صحيفة النبأ العدد 489

هناك فرق بين إقامة الصلاة والزكاة وبين السماح بها، فهذه الأنظمة الطاغوتية لا تقيم الصلاة ولا الزكاة كما يدعي الجهلة، بل هي تسمح بها وتعطي حق الخيرة في ذلك، قال تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم).

من ارشيف الجهاد في الجزائر:
قصة شهيد من شهداء الجزائر: ابو عبيدة (عمي عمار)
كم يعجز القلم ان يسطر كلمات لتخليد ذكرى رجال الاطهار ٫ ومجاهدين اخيار افتقدناهم على حين غرة …ابطال اخفياء تركوا بصمات نيرة وأثارا عطرة تشهد لهم انهم اقدموا حينما احجم الناس .. وصبروا والموت يرقص لهم في كل منعطف .. وثبتوا رغم استعار اتون المحنة واشتداد عواصف الابتلاء ..
من هذا العقد الفريد .. ومن تلك القافلة الراحلة نتناول في هذا المقال احد فرسان الجهاد الذي فجع المجاهدين عند سماع خبر استشهاده وافتقدوه .. لا لأنه قائد بارز من قادتهم ٫ بل لأنه شيخ مسن أحبه كل من عرفه وأثنى عليه كل من خالطه ٫ الا وهو الشيخ الشهيد: ابو عبيدة عمي عمار .
ابو عبيدة هو من الشيوخ المسنين الذين لم يستهوهم سيل الاعذار التي تعلق بها المخلفون من الاعراب ٫ كان بأمكانه ان يكذب على نفسه ويقنعها بأن الرأس أشتعل شيبا وأن الشباب قد ولى وأن الجسد قد هرم ونخرته الاورام ولكنه سمع قوله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) فما تردد ولاتلعثم .. وماجادل ولا جمجم ..
كان رحمه الله من القلة النادرة من الابطال الذين جمعوا بين شرفين : شرف الجهاد ضد الفرنسيين ايام الاحتلال الفرنسي للجزائر وشرف جهاد احفادهم من المرتدين ممن يسمونهم تدليسا وكذبا ” حكام الجزائر ” .
بدأ مسيرته الجهادية منذ ريعان شبابه ٫ إبان الثورة الجزائرية حيث التحق بصفوف جيش التحرير وكان يومها مجاهدا في كتائب البطل الشهيد الشهير ” سي لخضر” رحمه الله ٫ الذي اذاق الفرنسيين الويلات وكبدهم خسائر جسيمة .. وقد شارك عمي عمار بنفسه في احد الغزوات التي نفذها ” سي لخضر” لقافلة من الجيش الصليبي الفرنسي في جبل بوزڨزة حيث كبدوا العلوج خسائر في الارواح والعتاد وغنموا اسلحة كثيرة وذخائر .
لم تدم فرحة المسلمين في الجزائر كثيرا بالإستقلال الموهوم المزعوم حتى اعاد التاريخ نفسه وانطلق الجهاد في الجزائر لإخراج ابناء فرنسا … لم يتردد عمي عمار كثيرا وألتحق بالمجاهدين عن عمر يناهز 57 سنة .. خرج من بيته مهاجرا في سبيل الله وطلق الدنيا وترك أهله وأبناءه ليقاتل أعداء الله من أبناء فرنسا وينصر دين الله الذي أستباحوه ٫ وكيف لايقاتلهم وهو يرى بأم عينيه مبادئ الشهداء وقد بدلت ٫ وسجل الخيانة والردة يزداد يوما بعد يوم ٫ و فرنسا التي قاتلها من قبل هو وأخوانه هاهي تخرج من الباب وتدخل أبناءها وأوليائها من النافذة ليكرسوا الإحتلال الجديد .
وقد هال عمي عمار أن يحارب المسلمون في بلادهم لإجل كلمة ” لاإله إلا الله” وهاله ما رأى من قتل وتشريد وسجن للمسلمين فقرر ان يعيد حمل السلاح من جديد لأن الاستقلال الموهوم هو أكذوبة وزيف ما لبث أن أنكشفت بشاعته .
لم يكتف عمي عمار بجهاده بنفسه ٫ بل كان من صدقه وحبه للجهاد ان حرض ابنه الصغير وألحقه بالجهاد ٫ فكان أبنه الشاب ” عبيدة ” رفيقا له في درب العزة إلى ان سقط شهيدا ” تقبله الله ” وأبتلي عمي عمار بفقدان فلذة كبده صيف 2004 م وقال يومها :” الحمد لله أنه قتل في سبيل الله ولم يرتد عن دينه ” وصبر وأحتسب ..
ولم يترك الطواغيت عائلة عمي عمار وشأنهم طوال سنين جهاده .. بل أوذي أهله وأبنائه من طرفهم اشد الأيذاء ٫ فحاصروهم وقطعوا عنهم لقمة العيش وتحرشوا بهم وكان عمي عمار كلما بلغته تلك الأخبار المؤلمة يشكوا همه وحزنه الى الله تعالى و يقول ” حسبنا الله و نعم الوكيل ”
من الصفات البارزة التي أتسم بها الشيخ ابو عبيدة حبه للقتال وتحريضه المستمر للمجاهدين وكان دائما يحرص على القتال في الصفوف الأولى حيث أنه في احدى الغزوات بعد ان كلفه القائد العسكري بأن يبقى مع زمرة الأسناد لسد احد الطرق التي قد يتدخل منها العدو ٫ فراجعه عمي عمار وقال له : لما لم تضعني في زمرة الأقتحام ٫ فبين له القائد إن هذا العمل أستثنائي و يتطلب السرعة والخفة الفائقة وأنت شيخ كبير فأقنعه بصعوبة .
ومما تميز به فقيدنا ايضا حرصه على اتباع السنة وطلب العلم وكانت همته في ذلك همة الشباب .. وقد عودي على لحيته يوم كان في بيته من طرف كثير من الناس فصبر على ذلك حتى ألتحق بالجهاد فأرخى لحيته وخضبها بالحناء وبقى بها إلى أن وافته المنية
وبعد عشرة سنين بحلوها ومرها .. وأفراحها وأتراحها عاشها عمي عمار مابين كر وفر ومطاردة مستمرة من طواغيت الردة .. ظل طيلتها صابرا مرابطا ومتنقلا بين معسكرات المجاهدين ٫ ناصحا ومربيا لهم و محرضا اياهم … هاهو وبعد تلك المسيرة الطويلة من العطاء والجهاد يترجل الفارس المسن عن عمر يناهز 70 سنة هاهو يلقى المنية بين إخوانه من المجاهدين على قمة من قمم جبال الجزائر الأبية .
ثبت رحمه الله على طريق الجهاد وكان من آخر كلماته تقبله الله كلمة بسيطة وجهها للأمة فقال:” الجهاد ايها الناس لايستلزم الموت ٫ فكثير هم الذين يتهربون من الجهاد ثم يلقون حتفهم في حوادث المرور او بالأمراض والأوبئة او بالزلازل و مشابه ذلك ”
وستبقى جبال بوزڨزة وخميس الخشنة وتابلاط التي اغبرت بها قدماك عشر سنوات تحن إليك وتشهد عليك يوم القيامة فرحمك الله ياعمي عمار وتقبلك في العليين وأدخلك جنة الفردوس بأذن الله ( نحسبه والله حسيبه)