكم جهادكم؛ فما نصيحتكم لهم؟

لا شك أن الجهاد في سبيل الله من أعظم القربات، وأرفع مراتب العبودية لرب العالمين، وقد بيّن الله تعالى ذلك في كثير من المواطن في كتابه العزيز، وجاءت أحاديث كثيرة في ذلك بلغت مبلغ التواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كيف لا؟ وهو التجارة الرابحة التي دلّ الله عليها عباده المؤمنين؛ فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [سورة الصف].

نعم؛ إنها التجارة الحقيقية المُنجية التي لا تبور، وهي مُحصّلة للمقصود ومزيلة للمحذور، خير من تجارة الدنيا والكدّ لها، تجارة مع الله تعالى مَن اشتغل بها، ولم ينقض أو ينكث عهده مع ربه: آتاه الله أجرًا كبيرًا، ونال فوزًا عظيمًا.

وإنّا لَنعلم أنّ الكثير مِن إخواننا المسلمين تتوق نفوسهم إلى اللحاق بإخوانهم في بوادي العزة والإيمان بولاية الشام، ولكن حال بينهم وبيننا الطريق والله المستعان؛ فنقول لمن كان هذا حاله: يعلم الله كم نحبّ أن تشاركونا أجر الجهاد والرباط في بوادي الشام المباركة، ولئن حال بينكم وبين النفير إلينا ما قد حال: فدونكم باقي ولايات الدولة الإسلامية -أعزّها الله-، فإنْ تعذّر عليكم ذلك أيضًا: فأعلنوا سوق الجهاد في بلدانكم، وشمّروا عن سواعدكم، وقدّموا لدينكم ما في وسعكم؛ فإنّ دواعي الجهاد الشرعية اليوم موجودة في كل بلاد المسلمين، فكلها يرزح تحت نير حكم الطواغيت المبدّلين للشريعة الموالين لليهود والنصارى، فكونوا أنتم منطلق الشرارة، وكونوا أنتم اللبنة الأولى فيها، والأسوة الحسنة لمن بعدكم، فأشعلوا جذوة الجهاد في سبيل الله حيث كنتم، وعسى الله أن يأتينا بكم، أو تصل طلائع الدولة الإسلامية إليكم، وما ذلك على الله بعزيز، ولا تنسوا إخوانكم من الدعاء، والحمد لله رب العالمين.















لا تنسوا إخوانكم من الدعاء